نختتم سنتنا السادسة عشرة بمثل ما افتتحنا به من حمد الله على كل حال، والصلاة والسلام على سيدنا محمد والصحب والآل، وقد وقع ما كنا في تلك الفاتحة توقعناه وظهرت بوادر ما كنا نخشاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما لي وقد أنذرت وبينت إلا أن أقول كما قال يعقوب نبي الله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (يوسف: ٨٦) . إن غفلة هذه الأمة عن نفسها، وتَمَارِيها بالنُّذُر الخاصة بأمر هلاكها بزوال استقلالها، لم يدع لنا مجالاً للتنبيه على تقصير المقصرين منها في حقوق المنار، والنسبة في ذلك بين الأصناف والأجناس والأقطار، كما كنا نفعل في خواتيم السنين بقصد الموعظة والاعتبار، وإنما يتعظ ويعتبر من لا يعقل أن قيامه بحقوق أبناء جنسه، هو عين إقامته وحفظه لحقوق نفسه، {َمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (يونس: ١٠١) . * * * الانتقاد على المنار ندعو القراء على رأس كل سنة إلى انتقاد ما يرونه منتقدًا في المنار، ونذكر في خاتمة السنة جملة ما ورد علينا من الانتقاد، ونبين رأينا فيما لم نكن بيناه من قبل، ولم ينتقد أحد علينا في هذه السنة شيئًا إلا عبارة في مقالة من مقالات الدكتور محمد توفيق صدقي في الطعن في الأوربيين، أنكرها بعض الحكام قولا لا كتابة. وهي - وإن كان مثلها لا ينكر في أوربة نفسها - وما كان ينكر في مصر قبل هذه الأيام، ليست مما أرضى بمثلها للمنار ولو رأيتها قبل الطبع لأصلحتها، وقد طبع في هذه السنة عدة نُبَذ من رد الدكتور على النصارى لم أرها قبل الطبع ولم أصحح فيها شيئًا، ولا عهدت إليه بتصحيح شيء منها، وقد جرى هذا خلاف عادتي لكثرة الشواغل، وانتقد بعض أهل البحرين الإجابة عن أسئلة من سأل منهم عن حكم مناسك الحج ولم ينكروا الإجابة نفسها، ووجه إنكارهم أن السائل معترض على الإسلام لا مستفيد وإذا صح هذا تكون إجابته أولى كما سنوضحه في الجزء الآتي إن شاء الله تعالى. وقد منعت الحكومة العثمانية دخول المنار إلى ولاياتها في أثناء هذه السنة ثم أذنت بدخوله فلهذا لم تصل بعض الأجزاء إلى المشتركين في وقتها، ولمن لم يصل إليه شيء أن يطلبه، وإن فات الوقت المحدد في نظام الإدارة لطلب الأجزاء المفقودة. ونسأل الله تعالى أن يوفق أمتنا، لما يرفع مقته وغضبه عنا، فطوبى للمعتبرين المشمرين، وويل للغافلين المصرين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.