للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تبرج النساء وأنصار الحجاب

كتبنا في الجزء الثالث نبذة في الشكوى من تبرج النساء بمصر حثثنا فيها
أنصار الحجاب على إعمال أقلامهم في الانتقاد على هذا التبرج القبيح الذي يتبرأ
منه الدين والأدب، ولا ترضاه المدنية الأوربية التي أسرفت في إطلاق العنان
للنساء إسرافها المعروف؛ إذ صارت حال نسائنا المسلمات في الأسواق والشوارع
أبعد عن الصيانة والأدب من حال نساء الإفرنج، كانت حملتنا شديدة على حملة الأقلام
الذين أنكروا على الأقوال في المسألة، وسكتوا عن الأفعال التي يشاهدونها حيثما
توجهوا، وغرضنا بذلك حفز الهمم لانتقاد التبرج في الصحف المنشرة،
وإزعاجها إلى تسفيه الرجال الذين يسمحون لنسائهم بهذا التهتك.
ندبنا أولئك الكاتبين فلم ينتدب منهم أحد للكتابة في انتقاد الفعل، ولكن وجد
ممن كان أَلَّفَ في المسألة من انتقد علينا القول، وله وجه من حيث إن عبارتنا توهم
أننا لا نعتقد بإخلاص أحد ممن كتب وألف ولا غيرته، وإننا نرفع هذا الوهم
بالتصريح كما رفعناه آنفًا بالتلميح؛ إذ قلنا: إن الغرض من القول: الحفز والإزعاج
إلى الانتقاد فنقول: إننا نعتقد إخلاص بعض الكاتبين حتى المختلفين فيما كتبوا ولكن
المخلص في تفنيد قول يراه خطأ لا يسلم من تبعة التقصير في انتقاد الأفعال الخاطئة
إذا كان غيورًا مخلصًا، وإننا لم يتمثل لنا عند كتابة تلك النبذة إلا الذين ذكرنا أنهم
سودوا وجوه الصحف في الإنكار على طالب تخفيف الحجاب وعنينا بالصحف
الجرائد اتباعًا للعرف ولم نقصد واحدًا معينًا منهم.
وإننا لا نزال نبدئ القول ونعيده في المسألة معتقدين أن حملة الجرائد على هذا
التبرج وتشنيعها على الرجال الذين يمكنون نساءهم منه ويرضون لهن به يفيد فائدة عظيمة، وأن سكوت الكتَّاب عنه ينافي الغيرة، وأن أولى الكتَّاب بهذا الانتقاد المرة
بعد المرة هم الذين فاضت بكلامهم أنهار الجرائد ردًّا على كتاب تحرير المرأة
وكتاب المرأة الجديدة، وأنهم إذا استمروا على سكوتهم كان قولنا الذي قصدنا به
المبالغة في حثهم غير مبالغ فيه، وإذا كان لبعضهم مانع من الكتابة اليوم فلا يصح
أن تغلبهم الموانع في سائر الأيام.