للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة
المَلَكانِ ومسائل عبد الله بن سلام
(س ١) ا. ز. ع بالسويس: سأل عبد الله بن سلام النبي صلى الله عليه
وسلم قبل إسلامه وكان اسمه أشماويل ألفًا وأربعمائة مسألة وأربع مسائل من
غوامض التوراة، أذكر منها سؤالاً نصه: (أخبرْني أين مقعد الملكين من العبد وما
قلمهما وما لوحهما ومدادهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: مقعدهما بين كتفيه،
وقلمهما لسانه، ودواتهما ريقه، ولوحهما فؤاده، يكتبان أعماله إلى مماته. فقال
صدقت يا محمد) إلخ.
وقرأت حديثًا في مجلة مكارم الأخلاق الإسلامية أُتِيَ به لسؤال عنوانه
(القضاء والقدر) وهذا معناه: (كل يوم ينزل على العبد مَلَكان مع كل منهما
صحيفتان إحداهما بيضاء والأخرى مكتوب فيها أعمال العبد من حسنات وسيئات،
فيكتبان في الصحيفتين البيضاويتين ما عمله طول يومه، حتى إذا انتهى النهار طالع
الملكان الصحيفتين اللتين كتباهما على الأُخْرَيَيْنِ فيجدانهما مثل بعضهما حرفًا
بحرف) إلخ، فهذان الحديثان ينافي أحدهما الآخر ففي الأول أن لوحهما فؤاد العبد
وفي الثاني أنه صحيفتان ينزلان بهما فالرجاء الإفادة هُديتم للهدى.
(ج) كل من الحديثين غير صحيح، ولا يجوز لكم أن تأخذوا بحديث
ترونه في كتاب أو مجلة أو جريدة، إلا إذا كان موصولاً بذكر من خرجه من أئمة
الحديث، حتى تسهل مراجعته، ومعرفة صحته من عدمها إن لم يذكر مخرجه ذلك
ولم يكن في الصحيحين، وهذه القصة المؤلفة في مسائل عبد الله بن سلام المذكورة
في جريدة العجائب - جعبة الكذب - قصة موضوعة الذي في صحيح البخاري أن
عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث، عن أول الساعة،
وعن الولد ينزع لأبيه وأمه، والرواية هكذا في غير البخاري، وفي كتب
السير، قالوا وكان اسم ابن سلام الحصين فلما أسلم سمّاه رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم (عبد الله) .
***
ما رُؤِيَ في الإسراء
مستقر الأرواح. عذاب القبر
(س٢) منصور أفندي رفعت بمصر، ماذا رأى نبينا محمد في ليلة
الإسراء؟
(ج) {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} (النجم: ١٨) .
***
(س٣) ومنه: أين تستقر أرواحنا بعد الممات؟
(ج) لم يرد في هذا نص صريح قطعي، والعلماء مختلفون فيه، والراجح
عندنا اتباع طريقة السلف في تفويض الأمر لله تعالى في الأمور الغيبية، وعدم
البحث فيها. وحَسْبنا أن ما ورد جائز عقلاً وقد أخبر به المعصوم.
***
(س٤) ومنه: ما هو عذاب القبر المنصوص عليه وهل هو عذاب
مستمر أو وقتي وهل يقع على الروح فقط أو الجسم فقط أو هما الاثنين؟
(ج) الإحساس بالألم أو اللذة من شأن الأحياء، والجسد لا حياة له إلا
بالروح، فإذا كانت الروح في الجسد وصل إليها الألم بواسطته، يصح أن يقال إن
هذا الألم ألمَّ بالروح والجسد، وإن كان الشعور للروح وحدها، وإذا كان الروح
خلقًا مستقلاً مدركًا كما نعتقد، فلا شك أنه يجوز أن يدركه الألم في حال تجرده،
كما كان يدركه في حال تقيده بالجسد؛ فعلم بهذا أن قول العلماء: إن عذاب القبر -
أي الألم الذي ينزل بالإنسان بعد الموت وإن لم يقبر- يكون على الروح والجسد:
يتضمن القول بأنه يبقى للروح بعد الموت علاقة، واتصال بمادة الجسد الذي كانت
فيه وإن تفرقت هذه المادة وانحلت إلى أجسام كثيفة وغازات لطيفة، ويستلزم هذا
القول أحد أمرين: إما عدم فناء مادة الجسم، وإما انقطاع العذاب بفنائها،
والمشهور عن المتكلمين الأشاعرة أن الجسم ينعدم على الراجح كما قال اللقاني:
وقلْ يعاد الجسم بالتحقيق ... عن عَدَم وقِيلَ عن تفريق
والقول بالتفريق - أي بعدم تلاشي مادة الجسم - هو الراجح عند متكلمي
المعتزلة وبعض الأشاعرة، وهو الموافق لرأي الفلاسفة القائلين باستحالة العدم،
والراجح عندنا ما قلناه في جواب السؤال السابق من تفويض أمر عالم الغيب إلى
عالم الغيب سبحانه وتعالى.
***
تأثير العين
(س٥) أحمد أفندي كمال الكاتب بمحكمة شبين الكوم.
جاء في القرآن الكريم وغيره من كتب الشرائع والديانات وكذا الأمثال قديمة
وحديثة ما أثبت وبرهن على وجود العين الحاسدة، وتأثيرها في المحسود فأرجو
بيان حقيقة تلك المؤثرات التي تخرج من العينين أو القلب، وكيفية تأثيرها في
المحسود من جماد ونبات وإنسان بطريقة شرعية.
(ج) ليس في القرآن الكريم ما يثبت العين، ولكن ذكر المفسرون مسألة
العين وجهًا في تفسير قوله تعالى {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا
سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} (القلم: ٥١) والمعنى المتبادر أنهم كانوا
ينظرون إليه نظر الغيظ والحنق، وفي آية أخرى في المنافقين {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ
نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ} (محمد: ٢٠) .
قد ورد في حديث الشيخين وغيرهما (العين حق) أي أمر ثابت عند الناس وواقع فيهم، ولم يرد في بيان كيفية تأثير العين شيء في الشرع، وإنما ورد ما يدل
على أنها تؤثر ولا حاجة في فهم هذا التأثير إلى أكثر من المعرف المشهور، فإن
لبعض الناس استعدادًا نفسيًّا قويًّا في التأثير. ولبعضهم مثله في التأثُّر، ومن ذلك
صناعة التنويم المغناطيسي المعروفة عند الغربيين، وانتقال مطلق التأثير من
نفس إلى نفس معهود في جميع الناس أو أكثرهم فقلَّ مَنْ ينظر صاحب تأثُّر شديد
بحزن أو خوف إلا ويجد في نفسه أثرًا من ذلك.
***
المسألة المأمونية
(س٦) شيخ العرب إبراهيم جلبي بالسعدين: نرجو من سيادتكم أن تفيدونا
عن المسألة المأمونية التي سأل الخليفة المأمون يحيى بن أكثم عنها حين ولاه
القضاء ما هي وما جوابها.
(ج) المسألة المأمونية مسألة في الفرائض، وهي: أبوان وابنتان لم تقسم
التركة حتى ماتت إحدى البنتين، وتركت من في المسألة، وقد سأل المأمون عنها
يحيى عندما وُصف له، وأراد توليته القضاء فقال: يا أمير المؤمنين الميت الأول
رجل أم امرأة؟
فعلم المأمون من هذا السؤال أنه قد فهم المسألة؛ لأن الإشكال فيها كان إبهام
الميت الأول الذي مات عن أبوين وبنتين، وبيان الجواب: أن الميت الأول إذا
كان رجلاً تصح المسألتان من أربعة وخمسين، وإن كانت امرأة لم يرث الجَدّ في
الثانية فتصح المسألتان من ثمانية عشر.