للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قليل من الحقائق عن تركيا
في عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

(تابع مالية الدولة)
لما كان المُطَّلع على الجداول المتقدمة يمكنه أن يقتنع بما جاء فيها، فالنتيجة
العامة لأعمال سنة ١٨٩٣م المتداخلة في سنة ١٨٩٤م هي أحسن وأدل على التقدم
من نتائج أعمال السنين المتقدمة.
قد نشر أخيرًا تقريرالموسيو فنسان كيارد عن الدَّين الأهلي العثماني في سنة
١٨٩٣م المتداخلة في ١٨٩٤م، وهو يحتوي كالعادة على بيان مفيد لحالة دَين
المملكة العثمانية.
قال الموسيو فنسان كيارد في هذا التقرير: لا شك في أني أؤمل أن الإيرادات
المتنازل عنها للدائنين يمكن أن تزيد في كل سنة زيادة مهمة، كالتي تكلمت عنها في
تقريري عن أعمال السنة الماضية، وأن التقدم لم تظهر بعد علائمه كما ظهرت في
السنة المذكورة، إلا أن الأمور يظهر أنها ستجري في نفس مجراها.
قد زادت جملة الإيرادات إلى أن بلغت ٢٥٤٢٧٣٥ جنيهًا مجيديًّا، يقابلها في
السنة الماضية ٣٥٠٨٧٦٠ جنيهًا مجيديًّا، أو ١.٣٥ في المائة، لكن من جهة
أخرى قد زادت المصاريف مبلغ ٣٠٣٣٢ جنيهًا مجيديًّا عنها في السنة الماضية،
وكان من ذلك أن صافي الإيراد لم تكن زيادته إلا مبلغ ٣٦٤٣ جنيهًا مجيديًّا، فإذا
قورنت سنة ١٨٩٣م المتداخلة في سنة ١٨٩٤م بسنة ١٨٩٢م المتداخلة في سنة
١٨٩٣م وجد أن زيادة الإيرادات في الأولى عن الثانية هي ١١٠٦٣١ جنيهًا مجيديًّا
أو ٥.٣٨ في المائة.
السبب الأول في زيادة المصاريف هو زيادة أجر العمال، وهذه طريقة
اختارتها إدارة مصلحة الديون؛ لتكفل بها لنفسها الحصول على عمال أكفاء خبيرين
بالأعمال، فزيد في عدد المفتشين، وكانت نتائج ذلك حسنة، وسيكون أثر هذه
الإصلاحات أظهر في نهاية السنة الحالية.
لاحظ المسيو فنسان كيارد أيضًا من جهة أخرى أن تحصيل الإيرادات كان
يجري مع صعوبات عظيمة بسبب قلة الحاصلات الزراعية جدًّا، وانحطاط أثمانها
في جميع الجهات، ولكنه يفتكر أن المبلغ المتحصل لا بد أن يكون وافيًا بالمطلوب
وأردف هذا بقوله بعد في هذا الموضوع (سيتضح لك أن إيرادات سنة ١٨٩٣م
المتداخلة في سنة ١٨٩٤م أحسن من إيرادات السنة الماضية، نعم إنك لا تسر كثيرًا
في هذا الموضوع؛ لأن انحطاط أسعار الحبوب قد ثبَّط همم المزارعين، وقلل
موارد أرزاقهم، وهذه المصيبة أصيب بها أمة زراعية بطبعها، وهي الأمة التركية،
ولا يبرح عن ذهنك أيضًا الحجر الصحي الذي خرب آسيا الصغرى بسبب وجود
الكوليرا بها، وحينئذ ففي سنة لم تساعد فيها الظروف كهذه قد ظهر من أوائلها أن
الإيرادات حفظت نسبتها، مع أن الأحوال في هذه السنة كانت أبعد من أن تكون
أحسن منها في السنة الماضية، بل كانت أسوأ، لكني أظن من العبث أن نؤمل
استمرار زيادة الإيرادات، وإذا جرينا على ما جرينا عليه في السنة الماضية كانت
النتيجة راضية) .
وإليك عبارة الموسيو فنسان كيارد في تقريره عن مسألة المال الاحتياطي
بزيادة ربح الدَّين العمومي قال: إن المال الاحتياطي يصل في نهاية سنة ١٨٩٣م-
١٨٩٤م إلى مبلغ ٢٢٤٨٩٣ جنيهًا مجيديًّا، وسيصل في مارس سنة ١٨٩٣ما
إلى مبلغ٣٣٧٠٠٠ جنيه مجيدي، فالآن إن أريد أن يدفع لمصلحة الدين مسانهة ربع
الاحتياطي زيادة عما يدفع لها اقتضى ذلك وجود مبلغ ٢٩٢٧٠٠ جنيه مجيدي،
وحينئذ يكون الدفع ممكنًا، ولكن لا يستنتج من ذلك إمكان حصوله عاجلاً؛ فإن
المادتين ١٠، ١١ من الأمر العالي المكرم يظهر من فحواهما أن سعر الربح يلزم أن
يقرر قانونًا، وهذا هو السبب في إيجاد المال الاحتياطي، لم يكن ليتأتى
لواضعي هذا الأمر أن يطلعوا على الغيب فيعرفوا ما يتعاور أسعار الربح من
التغير، وما ينتج من ذلك من التشويش المشكل في إنقاذ مشروع الاستهلاك، ربما
أنهم كانوا يقصدون أن أسعار الربح إذا زادت تبقى على هذه الزيادة، ولكي يقدموا
لمجلس إدارة الديون الطريقة الكافلة لتحقيق هذا النتيجة منحوه الحق في إيجاد مبلغ احتياطي يمكن أن يؤخذ منه من المال حسب مقتضيات الأحوال ما يكمل به النقص من أحد نصفي السنة إلى نصفها الآخر، ومع ذلك فها هي عبارة موسيو فنسان كيارد في إبداء رأيه الذي هو متمسك به من غير شك، كما قال في صحيفة ١٧ من تقريره، قال هذا السيد:
(هذه المجازفة دون جميع المجازفات يظهر أنها أحسن تدبير في الأمور
المالية، ولا يمكنني مع هذا أن أنكر أن نص الأمر العالي فيه دليل معقول جدًّا
لأولئك الذين يريدون أن يدفعوا فورًا واحدًا في المائة من الربح الذي هو أربعة في
المائة، وقد دفعه أكثرهم حتى حصل من المال الاحتياطي المبلغ اللازم، ولم يعد ثَم
حاجة إلى البحث في أن سعر الربح يمكن أن يبقى على الدوام محفوظًا من التغيير، أو لا يمكن) اهـ.
(للرسالة بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))