(نهج البلاغة) هذا الكتاب أشهر من نارعلى علم؛ فهو غني عن التعريف به والتنويه بفائدته، في تقويم النفس بالحكمة والتقوى، وتقويم اللسان بالبلاغة والفصاحة، وقد كان كنزًا مخفيًّا في بلادنا السورية والمصرية؛ بل كان أهل السنة محرومين من فائدته، وكادت الشيعة تفضلهم في البلاغة بمدارسته، حتى شرحه الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى - فانتشر بذلك واشتهر، حتى طبع بشرحه عدة مرات في سورية ومصر، وكانت الطبعة الاولى أصح تلك الطبعات، ويتفاوت ما بعدها في كثرة الغلط وقلته. وقد طبع في العام الماضي في مطبعة الحلبي الشهيرة مع شرح وجيز للشيخ محمد حسن نائل المرصفي مدرس البيان بمدرسة (الفرير) الكلية، فأما الشارح فأديب، ولكل مجتهد نصيب. وأما الأصل فيمتاز في هذه الطبعة بالشكل الكامل وهي مزية، يعرف قيمتها من علم أنه يقل في أكثر قراء العربية من يحسن قراءة مثل هذا الكتاب قراءة صحيحة، إذا لم يكن مضبوطًا، وناهيك بشدة حاجة طلاب العلوم الذين يستعينون به على ملكة البلاغة مثل هذا الضبط، ولهذا يرجى أن ينتفع بهذه الطبعة ما لا ينتفع به في غيرها. * * * (نهج البردة ووضح النهج) نظم أحمد شوقي بك (شاعر الحضرة الفخيمة الخديوية) قصيدة عارض بها بردة البوصيري الشهيرة، وجعلها تذكارًا لحج الأمير الحاج عباس حلمي الثاني إلى بيت الله الحرام في عام ١٣٢٧، وقد عني شيخ الجامع الأزهر (الشيخ سليم البشري) بشرح القصيدة؛ عناية بنشر مديح الممدوح الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؛ وعناية بما جعلت تذكارًا له من حج الأمير المعظم، على حين ترك ملوك المسلمين وأمراؤهم هذا الركن الديني المحتم، ثم عناية بالناظم نابغة الشعراء في مصر، ولك أن تقول نابغتهم في هذا العصر، وقد طبعت القصيدة مع شرحها في كتاب وضع له فاتحة في الشعر وضروبه محمد بك المويلحي نابغة الكتاب في هذا القطر، فتم بذلك التناسب ومراعاة النظير بالجمع بين كلام أشهر العلماء والشعراء والكُتاب، وإنها مزية قلما تجتمع في كتاب، وهاك نموذجًا من دراري القصيدة: أخوك عيسى دعا ميتًا فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم والجهل موت فإن أوتيت معجزة ... فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا ... لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم جهل وتضليل أحلام وسفسطة ... فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم لما أتى لك عفوًا كل ذي حسب ... تكفل السيف بالجهال والعمم [١] والشر إن تلقه بالخير ضقت به ... ذرعًا وإن تلقه بالشر ينحسم [٢] سل المسيحية السمحاء كم شربت ... بالصاب من شهوات الظالم الغلم [٣] طريدة الشرك يؤذيها ويوسعها ... في كل حين قتالاً ساطع الحدم [٤] ولولا حماة لها هبوا لنصرتها ... بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم [٥] إلى أن قال: علمتهم كل شيء يجهلون به ... حتى القتال وما فيه من الذمم دعوتهم لجهاد فيه سؤددهم ... والحرب أس نظام الكون والأمم لولاه لم نر للدولات في زمن ... ما طال من عمد أو قرّ من دعم تلك الشواهد تترى كل آونة ... في الأعصر الغر لا في الأعصر الدهم بالأمس مالت عروش واعتلت سرور ... لولا القنابل لم تسلم ولم تصم أشياع عيسى أعدوا كل قاصمة ... ولم نعد سوى حالات منقصم هذا ما قاله في مسألة عصرية أي: من المسائل التي يكثر البحث فيها في هذا العصر، وكنت أود لو كانت القصيدة كلهاعلى هذا النسق، ولكن أكثرها على الطريقة القديمة في المدح، وقال في وصف الشريعة ما أجاد فيه وأفاد: شريعة لك فجرت العقول بها ... عن زاخر بصنوف العلم ملتطم يلوح حول سنا التوحيد جوهرها ... كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم سمحاء حامت عليها أنفس ونهى ... ومن يجد سلسلاً من حكمة يحم نور السبيل يساس العالمون بها ... تكفلت بشباب الدهر والهرم يجري الزمان وأحكام الزمان على ... حكم لها نافذ في الخلق مرتسم لما اعتلت دولة الإسلام واتسعت ... مشت ممالكه في نورها التمم وعلمت أمة بالقفر نازلة ... رعي القياصر بين الشاء والنعم كم شيد المصلحون العاملون بها ... في الشرق والغرب ملكًا باذخ العظم للعلم والعدل والتمدين ما عزموا ... من الأمور وما شهدوا من الحزم سرعان ما فتحوا الدنيا لملتهم ... وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم [٦] ساروا عليها هداة الناس فهي بهم ... إلى الفلاح طريق واضح العظم لا يهدم الدهر ركناً شاد عدلهم ... وحائط البغي إن تلمسه ينهدم نالوا السعادة في الدارين واجتمعوا ... على عميم من الرضوان مقتسم دع عنك روما وآثينا وما حوتا ... كل اليواقيت في بغداد والتوم [٧] وخل كسرى وإيوانًا يدلّ به ... هوى على أثر النيران والأيم [٨] واترك رعمسيس إن الملك مظهره ... في نهضة العدل لا في نهضة الهرم دار الشرائع روما كلما ذكرت ... دار السلام لها ألقت يد السلم ما ضارعتها بيانًا عند ملتأم ... ولا حكتها قضاء عند مختصم ولا احتوت في طراز من قياصرها ... على رشيد ومأمون ومعتصم من الذين إذا سارت كتابئهم ... تصرفوا بحدود الأرض والتخم ويجلسون إلى علم ومعرفة ... فلا يدانون في عقل ولا فهم يطأطئ العلماء الهام إن نسبوا ... من هيبة العلم لا من هيبة الحكم ويمطرون فما بالأرض من محل ... ولا بمن بات فوق الأرض من عدم خلائف الله جلوا عن موازنة ... فلا تقيسنّ أملاك الورى بهم من في البرية كالفاروق معدلة ... وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم وكالإمام إذا ما فض مزدحمًا ... بمدمع في مآقي القوم مزدحم [٩] الزاخر العذب في علم وفي أدب ... والناصر الندب في حرب وفي سلم هذا نموذج من أكرم درر القصيدة وأضوأ دررايها. وأما الشرح فأسلوبه أدبي لا علمي أزهري، ولكل مقام مقال، وهاك نموذجًا من أفضل ما فيه وأنفعه، قال الأستاذ في شرح بيت: (أشياع عيسى أعدوا كل قاصمة) ما نصه: عمد الشاعر في هذا البيت إلى المقارنة بين أهل الديانة المسيحية وأهل الديانة الإسلامية: فذكر أن المتشيعين اليوم إلى الدين المسيحي (دين الهدو والسلام) هم أهل القوة الحربية الدائبون على إعداد المهلكات الصاعقات في الحروب، حتى كأنهم ولم يبق لهم في شغل يشغلهم إلا استخراج الذهب من بطون الأرض وإنفاقه على مصانع الحديد والفولاذ؛ لطبع آلات الحرب في بطون الأرض وعرض البحر، وقد أفتنوا في أسباب الهلاك والتدمير، ولم يكفهم أن يدمدموا على الناس ويأخذوهم بالبلاء عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن خلفهم ومن تحت أرجلهم، حتى قامواعلى تسخير الرياح ليرموهم من فوق رؤوسهم بكل دهياء صيلم، على حين أن أهل الديانة الإسلامية الذين يتهمهم الظالمون بحب الفتح والجهاد، ويشغون سمعتهم بحب الطعن والجلاد، والولوغ في دماء العباد، هم اليوم أهل السكينة والسلام، وهيهات أن يدانوا المسيحية في المباراة بحب الفتوح والحروب، أو يشاكلوهم في ادخار آلات الحرب واستنباط معدات الكفاح. وقال في شرح بيت (واترك رعمسيس إن الملك مظهره) : يقول: ما كان لقدماء المصريين أن يفاخروا بمدينتهم التي أسمى مظاهرها هو هذا البنيان السامق، على حين أمسى أكبر الأدلة على ظلمهم وجبروتهم، وأي مدنية هذه التي تزين لرجل واحد أن يسوق من رعيته مئة ألف رجل أو يزيدون، فيحملهم الأثقال، ويسخرهم في مشاق الأعمال، حتى إذا ما دقت أعناقهم، واختلفت أضلاعهم، وفتت سواعدهم، التقط غيرهم من أمته التي أوشكت أن تفنيها ثلاثون سنة على هذه الحال بلا أجر ولا جزاء؛ كل ذلك ليبني قبرًا لنفسه يطاول كيوان، وتبلى دونه الأزمان. ليس هذا بمظهر التمدن، إنما مظهره العدل الذي تصلح به أحوال الرعية، وتستقيم به أمروهم، فتنهض بهم الدولة ويعلو شأن الأمة، والعدل أساس الملك. * * * (لباب الخيار في سيرة المختار) مختصر وجيز في السيرة النبوية للشيخ مصطفي الغلاييني صاحب مجلة النبراس ومعلم المكتب السلطاني ببيروت، سبق لنا تقريظ الطبعة الأولى منه، وقد أعيد طبعه في العام الماضي بعد أن زيد في فوائده، وقد ختمه بطائفة من حكم الأحاديث النبوية مرتبةعلى حروف المعجم لتحفظ، وشرحها في ذيول الصفحات، وكنا وددنا لو أشار إلى مخرجيها أيضًا. وصفحات الكتاب ١٣٦، وثمنه قرشان صحيحان، فنحث الجمهورعلى قراءته، ولا سيما للنساء في البيوت، والأولاد في المدارس الابتدائية. * * * (الدورس العربية) (وهي سلسلة كتب في الصرف والنحو وفنون البلاغة والإنشاء وقرض الشعر والأدبيات واللغة، تأليف الشيخ مصطفي الغلاييني) أيضًا. وقد رتبه على الطريقة الحديثة السهلة في التعليم، فقسمه إلى دروس صغيرة، لكل درس منها أمثلة وتمرين وأسئلة، وطبع جزء منه طبعًا جميلاً، وقد قرأنا في جرائد بيروت؛ أن نظارة المعارف في الآستانة قررت تدريس هذا الكتاب في مدارسها رسميًّا، فنهنئ صديقنا المؤلف بذلك. * * * (الجاذبية وتعليلها) خلق الشيخ جميل صدقي أفندي الزهاوي الأديب البغدادي المشهور مستعدًّا للفلسفة والعلوم الكونية، ميالاً إليها، فقرأ من كتبها المترجمة بالعربية والتركية ما شاء الله أن يقرأ، استفاد من مجلة المقتطف ما شاء الله أن يستفيد، ولو تلقى هذه العلوم في أوربة وعاش مع أهلها العاملين، لكان من المكتشفين والمخترعين، وقد أهدانا كتابًا له سماه (الجاذبية وتعليلها) يؤيد رأينا هذا في استعداده، فقد خالف فيه إجماع علماء العصر في الجاذبية العامة، وبحث فيه في المادة وقواها بحث المستقل الفهم، فذهب إلى أن علة وقوع الأجسام على الأرض مثلاً؛ هو قوة الدفع من جوانب السماء لا قوة الجذب من مركز الأرض كما يثبتون، وقد طبع الكتاب ببغداد، ويباع بمطبعة الآداب فيها وثمنه ثلاثة قروش. * * * (ديوان السيد حسن القاياتي) صدر الجزء الأول من هذا الديوان، وقد ذكر ناظمه في مقدمته أنه ليس معجبًا بنفسه وشعره كما يعجب الشبان، ولكنه سمع الناس (يستحبون أن يعرض المرء ببنات فكره، وهواجس صدره، ثم يتسمع فينظر أيسمع استحسانًا وشكرًا أو استهجانًا ونكراً، فإن كانت الأولى أقدم ثم أقدم، وإن كانت الثانية أحجم ثم أحجم) ونحن نقول: إن من كان هذا غرضه لا ينبغي له أن يحجم عن شيء يستهجن منه؛ لأنه وهو يقدر الانتقاد قدره، ويرى أن يكمل نفسه به، لا يلبث أن يتقي ما ينتقد، حتى يبلغ الغاية من استحسان الناس لما يجيء منه بعد، ولا سيما إذا لم يغره الاستحسان، ولو وجعل المحسن والمسيء ممن لا يصانعون سواء، بعد هذا قرأت أبياتًا متفرقه من الديوان، فصادفت رشاقة في الأسلوب، وروحًا مؤثرة في الكلام، فعسى أن تكون سائر أجزاء الديوان أرقى في معراج الكمال. * * * (شعراء العصر) شرع أحد محبي الأدب والأدباء محمد صبري افندي من نابتة مصر المهذبة في جمع مختارات شعراء هذا العصر في ديوان واحد يصدره جزءًا بعد جزء، ويجمع إلى مختار كل شاعر منهم ترجمة وجيزة له ويطبع معها صورته ليجمع للقارئ بين صورة النفس وصورة الجسم، وقد صدر الجزء الأول وفيه مختارات من شعر البارودي وشوقي وحافظ ونسيم وبطرس كرامة وحفني ناصف وخليل مطران وعائشة اليتمورية والأخرس وعبد الله فكري والبكري ومصطفى نجيب ومصطفى صادق الرافعي والمنفلوطي وعبد الحميد المصري وفؤاد الخطيب وولي الدين يكن. وفيه صور أكثر هؤلاء الشعراء المشهورين فعسى أن يروج هذا الجزء، فيبتعث همة جامعه إلى تمام الكتاب، وثمن النسخة منه ستة قروش صحيحة. * * * (ديوان نفحات الربيع) صدر الجزء الأول من هذا الديوان لناظمه مرسي أفندي شاكر الطنطاوي وقد أهداه إلى محمد أمين بك واصف مدير القليوبية، ووضع صورة المهدى إليه في أوله، ويليها مقدمة طويلة في الشعر والشعراء، وهو يفضل غيره من الدواوين بكونه ديوان معان أدبية اجتماعية، لا ديوان مدائح ومراثي شخصية، ولو كثر الشعراء المجيدون عندنا في هذه المعاني لكان الشعراء أفعل في تربية الأمة من أصحاب الجرائد أو مثلهم في تأثيرهم. * * * (الإحصاء السنوي العام للقطر المصري سنة ١٩١٠) أهدتنا إدارة عموم الإحصاء في نظارة المالية كتابها الثاني في الإحصاء العام عن السنة الشمسية الماضية، وهو مفصل إلى ١٧ فصلاً في المسائل الآتية: (١) تربة مصر ومناخها (٢) الأرصاد الجوية (٣) تعداد السكان (٤) الصحة العمومية (٥) المدارس (٦) القضاء (٧) السجون (٨) سكك حديد الحكومة (٩) تلغرافات الحكومة (١٠) البوسطة (١١) الملاحة والتجارة (١٢) نتيجة استثمار قنال السويس (١٣) التجارة مع البلدان الأجنبية (١٤) الزراعة (١٥) مالية الحكومة (١٦) الدين العمومي (١٧) العملة والموازين والمكاييل والمقاييس، فنشكر لهذه الإدارة عنايتها، ونحث الأمة على الاستفادة من هذا الكتاب، فإن الإحصاء الرسمي أصدق أصول التاريخ، وينبوع علمي الاجتماع والعمران، وصفحات الكتاب ٣٤٨ من القطع الكبير العريض، وثمن النسخة غير المجلدة منه ٢٠ والمجلدة ٢٥ قرشًا.