للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


زيارة زعماء الهند لمصر

ابتهجت مصر في صيف هذا العام بزيارة بعض أكابر زعماء الهند لها، كما
ابتهجت في الشتاء الماضي بإلمام وفد الهند الحجازي بها، وأسفت لعدم تمكنه من
إطالة المقام فيها، وكان لصاحب هذه المجلة الحظ الأوفر من تلك الإلمامة، تمتع
فيها بلقاء صديقه العلامة السيد سليمان الندوي ورفيقيه الكريمين مولانا الشيخ عبد
الماجد العبدايوني والشيخ عبد القادر القصور.
وأما ضيوفها في هذا الصيف فهم الحكيم محمد أجمل خان الدهلوي الملقب
بمسيح الملك، والنواب أمير الدين حاكم ولاية لاري المستقلة في إدارتها،
والدكتور أحمد مختار الأنصاري، وكانوا قد سافروا من الهند إلى أوربة، ثم
افترقوا فيها؛ فجاء الحكيم محمد أجمل خان والنواب أمير الدين بمصر فأقاما فيها
أيامًا، ثم سافر النواب إلى الهند، والحكيم إلى سورية الجنوبية (فلسطين) ،
فالشمالية، فأقام فيها مدة متنقلاً بين مدنها وفي بعض قرى جبل لبنان ذات الهواء
النقي والماء العذب الصافي، وأما الدكتور أحمد مختار الأنصاري فذهب من أوربة
إلى بلاد الترك، ومنها إلى سورية، فمصر، فالهند، وبعد سفره من مصر عاد
إليها الحكيم محمد أجمل خان، فأقام فيها بضعة أيام ثم عاد إلى الهند.
وقد رحبت مصر بهؤلاء الضيوف الكرام، والزعماء الأعلام، ولا سيما
الجماعات والأحزاب التي تخدم الشرق والإسلام، وفي مقدمة المرحبين المرجبين
مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ورئيس المعاهد الدينية ومجلس إدارة
مؤتمر الخلافة العام، ومولانا الأستاذ العلامة مفتي الديار المصرية، والأستاذ
العلامة الشيخ حسين والي السكرتير العام للأزهر والمعاهد الدينية ولمؤتمر الخلافة،
وغيرهم من كبار العلماء الأعلام، ويلي جماعة العلماء جمعية الرابطة الشرقية،
فقد قام رئيسها صاحب السماحة السيد عبد الحميد البكري الصديقي (شيخ مشايخ
الصوفية) ، ووكيلها صاحب السعادة أحمد شفيق باشا بما يجب من الحفاوة والإكرام،
ومن الأحزاب السياسية الحزب الوطني، وهو الحزب المصري الذي يعنى بشؤون
العالم الإسلامي، ولا سيما مسلمي الهند دون غيره من الأحزاب المصرية.
كل جماعة من هذه الجماعات قد رحبت بالزعماء الكرام، وأقام كبراؤها لهم
المآدب الحافلة، ودارت بينهم المحاورات في شؤون الإسلام والمسلمين، ومسألة
الخلافة، وغير ذلك من المسائل الدينية والسياسية والاجتماعية، وكذلك كان
شأن هؤلاء الزعماء المخلصين في سائر البلاد الإسلامية التي زاروها في هذه
الرحلة المباركة: أي البحث مع العقلاء من رجال الدين والمتمرسين بالسياسة في حاضر الإسلام ومستقبله.
وأهم المسائل التي كانت موضوع أبحاث الزعماء مسألة استقلال جزيرة
العرب، وحفظها من كل نفوذ أجنبي ولا سيما الحجاز، ومسألة الخلافة، ومسألة
فشو الإلحاد بين النابتة الإسلامية المتفرنجة، ومسألة تغلب العصبية الجنسية على
الوحدة الإسلامية.
وقد كان لكاتب هذه السطور شرف تعريف العلماء وغيرهم بمكانتهم، وحظ
خاص من لقائهم، والبحث معهم والتكريم لهم لأسباب:
(أحدها) : العلاقة القديمة الراسخة بينه وبين مسلمي الهند عامة، والصداقة
الشخصية بينه وبين بعض الزعماء (ولا سيما الحكيم محمد أجمل خان) ، تلك
العلاقة التي كانت سبب دعوة جمعية ندوة العلماء إيانا سنة ١٣٢ هـ ١٩١٢م،
إلى تولي الصدارة والرياسة لمؤتمر الندوة العام.
(وثانيها) : أنه منذ بضع وعشرين سنة يبحث في هذه المسائل التي اشتد
اهتمام زعماء مسلمي الهند بها في هذه الأيام، وله فيها المقالات والمباحث الكثيرة
في ١٦ مجلدًا من المنار، وكان لهذه المباحث شأن عند الزعماء وجمهور المفكرين
في الهند نشكره لهم، وله مؤلف مستقل، في مسألة الخلافة قد وعى كل ما يحتاج
المسلمون إليه في أمرها وكل ما يتعلق به.
(وثالثها) : أنه في مصر عضو عامل في الجماعات التي تشتغل بهذه
المباحث الإسلامية: كمؤتمر الخلافة، وجمعية الرابطة الشرقية وغيرهما، أقول:
فلهذه الأسباب كان حظي من لقاء الزعماء مما أشكره لهما أمام قراء المنار في العالم
كله، وإن كنت مع هذا قد عاتبتهم بإدلال المحبة على قلة حظي منهم، وأقنعتهم
بمقتضى المصلحة بالحاجة إلى زمن أوسع لتفصيل بعض المسائل لهم وتمحيصها
معهم.