جاءنا من بعض المشتغلين بعلم الأدب في الجامع الأزهر تحت هذا العنوان ما يأتي: حضرة مولانا الأستاذ إني إذا كتبت إليك فإنما أهدي لبحرك دُرَّه، ولغيثك قطره، وأقدم لك بعض ما اقتبسته منك، فلو كنتُ خطيب إياد، أو ابن زياد، أو الكاتب الذي تعقد ذؤابة قلمه بالسماك ونجمه، وتسير معانيه كالفلك الدوار بما فيه، وأتيت بما فات الأوائل، ولم تستطعه الأواخر، لقلت: إن لساني في بيانك شحذته، وقلمي من بنانك أخذته، على أنَّا قد آوينا منك إلى ركن شديد، وهيهات أن نستضيء بغير المنار أو نهتدي بغير الرشيد. وتالله إني لا أجد عبارة أصوّر بها ما في القلوب من إطلاعكم الحق مطالعه، وإلزامكم الباطل مضاجعه، وتقدم المنار حتى دخل في السنة الرابعة؛ فإن التصوير شيء ما ألفناه، والتعبير عن الوجدان مثال ما احتذيناه، ومنا من يخال أنه كالمعيدي تسمع به خير من أن تراه. فإذا كان المنار قد حمل إلى الأقطار نفحة سارت بها الرياح، وطلع على أهلها طلوع الصباح، فلينهج لأهل الأزهر منهاجًا في الأدب يسلكونه، وليضع لهم مثالاً في الإصلاح يحتذونه، حتى يكون تصوير الشعور عندنا من الشعائر، ونقتدر على وصف جليات الظواهر وخفيات الضمائر، فنكون من حملة الأقلام، وتؤدي بدايتنا إلى الغاية المطلوبة والسلام. ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد سعيد الرافعي ... (المنار) نشكر للكاتب الأديب حسن ظنه بنا، ولولا شغفنا باشتغال الأزهريين بالكتابة والأدب، واغتباطنا بما نراه من نجابتهم لما خالفنا سنتنا بنشر هذا التقريظ. أما المنهاج الذي أقترحه فأحيله وإخوانه المشتغلين بالأدب على قراءة خطبة أساس البلاغة المنشورة في هذا الجزء، واتباع ما ترشد إليه، وأزيدهم الحث على مطالعة كتاب الأغاني وكتاب نهج البلاغة والجزء الثالث من إحياء علوم الدين، إن لم يطالعوا الكتاب كله، ثم العمل بكتابة المقالات في الموضوعات المختلفة وتعريضها للانتقاد فمن لا يَنتقد ولا يُنتقد، ولا يناظر الفضلاء ويساجل الأدباء، لا يسلم من الخطأ والخطل، ولا يتنبه لتجنب الزيغ والزلل، وإن شئت فقل: لا يكمل له علم ولا عمل، وإننا نقترح عليهم أن يتناظروا في المواضيع الآتية: ١- هل غاية طلب العلم تحصيل ملكة الفهم، أم تحصيل ملكة العلم؟ ٢- فوائد قراءة الحواشي ومضارها. ٣- هل يُطلب من علماء الدين معرفة علوم الكون ولو إلمامًا أم لا؟ ٤- هل يجب على علماء الكلام استبدال الرد على فلاسفة هذا العصر ومبتدعته بالرد على قدماء الفلاسفة والمبتدعة الذين انقرضوا أم لا؟ ٥- هل انتشر الدين الإسلامي بكونه حقًّا يلائم حال البشر أم بالقوة والسيف؟ ٦- هل أفادت الجرائد البلاد العربية أم أضرت بها؟ ٧- هل نفع الشرقيين دخول الأجانب بلاد الشرق أم أضر بها؟ فهذه سبعة مواضيع متى رأينا أقلامهم تجول فيها نقترح عليهم غيرها، والمنار مستعد لنشر مناظراتهم بشرط الاختصار في النبذ، وإن تعددت في موضوع واحد، والنزاهة التامة في التخاطب. (س) من حضرة القانوني البارع صاحب الإمضاء بحروفه: لا أرى ختم الكتابة بحرف أو حرفين من اسم صاحبها لا يُفهم أو لا يُفهمان، ولا أرى لذلك معنًى عامًّا ذا شأن في كل الأحوال، فكثيرًا إن لم يكن في الأغلب يختتم الكاتب كتابته بحرف أو حرفين من اسمه إن لم يبالغ في التستر والتخفي، فلا يرمز حتى ولا بما يعرف بالنقطة. لماذا؟ هذا لا يبغى ولا نريد أن تكون العلة عيبًا في الكتابة لوجه من الوجوه التي ترمي إليها؛ فإن الكاتب لا يقصد لنفسه هذا العيب حتى يضطر إلى التخفي عن معرفة الناس، أو لا يرضاه لنفسه فيعمل، وإن عمل فما أنا بالمعترض عليه هنا لرمزه أو لعدم الرمز مطلقًا، وإنما لكتابته مع ذلك، وإنما الذي أعنيه بإنكاره إخفاء نفسه مطلقًا صاحب الكتابة التي لا عيب فيها مطلقًا، بل التي هي مفيدة، وأوجه الإفادة كثيرة، وهذا هو الأغلب في ما أراه من الكتابات ذات إخفاء الاسم كله، أو إلا ما هو في حكم الكل. هذا تعجب مني، لذلك طلبت إليَّ نفسي مني مرات إظهاره، وعلى لسان مناركم الوضَّاح لأهتدي منه إلى الحقيقة، فلعلي مخطئ إلى أن أنفذت الإرادة هذه المرَّة، وحسبكم اختياري لكم وما أنتم بأولي الحاجة وعليكم السلام في الأول، وفي الختام، ٢٣ فبراير سنة ١٩٠١ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كتبه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... مراد فرج ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المحامي بمصر
جواب المنار من الناس من هو ممنوع من الكتابة في الجرائد كأساتذة المدارس وبعض الموظفين، ومن الناس من لا يحب إظهار اسمه إذا كتب، إما ترفعًا؛ لأن الجرائد لم تزل غير مقدورة قدرها عندنا، وإما خوفًا من الحكم على كلامه بما يعتقد الناس من مشربه؛ لأن الأكثرين يعرفون حق القول وباطله بقائله لا بذاته، ويريد هؤلاء أن يعودوا الناس على خلاف ذلك، ومن هؤلاء من يرمز إلى اسمه بالحروف أو يختار لقبًا مصنوعًا يُعرف بهذا أو ذاك بين خاصته وتلك فائدة خاصة، وللرمز فوائد أخرى عامة منها: عدم اشتباه الكاتبين الذين لا يصرحون بأسمائهم لا سيما إذا تكررت الكتابة في موضوعات مختلفة، ومنها أن يميز الناس بين المقالات فيعرفوا رأي صاحب هذا الرمز من رأي غيره ويعرفوا مقصده وغرضه، فيقبلون عليه أو يعرضون عنه، واعتبر ذلك بمقالات (أسباب ونتائج) ، ومقالات (حكم ومواعظ) التي نشرت في المؤيد من بضع سنين، فقد عُرف صاحبها بسداد الرأي حتى اعتنى الفاضل محمد علي كامل صاحب دار الترقي وبجمعها وطبعها لتعم فائدتها، وإن قيل: إن العناوين في مثل هذا كافية للتمييز ومعرفة وحدة المصدر أو تعدده. فنقول: إن العناوين مباحة لكل أحد، ولا يكاد يتفق كاتبان على رمز واحد لاسمهما، وإن الكاتب الواحد يكتب في مواضيع مختلفة لا يصح أن يلتزم لها عنوانًا واحدًا، ومن الفائدة في الرمز سهولة التعريف عند إرادته، فإذا قلت لك: إن ما كان يكتب في المؤيد منذ سنتين بإمضاء (م ر) هو لي، والمراد بالحرفين محمد رشيد أمكنك أن تتذكرها إن كنت قرأتها، ولا يمكنني أن أعرفها بعناوينها.