للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


جمعية المطالبة بأوقاف الحرمين الشريفين

أُلِّفت في مكة المكرمة جمعية بهذا الاسم، أرسل إلينا رئيسها الأستاذ الشيخ
عبد الله الشيبي النجل الأكبر للشيخ عبد القادر الشيبي حاجب بيت الله الحرام ما
يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم
معدن الفضل، وينبوع الحكمة، فضيلة العالم العلامة، والأستاذ الجليل،
السيد رشيد رضا، كلأته العناية.
تحية من عند الله مباركة طيبة، وبعد فإن لي الشرف الأعظم الأثيل أن أحيط
فضيلتكم علمًا أن الحكومة السنية مدد الله مداها، قد لبت طلب الشعب الحجازي في
تأسيس جمعية يوكل إليها أمر المطالبة بأوقاف الحرمين، وإذ قد اعتُرف رسميًّا
بهذه الجمعية بعد أن بلغت تصديق نظامها الذي اعتزمت السير بمقتضاه نحو الغاية
الجليلة التي أسست من أجلها، أجمع رأي الهيئة الإدارية المدون بمحضرها رقم ٤
وتاريخ ١٦ ذي الحجة ١٣٥٠ على نشر بلاغ بالكيفية، وزف هذه البشرى إلى
فضيلتكم مشفوعة بصورة من البلاغ والنظام المصدق المذكورين طلبًا في نوال
عطف ذوي الفضل والهمم، وأرباب المكارم والشيم أمثالكم، وإعلانًا لحاجة
الجمعية في مظاهرتكم لها في الخطة التي ارتسمتها، وبعيد الشأو الذي نصبته، لا
عدمت الأمة الإسلامية تلك الأنفاس الطاهرة، وذلك القلم السيال بأسمى العواطف
الشريفة وأنبلها، والمتحفز بنقي وجدان، وحساس شعور، وحي ضمير حر عرف ما
له وما عليه.
هذا ولم يفت الجمعية بهذه المناسبة أن تبدي لشخصكم الكريم عظيم شكرها
وخالص امتنانها على تلك النفثات العبقرية التي تضوعت من خلال مقال نُشر لكم
على صفحات صوت الحجاز في موضوع أوقاف الحرمين الشريفين فجاء بالحقيقة
آية استفاضت من علم غزير، ومبدأ جليل، ونظر ثاقب، ورأي صائب، أبدع
أساليب الحكمة، وضروب الحجج الناصعة، في تأييد حق أبلج، أبصرتم بوازع ما
هو مسلم به لكم من غيرة دينية، وحمية إسلامية، وجوب مناصرته، والأخذ
بناصية أهله إلى حيث مبتغاهم في الحصول عليه، جزاكم الله خيرًا، وأكثر للأمة
الإسلامية من هذا المثل، أمثال علم وعمل وصدق وإخلاص.
وإذ تعظم الجمعية لفضيلتكم أيادي أسديتموها، ومننًا أوليتموها، تؤكد
لفضيلتكم بأنها عظيمة الثقة، وطيدة الأمل في أن يكون لها من شخصكم الكريم خير
مستمد روحي، وأمثل ينبوع حكمي، تستنزف من متلاحق فيضه إرشادات قيمة،
وأفكار نيرة، تُسهِّل لها مهمة ما أخذت على عاتقها تذليله من الصعاب، وكؤود
العقبات التي تعترضها في سبيلها تجاه الغاية المرجوة والشأو المبتغى، تولى الله
الجميع بعونه، وعين عنايته وتوفيقاته والسلام. ... ... توقيع
٢٠- ١٢ - ١٣٥٠ ... رئيس الجمعية
* * *
بلاغ من جمعية المطالبة بأوقاف الحرمين الشريفين
غير خافٍ ما لهذه البلاد المقدسة وأهلها في سائر الأوساط الإسلامية كتونس
ومصر وتركيا والعراق والهند وفلسطين وسوريا من أوقاف عظيمة، منها ما
هو للحرمين الشريفين وخدمتهما خاصة، ومنها ما هو لعوائل معلومة، وأشخاص
معروفين من مجاوريهما، لكل وقف شروط معينة، ولوائح مبينة لنوع الوقف
وموقعه وحدوده ومقدار ما يستحقه الحجاز من ريعه السنوي، عكف نظاره على
توفية المستحقين حقوقهم من هذه المحصولات طبق شروط الواقفين؛ ولكن أسبابًا
وعوامل - ذهب المجموع في تعليلها كل مذهب - حالت هذه السنوات الأخيرة عن
انتظام إيصال هذه المبرات الدائمة والحقوق الموروثة إلى أهلها.
ولما لم يعد في قوس صبر الأمة منزع، اعتمدت بعد الله على ما بيدها من
مستندات قيمة وحجج قويمة تؤيدها في مشروع حق لها موروث، وسارعت إلى
تشكيل جمعية تحت عنوان (جمعية المطالبة بأوقاف الحرمين الشريفين) وألقت
على كاهلها مهمة البحث بالطرق الممكنة والمشروعة عن أموال الأوقاف العائدة
للحرمين الشريفين وأهلهما، وحصر جهودها في المطالبة بريعها السنوي، وإيصال
ذلك إلى مستحقيه الأول فالأول، وإذ تعلن الجمعية اعتراف الحكومة السنية
بتأسيسها وتصديقها نظامها الذي اعتزمت السير بمقتضاه نحو الغاية التي أسست من
أجلها، تظهر حاجتها القصوى إلى استعطاف نظر أرباب الغيرة والحمية عليها من
سائر رجالات المسلمين مستحثة - باسم الواجب الديني - هممهم، ومستنهضة
عزيمتهم على مؤازرتها ومناصرتها في كل ما من شأنه يسهِّل لها مهمة القيام بهذا
العمل الجليل، والمشروع الخطير.
ولما كانت المادة التي تحتاج إليها الجمعية لتأمين مصروفاتها في سبيل تحصيل
المعلومات وإرسال الهيئات وتعيين المحامين عند الحاجة واللزوم - إنما هي
منحصرة في تبرعات المحسنين من رجال البر والإحسان في كل صقع من الأصقاع
الإسلامية، وفيما يتكون من بدل اشتراك سنوي زهيد لا يقل عن ريال واحد
مفروض على كل عضو من أعضائها؛ فإن الجمعية تدعو كل من يترتب عليه أداء
هذا الواجب، وبالأخص عموم أفراد الأمة على اختلاف طبقاتها باعتبارهم أعضاء
طبيعيين في هذه الجمعية إلى المبادرة بالقيام بما عليهم من واجبات، أهمها تقديم
بدل الاشتراك المنوه عنه، ومظاهرة الجمعية في كل ما منه تشجيع وتعضيد لها
على تحقيق غاية جليلة، وأمنية مضمونة الحصول والنفع العميم إن شاء الله.
نظام جمعية المطالبة
بأوقاف الحرمين الشريفين
١- تأسس في مكة المكرمة والمدينة المنورة جمعية تسمى (جمعية المطالبة
بحقوق أوقاف الحرمين الشريفين) .
٢- مركز الجمعية في المدينة المنورة يكون مربوطًا بمركز جمعية مكة.
٣- غرض الجمعية خيري محض، ولا تتعاطى السياسة مطلقًا.
٤- تبحث الجمعية بالطرق الممكنة والمشروعة عن أموال الأوقاف العائدة
للحرمين الشريفين وأهلهما في أي جهة كانت.
٥- يجري تنظيم كل ما تتحصل عليه الجمعية من نتيجة درسها ضمن لوائح
تحتوي على نوع الوقف وجهته وغلته والبلدان التي توجد بها أعيان الأوقاف،
والتي تستحصل غلالها منها برسم الخطط القويمة التي يستطاع مع تطبيقها الوصول
إلى الشأو المبتغى.
٦- تقوم الجمعية بحصر جهودها في المطالبة والملاحقة بأموال الأوقاف
وإيصالها إلى مستحقيها بالاشتراك مع مديرية الأوقاف عند التوزيع.
٧- تقوم الجمعية بالمطالبة بحقوق الأوقاف وتثبيتها سواء أكان ذلك عن طريق
المرافعات بما يلزم من تعيين محامين أو إيفاد مندوبين من قبلها أو مخابرات
الجمعيات والهيئات الخيرية في الخارج، أو ما في معنى ذلك.
٨- للجمعية حق تشكيل فروع لها داخل المملكة طبق ما تقتضيه المصلحة
واللزوم.
٩- لعموم الوطنيين حق الانتساب إلى هذه الجمعية والاشتراك فيها بمبلغ لا
يقل عن ريال واحد سنويًّا، كما يجوز لهيئة الجمعية قبول من يتراءى لها مصلحة
في دخوله ممن يعلن الرغبة في الانضمام إلى الجمعية من سائر المسلمين.
١٠- تجتمع الجمعية العمومية لأول مرة برئاسة أكبر الأعضاء سنًّا، وبعد ذلك
برئاسة رئيس الجمعية، أو من ينوب عنه في كل سنة مرة واحدة بمكة المكرمة
والمدينة المنورة في شهر ذي القعدة بدعوة من هيئة الإدارة، أو بطلب عشرة
أعضاء من الهيئة العمومية.
١١- الهيئة العمومية تنتخب من بين أعضائها هيئة إدارية في رأس كل سنة
لتنوب عنها في جميع أعمالها طيلة السنة.
١٢- تنظر الجمعية العمومية في الأعمال الآتية:
أ- الحساب السنوي
ب- الأعمال التي قامت بها الهيئة الإدارية، والتي عُهد إليها أمر القيام بها من
قِبَل الهيئة العمومية.
ج - الاقتراحات المقدمة باسم الجمعية.
١٣- تكون قرارات الجمعية العمومية صحيحة بالأكثرية الحاضرة على أن لا
يقل ذلك عن ثلثي نصابها المؤلفة منه.
نفقات الجمعية ومصاريفها
١٤- الأموال التي تحتاج إليها الجمعية للمصروفات في سبيل تحصيل
المعلومات وإرسال الهيئات، وتقديم المحامين تكون من التبرعات التي يتبرع بها
المحسنون، ومن مجموع بدل الاشتراك المفروض دفعه سنويًّا ومن قبل أعضاء
اللجنة للصندوق طبق المادة (٩) من هذا النظام.
١٥- تُرصد التبرعات والاشتراكات التي تُقدَّم إلى الجمعية في سجل
خاص بها.
١٦- تُصْدِر الجمعية في نهاية كل سنة بيانًا عن عموم الأعمال التي قامت بها
خلال تلك السنة وما دخل وأُنفق فيها.
١٧- تتألف هيئة الإدارة من عشرة أعضاء تنتخبهم الهيئة العمومية، والهيئة
المنتخبة تنتخب من بين أعضائها رئيسًا ونائبًا وسكرتيرًا وأمينًا للصندوق.
١٨- تجتمع الهيئة الإدارية في الأسبوع مرة، ولها أن تقرب أوقات الاجتماع
وموالاته يوميًّا عند الحاجة واللزوم.
١٩- لا تكون قرارات الهيئة الإدارية نافذة المفعول إلا بالأكثرية المطلقة.
٢٠- الهيئة الإدارية تقوم بتنفيذ قرارات الجمعية العمومية وعرض مقرراتها
وأعمالها إلى الجمعية العمومية عند اجتماعها.
٢١- يُعهد بجميع دفاتر الجمعية إلى السكرتير، وذلك فيما عدا دفتر الحساب
الخاص بالدخل والنفقات؛ فإنه يكون من نسختين إحداهما في عهدة أمين الصندوق
والآخر في عهدة رئيس هيئة الإدارة ونائبه، ويكون موقعًا على صحة حسابها من
أكثر الهيئة الإدارية.
٢٢- للجمعية حق مراجعة الدوائر ذات العلاقة فيما تحتاجه من إيضاحات
ومطالعات وغير ذلك، وعلى الدوائر المذكورة أن تبذل منتهى الجهد في مساعدة
هذه الجمعية وتسهيل أمر مهمتها اهـ.
(المنار)
إنه ليسرني تأليف هذه الجمعية، وأعدها بكل ما تكلفني إياه من مساعدة أقدر
عليها، وأحث كل مسلم مخلص لدينه، ومحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
ولجيرانهما في حرميهما على مساعدتها، ولعلي أول من فكر في مسألة البحث عن
أوقاف الحرمين العامة والخاصة بمصارف معينة، والمطالبة بها لأجل إيصال ريعها
إلى مستحقيها، وأول من دعا إلى ذلك السعي بعد استيلاء الملك عبد العزيز
السعودي على الحجاز، وقد كلَّمته بهذا عند وضعي للمباحث التي يجب بحث
المؤتمر الإسلامي العام فيها، وكنت أرى أنه يجب أن يوضع عامئذ مثل ما وضع
في هذا العام من النظام وتأليف اللجان لهذا العمل؛ ولكن المرض الذي كاد يقضي
علي، ثم ما كان من شغب وفد جمعية الخلافة في المؤتمر الذي كاد أن يقضى
عليه والاشتراك في معالجته قد حالا دون هذا وغيره مما كنت عازمًا على السعي
لنهوض المؤتمر به تقريرًا وتنفيذًا.
ثم إنني كنت أناقش هنا كثيرًا من رجال الحكومة المصرية وغيرهم في مسألة
أوقاف الحرمين، وقد ذكرتها في المنار مرارًا آخرها المقالة التي نُشرت في الجزء
الثاني من المنار، وفي جريدة الجهاد المصرية، وجريدة صوت الحجاز المكية
الجديدة [١] ؛ ولكن أبت نشرها جريدة أم القرى الرسمية لحكومة الحجاز، وقد
أرسلت إليها نسخة منها لنشرها.
نعم أُرسلت في بريد معتمد حكومة الحجاز ونجد بمصر إلى وكيل وزارة
الخارجية بمكة المكرمة، فكان من الغريب الذي لا يُعقل أن تأبى هذه الجريدة نشر
هذه المقالة الحكيمة في الحث على القيام بحقوق الحرمين وسكانهما والدفاع عن
حكومتهما، بدلاً من أخبار منشوريا وشنغاي وأمثالها، وكان المنتظر أن تأمر
حكومة الحجاز بترجمة هذه المقالة إلى لغات أكثر الحجاج، وتطبع ألوفًا من أصلها
العربي وتراجمها وتوزعها على الحجاج، ولعل المانع من ذلك اتقاء سخط حكومة
مصر؛ ولكنا عجبنا من قول جلالة الملك في خطبته النفيسة على حجاج هذا العام
إنه لم يدافع عنه أحد من المسلمين فيما يوجه إليه من المطاعن، مع علمنا بكثرة
المدافعين عنه في كل قطر، فهل يُحجب عن جلالته ما ينشر في صحف الآفاق
الإسلامية من ذلك فلا يقرؤه ولا يلخصه له ديوانه حتى هذه المقالة؟