رأيه في التعلم والتعليم بيَّنا كيف تعلم أبو حامد الغزالي حتى صار حجة الإسلام وإمام العلماء الأعلام وهو أنه اجتنب التقليد، وجرى على طريق الاستقلال، وكيف ربى نفسه بالرياضة والعمل، حتى صار شيخ العارفين وصفوة الصديقين، ونقفي على ذلك ببيان رأيه في التعلم والتعليم والعلوم، وتربية النفس، والكمال البشري في الدنيا، باستخلاص ذلك من كتبه، وتقديمه زبدة نقية لطالب الكمال في العلم والمعرفة والعمل والمجاهدة وما يتبع ذلك، حتى كأن المُطَّلع عليه أدرك حجة الإسلام في نهايته، وأخذ عنه صفوة حكمته، وما كان ليتيسر لنا هذا لولا أن سبق لنا مطالعة هذه الكتب من قبل؛ بقصد الاهتداء بها وأخذ الحقائق منها، وقد كنا ذكرنا في المنار أن كتابه إحياء علوم الدين كان أستاذنا الأول، وأننا وفقنا لمطالعته قبل الشروع في طلب العلوم الآلية والشرعية، وبإرشاده كان لهذا العاجز طريقة خاصة في الطلب مقرونة بالنية الصالحة، كان من أثرها ما عبر عنه شيخنا الشيخ حسين الجسر بقوله في ملأ من الناس بدار علي أفندي السمين بطرابلس الشام: إن فلانًا ساوى في سنة واحدة من سبق لهم الاشتغال على سبع سنين من أذكياء الطلاب، والفضل في هذا بعد عناية الله وهدايته لأبي حامد الغزالي، جزاه الله عنا خير الجزاء. وإنما صرحت بهذا؛ ليعلم من يقرأ ترجمة حجة الإسلام في المنار، أنني أجري فيها على بينة وخبرة متمكنة، لا كمن يريد أن يكتب عن عالم أو حكيم، فينظر عند الكتابة إلى بعض ما قيل فيه، وبعض ما يؤثرعنه، فيختطف من ههنا عبارة ومن هناك أثارة، ويجعل ذلك ترجمة. ولترغيب طلاب العلوم لا سيما الأزهريين منهم في التأمل والتبصر فيما نكتب عن هذا الإمام، وتحري الاستفادة منه، ولعل ذلك يكون مشوقًا لهم إلى مطالعة الإحياء وغيره من كتبه. رأي الغزالي فيما يطلب من المتعلم نلخص ما يأتي من كتاب العلم من الإحياء مقرونًا بالعبرة، فقد جاء في الباب الخامس منه في آداب المتعلم والمعلم ما يأتي: أما المتعلم فآدابه ووظائفه [١] كثيرة ولكن ينظم تفاريعها عشر جمل. وظائف طالب العلم وآدابه: (الوظيفة الأولى) تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق، ومذموم الأوصاف؛ إذ العلم عبادة القلب، وصلاة السر، وقربة الباطن إلى الله تعالى، وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث. فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق، وأنجاس الأوصاف. أقول: ثم أطال في هذا، وقد اشترطه مثله صاحب الذريعة إلى مكارم الشريعة لطالب علم الحقائق، فقال: (حق المترشح لتعلم الحقائق أن يراعي ثلاثة أمور: الأول - أن يطهر نفسه من رديء الأخلاق تطهير الأرض للبذر من خبائث النبات، وقد تقدم أن الطاهر لا يسكن إلا بيتًا طاهرًا، وأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب) وقد شرح الغزالي هنا حديث عدم دخول الملائكة بيتًا فيه كلب (وهو في الصحيحين) بطريق الإشارة والاعتبار، فقال: (واعلم أن القلب المشحون بالغضب، والشَّرَه إلى الدنيا والتكلب عليها، والحرص على التمزيق لأعراض الناس - كلب في المعني، وقلب في الصورة، فنور البصيرة يلاحظ المعاني لا الصور، والصور في هذا العالم غالبة على المعاني باطنة فيها، وفي الآخرة تتبع الصور المعاني وتغلب المعاني؛ فلذلك يحشر كل شخص على صورته المعنوية) ، ثم قال: (فإن قلت كم من طالب رديء الأخلاق حصل العلوم، فهيهات ما أبعده عن العلم الحقيقي النافع في الآخرة الجالب للسعادة، فإن من أوائل ذلك العلم أن يُظهر له أن المعاصي سموم قاتلة مهلكة، وهل رأيت من يتناول سمًّا مع علمه بكونه سمًّا قاتلاً؟ إنما الذي تسمعه من المترسمين حديث يلقونه بألسنتهم مرة، ويرددونه بقلوبهم أخرى، وليس ذلك من العلم في شيء. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يقذف في القلب. وقال بعضهم: إنما العلم الخشية لقوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} (فاطر: ٢٨) وكأنه أشار إلى أخص ثمرات العلم. ولذلك قال بعض المحققين معنى قولهم: تعلمنا العلم لغير الله فَأَبَى العلم أن يكون إلا لله، إن العلم أبى وامتنع علينا، فلم تنكشف لنا حقيقته، وإنما حصل لنا حديثه وألفاظه. (فإن قلت: إني أرى جماعة من العلماء الفقهاء المحققين برزوا في الفروع والأصول، وعدوا من جملة الفحول، وأخلاقهم ذميمة لم يتطهروا منها، فيقال: إذا عرفت مراتب العلوم، وعرفت علم الآخرة، استبان لك أن ما اشتغلوا به قليل الغناء من حيث كونه علمًا، وإنما غناؤه من حيث كونه عملاً لله - تعالى -، إذا قصد به التقرب إلى الله - تعالى -، وقد سبقت إلى هذا إشارة، وسيأتي فيه مزيد بيان وإيضاح إن شاء الله - تعالى -) . أقول: المراد بهذه الوظيفة ما نعبر عنه بالتربية النفسية، فمن رأيه أنها مقدمة على التعليم، وأن من يعلم من لم تتهذب أخلاقه كان كمن يقلد الدر أعناق الخنازير، ويعطي السلاح للمجانين، وذلك أن المتعلم الفاسد الأخلاق يستعين بعلمه على الشرور والإفساد في الأرض، كما هو مشاهد. ومن رأي كثير من العقلاء أن علة سوء حال أهل الأزهر: هي كون أكثرهم ممن لم يتحلوا بتربية ولا تأديب؛ لكونهم من بيوت لا تعرف للتربية معنى، ولا للتهذيب سبيلاً، ولا للعلم قيمة. وإنما يقذف أهلها بأولادهم في الأزهر؛ لأجل الخلاص من خدمة العسكرية أو لأجل الجراية، وأرقاهم من يقصد أن يكون بعد التعليم قاضيًا أو مفتيًا، ولا شيء من ذلك يعد من طلب العلم لوجه الله، إذا لم يقصد بالعلم الديني وجه الله بإحياء هدي كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لإصلاح حال عباده في نفوسهم وأحوالهم الاجتماعية، فأي غناء فيه، وكيف يرجى الخير من صاحبه؟ بل لا يشك عاقل في كون طلب العلوم الدنيوية، لا يكون مرقيًا لنفس صاحبه وحاملاً له على خدمة أمته بالإخلاص النافع، إلا إذا صاحبته تربية النفس، وتهذيب الأخلاق، وحسن النية. فمن كان فاسد الأخلاق اتخذ العلم وسيلة لحظوظ الدنيا وشهواتها، لا يبالي في سبيلها بأمة ولا ملة. ففساد الأخلاق هو السبب في قلة النابغين في علوم الدنيا والدين، وقلة العاملين المخلصين ممن يعدون نابغين. ولو كانت نفوس أكثر المتعلمين منا أو الكثير منهم عالية، وأخلاقهم كاملة، لسهل عليهم النهوض بهذه الأمة إلى أوج العزة في زمن قصير. ولكن بلاءنا بفقد التربية أضعاف بلائنا بنقص التعليم. وإذ قد قرأت بعض كلمات حجة الإسلام في علماء الدين في عصره المنير، فماذا تقول فيهم في عصرنا هذا؟ ثم قال: (الوظيفة الثانية) : أن يقلل (وفي نسخة يفرغ) علائقه من الاشتغال بالدنيا ويبعد عن الأهل والوطن، فإن العلائق شاغلة وصارفة {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِه} (الأحزاب: ٤) ومهما توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق، ولذلك قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر. (يريد على شك) والفكرة المتوزعة على أمور متفرقة كجدول تفرق ماؤه، فنشفت الأرض بعضه واختطف الهواء بعضه، فلا يبقي منه ما يجتمع ويبلغ المزارع) . أقول: إنه جعل الرحلة ومفارقة الوطن والأهل وتقليل العلائق والشواغل وظيفة واحدة؛ لأن الغرض منهما فراغ الفكر وصفاء الذهن، فكأنه هو الوظيفة المقصودة، وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً للرحلة في طلب العلم، وكونها مزيد كمال في التعليم، ومازال الناس في هذا في الشرق والغرب، حتى أن أهل المملكة الواحدة من ممالك أوربا لا يكتفون بالرحلة من بلد من بلادهم إلى آخر لجودة التعليم في مدارسه واتساع دائرة العلوم فيها، بل يرحل منهم كثيرون إلى مدارس مملكة أخرى؛ كرحلة أهل فرنسا وإنكلترا إلى سويسرا وألمانيا. ثم قال: (الوظيفة الثالثة) : أن لا يتكبر على العلم، ولا يتأمر على المعلم، بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل، ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق. وينبغي أن يتواضع لعلمه، ويطلب الثواب والشرف لخدمته. فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم، ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين، وهو عين الحماقة. ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم، فليقلده وليدع رأيه، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه؛ إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها، مع أنه يعظم نفعها. وبالجملة كل متعلم استبقى لنفسه رأيًا واختيارًا دون اختيار المعلم، فاحكم عليه بالإخفاق والخسران. أقول: ذكر في هذه الوظيفة كثيرًا من الآداب. قد يتوقف في تقليد المعلم منها ويظن أن هذا مخالف لما ذكرناه عنه من سلوك طريق الاستقلال في العلم، وإنما يظن هذا من يغفل عن الفرق بين العلم نفسه وبين طريق التعليم، فتَحَكُّم الطلاب في طريقة الأستاذ في التعليم خرق وفساد لا يجوز بحال، ولو جاز هذا لكان مؤديًا إلى المحال، عندما يقترح كل طالب طريقة غير التي اقترحها الآخر، وأنى يكون للتلميذ في طرائق التعليم، مما لا يعرف الصواب فيها إلا بعض العلماء المجربين، وإنما بيَّنت هذا على ظهوره؛ ليعتبر به طلاب العلم في الأزهر، فإن كثيرًا منهم يعدون عقبة في طريق إصلاح التعليم؛ بما جروا عليه من العادات في المطالعة والفهم بطريق التفكيك، وتتبع المفردات، والإعراض عن الأساليب، والتزام الشروح والحواشي والتقارير. وقد كلمت غير واحد من المدرسين في تحسين طريقة التعليم بالجري على الأساليب الحديثة، فاعتذروا بأن المجاورين يتركون دروسهم إذا هم تركوا المألوف فيها، وإنما يأتي هذا الإفساد من المجاورين الذين ألفوا طريقة الأزهر العتيقة بطول الجري عليها، إذ المبتدئ لا رأي له، وكان منتظرًا من هؤلاء إذا حكموا في ذلك أن يكونوا وسيلة للإصلاح، لا للبقاء على الخطأ القديم. نعم، إن فيهم من يطلب الإصلاح فلا يجده، وهم الأذكياء من تلاميذ الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى، وقد وجدوه الآن بمدرسة القضاء الشرعي، وسيظهر أثر ذكائهم واستقلالهم بعد زمن قصير. إن شاء الله تعالى. على أن التقليد في العلم نفسه ضروري للمبتدئ، حتى يصير أهلاً للنظر والاستدلال، فعند ذلك يسلك طريق الاستقلال، ثم قال: (الوظيفة الرابعة) أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس، سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة، فإن ذلك يدهش عقله، ويحير ذهنه، ويفتر رأيه، ويؤيسه من الإدراك والاطلاع، بل ينبغي أن يتقن أولاً الطريقة الحميدة المرضية عند أستاذه، ثم بعد ذلك يصغي إلى المذاهب والشبه، وإن لم يكن أستاذه مستقلاًّ باختيار رأي واحد، وإنما عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فليحذر منه؛ فإن إضلاله أكثر من إرشاده فلا يصلح الأعمى لقود العميان وإرشادهم. ومن هذا حاله، فهو يعد في عمى الحيرة وتيه الجهل. (ومنع المبتدي عن الشبه، يضاهي منع الحديث العهد بالإسلام من مخالطة الكفار. وندب القوي إلى النظر في الاختلافات، يضاهي حث القوي على مخالطة الكفار. ولهذا يمنع الجبان عن التهجم على صف الكفار، ويندب الشجاع له. ومن الغفلة عن هذه الدقيقة ظن بعض الضعفاء أن الاقتداء بالأقوياء فيما ينقل عنهم من المساهلات جائزة، ولم يدر أن وظائف الأقوياء تخالف وظائف الضعفاء) ... إلخ. أقول: وقد جرى هو على ذلك، فإنه أتقن في الفقه مذهب الشافعي، وفي الكلام مذهب الأشعري، ثم يظهر في سائر المذاهب والآراء على طريق الاستقلال ومن لم يتقن في أول أمره شيئًا، فقلما يستفيد بعد ذلك من الخلاف إلا حيرة واضطرابًا وما حذر عنه من الأخذ عن الذين ينقلون المذاهب والأقوال، ويعجزون عن تأييد شيء منها، هو من أنفع ما يساق إلى مجاوري الأزهر الذي يكثر فيه أمثال هؤلاء المعلمين الذين لا يكادون يجزمون في مسألة خلافية بشيء، واشتهر بعض كبرائهم بذلك، حتى صار بعض المجاورين يظن أن سرد الأقوال والآراء في المسألة هو الكمال في العلم، وما هو إلا منتهى الجهل الذي يذهب بالاستعداد للعلم، حتى إن من طال عهده به لا يمكن أن يكون عالمًا، وحسبك بحجة الإسلام مختبرًا وناصحًا. ثم قال: (الوظيفة الخامسة) : أن لا يدع طالب العلم فنًّا من العلوم المحمودة ولا نوعًا من أنواعه، إلا وينظر فيه نظرًا يطلع به على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه، وتطرف من البقية (أي أخذ منها الطرف والنوادر) فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض، ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله، فإن الناس أعداء ما جهلوا، قال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ َ} (الأحقاف: ١١) وقال الشاعر: ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرًّا به الماء الزلالا فالعلوم على درجاتها: إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى، أو معينة على السلوك نوعًا من الإعانة، ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود. والقوَّام بها حفظة كحفاظ الرباطات والثغور، ولكل واحد رتبة، وله بحسب درجته أجر في الآخرة، إذا قصد به وجه الله تعالى) اهـ كلامه. أقول: وهذا الكلام الأخير مبني على ما قرره في هذا الكتاب؛ من كون جميع العلوم النافعة في الدين أو الدنيا مفروضة دينًا، حتى فنون الصناعات التي عليها مدار المعيشة، فإنها من فروض الكفايات كفنون اللغة وكصلاة الجنازة، ومتى صلحت نية القائم بها وأحسن عمله بالصدق وعدم الغش، كان بتعلمه هذه الفنون وبعمله فيها عابدًا لله تعالى، مستحقًّا للثواب في الآخرة. وأما ما قرره من طلب الاطلاع على جميع العلوم والفنون المتداولة في العصر فهو ما جرى عليه في تربيته لنفسه، وعليه علماء فن التعليم من أهل هذا العصر وهو حجة على كثير من شيوخ الدين عندنا، فإنهم لجهلهم بأنفع علوم العصر الكونية والعقلية يعادونها، وينفِّرون طلاب العلوم الدينية منها، فيجنون بذلك على دين أمتهم ودنياها، ويبعدون الناس عن الدين بزعمهم أن هذه العلوم تنافي الدين، كما قاله الإمام الغزالي في أمثالهم من أهل عصره. وسيأتي نقله عنه في فصل الكلام عن رأيه في العلوم. ثم قال: (الوظيفة السادسة) : أن لا يخوض في فن من فنون العلوم دفعة، بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم، فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبًا، فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه، ويكتفي منه بشمة، ويصرف جمام قوته في الميسور من علمه إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم؛ وهو علم الآخرة) . أقول: إن هذا مسلَّم في جملته عند علماء فن التربية والتعليم من أهل هذا العصر، وهو مرتبط بما تقدم في الوظيفة الخامسة، وقد صار الكثيرون من أهل الغرب الذين اتسعت عندهم دائرة العلوم وكثرت فروعها، يصرفون جمام قوتهم إلى إتقان فرع من فروع العلم الواحد؛ كطب العيون أو طب الآذان أو طب الأمراض العصبية من علم الطب مثلاً، وذلك بعد تناول طرف من كل علم وفن كما تقدم. وأما كون علم الآخرة هو أشرف العلوم، فسيأتي بيان المراد منه، وقد ذكر فيه هنا ما لم نر من الصواب ذكره، ثم قال: (الوظيفة السابعة) : أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله فإن العلوم مرتبة ترتيبًا ضروريًّا، وبعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدريج. قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} (البقرة: ١٢١) أي لا يجاوزون فنًّا حتى يُحْكِموه علمًا وعملاً. وليكن قصده في كل علم يتحراه الترقي إلى ما فوقه، فينبغي أن لا يحكم على علم بالفساد لوقوع الخلف بين أصحابه فيه، ولا بخطأ واحد أو آحاد فيه، ولا بمخالفتهم موجب عملهم بالعلم. فترى جماعة تركوا النظر في العقليات والفقهيات؛ متعللين فيها بأنها لو كان لها أصل لأدركه أربابها، وقد مضى كشف هذه الشبهة في معيار العلم. وترى طائفة يعتقدون بطلان الطب لخطأ شاهدوه من طبيب. وطائفة اعتقدوا صحة النجوم لصواب اتفق لواحد. وطائفة اعتقدوا بطلانه لخطأ اتفق لآخر. والكل خطأ بل ينبغي أن يعرف الشيء في نفسه، فما كل علم يستقل بالإحاطة به كل شخص، ولذلك قال علي رضي الله عنه: (لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله) . أقول: إن هذه الوظيفة توجد في أكثر النسخ، وسقطت من النسخة التي شرح عليها الزبيدي، فالوظائف فيها تسع. وقد ذكر فيها أمرين: أحدهما ترتيب العلوم وهو مما لا مجال للخلاف فيه، لاسيما في العلوم المتحدة في النوع كالرياضيات، فإن من لا يتقن الحساب لا يفهم الهندسة لتوقفها عليه، والهيئة الفلكية متوقفة عليهما جميعًا. ولأهل هذا العصر في ترتيب العلوم بالمدارس النظامية إتقان أي إتقان. والأمر الثاني الحكم على العلوم بالوقوف عليها ومعرفة موضوعها وغايتها وأهم مسائلها، لا باعتبارات خارجة تؤخذ من حال أهلها، كما ينفر بعض شيوخنا عن علوم العصر؛ بشبهة قلة التمسك بالدين من أكثر متعلميها، وما يدريهم أن ذلك جاء من سوء التربية، لا من طبيعة العلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقولون بم قال: (الوظيفة الثامنة) : أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم، وأن ذلك يراد به شيئان: أحدهما شرف الثمرة، والثاني وثاقة الدليل وقوته وذلك كعلم الدين وعلم الطب. فإن ثمرة أحدهما الحياة الأبدية، وثمرة الآخر الحياة الفانية، فيكون علم الدين أشرف. ومثل علم الحساب وعلم النجوم، فإن علم الحساب أشرف لوثاقة أدلته وقوتها، وإن نسب الحساب إلى الطب، كان الطب أشرف باعتبار ثمرته، والحساب أشرف باعتبار أدلته، وملاحظة الثمرة أولى، ولذلك كان الطب أشرف وإن كان أكثره بالتخمين. وبهذا تبين أن أشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله، والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم، فإياك أن ترغب إلا فيه، وأن تحرص إلا عليه) . أقول: يعني بالطريق الموصل طريق الصوفية، الذي وصل هو منه بعد أن انقطعت به الطرق الأخرى من الكلام والفلسفة ومذهب الباطنية. وهكذا شأن الدعاة يتطرقون إلى مقصدهم من كل ناحية انتحوها، ومن الناس من يقول: إن أبا حامد يجذب الناس إلى الآخرة، حتى يوشك أن تكون قراءة الإحياء وما شاكله من كتبه من أسباب تعطيل مصالح قارئيه، وإضاعة دنياهم، وهجر سائر العلوم والفنون، وليس كذلك كما ترى في الوظيفة الآتية، وإنما هو دعوة إلى الكمال. وسنبين تحقيق ذلك بعد، ثم قال: (الوظيفة التاسعة) : أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه، وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله سبحانه، والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين، ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه، ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. وإذا كان هذا مقصده طلب - لا محالة - الأقرب إلى مقصده وهو علم الآخرة، ومع هذا فلا ينبغي له أن ينظر بعين الحقارة إلى سائر العلوم؛ أعني علم الفتاوى (يعني به ما يسمى الفقه) وعلم النحو واللغة المتعلقين بالكتاب والسنة، وغير ذلك مما أوردناه في المقدمات والمتممات من ضروب العلوم التي هي فرض كفاية (كفنون الصناعات كلها) ولا تفهمن من غلونا في الثناء على علم الآخرة، تهجين هذه العلوم، فالمتكفلون بالعلم كالمتكفلين بالثغور والمرابطين بها والغزاة المجاهدين في سبيل الله: منهم المقاتل، ومنهم الردء، ومنهم الذي يسقيهم الماء، ومنهم الذي يحفظ دوابهم ويتعهدها، ولا ينفك أحد منهم عن أجر إذا كان قصده إعلاء كلمة الله تعالى دون حيازة الغنائم، فكذلك العلماء. قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات} (المجادلة: ١١) ، وقال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ} (آل عمران: ١٦٣) والفضيلة نسبية (أي بينهم) واستحقارنا للصيارفة عند قياسهم بالملوك، لا يدل على حقارتهم إذا قيسوا بالكناسين فلا تظن أن ما نزل عن الرتبة القصوى ساقط القدر، بل الرتبة العليا للأنبياء، ثم الأولياء، ثم العلماء الراسخين في العلم، ثم الصالحين على تفاوت درجاتهم. وبالجملة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ} (الزلزلة: ٧-٨) ومن قصد الله بالعلم - أي علم - كان نفعه ورفعه لا محالة. أقول: يعني رحمه الله تعالى، أنه ينبغي لطالب الكمال أن يطلب بالعلم الذي يتوجه لتحصيله وجه الله تعالى؛ أي الوجه الذي يرضيه، وهو الذي فيه إقامة سننه في النظام العام، ومنفعة الأنام، وذلك مدعاة لإتقان الأعمال، وحسن النية فيها، وانتفاء الغش بها. وهل ثَمَّ من طريق للكمال الإنساني أقرب من هذا؟ ألسنا نشاهد فشوّ الغش والطمع والاحتيال والقسوة، وأشباه هذه الرذائل في أهل العلوم والفنون والصنائع الذين لا يعرفون الله، ولا يبتغون وجهه؟ ثم قال: (الوظيفة العاشرة) : أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد، كما يؤثر الرفيع القريب على البعيد، والمهم على غيره؛ ومعنى المهم ما يهمك، ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة، وإذا لم يمكنك الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة، كما نطق به القرآن، وشهد له من نور البصائر ما يجري له من مجرى العيان، فالأهم ما يبقى أبد الآباد، وعند ذلك تصير الدنيا منزلاً، والبدن مركبًا، والأعمال سعيًا إلى المقصد ولا مقصد إلا لقاء الله تعالى، ففيه النعيم كله، وإن كان لا يعرف قدره في هذا العالم إلا الأقلون) ... إلخ. ما أطال به في هذه المسألة. أقول: إذا أخذنا قول أبي حامد الغزالي هنا على ظاهره، نحكم بأنه غلط في قوله إن القرآن نطق بأنه لا يمكن الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة. فإننا نسمع منادي القرآن يتلو علينا في سورة الأعراف، وهي من السور المكية التي بيَّن فيها أصول الدين وكلياته {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأعراف: ٣٢) من آثر الحياة الدنيا على الآخرة، وكان لا يعمل إلا للذاتها وشهواتها، يفوته حظه من الآخرة كله أو بعضه، وذلك أن حظ الإنسان في الآخرة يكون على حسب ارتقاء نفسه في الحق والخير والإخلاص، وغير ذلك من ثمرات الإيمان. وإيثار الشهوات يضعف هذه الأشياء، حتى يذهب بها من النفس فتبقى حيوانية شيطانية. ومن الآيات المثبتة لهذا التفصيل قوله: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ} (البقرة: ٢٠٠-٢٠٢) وقوله: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا} (النازعات: ٣٧-٣٨) ... إلخ الآيات. وإننا نجد في كلام أبي حامد ما يوافق هذا التفصيل في مواضع من الإحياء؛ ككتاب ذم الدنيا، وكتاب ذم المال والجاه، وغيرها من كتب الإحياء، ولذلك يمكن حمل كلامه هنا على أن المراد بكل من ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة مرتبة الكمال فيهما فإن من كان همه استكمل اللذات البدنية، لا يمكنه أن يستعد لتحصيل كمال نعيم الآخرة المعبر عنه بلقاء الله تعالى والفوز برضوانه الأكبر، بل ربما تعذر عليه الاستعداد لما دون ذلك، كما يفهم من التفصيل المذكور آنفًا. ثم بين أبو حامد بعد وظائف المتعلم، وظائف المعلم المرشد، ويعني بالمرشد: المربي للنفس، المهذب للأخلاق، فقال: بيان وظائف المعلم المرشد (اعلم أن للإنسان في علمه أربعة أحوال؛ كحاله في اقتناء الأموال: إذ لصاحب المال حال استفادة فيكون مكتسبًا، وحال ادخار لما اكتسبه فيكون به غنيًّا عن السؤال، وحال إنفاق على نفسه فيكون منتفعًا، وحال بذل لغيره فيكون به سخيًّا متفضلاً، وهو أشرف أحواله. فكذلك العلم يقتنى كالمال فله حال طلب واكتساب، وحال تحصيل يغني عن السؤال، وحال استبصار وهو التفكر في المحصل والتمتع به، وحال تبصير وهو أشرف الأحوال. فمن عَلِم وعَمِل وعَلَّم، فهو الذي يدعي عظيمًا في ملكوت السموات، فإنه كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة في نفسها، وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب. والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم، وكالمَسَن الذي يشحذ غيره ولا يقطع، والإبرة التي تكسو غيرها وهي عارية، وذبالة المصباح (فتيلة) تضيء لغيرها وهي تحترق، كما قيل: ما هي إلا ذبالة وقدت ... تضيء للناس وهي تحترق ومهما اشتغل بالتعليم، فقد تقلد أمرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا، فليحفظ آدابه ووظائفه: (الوظيفة الأولى) : الشفقة على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد بولده) [٢] بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا، ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين، فإن الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم سبب الحياة الباقية، ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم، وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة؛ أعني معلم علوم الآخرة، أو علوم الدنيا على قصد الآخرة، لا على قصد الدنيا فهو هلاك وإهلاك. نعوذ بالله منه. وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها، فكذلك حق تلاميذ الرجل الواحد التحاب والتواد ولا يكون إلا كذلك، إذا كان مقصدهم الآخرة، ولا يكون إلا التحاسد والتباغض إن كان مقصدهم الدنيا.. إلخ أقول: غرض أبي حامد رحمه الله تعالى أن أول شيء يطلب من المعلم المربي، هو أن يكون تلاميذه كأولاده في تربيتهم بالشفقة والرحمة، دون الغلظة والقسوة، ومن لوازم الرحمة والشفقة حفظ كرامة الناشئ، وتربية ملكة العزة والشرف في نفسه، ومن لوازم القسوة إهانته وتحقيره. ولا شيء يفسد الأخلاق كالقسوة في التربية، وامتهان المُرَبَّى واحتقاره بالقول أو المعاملة. ولا أعون على التربية مع الرحمة والتكريم من السير فيها على هدي الدين من قصد الآخرة، والتحذير من الغرور بمفاسد الدنيا وحظوظها الحقيرة، وقد جرى أهل المدارس الدنيوية في هذا العصر على طريقة الرحمة والتكريم في التربية. ولكنهم أهملوا أمر الدين، فكان أكثر المتخرجين في مدارسهم لا همَّ لهم من حياتهم إلا التمتع بالشهوات وطلب المال من غير مبالاة بحرام ولا حلال. ثم قال: (الوظيفة الثانية) : أن يقتدي بصاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه، فلا يطلب على إفادة العلم أجرًا، ولا يقصد به جزاء ولا شكرًا، بل يعلِّم لوجه الله تعالى وطلبًا للتقرب إليه، ولا يرى لنفسه منة عليهم، وإن كانت المنة لازمة عليهم، بل يرى الفضل لهم؛ إذ هذبوا قلوبهم لأن تتقرب إلى الله تعالى بزراعة العلوم فيها كالذي يعيرك الأرض لتزرع لنفسك فيها زراعة، فمنفعتك بها تزيد على منفعة صاحب الأرض، فكيف تقلده منة؟ وثوابك في التعليم أكثر من ثواب المتعلم عند الله تعالى، ولولا المتعلم ما نلت هذا الثواب، فلا تطلب الأجر إلا من الله تعالى، كما قال عز وجل: {وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} (هود: ٢٩) . فإن المال وما في الدنيا خادم للبدن، والبدن مركب النفس ومطيتها، والمخدوم هو العلم؛ إذ به شرف النفس، فمن طلب العلم بالمال كان كمن مسح أسفل نعله بوجهه لينظفه، فجعل المخدوم خادمًا والخادم مخدومًا، وذلك هو الانتكاس على أم الرأس، ومثله هو الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رؤوسهم عند ربهم، وعلى الجملة فالفضل والمنة للعلم. (فانظر كيف انتهى أمر الدين إلى قوم يزعمون أن مقصودهم التقرب إلى الله تعالى، بما هو فيه من علم الفقه والكلام والتدريس فيهما وفي غيرهما، فإنهم يبذلون المال والجاه، ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات، ولو تركوا ذلك لتركوا، ولم يختلف إليهم) . (ثم يتوقع المعلم من المتعلم أن يقوم له في كل نائبة، وينصر وليه ويعادي عدوه، وينتهض حمارًا له في حاجاته مسخرًا بين يديه في أوطاره، فإن قصر في حقه ثار عليه، وصار من أعدى أعدائه. فأخسس بعالم يرضى لنفسه بهذه المنزلة، ثم يفرح بها، ثم لا يستحي من أن يقول: غرضي من التدريس نشر العلم تقربًا إلى الله تعالى، ونصرة لدينه. فانظر إلى الأمارات حتى ترى ضروب الاغترارات) . أقول: أما أخذ الأجرة على التعليم ففيه بحث، وإن كنا لا نخالف أبا حامد في كون ما ذكره هو الكمال اللائق بعلماء الدين، لاسيما إذا كانوا في سعة من العيش. ولكن التعليم قد صار صناعة، لا يتقنها إلا من انقطع لها عن الأعمال والمكاسب، فمن كانت هذه حاله، لا يمنع إخلاصه في التعليم وابتغاء وجه الله به قبول الأجرة عليه، لا سيما إذا كانت الأجرة من المصالح العامة؛ كالأوقاف وخزائن الحكومات، وإدارات المدارس التي تنشئها الجمعيات أو الأفراد. وأما ما قاله في العلماء الذين جعلوا الدين أحبولة لصيد المال والجاه والتقرب من الأمراء والحكام فهو الحق الأبلج. وكذلك كلامه فيمن يحاولون استخدام تلاميذهم وتسخيرهم في منافعهم والانتصار لهم، وإذا كان هذا شأن الكثير من الفقهاء والمتكلمين في عصره، فماذا كان يقول لو رأى علماء الدين في عصرنا هذا؟ فليعتبر المعتبرون. ثم قال: (الوظيفة الثالثة) : أن لا يدع من نصح المتعلم شيئًا؛ وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها، والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلي. ثم ينبهه على أن الغرض بطلب العلوم القرب من الله، دون الرياسة والمباهاة والمنافسة، ويقدم تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن، فليس ما يصلحه العالم الفاجر بأكثر مما يفسده. فإن علم من باطنه أنه لا يطلب العلم إلا للدنيا نظر إلى العلم الذي يطلبه، فإن كان هو علم الخلاف في الفقه والجدل في الكلام، والفتاوى في الخصومات والأحكام فيمنعه من ذلك، فإن هذه العلوم ليست من علوم الآخرة، ولا من العلوم التي قيل فيها: تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله. وإنما ذلك على التفسير وعلم الحديث وما كان الأولون يشتغلون به من علم الآخرة ومعرفة أخلاق النفس وكيفية تهذيبها، فإذا تعلمه الطالب وقصده الدنيا فلا بأس أن يتركه، فإنه يتشمر له طمعا في الوعظ والاستتباع. ولكن قد يتنبه في أثناء الأمر أو آخره إذ فيه العلوم المخوفة من الله تعالى، المحقرة للدنيا المعظمة للآخرة، وذلك يوشك أن يؤدي إلى الصواب في الآخرة، حتى يتعظ بما يعظ به غيره، ويجري حب القبول والجاه مجرى الحب الذي يُنْثَر حوالى الفخ؛ ليقتنص به الطير، وقد فعل الله ذلك بعباده؛ إذ جعل الشهوة ليصل الخلق بها إلى بقاء النسل. وخلق أيضًا حب الجاه ليكون سببًا لإحياء العلوم، وهذا متوقع في هذه العلوم. (فأما الخلافيات المحضة ومجادلات الكلام ومعرفة التفاريع الغريبة (أي في الفقه) فلا يزيد التفرغ لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة في القلب، وغفلة عن الله تعالى، وتماديًا في الضلال، وطلبًا للجاه، إلا من تداركه الله تعالى برحمته أو مزج به غيره من العلوم الدينية ولا برهان على هذا كالتجربة والمشاهدة، فانظر يا أخي واعتبر واستبصر؛ لتشاهد تحقق ذلك في العباد والبلاد والله المستعان) . أقول: هذا ما يقوله حجة الإسلام في الفقهاء والمتكلمين أيام كانوا أئمة في هذه العلوم، بهم ارتقت واتسعت دوائرها، وكانت محتاجا إليها لوجود الفلاسفة والمبتدعة الذين يرد عليهم المتكلمون؛ ولكون جميع الأحكام في بلاد المسلمين كانت جارية على أحكام الفقه، وهو مع ذلك يعد علومهم دنيوية، ويقول: إنه علم بالتجربة، كما علم بالبرهان أنها لا تزيد القلب إلا قسوة وحبًّا في الدنيا، وإعراضًا عن الله تعالى. فماذا نقول في المنقطعين لهذه العلوم اليوم، وهم مقلدون لأولئك الذين كانوا في عصره، ولمن دونهم ممن بعدهم، والحاجة إلى علومهم الآن ليست كالحاجة إليها في عصره، فإن معظم فقههم لا يحكم به أحد من حكام المسلمين اليوم، ومعظم علم الكلام الذي يزاولونه لا حاجة إليه؛ لأنه عبارة عن رد على الفلسفة اليونانية التي نسخت بالفلسفة العصرية، وعلى المعتزلة الذين انقرضوا. مع هذا نرى شيوخ العصر في الأزهر وأمثاله من المدارس الإسلامية في سائر البلاد، يتبجحون بأنهم رجال الدين المحافظون عليه، وهم لا يلتفتون إلى علومه الحقيقية التي تهذب النفوس، وتصلح القلوب، وتربي الأرواح من التفسير والحديث والأخلاق، وسنن الله في الأنفس والآفاق، وحكمه في المخلوقات كما أوضحه حجة الإسلام في الإحياء. وقد تعب الأستاذ الإمام محمد عبده - رحمه الله تعالى - واجتهد وقاسى البلاء؛ ليجعل علم الأخلاق، وتاريخ نشأة الإسلام، والتفسير الحقيقي مما يدرس في الأزهر، فلم يصادف من القوم إلا إعراضًا. فأما تفسير كتاب الله على أنه هدى ورحمة وموعظة وعبرة، فقد أحياه بنفسه، ولذلك مات بموته. وأما الأخلاق وآداب الدين وتاريخ الإسلام، فقد تقرر بسعيه تدريسها رسميًّا. ولكنها لا تدرس ولا يحفل بها أحد، ومع ذلك كله كانوا يحاربونه بزعم أنه شغلهم عن علوم الدين، ويرددون بألسنتهم وأقلام الجرائد المنتصرة لهم كلمة (الأزهر مدرسة دينية محضة) ، فليعرضوا هذا القول على ما قرره حجة الإسلام في الإحياء في هذا الموضع وغيره، ولينظروا بعد ذلك مكانه من الصدق. ألا إن الأزهر وأمثاله مدارس دنيوية محضة بحسب ما قرره أبو حامد، ولا نعرف أحدًا من العلماء نازعه فيما قرره، ويشهد لذلك أننا لا نرى المتخرجين فيها يحفلون بأمر الدين وإرشاد المسلمين. أين المتصدون لتهذيب النفوس وتربية الأرواح؟ أين حماة العقائد من شبهات العلوم العصرية، وأهل الغيرة على دين النابتة الحديثة؟ أين أنصار السنة الخاذلون للبدعة؟ أين الدعاة إلى الدين بحسب ما يليق بحال المعاصرين؟ مهما رفعت صوتك بالنداء لا تسمع منهم مجيبًا. ثم قال أبو حامد: (الوظيفة الرابعة) : وهي من دقائق صناعة التعليم، أن يُزْجَر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ. فإن التصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم وهو مرشد كل معلم: (لو منع الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء) [٣] . وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام وما نهيا عنه، فما ذكرت القصة لتكون سمرًا، بل لنتنبه بها على سبيل العبرة. ولأن التعريض أيضًا يميل النفوس الفاضلة والأذهان الذاكية إلى استنباط معانيه، فيفيد فرح التفطن لمعناه رغبة في العلم به؛ ليعلم أن ذلك مما لا يغيب عن فطنته. أقول: رحم الله أبا حامد، ما كان أحرصه على تكريم الطلاب، وتنشئتهم على العزة والشرف، فهو يدخل على هذا المعنى من كل باب، ويتوسل إليه بأنواع الأسباب، فأين من هذا ما يجري عليه شيوخ مشهورون من الغلظة والسباب ونبذ تلاميذهم بأقبح الألقاب، حتى صار الذين يتعلمون في المدارس الدنيوية، يظنون أن النزاهة والتكريم للطلاب مما وضعه الإفرنج من الآداب، وهكذا جرَّدنا أنفسنا من آداب ديننا، حتى صارت تعزى إلى غيرنا، ثم قال: (الوظيفة الخامسة) : أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي أن لا يقبِّح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه؛ كمعلم اللغة: إذ عادته تقبيح علم الفقه. ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير. وأن ذلك نقل محض وسماع، وهو شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه، ومعلم الكلام ينفر عن الفقه، ويقول: ذلك فروع وهو كلام في حيض النسوان، فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن. فهذه أخلاق مذمومة للمتعلمين ينبغي أن تجتنب، بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسِّع على المتعلم طريق التعلم فى غيره، وإن كان متكفلاً بعلوم ينبغي أن يراعي التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة. أقول: إن السبب في مدح كل متكفل بفن أو علم له، وذم غيره أو تقليل شأنه هو ما يسمونه حب الذات، فهو لا يريد بذلك إلا مدح نفسه وتفضيلها على أقرانه ومعاصريه، فهو قد يذم العلم الآخر، وإن كان عارفًا بفائدته، فكيف إذا كان جاهلاً به. ثم قال: (الوظيفة السادسة) : أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله، فينفره أو يخبط عليه عقله اقتضاء في ذلك بسيد البشر صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (نحن معاشر الأنبياء، أُمِرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلمهم على قدر عقولهم) [٤] . فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها. قال صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يحدث قومًا بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم) [٥] وقال علي رضي الله عنه، وأشار الى صدره: إن ههنا لعلومًا جمة، لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه (وفي نسخة الشارح: عليه السلام) في قوله: فقلوب الأبرار قبور الأسرار. فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد، هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلاً للانتفاع به، فكيف فيما لا يفهمه. وقال عيسى عليه السلام: (لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير) فإن الحكمة خير من الجوهر، ومن كرهها فهو شر من الخنازير، ولذلك قيل: كلْ لكل عبد بمعيار عقله. وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك، وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار. وسئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب، فقال السائل: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كتم علمًا نافعًا جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من النار؟) [٦] فقال: اترك اللجام واذهب، فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني، فقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم} (النساء: ٥) تنبيهًا على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق) اهـ. أقول: جعل بعض أهل النظر هذه المسألة - إظهار الحقيقة لكل أحد في كل وقت- محل بحث، وللبحث فيها من الجهة النظرية مجال. ولكن من بلا الناس وعرف شؤونهم، يحكم في هذه القضية بالسلب حكمًا لا تردد فيه، ولقد كان الأنبياء المؤيدون بعناية الله وآيه، يظهرون حقائق الدين بالتدريج، ويستعملون الكلام المجمل والكنايات والتجاوزات، والمتشابهات التي يأخذ منها كل ذي عقل وفهم على مقدار عقله وعلمه. نعم، لا يجوز لأحد أن يقول قولاً يخالف الحقيقة ليقبله الناس، فإن فاعل ذلك من الكاذبين الغاشين، لا من الحكماء الناصحين، وإذا كان هذا ينافي الصدق والحكمة، فهو أشد منافاة للنبوة، ومن ثم تعلم أن ما يقوله بعض الباطنية، حتى في زماننا هذا من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قالوا أشياء تخالف الحقيقة مراعاة لأفهام الناس واستعدادهم، هو من الباطل الذي لا يدنو الصواب منه، بل هو دليل على أن هؤلاء الباطنية يستحلون الكذب والغش والخداع فلا ثقة بأقوالهم ولا بعقائدهم؛ أعني أنه لا يوثق بأنهم يعتقدون ما يقولونه ويَدْعُون إليه، بل هم طلاب رياسة من طريق الانتحال في الدين، وتشكيله بشكل وَثَنِي، كما يعلم من تاريخهم منذ وجدوا، إلى أن ظهروا باسم البابية والبهائية في هذا الزمن. ولهذا الذي قرره أبو حامد في هذه الوظيفة، جعل كتابه هذا مرتبًا على ما يشبه ترتيب الفقه، الذي كانت الرغبات كلها أو جلها متوجهة إليه في ذلك العصر؛ استدراجًا للقلوب إليه في ذلك العصر؛ وحذرًا أن تنفر منه كما صرح بذلك في فاتحته، ولأجله جعل أحكام الفقه فيه على مذهب الشافعي إلا قليلاً، على أن رأيه في الإصلاح قائم على قاعدة إبطال التقليد. كما سيأتي عنه، فكأنه أراد أن يجعل الإحياء مقدمة لما قرره في كتبه التي ألفها بعد ذلك: كالقسطاس المستقيم، والمنقذ من الضلال، والمضنون به على غير أهله. ثم قال: (الوظيفة السابعة) : إن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقى إليه الجلي اللائق به ولا يذكر له أن وراء هذا تدقيقًا وهو يدخره عنه، فإن ذلك يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه قلبه، ويوهم إليه البخل به عنه؛ إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم دقيق. فما من أحد الا وهو راض عن الله سبحانه في كمال عقله، وأشدهم حماقة وأضعفهم عقلاً هو أفرحهم بكمال عقله. وبهذا يعلم أن من تقيد من العوام بقيد الشرع، ورسخ في نفسه العقائد المأثورة عن السلف، من غير تشبيه ومن غير تأويل، وحسن مع ذلك سيرته، ولم يحتمل عقله أكثر من ذلك، فلا ينبغي أن يشوش عليه اعتقاده، بل ينبغي أن يُخَلَّى وحرفته فإنه لو ذكر له تأويلات الظاهر انحل عنه قيد العوام، ولم يتيسر قيده بقيد الخواص، فيرتفع عنه السد الذي بينه وبين المعاصي، وينقلب شيطانًا مريدًا يهلك نفسه وغيره. بل لا ينبغي أن يخاض مع العوام في حقائق العلوم الدقيقة، بل يقتصر معهم على تعليم العبادات، وتعليم الأمانة في الصناعات التي هم بصددها، ويملأ قلوبهم من الرغبة والرهبة في الجنة والنار، كما نطق به القرآن، ولا يحرك عليهم شبهة؛ فإنه ربما تعلقت الشبهة بقلبه ويعسر عليه حلها فيشقى ويهلك. وبالجملة لا يفتح على العوام باب البحث، فإنه يعطل عليهم صناعتهم التي بها قوام الخلق، ودوام عيش الخواص. أقول: أرشد في هذه الوظيفة إلى نوع من أنواع التدريج في تعليم طلاب العلوم، وإلى طريق تعليم العامة، ومن هذا يتبين لك أن ما يلح بالدعوة إليه من الإعراض عن الدنيا، والرغبة في معرفة الله تعالى والعلوم التي تقرب إليه، إنما هو موجه إلى الخواص أصحاب الاستعداد للكمال. كما أشرنا إلى ذلك وسنزيده بيانًا. ثم قال: (الوظيفة الثامنة) : أن يكون المعلم عاملاً بعلمه، فلا يُكذِّب قوله فعله؛ لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالف العلم العمل منع الرشد، وكل من تناول شيئا وقال للناس: لا تتناولوه فإنه سم مهلك. سخر الناس به واتهموه، وزاد حرصهم على ما نهوا عنه، فيقولون: لولا أنه أطيب الأشياء وألذها، لما كان يستأثر به. ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين، والظل من العود. فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه، ومتى استوى الظل والعود أعوج، ولذلك قيل في المعنى: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم. وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} (البقرة: ٤٤) . ولذلك كان وزر العالم في معاصيه أكثر؛ إذ يزل بزلته عالم كثير ويقتدون به (ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها) [٧] ، ولذلك قال علي رضي الله عنه: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك، فالجاهل يغر الناس بتنسكه، والعالم يغرهم بتهتكه. والله أعلم اهـ. أقول: يجب أن يكون المعلم مربيًا وقوام التربية بالقدرة، فإذا كان المعلم لعلوم الدنيا أو الدين سيئ الأخلاق فاسد الآداب، فإنه يُفسِد نفوس تلاميذه بالفعل، وما يقوله لهم من النصائح يكون عندهم من الأقوال التي يقصد بها الغش والرياء، فالجهل بها خير لهم من معرفتها. ((يتبع بمقال تالٍ))