للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد توفيق صدقي


القرآن والعلم
(١)

تفسير من اللغة والتاريخ والجغرافيا والطب
في رد الشبهات التي يوردها الإفرنج على بعض آيات الكتاب العزيز

اشتبه بعض علماء الإفرنج من المستشرقين وغيرهم الباحثين في الإسلام في
آيات كثيرة من القرآن الشريف لم يفهموا معناها الصحيح بسبب ما وجدوه في بعض
كتبنا من التفاسير السخيفة والآراء السقيمة. وقد اتبعهم في ذلك دعاة المسيحيين
متخذين بعضَ آراء هؤلاء المستشرقين ذريعةً للطعن في الكتاب العزيز ناسِبِينَ إليه
الجهلَ والخطأَ؛ لتشكيك عوامّ المسلمين في دينهم القويم.
وقد سبق لي أن تكلمت على كثير من هذه الشبهات في (مقالات الدين في نظر
العقل الصحيح) بما يشفي العِلّة، ويروي الغُلّة، ولكن فاتني أن أستقصيها
جميعًا إذ ذاك؛ فلذا رأيت الآن أن أستدرك ما فاتني خِدمةً للإسلام , وتذكيرًا للعلماء
كي ينظروا في هذا الدين , ويقدروه قدره. فإنه ما نظر فيه عالم محقق من أي وجهة
كانت إلاَّ وجد الحق والصواب عمادًا لجميع مبانيه، والعلم والعقل أساسًا
لكافة عقائده وأوامره ونواهيه، وقد رأيت أن أذكر الآية أولاً، ثم أعلق عليها بما يفتح
الله به عليَّ حتى يتضح الدليل، وتستبين السبيل، فأقول وبالله أستعين:
المسألة الأولى
(الحجر)
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا
عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ} (الحجر: ٨٠-٨٢) .
اعلم أنه يوجد بين العقبة والبحر الميت مدينة شهيرة عند السائحين تدعى
باللغة اليونانية (بترَا) أي: الصخرة , وهي المسماة في العهد القديم بمدينة (سالع)
كما في سفر الملوك الثاني (١٤: ٧) وفي كتاب أشعيا (١٦: ١) وَكِلاَ
الاسْمَيْنِ: (بترا) و (سالع) بمعنى واحد , لكنهما بلغتين مختلفتين.
يحيط بهذه المدينة جبال وعرة , أعلاها جبل هور المذكور في سفر العدد (٣٣: ٣٨) ولذلك كان اليهود يسمون أهلها الأولين بالهوريين , ومعناه: سكان
الكهوف؛ لأن بيوتهم منحوتة في الصخور , ومنظر هذه المدينة من أعجب
المناظر.
فلما رأى بعض سياح الإفرنج هذه المدينة، وسمع ذكر (الحجر) في القرآن
الشريف ظن أن هذه الكلمة ترجمة لفظ (بترا) اليوناني لتوهمه أنها بفتح الحاء
والجيم (الحَجَر) وبنى على ذلك أن (الحجر) في القرآن هو (سالع) في العهد
القديم.
ولَمَّا كانت مدينة سالع هذه معروف عنها ما ينافي أن أهلها أهلكهم الله
بالصَّيْحَة , وما يدل على أنها كانت عامرةً بالسكان إلى ما بعد الميلاد بقليل أخذوا
يطعنون على القرآن الشريف , وينسبون إليه الخطأَ والجهلَ بالتاريخ , والله يعلم
أنهم لَكَاذِبون؛ إذ لولا تسرعُ هؤلاء الحَمْقَى وجهلهم لعلموا أن الحِجْر بكسر الحاء
وسكون الجيم غير بترا أو سالع , وأن إحداهما تبعد عن الأخرى بُعْدًا عظيمًا , فإن
الحجر قرية صغيرة على خط سكة الحديد الحجازية الآن إلى جنوب دُومَة الجَنْدَل،
وتنزل بها حُجاج الشام، وتسمى بمدينة صالح وهو النبي الذي أرسله الله إلى أهلها
(ثمود) , ولا تزال إلى الآن آثار مساكنهم التي كانوا ينحتونها في جبالها المسماة:
(أثالب) كما قال في دائرة المعارف العربية , ويمكن لكل أحد أن يذهب إليها وإلى
سالع لِيَرَى بِعَيْنَيْ رأسه أنهما مدينتان متباعدتان في موضعين مختلفين , وأن المسافة
بينهما تقارب ما بين الإسكندرية والعقبة , وأن الحِجْر في الجنوب الشرقي لسالع.
ومعنى الحِجْر: المكان الذي حوله حجارة , وهو غير معنى (سالع) أي:
الصخرة. وما يزعمه بعضهم أن جميع ما نراه فيها من البيوت كانت قبورًا لا مساكنَ
لم يَقُمْ دليلٌ على صحته , كذاك لا يبعد أن بعضها كان كذلك , والقرآن لم
يقُلْ إن جميعها كانت مساكِنَ , ولا أن جميع مساكنهم كانت منحوتةً في الجبال. بل
قال: إن بعض المساكن كانت تبنى على الأرض , والبعض الآخر ينحت في الجبال
كما في سورة الأعراف: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ
الجِبَالَ بُيُوتاً} (الأعراف: ٧٤) إلى قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (الأعراف: ٧٨) فكانت لهم قبورًا بعد إهلاكهم , وإن لم
تكن جميعها كذلك في أول أمْرِهِم. ومن ذلك تعلم خطأَ ما قاله المستشرق الشهير
مرجليوث في كتابه المسمى (محمد) في هذه المسألة.
* * *
المسألة الثانية
(الإسراء وتاريخ بيت المقدس)
قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى
المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء: ١) .
المسجد الحرام هو: الحَرَم المَكِّيُّ والمسجد الأقصى هو: بيت المقدس. وهذا
البيت كان خَرَّبَهُ تيطس الروماني سَنَةَ سبعينَ للميلاد , وأحرقه بالنار , فلم يكن له
وجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ آثارًا وأطلالاً؛ فكيف يقول القرآن
الشريف: إن النبي أسرى به إليه؟
الجواب [١] :
المسجد في اللغة: مكان السجود والعبادة , ولا يُشترط فيه أن يكون محاطًا
بالبناء , ولا أن تكون سُقفه مرفوعةً على أعمدة أو نحو ذلك مما اعتاده الناس الآن ,
وما كانت مساجد العرب في مبدأ الإسلام إلاَّ أمكنةً بسيطةً خاليةً من الأبنية الضخمةِ
والزخرف والزينة , وكل مكان يعبدون الله فيه يسمونه مسجدًا لهم , بل سَمَّى رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم جميعَ الأرض مسجدًا لِصِحَّةِ العبادة في أي جزء منها؛
فقال: (وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورَا) فلا يلزم من قول القرآن: إن النبي
أُسْرِيَ به إلى المسجد الأقصى. أنه كان إذ ذاك مبنيًّا مَشِيدًا , كما كان قَبْلَ تخريب
الرومان له.
ولذلك كان العرب يذهبون إلى أورشليم وغيرها من بلاد الشام , ويعرفون ما
كان عليه المسجد الأقصى من الخراب , ومع ذلك لم يسمع من أحد منهم انتقاد على
عبارة القرآن الشريف هذه , أو تردد في فهمها , أو تكذيب للنبي صلى الله عليه
وسلم فيها؛ وغاية ما سُمِعَ منهم تكذيبه في ذهابه إلى هذا المسجد بهذه السرعة
العجيبة , لا في وجود ما يسمى عندهم بالمسجد الأقصى , وإنْ كان خربًا.
على أن الظاهر أن القرآن الشريف يريد بالمسجد الأقصى بلدَةَ: (أورشليم) ,
وبالمسجد الحرام: (مكة) أي: إنَّ النبي سار ليلاً من مكة إلى أورشليم؛ لأن
المسجد الحرام ما كان بيتًا للنبي صلى الله عليه وسلم ينام فيه , بل كان نائِمًا في
بيت أم هانئ أحد بيوت مكة , كما جاء في الروايات الواردة في هذه المسألة.
فالقرآن أطلق هنا المسجد الحرام على مكة , وأطلق المسجدَ الأقصى على
أورشليم من باب تسمية الكل بالجزء الذي هو أعظم وأشهر شيء فيه.
ومثل هذا الإطلاق شائع في العربية وغيرها , وكثير في القرآن الشريف؛
ولذلك وردَ تسمية الحرم كله بالبيت العتيق كما في قوله تعالى في الذبائح: {لَكُمْ
فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ} (الحج: ٣٣) , مع أن
الذبح لا يعمل في نفس البيت , وإنما يعمل في (مِنى) بالقرب منه.
أمّا ما وردَ في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط زمام
البُراق في إحدى حلقات بيت المقدس , فالأقرب عندي أن هذه الروايات وأمثالها هي
مما وضعه الواضعون بعد تعمير بلاد المسلمين لهذا البيت؛ أي: بعد فتح عمر لبلاد
الشام وإقامة مسجد مكان الهيكل (بيت المقدس) وقد غاب عن هؤلاء الواضعين
هذه الحقائق كما هو شأن الكذابين , فلم يعرفوا أن ما يشاهدونه في زمنهم لم يكن في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم [٢] .
واعلم أن القرآن الشريف قد ذكر تاريخ بيت المقدس , وما لحقه من التخريب؛
فلا يُقال: إننا فيما قلنا ملفقون أو إننا لأجْل دِفاعِنا عن القرآن ننسب إليه ما لم
يعرفْه , ولم يخطر على بال مؤلفه كما يقولون. بل ورد فيه في نفس هذه السورة
(الإسراء) بعد الآية السابقة قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ
عِبَاداً لَّنَا} (الإسراء: ٤-٥) هم بُخْتَنَصَّرُ وقومه الكلدانيون , {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} (الإسراء: ٥) اليهودية؛ أي: جالوا، وترددوا فيها للنهب
والقتل والسلب والسبي والتدمير , {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} (الإسراء: ٥) {ثُمَّ رَدَدْنَا
لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} (الإسراء: ٦) بأن أرسلنا عليهم كورش ملك فارس , فدَمَّر
مملكتهم , وفتح بابل , وأنقذ اليهود من أسرهم , وأكرم مثواهم , وأحسن إليهم ,
وردهم إلى بلادهم؛ فصاروا فيها أعزاء , وسادوا على أعدائهم الذين تركهم
الكلدانيون فيها تحت رعايتهم , فعاد إلى اليهود شيء كبير من مجدهم السابق , ثم عَمَّروا بيت المقدس الذي كان خَرَّبَه بختنصر وأحرقه , وصاروا يقيمون شعائر دينهم
فيه كما كانوا يفعلون من قبلُ {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} (الإسراء: ٦) فرجعوا من الأسر بأشياء كثيرة من الذهب والفضة، وبأمتعة،
وبهائم، وتحف، وغيرها كما في سفر عزرا (١: ٤ -١١) {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ
لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} (الإسراء: ٧) .
العقوبة الثانية {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا} (الإسراء: ٥) {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ} (الإسراء: ٧) أي: بيت المقدس {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا
مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} (الإسراء: ٧) فدخله تيطس الروماني بجيشه , ونهبه وأحرقَ
الهيكل ودمَّرَه تدميرًا كما فعل الكلدانيون مِن قبلُ , وتشتت اليهودُ بعد ذلك في العالم
ولم تعد إليهم الدولة إلى الآن.
وإنما قال القرآن: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (الإسراء: ٧) مع أن الداخلين
المدمرين للمسجد في المرة الثانية غيرُ الذين دمروه في المرة الأولى؛ لأن الجامع
بينهم شيء واحد , وهو كونهم جميعًا عبادًا لله , فإنه قال في أول القصة: {بَعَثْنَا
عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا} (الإسراء: ٥) بدون ذِكْر جنسهم.
وهذا على حد قولك: (دخل الأوربيون الجامع الأزهر مرة ثم دخلوه مرة
أخرى) مع أن الداخلين في المرة الثانية قد يكونون إنكليزًا وفي الأولى فرنساويين
ولاشتراكهم في الوصف (وهو كونهم أوربيين) كان هذا التعبير صحيحًا , ومِثْل
ذلك قوله تعالى مخاطبًا ليهود العرب: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (البقرة: ٥٥) مع أن ذلك لم
يحصل لهم , وإنما حصل لبني إسرائيل في زمن موسى ولاشتراك يهود العرب معهم
في الدِّين جاز هذا التعبير , وهو شائع في جميع اللغات.
فمما تقدم تعلم أن القرآن الشريف ذَكَرَ أن المسجد الأقصى خُرِّب مرتيْنِ , وذكر
لليهود عقوبتين، الأولى: ما أوقعه الكلدانيون بهم , والثانية: ما فعله الرومانيون.
أما الواقعة الأولى فقد تَمَّتْ في سنة ٥٨٧ قبل الميلاد , وبها زال استقلال
اليهود , وصاروا خاضعين للكلدانين , ثم الفرس، ثم اليونان , ثم الرومان.
وأما الثانية؛ فقد تمت في سنة سبعين بعد الميلاد , وبها تَشَتَّت اليهود في
أنحاء العالم , وَقُضِيَ عليهم قضاءً أَبَدِيًّا.
ومِن ذلك تعلم أن هاتين الواقعتين يدور حولهما تاريخ الأمة اليهودية , وعليهما
يُقام هيكله؛ فلولا وَحْي الله لَمَا أمكنَ لذلك العربي الأمّيّ العامّيّ الناشئ بين الوثنيين
أن يستخلصها من تاريخ الأمة اليهودية الطويل العريض , وليس في بلاده كتب
يرجع إليها , بل لا يتيسر له إذا أراد ولم يقم على تربيتة معلم , وليس له مدارس؛
ومع ذلك قد لخص هذا التاريخ الكبير في كلمة صغيرة هي نهاية الإعجاز وعِبْرَة
العِبَر وحِكْمة الحِكَم مع ما فيها من الإشارات الدقيقة إلى الحقائق التاريخية التي
يفهمها الراسخون في العلم.
هذا وقد كان أسْر اليهود إلى بابل من أكبر ما حَلّ بهم من المصائب حتى كانوا
كلَّ يوم ينتظرون الفرج والخلوص العاجل , وقد كان كورش ملك فارس المخلص
الأكبر لهم من ذلك , وكانوا يسمونه مسيح الرب (أشعياء ٤٥: ١) فلذا كثر
الثناء عليه في كتب العهد القديم لإنقاذه إياهم من المحن والبلايا والرزايا التي حَلّتْ
بهم في بابل , التي أطنبت كتبهم في وصفها وتعديدها , وأنذرهم الأنبياء بها قبل
وقوعها , ثم صاروا يبشرونهم بالخلاص منها.
وهذا هو سبب ورود لفظ الخلاص ونحوه كثيرًا في كُتُب العهد القديم ككتاب أشعياء وغيره مما صار النصارى يزعمون أنه رموز إلى المسيح عيسى عليه السلام والحقيقة أنه لا علاقةَ لأكثره به , ولكنهم ولعوا وولع مؤلفو العهد الجديد بذلك من قبل حتى إنهم كانوا ينسبون للمسيح عليه السلام من الحوادث ما ينسبون، ثم يستشهدون عليها بعبارات في العهد القديم كاستشهاد مَتَّى (٢: ١٥) بكلام
هوشع عن خروج بني إسرائيل من مصر (إصحاح١١: ١) وزعمه أن ذلك نبوة
عن المسيح عليه السلام وكاستشهاده في الإصحاح ٢٧: ٩ بكلام يزعم أن أرميا
النبي قاله مع أنه لا وُجودَ له في كتابه , وإنما يوجد في كتاب زكريا بعض ألفاظ
تشبهه (إصحاح ١١: ١٣) ولا مناسبةَ بينهما وبين ما يقوله مَتَّى في إنجيله؛
وإنما ذكرنا ذلك إبطالاً لِدعاويهم العريضة وردًّا لكيدهم وتحاملهم على القرآن
الشريف مع الجهل والتعصب كما بيناه ونبينه.
وَلَمَّا أُصِيبَ اليهود للمرة الثانية بِما أُصيبوا به من الرمانيين صاروا يترقبون
مجيء مخلِّص لهم ككورش , وهم إلى الآن ينتظرون ذلك! .
هذا شيء من تاريخ اليهود ذكرناه هنا تفصيلاً لِتفسير ما جاء في أول سورة
الإسراء , ومنه تعلم أن القرآن الشريف ذكر تخريب المسجد الأقصى في المرتين ,
فلا يُقال: إنه أخطأ وجهل التاريخ كما يدعي جهلة المسيحيين افتياتًا عليه ورغبة
منهم في تكذيب حادثة الإسراء وهي كما ترى ليس فيها شيء ينافي العلم، أو
يناقض حكم العقل الصحيح. وما نشاهده من حركات الأجرام الكونية , وما اخترعه
البشر من آلات البخار والكهرباء يُقَرِّب إلى العقل تصور تلك الحركة
السريعة التي حصل بها الإسراء , إن كان ذلك جسمانيًّا كما عليه جمهور المسلمين ,
وأما إن كان روحانيًّا أو رؤيا مَنَامِيَّة كما عليه بعضهم فلا شبهة عليه , والله أعلم.
(لها بقية) ...
((يتبع بمقال تالٍ))