للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة السنة الرابعة عشر

قد تمت السنة الرابعة عشرة من سني المنار بفضل الله وتوفيقه، فله الحمد
والشكر والثناء الحسن كما يحب ويرضى، وقد شغلنا عن العناية بالمنار في هذه
السنة بتأسيس مشروع الدعوة والإرشاد وإنشاء مدرسته، وقاسينا في سبيله من
البلاء هنا ما لم نقاسه في الآستانة؛ لأن أعداء الإصلاح هنا الذين يتجاذبهم الهواء
والحسد، ذوو شراسة وسفه، وضراوة بالإرجاف والكذب. وأما أمثالهم في
الآستانة فقد مرنوا في الطباع، ومردوا على الأعمال، وتأدبوا في الأقوال، فكان
أشدهم للمشروع مقاومة، أحسنهم لقاء ومراجعة، وألطفهم معاملة، يخصني
بإكرامه، ويمنيني بكلامه.
وقد اقتضى إنشاء المدرسة في ضواحي القاهرة نقل مطبعة المنار، والإدارة
والدار، فاغتال النقل من وقتنا أكثر من شهر لم نكتب فيه حرفًا، ولم نعمل في
الإدارة عملاً، ثم أكل ترتيب الإدارة والمطبعة شهرًا آخر، فلهذا تأخر إصدار
المنار عن مواعيده في النصف الثاني من السنة، وطبع عدة أجزاء منه في مطابع
أخرى، فلم يكن طبعها كما ينبغي، فهذا هو تقصيرنا في حق المشتركين علينا
وهذه أسبابه.
(المشتركون) أما المشتركون فإنهم كانوا في هذه السنة أشد تقصيرًا وأقل
وفاء منهم فيما قبلها، فلم يؤد ما عليه إلا قليل منهم. رأونا مشغولين عن تذكيرهم
ومطالبتهم فتشاغلوا عنا، ورأونا لا نطالبهم فقل منهم من طالب نفسه، فزادت
نفقات المنار عن دخله (وارداته) ألوفًا، فنرجو من أهل الغيرة منهم على الدين
والعلم، بل من أهل الوفاء والحق أن يحاسبوا أنفسهم، ويكلفوها عملاً واحدًا في
السنة لمساعدة من يخدمهم بماله ونفسه طول السنة، وهو أن يرسل كل واحد منهم
حوالة بما عليه.
مرّ علينا عدةُ سنينَ، ونحن نخص جمهور المشتركين في القطر التونسي
بالشكوى، وقد أذكت هذه الشكوى نار النعرة الوطنية في نفوس بعض أهل الغيرة
والوفاء من فضلائهم فَلاَمَنَا، وانتدب لتحصيل مطلوبنا، ولم يلبث أن ظهر له
صدق قولنا.
***
(الانتقاد على المنار)
نشرنا في هذا الجزء ما وجدناه في الظرف الذي تحفظ فيه رسائل الانتقاد إلا رسالة
مطوّلة من صديق لنا من أهل العلم والفضل في الآستانة، جاءتنا في أثناء الاشتغال
بنقل الإدارة والمطبعة، فرأينا أن نراجعه فيها قبل نشرها؛ لأننا لا نحب أن نجعله
ممن يرد عليهم قبل تنبيهه إلى ذلك، وسنفرغ لهذه المراجعة بعد فتح المدرسة.
وإننا نرجو منه ومن سائر أهل العلم أن يتعاهدونا بالتذكير والنقد، بعد الروية
والتأمل، والشكر للناصحين المخلصين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب
العالمين.