للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


سمت القبلة
وأدلتها وأقواها بيت الإبرة والقطب الشمالي

(س٢٥) من صاحب الإمضاء في أسريجه - منوفية مصر.
حضرة صاحب الفضيلة السيد محمد رشيد رضا أطال الله حياته
السلام عليكم ورحمة الله , وبعد عهدناك نصيرًا للشريعة عاملاً على توضيح
ما يَدْلَهِمّ علينا منها؛ لذا طرقنا باب فضيلتكم لنستنير برأيكم في موضوع تجادلنا فيه ,
ولم يقتنع كل منا بأقوال أخيه , نرجو التكرم بإثبات الحقيقة ولكم الأجر والثواب.
يا صاحب الفضيلة قال بعضنا: إن البوصلة (بيت الإبرة) هي العلامة
الوحيدة لقبلة الصلاة لأن عقربها لا يقف إلا مقابلاً لبناء الكعبة , فراجعه البعض
الآخر قائلاً: إن البوصلة ما وضعت إلا لمعرفة الجهات الأربع (الشمال ,
والجنوب , والشرق , والغرب) وبها يهتدي الملاحون والطيارون إلى الجهات التي
يقصدونها.
وعلامة القبلة: هي قطب السماء مستدلاًّ على ذلك بقول سادتنا العلماء في
كتب الفقه (شعرًا) :
قطب السما اجعل حذو أذن يسرى ... بمصر والعراق حذو الأخرى
والشأم خلفًا وأمامًا باليمن ... مواجهًا تكن بذا مستقبلن
وفسر الحذو أن يجعل القطب مقابلاً لثقب الأذن اليسرى.
فقال البعض الأول: إن معنى الحذو أن يكون القطب خلف الأذن لا مقابلاً لها،
وقال أيضًا: إن كتب الفقه محرفة , وكل واقف للصلاة في محراب المساجد كلها
حتى محراب الجامع الأزهر يجعل القطب خلف أذنه اليسرى لا مقابلاً لها , ثم قال:
إنه لا يصح مخالفة محراب المساجد , ولو تبين له بالدليل الشرعي أنه منحرف
انحرافًا كبيرًا , ثم قال: إنه لو قال كائن من كان بخلاف ذلك يكون كاذبًا ولا يصح
الاقتداء به.
لذا نرجو التكرم علينا بشرح أقوال الطرفين شرحًا وافيًا؛ حتى يتبين لنا
الحق فنتبعه , وهل الذي يجعل القطب خلف أذنه بمصر عامدًا متعمدًا صلاته
صحيحة أم لا؟ جعلكم الله مصباحًا نستضيء به في ظلمات الشبهات.
وتفضلوا يا صاحب الفضيلة بقول احتراماتنا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... مرسي سيف
... ... ... ... ... ... ... ... ... بأسريجة - منوفية
(ج) إن بيت الإبرة تقف إبرته المشابهة لعقرب الساعة وأحد طرفيها متجه
إلى جهة الشمال دائمًا , وهو الطرف الأخضر القصير , والطرف الآخر متجه إلى
جهة الجنوب فيعرف بذلك الشرق والغرب وسائر الجهات غير الأصلية من الخطوط
التي ترسم في قاعدتها , فيستدل بها على القبلة من يعرف موقعها في كل قطر ,
والعلم الخاص بذلك علم تقويم البلدان , ولكن الفقهاء يذكرون ذلك في كتبهم , ومنهم
من ألف في ذلك رسائل مخصوصة، ومن المعلوم المنصوص في الكتب أن الجنوب
قبلة المدينة والشام , والشمال قبلة اليمن وأما قبلة مصر فهي بين الجنوب والشرق،
ويقابلها العراق فقبلتها بين الجنوب والغرب، ويعرف هذا وذاك بخطوط بيت
الإبرة.
وأما نجم القطب الشمالي فهو أضبط الأدلة لمعرفة الجهات لأنه ثابت لا يتغير
موقعه في الشمال، فمن استدبره؛ كان متوجهًا إلى الجنوب , لذلك يجعله أهل الشام
وراء ظهورهم في صلاتهم إلخ.
فعلم من ذلك أن أهل مصر يجعلونه خلف الأذن اليسرى لأن قبلتهم بين
الجنوب والشرق , وحذو الشيء وحذاؤه مقابله وتجاهه لا خلفه , وإنما يكون
القطب حذاء ثقب الأذن اليسرى لمن كانت قبلته جهة الجنوب كأهل المدينة المنورة
وأهل الشام، وكذلك قال الفقهاء في الكتب التي نعرفها، فصواب الشعر الذي
ذكرتموه " خلف أذن يسرى " وإلا فهو خطأ.
وأما المحاريب في البلاد الإسلامية فالمتواتر منها معتمد لا يحتاج فيه إلى
اجتهاد، وليس لأحد فيها رأي، ومنها محراب الجامع الأزهر، ولا يعتد بقول من
يخالف ذلك ولا قول من يقول إن كتب الفقه محرفة - هكذا على الإطلاق - فكثير من
كتب الفقه في غاية الضبط والإتقان، وما يقع في بعضها من تحريف النساخ أو
المطابع فيعرفه الفقهاء، ومنها الأصول المصححة على مصنفيها أو خطوطهم
والمتلقاة بالإجازة والتلقين أحدهما أو كليهما. والله أعلم.