الدرجة العليا في المشاهدة والفرق فيها بين التوحيد وتخيلات وحدة الوجود قال [١] : (الدرجة الثالثة مشاهدة جمع تجذب إلى عين الجمع، مالكة لصحة الورود، راكبة بحر الوجود) صاحب هذه الدرجة أثبت عند الشيخ في مقام المشاهدة، وأمكن في مقام الجمع الذي هو حضرة الوجود، وأملك لحمل ما يرد عليه في مقامه من أنواع الكشوفات والمعارف؛ ولذلك كانت مشاهدته مالكة لصحة الورود، أي تشهد لنفسها بصحة ورودها إلى حضرة الجمع، وتشهد كلها لها بالصدق، ويشهد المشهود أيضًا لها بذلك، فلا يبقى عندها احتمال شك ولا ريب. وهذا أيضًا مورد للملحد والموحد، فالملحد يقول: مشاهدة الجمع هي مشاهدة الوجود الواحد الجامع لجميع المعاني، والصور، والقوى، والأفعال الخمسة، والأسماء، وحضرة الجمع عنده هي حضرة هذا الوجود، ومشاهدة الجمع تجذب إلى عينه - قال - وصفة هذا الجذب أن يحل الحق تعالى عقد خليقته بيد حقيقته، فيرجع النور على صورة خليقته إلى أصله، ويرجع العبد إلى عدميته، فيبقى الوجود للحق، والفناء للخلق، ويقيم الحق تعالى وصفًا من أوصافه نائبًا عنه في استجلاء ذاته، فيكون الحق هو المشاهد ذاته بذاته، في طور من أطوار ظهوره وهي مرتبة عبده، فإذا ثبت الحق تعالى عبده بعد نفيه ومحوه، وأبقاه بعد فنائه، فعاد كما يعود السكران إلى صحوه وجد في ذات أسرار ربه، وطور صفاته، وحقائق ذاته، ومعالم وجوده ومطارح أشعة نوره، ووجد خليقته أسماء مسمى ذاته وعوده إليه، فيرى العبد ثبوت ذلك الاسم في حضرة سائر الأسماء المشيرة بدلالتها إلى الوجود المنزه الأصل الموهم الفرع، فيؤدي استصحاب النظر إلى أصله، أن الفرع لم يفارقه هو إلا بشكله، والشكل على اختلاف ضروبه، فمعنى عدمي لتعين إمكانه في وجوبه. فانظر ما في الكلام من الإلحاد والكفر الصراح، وجعل عين المخلوق نفس عين الخالق، وأن الرب سبحانه أقام نفس أوصافه نائبة عنه في استجلاء ذاته، وأنه شاهد ذاته بذاته في مراتب الخلق، وأن الإنسان إذا صحا من سكره وجد في ذاته حقائق ذات الرب، ووجد خليقته أسماء مسمى ذاته، فيرى ثبوت ذلك الاسم في حضرة سائر الأسماء المشيرة بدلالتها إلى الوجود (المنزه الأصل) يعني عن الانقسام والتكثر (الموهم الفرع) يعني الذي يوهم فروعه، وتكثر مظاهره، واختلاف أشكاله أنه متعدد، وإنما هو وجود واحد، والأشكال على اختلاف ضروبها أمور عدمية؛ لأنها ممكنة وإمكانها يفنى في وجوبها، فلم يبق إلا وجوب واجب الوجود، وهو واحد وإن اختلفت الأشكال التي ظهر فيها، والأسماء التي أشارت إليه، فالاتحادي يشاهد وجودًا واحدًا جامعًا لجميع الصور، والأنواع، والأجناس فاض عليها كلها فظهر فيها بحسب قوابلها واستعداداتها، وذلك الشهود يجذبه إلى انحلال عزمه عن التقيد بمعبود معين، أو عبادة معينة، بل يبقى معبوده الوجود المطلق الساري في الموجودات بأي معنى ظهر وفي أي ماهية تحقق، فلا فرق عنده بين السجود للصنم، والشمس، والقمر، والنجوم، وغيرها كما قال شاعر القوم [٢] : وإن خر للأحجار في البيد عاكف ... فلا تعد بالإنكار بالعصبية وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار مذ ألف حجة فما عبدوا غيري وما كان قصدهم ... سواي وإن لم يظهروا عقد نية وما عقد الزنار حكما سوى يدي ... وإن حل بالإقرار لي فهي بيعتي وكما قال عارفهم [٣] : واعلم أن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله، فالعارف يعرف من عبد، وفي أي صور ظهر قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه} (الإسراء: ٢٣) قال وما قضى الله شيئًا إلا وقع [٤] ، وما عبد غير لله في كل معبود، فهذا مشهد الملحد. والموحد يشاهد بإيمانه ويقينه ذاتًا جامعة للأسماء الحسنى، والصفات العلى، لها صفة كل كمال [٥] ، وكل اسم حسن، وذلك يجذبه إلى نفس اجتماع همه على الله وعلى القيام بفرائضه، والطريق بمجموعها لا تخرج عن هذين السببين، وإن طوّلوا العبارات، ودققوا الإشارات، فالأمر كله دائر على جمع الهمة [٦] على الله، واستفراغ الوسع بغاية النصيحة في التقرب إليه بالنوافل، بعد تكميل الفرائض، فلا تطوِّل، ولا يُطول عليك. وشيخ الإسلام مراده بالجمع الجاذب إلى عين الجمع أمر آخر بين هذا وبين جمع أهل الوحدة وعين جمعهم، لا هو هذا ولا هذا، فهو دائر على الفناء لا تأخذه فيه لومة لائم، وهو الجمع الذي يدندن حوله، وعين الجمع عنده هو تفرد الرب سبحانه بالأزلية بالدوام [٧] ، وبالخلق والفعل، فكان ولا شيء، ويكون بعد كل شيء، وهو المكون لكل شيء، فلا وجود في الحقيقة لغيره، ولا فعل لغيره، بل وجود غيره كالخيال والظلال، وفعل غيره في الحقيقة كحركات الأشجار والنبات، وهذا تحقيق الفناء في شهود الربوبية والأزلية والأبدية، وطي بساط شهود الأكوان، فإذا ظهر هذا الحكم انمحق وجود العبد في وجود الحق، وتدبيره في تدبير الحق، فصار سبحانه هو المشهود بوجود من العبد متلاشٍ مضمحل كالخيال والظلال، ولا يستعد لهذا عندهم إلا من اجتمعت إرادته على المراد وحده حالاً، لا تكلفًا، وطبعًا، لا تطبعًا، فقد تنبعث الهمة إلى أمر وتتعلق به، وصاحبها معرض عن غير مطلبه متحلٍّ به، ولكن إرادة السوى كامنة فيه، قد توارى حكمها واستتر، ولما يزل، فإن القلب إذا اشتغل بشيء اشتغالاً تامًّا توارى عنه إرادته لغيره والتفاته إلى ما سواه مع كونه كامنًا في نفسه، مادته حاضرة عنده، فإذا وجد فجوة وأدنى تخلٍّ من شاغله ظهر حكم تلك الإرادات التي كان سلطان شهوده يحول بينه وبينها. فإذا الجمع وعين الجمع مراتب (أعلاها) جمع الهمم على الله إرادة، ومحبة وإنابة، وجمع القلب، والروح، والجوارح على استفراغ الوسع في التقرب إليه بما يحبه ويرضاه، دون رسوم الناس وعوائدهم، فهذا جمع خواص المقربين وساداتهم، (والثاني) الاستغراق في الفناء في شهود الربوبية، وتفرد الرب سبحانه بالأزلية والدوام، وإن الوجود الحقيقي له وحده، وهذا الجمع دون الجمع الأول بمراتب كثيرة (الثالث) جمع الملاحدة الاتحادية وعين جمعهم، وهو جمع الشهود في وحدة الوجود، فعليك بتمييز المراتب، لتسلم من المعاطب، وسيأتي ذكر مراتب الجمع والتمييز بين صحيحها وفاسدها في آخر باب التوحيد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى والله المستعان. قوله (مالكة لصحة الورود) أي ضامنة لصحة ورودها، شاهدة بذلك مشهودًا لها به، لأنها فوق مشاهدة المعرفة، وفوق مشاهدة المعاينة. قوله (راكبة بحر الوجود) يعني تلك المشاهدة راكبة بحر الوجود، فهي في لجة بحره، لا في أنواره، ولا في بوارقه، وقد تقدم الكلام على مراده بالوجود، وأنه وجود علم، ووجود عين، ووجود مقام، وسيأتي تمام الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى. *** منزلة المعاينة أو مقامها (من مدارج السالكين أيضًا) قال شيخ الإسلام [٨] (باب المعاينة) قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ} (الفرقان: ٤٥) قلت: المعاينة مفاعلة من العيان، وأصلها من الرؤية بالعين، يقال: عاينه إذا وقعت عينه عليه، كما يقال: شافهه. إذا كلمه شفاها، وواجهه، إذا قابله بوجهه، وهذا مستحيل في هذه الدار أن يظفر به بشر، وأما قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ} (الفرقان: ٤٥) ، فالرؤية واقعة على نفس مد الظل [٩] لا على الذي مده سبحانه، كما قال: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً} (نوح: ١٥) وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ} (الفيل: ١) فهاهنا أوقع الرؤية على نفس الفعل، وفي قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (الفرقان: ٤٥) أوقعها في اللفظ عليه سبحانه والمراد فعله من مد الظل، هذا كلام عربي بين معناها غير محتمل ولا مجمل، كما قيل في العُزَّى: (كفرانك اليوم لا سبحانك * إني رأيت الله قد أهانك) وهو كثير في كلامهم، يقولون: رأيت الله قد فعل كذا وكذا، والمراد رأيت فعله، فالعيان والرؤية واقع على المفعول لا على ذات الفاعل وصفته، ولا فعله القائم به *** فصل قال صاحب المنازل (المعاينة [١٠] ثلاث (إحداها) معاينة الأبصار (الثانية) معاينة عين القلب، وهي معرفة عين الشيء [١١] على نعته علمًا يقطع الريبة، ولا تشوبه حيرة [١٢] (الثالثة) معاينة عين الروح، وهي التي تعاين الحق عيانًا محضًا، والأرواح إنما طهرت وأكرمت بالبقاء لتعاين [١٣] سناء الحضرة، وتشاهد بهاء العزة، وتجذب القلوب إلى فناء الحضرة) جعل الشيخ المعاينة للعين والقلب والروح، وجعل لكل معاينة منها حكمًا، فمعاينة العين هي رؤية الشيء عيانًا إما بانطباع صورة المرئي في القوة الباصرة عند أصحاب الانطباع، وإما باتصال الشعاع المنبسط من العين المتصل بالمرئي عند أصحاب الشعاع، وإما بالنسبة والإضافة الخاصة بين العين وبين المرئي عند كثير من المتكلمين، والأقوال الثلاثة لا تخلو عن خطأ وصواب، والحق شيء غيرها، وأن الله سبحانه جعل في العين قوة باصرة كما جعل في الأذن قوة سامعة، وفي الأنف قوة شامة، وفي اللسان قوة ناطقة، فهذه قوى أودعها الله سبحانه في هذه الأعضاء وجعل بينها وبينها رابطة، وجعل لها أسبابًا من خارج، وموانع تمنع حكمها، وكل ما ذكروه من انطباع ومقابلة وشعاع ونسبة وإضافة فهو سبب وشرط، والمقتضي هو القوة القائمة بالمحل، وليس الغرض ذكر هذه المسألة فالمقصود أمر آخر. وأما معاينة القلب فهي انكشاف صورة المعلوم له بحيث تكون نسبته إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين، وقد جعل الله سبحانه القلب يبصر ويعمى كما تبصر العين وكما تعمى، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: ٤٦) فالقلب يرى، ويسمع، ويعمى، ويصم، وعماه، وصممُه أَبْلَغُ من عمى البصر، وصممه. وأما ما يثبته متأخرو القوم من هذا القسم الثالث (وهو رؤية الروح، وسمعها وإرادتها، وأحكامها التي هي أخص من أحكام القلب) فهؤلاء اعتقادهم أن الروح غير النفس والقلب [١٤] ، ولا ريب أن ها هنا أمورًا معلومة، وهي البدن وروحه القائم به، والقلب المشاهد فيه وفي سائر الحيوان، والغريزة وهي القوة العاقلة التي محلها القلب , ونسبتها إلى القلب كنسبة القوة الباصرة إلى العين، والقوة السامعة إلى الأذن، ولهذا تسمى تلك القوة قلبًا، كما تسمى القوة الباصرة بصرًا، قال تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} (ق: ٣٧) ولم يرد شكل القلب فإنه لكل أحد، وإنما أريد القوة والغريزة المودعة فيه، والروح هي الحاملة للبدن، ولهذه القوى كلها، فلا قوام للبدن، ولا لقواه إلا بها، ولها باعتبار إضافتها إلى كل محل حكم، واسم يخصها هناك، وإذا أضيفت إلى محل البصر سميت بصرًا وكان لها حكم يخصها هناك، وإذا أضيفت إلى محل العقل - وهو القلب - سميت قلبًا، ولها حكم يخصها، وهي في ذلك كله روح، فالقوة الباصرة والعاقلة، والسامعة، والناطقة روح باصرة، وسامعة، وعاقلة، وناطقة، فهي في الحقيقة [١٥] هذا العاقل الفَهِم المدرك المحب العارف المحرك للبدن الذي هو محل الخطاب، والأمر، والنهي - هو شيء واحد له [١٦] صفات متعددة بحسب متعلقاته، فإنه يسمى نفسًا مطمئنة، ونفسًا لوامة، ونفسًا أمارة، وليس هو ثلاثة أنفس بالذات والحقيقة؛ ولكن هي نفس واحدة لها صفات متعددة، وهم يشيرون بالنفس إلى الأخلاق والصفات المذمومة فيقولون: فلان له نفس، وفلان ليس له نفس، ومعلوم أنه لو فارق نفسه لمات؛ ولكن يريدون تجرده عن صفات النفس المذمومة والمحققون منهم يقولون: إن النفس إذا تلطفت، وفارقت الرذائل صارت روحًا. ومعلوم أنها لم تعدم، ويخلق لها مكانها روح لم تكن؛ ولكن عدمت منها الصفات المذمومة، وصار مكانها الصفات المحمودة فسميت روحًا. وهذا اصطلاح مجرد وإلا فالله سبحانه سماها نفسًا في القرآن في جميع أحوالها (أمارة، ولوامة، ومطمئنة) وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (الزمر: ٤٢) ويدخل في هذا جميع أنفس العباد حتى الأنبياء، وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روحًا على الإطلاق مؤمنة كانت أو كافرة، برة أو فاجرة، كقوله: (أن الروح إذا قبض تبعه البصر) ، وقوله: (إن الله قبض أرواحنا حيث شاء وردها حيث شاء) ، وقوله: في حديث قبض الروح وصفته، إن كان [١٧] مؤمنًا كان كذا وكذا، وإن كان كافرًا كان كذا وكذا، فسمى المقبوض روحًا، كما سماه الله في كتابه نفسًا، وهذا المقبوض والمتوفى شيء واحد، لا ثلاثة، ولا اثنان، وإذا قبض تبعته القوى كلها - العقل وما دونه، لأنه كان حامل الجميع، ومركبه. إذا عرف هذا فالمعاينة نوعان: معاينة بصر، ومعاينة بصيرة، فمعاينة البصر وقوعه على نفس المرئي، أو مثاله الخارجي كرؤية مثال الصورة في المرآة والماء، ومعاينة البصيرة وقوع القوة العاقلة على المثال العلمي المطابق للخارجي، فيكون إدراكه له بمنزلة إدراك العين للصورة الخارجية، وقد يقوى سلطان هذه الإدراك الباطن بحيث يصير الحكم له، ويقوى استحضار القوة العاقلة لمدركها بحيث يستغرق فيه، فيغلب حكم القلب على حكم الحس والمشاهدة؛ فيستولي على السمع والبصر بحيث يراه، ويسمع خطابه في الخارج، وهو في النفس والذهن؛ لكن لغلبة الشهود وقوة الاستحضار، وتمكن حكم القلب واستيلائه على القوى صار كأنه مرئي بالعين، مسموع بالأذن، بحيث لا يشك المدرك في ذلك، ولا يرتاب البتة، ولا يقبل عدلاً. وحقيقة الأمر أن ذلك كله شواهد وأمثلة علمية تابعة للمعتقد، فذلك الذي أدرك بعين القلب والروح إنما هو شاهِدٌ دالٌّ على الحقيقة، وليس نفس الحقيقة، فإن شاهد نور جلال الذات في قلب العبد ليس هو نفس نور الذات الذي لا تقوم له السموات والأرض، فإنه لو ظهر لها لتدكدكت وأصابها ما أصاب الجبل، وكذلك شاهد نور العظمة في القلب إنما هو نور التعظيم والإجلال، لا نور نفس المعظم ذي الجلال والإكرام، وليس مع القوم إلا الشواهد والأمثلة العلمية والدقائق [١٨] التي هي ثمرة قرب القلب من الرب، وأنسه به واستغراقه في محبته، وذكره واستيلاء سلطان معرفته عليه، والرب تبارك وتعالى وراء ذلك كله، منزه مقدس عن اطلاع البشر على ذاته، أو أنوار ذاته، أو صفاته أو أنوار صفاته، وإنما هي الشواهد التي تقوم بقلب العبد كما يقوم بقلبه شاهد من الآخرة والجنة والنار وما أعد الله لأهلهما، وهذا الذي وجده عبد الله بن حرام يوم أحد لما قال: واها لريح الجنة! إني أجد ريحها دون أحد، ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا - قالوا وما رياض الجنة؟ قال: - حلق الذكر) ومن قوله: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فهو روضة لأهل العلم والإيمان لما يقوم بقلوبهم من شواهد الجنة، حتى كأنها لهم رأي عين، وإذا قعد المنافق هناك لم يكن ذلك المكان في حقه روضة من رياض الجنة، ومن هذا قوله: (الجنة تحت ظلال السيوف) فالعمل إنما هو على الشواهد، وعلى حسب شاهد العبد يكون عمله. اهـ. المراد منه. ((يتبع بمقال تالٍ))