كل يوم تبتدي صروف الليالي ... خلقًا من أبي سعيد غريبا وأبو سعيد هذا الزمان هو غلام أحمد القادياني المفتون بنفسه. المغلوب على عقله وحسه، فهو كل يوم يأتينا بخلق غريب. وخَلْق من إفكه عجيب، ففي الشهر الماضي أرسل إلينا قصيدة من المخزيات، ولكنه نظمها في سلك ما يّدعيه من المعجزات، وجعل لها مقدمة هذيانية. ولكنها باللغة الأوردية، وأرسل لنا معها منشورًا باللغة الإنكليزية، يقول فيه أنه أوتي من البلاغة في العربية ما لم يؤته أحد من العالمين، وأنه يتحدى بقصيدته هذه جميع المطلعين، ومن يعارضها في الهند من شعراء العربية يُعطى عشرة آلاف روبية، ولم يذكر لنا الحاكم الناقد، الذي تعرض عليه القصائد ليميز بين سحر البيان، وبين اللغو والهذيان، وقد أخرنا الكتابة في هذه السخافة الجديدة لأننا كنا عازمين على قراءتها كلها وإظهار ما فيها من الأغلاط اللغوية والنحوية والصرفية والعروضية والتنبيه على ما فيها من السرقات الشعرية، التي سلخها من كلام فحول الرجال، ومسخها ولا غَرْوَ أن يظهر المسخ على يد المسيخ الدجال، ثم بدا لنا أن هذه الانتقادات ليست بضرورية، عند العارفين باللغة العربية، فإنَّ عَرْضَ القصيدة عليهم يكفي لمعرفة دركها في السخافة، وأما المخدوعون به من الأعجمين في الهند فلا يفهمون انتقادنا إذا هو وصل إليهم لذلك نذكر هنا أبياتًا من القصيدة ونترك للقراء الضحك منها ومن غرور المستدل بها على دعوى المسيحية قال: أيا أرض مُدٍّ قد دفاك مدمر وأرداك ضلّيل وأغراك موغر دعوتِ كذوبا مفسدًا صيدي الذي ... كحوت غدير أخذه لا يعزّر وجاءك صحبي ناصحين كإخوة ... يقولون لا تبغوا هوًى وتصبّروا فظل أُسارى كم أسارى تعصب ... تريدون من يعوي كذئب ويختر فجاءوا بذئب بعد جهد أذابهم ... ونعني ثناء الله منه ونظهر فلما أتاهم سرهم من تصلف ... وقال افرحوا إني كميّ مظفر وقال استروا أمري وإني أردهم ... أخاف عليهم أن يفروا ويدبروا وأرضى اللئام إذا دنا من أرضهم ... على النار مشاهم وقد كان يبطر ومنها في هجو منكر عليه: فلما اعتدى وأحس قومي أنه ... يصرّ على تكذيبه لا يقصر دعوه ليبتهلن لموت مزوّر ... مضل فلم يسكت ولم يتحسر وكذب إعجاز المسيح وآيه ... وغلطه كذبًا وكان يزور ثم قال هذه الأبيات التي كتب بإزائها في الهامش أنها وحي من الله تعالى: فقد سرني في هذه الصور صورة ... ليدفع ربي كلما كان يحشر فألفت هذا النظم أعني قصيدتي ... ليخزي ربي كل من كان يهذر وهذا على إصراره في سؤاله ... فيكف بهذا السُّئل أغضى وأنهر وليس علينا في الجواب جريمة ... فنهدي له كالأكل ما كان يبذر فإن أك كذابًا فيأتي بمثلها ... وإن أك من ربي فيغشى ويثبر وهذا قضاء الله بيني وبيهم ... ليظهر آيته وما كان يخبر قطعنا بهذا دابر القوم كلهم ... وغادرهم ربي كغصن نجذر أرى أرض مُدّقد أريد تبارها ... وغادرهم ربي كغصن تجذر أيا محسنى بالحمق والجهل والرٌّغا ... رويدك لا تبطل صنيعك واحذر أتشتم بعد العون والمن والندى ... أتنسى ندى مدٍّ وما كنت تنصر ترى كيف أغبرت السماء بآيها ... إذا القوم آذوني وعابوا وغبّروا فلا تتخير سبل غيّ وشقوة ... ولا تبخلن بعد النوال وفكر *** سخافة أخرى لمسيخ الهند الدجال قلنا إنه أرسل إلينا في الشهر الماضي قصديته الإعجازية، ونقول أيضًا: إنه أرسل إلينا في هذا الشهر رسالة باللغة الإنكليزية، وكتبها باسم ملك الإنكليزلا باسم الله، وجعلها خدمة للدولة الإنكليزية - في زعمه ووهمه -، ولكن لم يكتب في الحقيقة ما هو أضر منها على السياسة الإنكليزية. وهذا شأن الصديق الأحمق يريد أن ينفع فيضر. من سياسة هذا المسيخ الدجال أنه نسخ حكم الجهاد في الإسلام لكيلا تعارضه الدولة الإنكليزية في دعوته ظنًا منها أنه يؤلف عصبية دينية للخروج عليها في الهند كما يفعل أمثاله الدجالون الذين يَدَّعي كل خارج منهم أنه المهدي المنتظر، وقد كتب في هذا المعنى كثيرًا، وإنما كانت كتابته في هذه الرسالة وأمثالها ضارّة ومناقضة للسياسة الإنكليزية؛ لأنه يقول فيها: إن جميع علماء المسلمين يقولون بوجوب الجهاد الديني، وأنهم جهلاء مخطئون في هذه الدعوى. فإذا انتشرت هذه الرسالة، وقرأها الناس فربما تتحرك نفوسهم إلى الأمر الذي تصرح الرسالة بأن العلماء مُجْمِعون عليه ولا تلتفت إلى تخطئة خارجي مثل غلام أحمد القادياني لهم. وأما الرأي الأفين الذي أشار به على الحكومة الإنكليزية وهو جمع مؤتمر من العلماء للنظر في مسألة الجهاد واستقراء أدلتها في الكتاب والسنة ليظهر لهم أنه غير واجب فيقرروه - فهو رأي لا ترضى به سياسة حكيمة كالسياسة الإنكليزية ولا هي محتاجة إليه. أمّا عدم رضاها به فلأنه إذا قرر العلماء خلاف ما يقول غلام أحمد الدجال فيخشى من وقوع فتنة عظيمة، وأما عدم حاجتها إليه فلأن أهل الهند راضون من حكومتهم ولا يخطر في بالهم الخروج عليها وحسبها هذا منهم. ولو كان هذا الدجال يتجنب هذه الأوحال، لكان أسلم له على كل حال.