للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المنار ومجلة مشيخة الأزهر

نشرنا في أشهر الصحف اليومية الإسلامية مقالات عنوانها (بيان للأمة في
جرائدها) فيما شجر بيننا وبين مجلة مشيخة الأزهر من التنازع في نصرها للبدع
الاعتقادية والعملية وتأويلها لما يخالف النصوص والسنن القطعية، وإنكارنا عليها
بما يؤيد النصوص والسنن التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وسلف الأمة الصالح وطعنها فينا وافترائها علينا لعجزها عن الرد العلمي، وإننا
ننشر هذه المقالات - ولما تتم - في المنار لأنها من أهم مسائل تاريخ الإصلاح
الذي أنشئ له ونهض به، ولنا أن نختصر وننقح هنا بعض العبارات اجتنابًا
للتكرار الذي لا يحسن في المجلات.
***
المقال الأول
في موضوع التنازع بين المجلتين
أو بين الإصلاح والجمود والبدعة والسنة
ونشر في الجرائد في ٢٠ جمادى الآخرة الموافق ٢٠ أكتوبر
{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ
سُلْطَاناً نَّصِيراً * وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:
٨٠-٨١) .
وقع تنازع بين مجلة المنار ومجلة الأزهر والمعاهد الدينية الرسمية (نور
الإسلام) تعدت هي فيه البحث العلمي إلى الطعن الشخصي، فأحببت أن ينحصر
ردي عليها فيها ليعلم قراؤها الحق فيما نشرته من العلم والدين، فأرسلت إليها
المقالة الأولى من الرد فلم تنشرها، بل نشرت في الجزء الذي كان ينتظر نشر الرد
فيه مقالاً آخر في الطعن علي، وانتقل البحث إلى الصحف اليومية فنشر فيها
مقالات لأفراد من العلماء يذكرون فيها مسائل مما اتهمني به الشيخ يوسف الدجوي
من هيئة كبار العلماء في الأزهر وأحد محرري مجلته، ويردون عليه فيها، ثم
رأيت له مقالات يرد فيها على بعضهم ويطعن عليَّ وعليهم، ثم رأيت في بعضها
خبر سعي صاحب الفضيلة العلامة المصلح الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار
المصرية للصلح وتمامه في داره، ووصل إلي بعد عقد هذا الصلح رسالة مطبوعة
باسم أخص تلاميذ الأستاذ الدجوي من علماء الأزهر، وهو قريبه وأمين سره
المساعد له على الطعن الذي يكتبه له، نشر فيها بعض ما كتبه الأستاذ الدجوي في
الطعن في مجلة الأزهر أخيرًا، وما كان نشره في بعض الجرائد من الطعن قديمًا
مع تعليقات وقصائد في إطراء أستاذه، بل إطراء الأستاذ لنفسه بأنه إمام المسلمين
وحامي حمى الدين....، وهجوي وتكفيري بما يتعجب كل من رآه لصدوره عن
أحد رجال العلم والدين كقوله:
أترى أنك البصير بشيء ... أنت فيه كالكلب والخنزير
وكفى أن عافاهما الله من رؤ ... ية وجه كوجهك المقذور
وهذا الطعن مما يعاقب عليه القضاء قطعًا؛ ولكنه هو نفسه أشد عقابًا لمجترحه
في نظر أهل الدين والعلم والأدب، أو كما قال المتنبي:
فذاك ذنب عقابه فيه
ورأيت الناس يطالبونني قولاً وكتابة بالرد على مطاعن مجلة الأزهر
ويتعجبون من سكوتي عنها حتى نشر هذا بعضهم في جريدة السياسة الغراء؛
وإنما كان سكوتي إلى الآن أنني وعدت به فضيلة المفتي إلى أن يبلغ غاية شوطه
من السعي للصلح، وقد وفيت له بوعدي، وظهر له صدقي وخداع الدجوي.
وبقيت مجلة الأزهر والمشيخة التي تصدرها، فسنرى ويرى الناس ما سيكون
من أمرهما بعد ظهور هذه الجرائم من اثنين من علماء المشيخة في مجلة المشيخة
وفي رسالة تباع في الأزهر نفسه، فالأستاذ الأكبر شيخ الأزهر هو المسئول عن
شرفه وشرف مجلته وعلمائه، ولم نعلم أنه صدر عنهم في زمن من الأزمان مثل
هذا ولا ما يقرب منه.
وها أنذا أبيِّن للأمة في جرائدها اليومية موضوع الخصام والصلح الذي
يسألونني عنه؛ لأنه يتعلق بأمر دينها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم وما طرأ عليه من البدع والشبهات، وموقفها بين الإصلاح والخرافات،
وما يجب عليها من معرفة الفصل فيه بين الحق والباطل، إذ لم تعد المسألة نزاعًا
واختلافًا بين مجلتين يحسن ألا تعدو صحائفهما، ولا بين شخصين مختصمين، بل
تعدتهما إلى مسألة الإصلاح الإسلامي الذي يتوقف عليه حفظ الإسلام في هذا
العصر، ومسألة الجمع بين الإسلام الصحيح وعلوم العصر التي تتوقف عليها عزة
الأمم واستقلالها، ومسألة جمود الأزهر الماضي وتجديده الحاضر والمستقبل،
والتنازع بين النابتة التي نجحت فيه بإصلاح الأستاذ الإمام، وبقايا أعشاب الجمود
الضارة التي تعوق نماءها، واستواءها على سوقها، وإيتاءها أُكُلها بإذن ربها.
ضاق الأزهر الحديث ذرعًا بما كان من جموده في القرون الأخيرة، فطفق
ينسلخ منه ببطء ثم بسرعة واستعجال يخشى أن يكون معه الزلل، فيتبع مدرسة
دار العلوم في نزع آخر مشخصات رجال الدين عنه؛ فإن جذب الاستقلال العصري
له صار أقوى من جذب الجمود السابق، وهو في أشد الحاجة إلى موقف الاعتدال
في الوسط الذي اختطه له الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى وفيه بعض تلاميذه ومريديه
ولكنهم يستترون لإخراج بعضهم منه إخراجًا إداريًّا غريبًا ويحتاجون إلى قوة
وزعامة تمكنهم من موقفهم في الوسط، وحمل الميزان القسط، وقد شعر أنصار
الجمود بقرب زوال دولتهم وجاههم الأزهري فأجمعوا أمرهم وهم يمكرون ونهضوا
بحملة جديدة على الإصلاح سأشرحها بعد بما يدهش عقلاء الأمة ويشغل صحفها
وأقتصر في هذه المقالة على مثار الخلاف بين المجلتين فأقول:
كانت طريقة الأزهر في التعليم قبل مجيء السيد جمال الدين الأفغاني إلى
مصر إلزام الطلبة قبول كل ما في كتب التدريس وما يقوله لهم المدرسون بالتسليم
وعدم الاعتراض، عقلوه أم لم يعقلوه، وطريقة الأستاذ الإمام التي استفادها من
الأفعاني وجرى عليها بالدعوة وبالعمل في دروسه الدينية والفنية والعقلية أن لا يقبل
أحد كلام أحد بالتسليم الأعمى، بل يجب الفهم والاستدلال المؤدي إلى الإقناع
والتفرقة بين كلام المعصوم وغير المعصوم.
في كتب التعليم في الأزهر وغيرها ما يخالف اليقينيات القطعية حتى الحسية
منها، ويرى طلابه وغيرهم في كتب التفسير وشروح الأحاديث مشكلات اضطرب
العلماء في حل عقدها، ويرون في بعض أجوبتهم عنها ما لا يقنع من يريد أن يفهم
ويعلم، ويرون أن عالمًا واحدًا من المحدثين الفقهاء قد ألَّف أربع مجلدات في
الأحاديث المشكلة سمَّاه (مشكل الآثار) وهو الإمام الطحاوي، ويرون مع هذا كله
في علمائهم المدرسين من يفتي بكفر من يستشكل حديثًا صححه أحد المحدثين ولا
سيما الشيخين رضي الله عنهما، ويلتمس لنفسه مخرجًا من الإشكال، وقلما كان
أحد منهم يجترئ على سؤال شيوخه الجامدين عن ذلك لئلا يرموه بالكفر.
مثال ذلك أنه يوجد في الصحيحين وغيرهما حديث مرفوع خلاصته أن الشمس
تذهب حين تغرب في آخر النهار فتغيب عن الدنيا وتصعد، فتسجد تحت العرش،
ثم تستأذن ربها بالطلوع في اليوم التالي، فيأذن لها فتطلع وأنه سيأتي وقت تستأذن
فيه فلا يُؤذن لها، ثم تؤمر بالطلوع من مغربها.
استشكل هذا الحديث كبار علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين، ولا سيما
الذين عرفوا علم الفلك والمواقيت والجغرافية بأنه مخالف للحس وما تقرر في علم
الهيئة الفلكية، وصرح إمام الحرمين الشهير في القرن الخامس بما يصرح به
علماء هذا العصر من أن الشمس في كل وقت تغرب عن قوم وتطلع على قوم ...
إلخ؛ ولكن لا يزال في علماء الأزهر وغيرهم من يفتي بكفر من لا يؤمن بظاهر
الحديث ويسمونه مكذبًا لله ولرسوله! صرَّح بذلك الشيخ يوسف الدجوي في مجلة
الأزهر الرسمية، ولما تنكر ذلك عليه مشيخة الأزهر المسئولة عن هذه المجلة،
فكيف يستطيع الموقن بأن الشمس لا تغرب عن الأرض طرفة عين أن يكون مسلمًا
على رأي هؤلاء العلماء؟ وجميع طلبة الأزهر الذين يدرسون فيه علم الجغرافية
يوقنون بأن الشمس لا تغيب عن الأرض طرفة عين، وجميع المتعلمين في
المدارس النظامية موقنون بهذا، ومنهم أمراؤنا وحكامنا ومحررو صحفنا أجمعون
أكتعون أبصعون.
وإنني قد ذكرت في المنار وفي تفسيره علة علمية تنفي صحة سند الحديث
على طريقة المحدثين ومخرجًا من دلالة متنه على ما ينافي الحس لم أر أحدًا وُفِّق
لهما قبلي، وسأذكرها في الرد العلمي على مجلة المشيخة.
كان الأستاذ الإمام مرجعًا لكل من يعرض له إشكال أو شبهة في دينه، ومن
خطة المنار التي جرى عليه من أول نشأته التصدي لدحض الشبهات وحل المشكلات
الدينية والعقلية والعلمية بالأدلة الجامعة بين المعقول والمنقول.
وقد علمنا أن بعض الجامدين كان يطعن علينا بما نكتبه لنحفظ على المشتبهين
والمستشكلين إيمانهم بصحة كل ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله
عليه وسلم من أمر الدين، وحملني هذا على أن أنشر في أول كل جزء من مجلد
من مجلدات المنار إعلانًا أدعو فيه العلماء وغيرهم إلى الكتابة إلي بما يرونه منتقدًا
فيه من المسائل الدينية وغيرها، مع الوعد بأن أنشر ما يرسلونه إلي بشرط أن
يقتصر فيه على المسائل المنتقدة والدليل على ما يراه الكاتب من الخطأ فيها من
غير زيادة ولا استطراد، وأبيِّن رأيي فيه، وما زلت أفي بما وعدت.
كبر على الجامدين والخرافيين اشتهار مجلة المنار في العالم الإسلامي وما
يرونه فيها من استفتاء مسلمي الشرق والغرب إياها في كل ما يشكل عليهم من أمر
دينهم، ولا سيما شبهات الماديين والمبشرين وغيرهم، وكبر عليهم نشرنا لمناقب
الأستاذ الإمام وإصلاحه وتجديده للإسلام فيها وفي تفسير المنار وفي التاريخ العظيم
الذي دونا فيه مناقبه في ثلاثة مجلدات بلغت صفحات الجزء الأول منها ١١٣٤
صفحة ما عدا المقدمة وصاروا لا يدرون كيف يقاومونها.
تصدى الأستاذ يوسف الدجوي منذ بضع عشرة سنة (١٣٣٥) للطعن على
الأستاذ الإمام والتحرش بالمنار، فبدأ بنشر مقالات في جريدة الأفكار في الإنكار
على ما نشرناه في تفسير قوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: ١)
من أن النفس الواحدة ليست نصًّا في أبينا آدم عليه السلام، وأنه إن فرض ثبوت
قول الذين يقولون إن للبشر عدة أصول أو نظرية دارون في اختلاف الأنواع؛ فإن
القرآن يبقى على عصمته لا ينقضه شيء، هذا مجمل ما قرره شيخنا الأستاذ الإمام
في الأزهر وقرره قبله أستاذنا العلامة الشيخ حسين الجسر في كتابه الرسالة
الحميدية التي قرَّظها أكبر علماء سورية وعلماء الترك وغيرهم إذ ترجموها باللغة
التركية وكانت سبب حظوة مؤلفها عند السلطان عبد الحميد، ولم ينكر عليه أحد
هذا القول في مذهب دارون.
ولكن أحد علماء تونس الأذكياء انتقد عبارتنا في تفسير آية سورة النساء
وموافقتنا للأستاذ الإمام على ما قاله في المسألة بمقال نشرناه في المنار أجبنا عنه
من بضعة عشر وجهًا أقنعت هذا الأستاذ، وأما الشيخ يوسف الدجوي فلم أرد على
ما نشره في جريدة الأفكار؛ لأنه كان تحرشًا وطعنًا شخصيًّا بسوء نية غير مبني
على دليل علمي، فضلاً عن كونه نشره في جريدة يومية ولو كان بحثًا علميًّا
لأرسله إلى المنار كالأستاذ العلامة الشيخ محمد البشير النيفر التونسي.
ثم إن الأستاذ الدجوي كتب في سنة ١٣٤٨ رسالة في الطعن على متبعي
السلف من عهد شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الآن غمز فيها الأستاذ الإمام بقوله بعد
اعترافه بأنه غني عن الثناء والإطراء: (ولكننا نعجب له وقد تربى تلك التربية
العقلية الفلسفية كيف يسير وراء كل ناعق من الأوربيين فيردد صدى صوته بلا نقد
ولا تمحيص، وقد يكون ذلك عندهم محل الظن والتخمين أو الفرض والتقدير،
وربما أول له الآيات الصريحة، أو السنة الصحيحة قبل أن يقام عليه البرهان، أو
يبارح محل الاستحسان، إلى أن قال: ولا داعي لأن نفيض في بيان تلك الآراء ففي
المنار منها شيء كثير) اهـ.
إنني على التزامي لتفنيد كل من يطعن في الأستاذ الإمام قدَّس الله روحه
أعرضت عن الأستاذ الدجوي ولم أعرض له؛ لأنه ليس ممن يُرَدُّ عليهم في نظري؛
ولكنني أشرت في فاتحة المجلد الحادي والثلاثين من المنار إلى قوله إشارة ولم
أُسمِّه وقلت إن الأستاذ الإمام لا يضيره مثل هذا القول فيه.
هل يسمع قول مثل الدجوي في الأستاذ الإمام (إنه يسير وراء كل ناعق من
الأوربيين) وهو هو الذي علَّم الأزهر استقلال الفكر وعدم قبول قول لغير المعصوم
بدون دليل؟ وهو هو الذي شرَّف مصر والأمة الإسلامية أمام أوربة بإكبار شيخ
فلاسفتها هربرت سبنسر لعلمه وعقله وبرَدِّه على موسيو هانوتو ذلك الرد الذي
اهتزت له أوربة والشرق، وألجأ ذلك الكاتب الكبير والوزير الشهير إلى الاعتذار
للإمام المصري بما هو مشهور، وهو الذي كتب في حقه العلامة المستشرق إدوارد
براون من أساتذة جامعة كمبردج الإنكليزية: إنني ما رأيت في الشرق ولا في الغرب
مثله.
بيد أنني أنكر على مجلة نور الإسلام الأزهرية الرسمية ما تنشره له من
المقالات والفتاوى في تأييد البدع الفاشية في عامة الأمة، ولا سيما بدع القبور
ومنكراتها والطعن على السلفية عامة والوهابية خاصة في هذا العصر الذي أظهر
فيه العالم الإسلامي كله في الشرق والغرب والوسط كمصر حرسها الله العطف على
الدولة السعودية والدفاع عنها، والانتقاد على الدولة المصرية لعدم اعترافها بها،
ولمنع حقوق الحرمين الشريفين وأهلهما من الحقوق الثابتة لهم في أوقاف مصر،
ولو كتب الأستاذ الدجوي ما ذكر في غير مجلة الأزهر الرسمية لما عنيتُ هذه العناية
بالرد على بعض ما كتبه ولم أقرأه كله.
وإنما أُعنى بما يكتب فيها لصفتها الرسمية؛ ولأنني أعد فضيلة شيخ الأزهر
مسئولاً عن الطعن الذي وجهته إلي مع كاتبه ورئيس تحرير المجلة جميعًا.
ظهرت مجلة (نور الإسلام) فأحسنت تقريظها في المنار وتمنيت لها أن تكون
خيرًا منه في خدمة الإسلام لما يرجى من دوامها بكونها لمصلحة إسلامية غنية لا
لشخص قد تموت بموته، ونصحت لها بما أملاه علي اختبار ثلث قرن في مثل
الخدمة التي أنشئت لها، وذكَّرت محررييها ومشيخة الأزهر ورياسة المعاهد الدينية
بأن تبعة ما يُنشر فيها ليس كتبعة ما يُنشر في المجلات والصحف الشخصية
ليتحروا فيما يكتبون.
كان المثير الظاهر لهذا الطعن فتويين مختلفتين في مسألة البدعة التي ابتدعها
المؤذنون بمصر في القرن الثامن، وهي زيادة السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم في آخر الأذان، ثم زيادة الصلاة مع السلام وزيادة نداء السيد البدوي أيضًا
بعد أذان الفجر، أفتيت في المنار بأنها بدعة في شعار ديني تدخل في عموم قوله
صلى الله عليه وسلم من حديث كان يقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: (وكل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم في صحيحه، وأفتت مجلة نور الإسلام
بأنها بدعة حسنة.
ثم نَشَرتْ للأستاذ الدجوي مقالاً طويلاً في الرد على ما كتبه المنار في هذه
المسألة أكثر فيه من الطعن والتهكم والغميزة والزراية على صاحب المنار والتجهيل
والتكفير له، وقذفه بأنه كذَّب الله ورسوله وعزا إليه مسائل لا يقول بها كلها ولا
ببعضها أحد يؤمن بالله وبما جاء به محمد خاتم النبيين عنه عز وجل وهي:
١- إنكار الملائكة وتقرير أنهم عبارة عن القوى الطبيعية.
٢- إنكار الجن وتقرير أن الجن المذكورين في القرآن عبارة عن الميكروبات
٣- جواز تطبيق القرآن على مذهب داروين المخالف لقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} (آل عمران: ٥٩) الآية.
٤- إفتاء التلاميذ المسلمين بالصلاة مع النصارى في الكنائس ليغرس في
قلوبهم النقية تلك الطقوس النصرانية، وينقش في نفوسهم الساذجة ما يسمعونه من
القسوس والمبشرين هناك، بهذا علل الفتوى المفتراة أي أنني أفتيتهم بهذا لأجل أن
يكونوا نصارى، فجعل العالم المسلم داعية الإسلام ومدرهه داعيًا إلى النصرانية،
وهو الذي قال القس زويمر أجرأ المبشرين على الطعن في الإسلام حتى إنه طعن
عليه في الجامع الأزهر: إنه لا يوجد في علماء المسلمين من يدافع عن الإسلام
بحجة وعقل إلا صاحب المنار.
٥- قوله - كبرت كلمة تخرج من فيه وعليه إثمها وعلى المجلة التي نشرتها
والمشيخة المتولية إصدارها - ما نصه: (بل وصل الأمر من مجتهدنا - الذي يبحث
في جميع شؤون الإصلاح الديني والمدني والسياسي كما يقول في مناره- أن اجترأ
على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم من أن
الشمس تسجد تحت العرش) وأطال في هذه التهمة بما خرج به عن موضوعها كعادته
حتى قال:
(فالشيخ إذًا مخطِّئ لله ولرسوله مكذب للقرآن والسنة، وإن شئت فقل: مجهل
لهما! ! فالشيخ يوسف الدجوي لا يُستغرب منه مثل هذا الافتراء والبهتان؛ وإنما
يستغرب نشر مجلة الأزهر له وهي لسان حال مشيخته.
٦- قوله: رد الأحاديث التي في البخاري وغيره الناطقة بأن آية (الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) كانت قرآنًا يُتلى، وقد رده كبار الفقهاء من قبل.
٧- رد الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في سحر النبي صلى الله عليه
وسلم، رد ذلك بتمويهات وخيالات لا نطيل بها، والذي طعن في صحة هذا الحديث
هو الأستاذ الإمام وسبقه إلى رده الإمام الجصاص، والتمويهات والخيالات التي
زعمها هي تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤثر في نفسه القدسية التي تتصل
بروح الله الأمين أن تسلط عليها نفس ساحر يهودي مدة سنة في بعض الروايات
وستة أشهر في رواية أخرى، حتى يتوهم صلى الله عليه وسلم أنه يقول الشيء ولم
يكن قاله، ويخيل إليه أنه فعل الشيء الذي يترتب عليه حكم شرعي كالغسل ولم
يكن فعله! ! .
هذا مبلغ تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم يجوِّزون عليه هذا ويجعلونه من
قبيل الأمراض البدنية حتى لا يجوِّزوا على البخاري أنه أخطأ في تعديل أحد من
الرواة الذين روى عنهم هو وغيره هذا.
هذه هي التهم التي أوردها في مقالة بدعة الزيادة على الأذان وحدها في سياق
طويل، فلما رأيتها شرعت في الرد عليها وأرسلت النبذة الأولى إلى فضيلة رئيس
تحرير المجلة مع كتاب خاص قلت له فيه إنه أهان نفسه وعلمه بقبوله لرياسة
تحريرها وألقيت التبعة عليه وعلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر في
نشرها، وإن المخرج لهما من التبعة السماح لي بما يوجبه عليهما الشرع وكذا
القانون من نشر ما أكتبه من الرد عليها، وبأنني أرضى بتحكيم فضيلة مفتي الديار
المصرية العلامة التقي الشيخ عبد المجيد سليم في ردي وما عسى أن يردوا عليه، لا
لمنصبه، بل لعلمه وإنصافه وتنزهه عن المحاباة.
وقد كبر على فضيلة المفتي ما نشرته المجلة وأخبرني أن فضيلة شيخ الجامع
استاء منه، وأنهما اتفقا على السعي للصلح، وسأبيِّن للأمة ما كان من أمر الصلح
وخداع الخصم فيه في المقال التالي.
((يتبع بمقال تالٍ))