لما كان (المنار) في شكله الأول رغب إلينا الكثيرون من القرّاء بأن نجعله مجلة؛ ليسهل عليهم حفظه؛ فإنهم يضِنّون بكل عدد من أعداده، فأجبناهم إلى ذلك، فقام بعضهم يقول: إنه قلّت مادّته؛ لأن الصفحات الثمانِ الأولى كانت تسع زيادة عمّا تسعهُ الست عشرة صفحة في الشكل الجديد. ولكن تلك الزيادة ما كانت مفيدة للمصريين الشاكين من قلة المادة؛ لأنه لم ينقص أقل من صفحة التلغرافات التي كنا ننشرها لأجل المشتركين في خارج القطر المصري، ومع ذلك نتوخى مرضاتهم بزيادة المادة بأن نطبع ملزمة من (المنار) أو أكثر بحروف صغيرة؛ فإن سلمنا من اعتراض أصحاب الأبصار الضعيفة الذين ربما يقولون: يحتاج مَن يقرأ (المنار) إلى نظارة معظّمة (ميكرسكوب) ، فإننا نطْبع الملزمة الأخرى بالحروف الصغيرة أيضًا. ومما يحسن هنا ذكره أن قومنا أمسوا يؤاخذون أخاهم الصادق في خدمتهم بالهفوات، أو بما يخلقونه له من السيئات. ويساعدون الأتاوي (السيل الغريب) على ما يجرف من بنيانهم ويهدم من أركانهم. فقد ورد علينا كتاب بإمضاء (منتقد) يزعم صاحبه أننا أنكرنا في العددين الماضيين وجود الأولياء، وكيف ننكر مَن شاهدْنا بأعيننا {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (النور: ١٦) ، وما كان مِنَّا إلا أن نصحنا لقومنا بأن لا يتَّخذوا الأولياء أربابًا من دون الله، كما فعل مَن قبلهم من الأمم. وزعم أننا ذممنا فيهما الأمة الإسلامية، وما فهم أن تنبيه المُقَصِّر على تقصيره وإرشاده إلى طرق منافِعه - ليس من الذم المهين الذي يُلام صاحبه، وإنما يلام مَن يغش أمته بالمديح الكاذب الذي يزيدها غرورًا، وإن زاد أغرارها سرورًا. وانتقد علينا استشهادنا على فضل السيد جمال الدين بأحد الأجانب عن الدين - كجرجي زيدان - دون علماء الإسلام، ونجيبه عن هذا بأننا إنما استشهدنا بقول هذا الرجل في مسألة تاريخية، وهو من المؤرخين المدققين، لا على أن السيد كان من أعلام الدين الإسلامي. على أن الاستشهاد بمدح الأجنبي أَبْلَغ؛ لأنه إما أن يقول الحق، وإما أن يذم، ولا يتوقع منه أن يكون ذا ضلع مع المخالف له في دينه. وهذا، وإن للسيد المرحوم المكانة العالية عند عقلاء المسلمين ما لم يرتقِ إليه إلا القليل، وحسبك أن أكبر العلماء المحققين في مصر قد سُروا بدلالته. واغترفوا من فضالته. دعْ ذكر فضيلة مفتي الديار المصرية. وارمِ ببصرك إلى قُضاة محكمة مصر الشرعية تجدْ أكابرهم من تلامذته. والشاهدين بعلوِّ مكانته، كالشيخ بخيت والشيخ محمد أبي خطوة والشيخ عبد الكريم سلمان وغيرهم ... وعجيب من المنتقد كيف لا ينكر على إخوانه المسلمين الذين يسألون مثل جورجي أفندي زيدان عن المسائل الدينية المحضة التي ليس هو من أهلها، وينكر علينا الاستشهاد لكلامه في المسائل التي هو من أمثل أهلها وأشدهم تحريًا وإنصافًا، ثم نوجِّه نظره إلى أن من هدي القرآن الشريف {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: ١١٤) ، وأن الحسنة بعشر أمثالها، فليعذرنا بما عساه يراه من المسائل النادرة التي لا تروق له، ولا يبهتنا بما نحن بَرَاء منه، وليعذرنا على عدم نشر كتابه؛ فإنه على ضعف عبارته لا يفيد القُرّاء، وقد علم ما فيه، والله مع الصادقين!