نشرت جمعية الخلافة في الهند الرسالة الآتية التي أنشأها أحد أركانها الكرام الأستاذ العالم العامل المصلح الشيخ سليمان الندوي أحد أعضاء وفدها الأوروبي وسماها (الدرر البهية) وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل كلمة الإسلام جامعة المسلمين، أقوى من نسب الماء والطين، والصلاة والسلام على مَن أخرجنا من ظلمات العصبية، وحوالك الجنسية والعنصرية، والتفاخر بالأنساب وعبية الجاهلية. وبعد؛ فلعل إخواننا المسلمين في البلاد الأخرى ليسوا على خبرة تامة بالحركة التي قام بها إخوانهم المسلمون بالهند والمطالب التي نهضوا بها أمام حكومتهم البريطانية، والدعاوى التي نادوا بها على منابر جمعياتهم الدينية ومؤتمراتهم السياسية، والمواعيد التي وعدتهم بها حكومتهم أثناء الحرب الماضية، ومساعيهم التي بذلوها في سبيل الخلافة العثمانية، والدفاع عن كرامة الجزيرة العربية، والأخذ بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه الزكية، والدراهم التي جمعوها من تبرعاتهم لإغاثة المنكوبين الذين قتلوا وظلموا وسلبوا وأخرجوا من ديارهم بغير حق في بلاد تراقيا وأزمير وأناطوليا، وما لقي المسلمون في الهند من الجهد في سبيل تأدية واجباتهم من حكومتهم المستولية. من يجهل من إخواننا في الشرق ما تُكِنُّ صدور الإفرنجيين وما ترمي به نواياهم [١] نحو الإسلام والشرقيين، وما أحدثوا من الملاحم والفتن، وما دبروا من الدسائس والحِيَل؛ لتوهين عُرَى الإسلام وتقويض أركان الأخوة الإسلامية، وبث بذور العداوة بين أبناء الملة الطاهرة، والتظاهر بمودة أهل الشرق. مضت القرون وهم على ذلك، والحوادث تترى، والمصيبات تتوالى والنواكب [٢] تتواتر، ونحن عنها غافلون، وفيما بيننا متشاغلون، حتى دهمتنا هذه الحرب التعسة النحسة فقام الاتحاديون في الشرق بالمناداة باستقلال الأمم الموعظة (؟) بالخروج من ربقة الدين والانحياز إلى الجنسية والعنصرية؛ لتضعف به كلمة الإسلام ولتهن جامعة المسلمين ولتنحل رابطة الشرقيين، ويستولي عليهم الانقسام ويسودهم النفاق، فصار ما صار مما لا حاجة لنا إلى إطالة بيانه، والكشف عن قناعه، وكان المتبصرون من المسلمين في الهند على علم بما وراء الأستار والحُجُب، فدعوا المسلمين إلى التناصر والتآخي، والدفاع عن حوزة مركز الإسلام، وهي الخلافة العثمانية، والذَّب عن ذمار مركز الدين، وهي الجزيرة العربية، وأسسوا جمعية سموها جمعية (خدام الكعبة) وأخذوا في نشر إعلاناتهم، والمظاهرة (بنياتهم) والمجاهَرَة بمطالبهم، وتدوين أسماء المتطوعين، وجمع اكتتابات المتبرعين، وإصلاح أحوال الحجاج والزائرين، وإنشاء مراكب لنقل القاصدين إلى بيت الله الحرام. كانوا على عدة من ذلك إذا الحرب استعرت نارها، وارتفعت أوزارها، واستحوذت أخطارها، وظهرت حكومة الهند بإبراق وإرعاد، ووعد وإيعاد، ووضعت قوانين جائرة، وأحكامًا غير عادلة، ومنعت الجرائد، وأجرفت [٣] ألسنة الخطباء، وغلَّت أيدي العاملين، وأسرت رقاب المتبصرين، ثم أصدرت إعلانات ملوكية تسكن غيظ المسلمين، وتضلل آراءهم، وتموه عليهم حقيقة أمرهم. وهاهي (ذي) الإعلانات البريطانية الملوكية، والمواثيق التي أعطتها المسلمين في الهند ونشرت في نواحي البلاد كلها: (١) (لمسلمي الهند أن يتيقنوا أن لن تأتي الحكومة البريطانية وحليفاتها في أثناء هذه الحرب بما يمس بعواطفهم وحياتهم الدينية، والبقاع المقدسة الإسلامية تبقى محفوظة من حملات الحرب ويبذل كل اهتمام لحرمتها، ولا تسرد حملة ضد دار الخلافة الإسلامية المقدسة، إنما نحن محاربون لوزراء الأتراك الذين هم منقادون لأهواء ألمانيا ولسنا بمحاربين خليفة الإسلام، الحكومة البريطانية من نفسها وحليفاتها [٤] تعطي هذه المواثيق وهي مسئولة عن هذه المواعيد) . (٢) الإعلان الملوكي في نوفمبر سنة ١٩١٤ قال اللورد (هاردنغ) نائب الحكومة البريطانية في الهند في مجلس التشريع الملوكي الهندي في يوم ١٢ يناير سنة ١٩١٥ [٥] قد أعلنت الحكومة (البريطانية وفرنسا والروسيا) أن بقاع العرب والعراق المقدسة تبقى آمنة من الحملات، وقد أعلنت الحكومة البريطانية أيضًا أنهم مستعدون إذا مست الحاجة للدفاع عن البقاع المذكورة ضد الأجانب الداخلين فيها الهاجمين عليها، لتبقى غير مهجوم عليها على كل حال، حيثما تحولت أمواج الأحوال، لا يرتاب في أن هذه البقاع المقدسة تبقى غير مهجوم عليها، ويظل الإسلام معدودًا من القوات العظمى في العالم. (٣) قال (اللورد كرومر) في مجلس اللوردات البريطاني في يوم ٢٠ إبريل سنة ١٩١٥: (أنا لا أحتاج إلى أن أؤكد أني متفق غاية الاتفاق مع صاحب السعادة (كريو) أن المسلمين لهم وحدهم أن يخوضوا في شأن الخلافة، بل إني أرى أنه يمكن لي أن أعطيهم نوعًا من الميثاق بأنا نعترف بأن الخليفة يكون مسلمًا بل لا بد له أن يكون مسلمًا ومستقلاًّ من كل سلطة أوروباوية) . (٤) قال (لويد جورج) صدر الإمبراطورية البريطانية في خامس يناير سنة ١٩١٨: (نحن لا نحارب تركيا لنحرمها عاصمتها وبلاد تراقيا وآسيا الصغرى (أناطوليا) المخضرة الكثيرة الخيرات التي بأجمعها معمورة بالأمة التركية) . هذه نصوص مواثيق وعهود أعطتها الحكومة البريطانية المسلمين في العالم عامة وفي الهند خاصة، وهذا أساس ما نطالب به الحكومة البريطانية، ولا يجوز لها الانحراف عنها، ولن ندعها أن تتركها سدًى. نقلنا هذه النصوص هاهنا ليكون إخواننا في البلاد الأخرى على خبرة مما جرى في الهند، وما قامت عليه الحركة السياسية الدينية الحاضرة، وما تدور عليه رحى الحرب السلمية القائمة منذ سنتين بين المسلمين والبريطانيين في الهند. وهذا ما بعثنا أن نقوم قومة واحدة والأخذ بالحكومة (؟) بإنجاز ما وعدت، وإيتاء ما عاهدت. بعد ما وضعت الحرب أوزارها وحُرر أُسارى الأحرار من المسلمين، ورُفعت الرقابة، أخذوا فيما كانوا فيه ودعوا إخوانهم إلى الانضمام معهم، وتلوا عليهم ما كتب الله عليهم، وذكَّروهم بما أوصاهم رسولهم الكريم بأن الإمامة لا بد من إقامتها، والجزيرة العربية المحدودة بنهري العراق، وبحر الشام، وترعة السويس، والبحر الأحمر، وبحر العرب وبحر الهند، والخليج الفارسي لا تزال آمنة سالمة من كل نوع من أنواع السلطة غير المسلمة، وأسسوا جمعية جليلة لها فروع في كل أصقاع البلاد الهندية سموها (جمعية الخلافة) . وهاهي (ذي) مطالبها ومقاصدها بحروفها: أ- القيام ببقاء قوة الخلافة الإسلامية وسلطتها، والسعي لإعادة مجدها وإعلاء أمرها. ب - اتخاذ الوسائل اللازمة لتمكن تركيا من الصلح المحترم العادل ويصبح أمر الخلافة وجزيرة العرب والأماكن المقدسة الإسلامية كما تقتضيه الشريعة الإسلامية الغراء (أي أن تكون مطلقة حرة مستقلة من كل نوع سلطة غير مسلمة عليها) . ج - السعي تمام السعي لتضطر الحكومة إلى إيفائها بما وعدت به في إعلانها المُؤَرَّخ في ثالث نوفمبر سنة ١٩١٤ وبما قال وزيرها الأعظم خامس يناير سنة ١٩١٨ في شأن البقاع المقدسة، وبلاد الدولة العثمانية، واتخذوا للفوز بهذه المطالب وسائل عديدة منها: ١ - بث هذه الأفكار في البلاد الهندية والبلاد الإسلامية الأخرى. ٢ - التآخي بين مسلمي الهند ومسلمي الممالك الأخرى وإعانتهم ونصرتهم، وقطع المنازعات الحادثة بينهم، وإصلاح ذات بينهم. ٣ - ولأن تضطر الحكومة للإذعان بالحق نقطع عنها العلائق كلها [٦] ، ولا ننصرها ولا نخدمها ولا نواليها في أمر من الأمور، وهذا هو المراد بعدم الموالاة، أو ترك التعاون، وللوصول إلى هذه الغاية يجب علينا أن نقوم بالتعليم الملي والتجارة والصناعة الوطنية، ونقاطع البضائع غير الوطنية وننشئ دواوين القضاء بين أنفسنا. ٤ - التوفيق والتوحيد بين المسلمين والعناصر الهندية الأخرى للحصول على الاستقلال (السوارج) بالهند. مضت سنتان وأكثر منها [٧] إن المسلمين والهنود الوثنيين اتفقوا فيما بينهم على استقلال البلاد الهندية والمطالب الإسلامية المصرحة وجعلوا طريقة (عدم الموالاة للحكومة البريطانية) وسيلة موصلة لهم إلى المطلوب - مضت سنة كاملة وهم قد قطعوا على الحكومة كل علائق المناصرة والمودة والمعاونة والخدمة حتى تَضَعْضَعَتْ أركان الحكومة وهي تخبط خبط عشواء في أمرها، دوائرها كلها مخلخلة ودخل الخلل في أهم نظاماتها، وهي لا تجد السبيل لرتق ما فُتِقَ، ولجبر ما انكسر، إلا أن تذعن للمطالب الإسلامية الهندية، وهي الصلح مع الدولة العثمانية، ورفع كل رقابة ووصاية عن البلاد العربية من عراقها وشامها وفلسطينها وحجازها ونجدها ويمنها ومنح الاستقلال للهند. هذه هي الأحوال الجارية في الهند، وحكومتها في حيص بيص في أمرها، فالمسئول من إخواننا ولا سيما إخواننا العرب من الطوائف كلها أن يتفكروا في الأمر ويتدبروا العاقبة، ويتلافوا ما صدر منهم، ويتحدوا مع إخوانهم الهنود في رفع منار الدين، وإعلاء كلمة الشرق وإعادة مجد الإسلام، والسلام على من اتبع الهدى. انتهى. (المنار) نشكر لإخواننا مسلمي الهند غيرتهم، وإنني ما زلت أشهد لهم بأنهم أشد مسلمي الأرض عناية بالجامعة الإسلامية، ورسوخًا في الغيرة الدينية، وأنه لا يوجد شعب إسلامي يهتم بأمر سائر المسلمين مثلهم؛ لأن بعض هذه الشعوب قد فصمت عصبيةُ الجنس عروةَ اعتصامها بالوحدة الإسلامية، وبعضها قد استحوذ عليها الجهل بالسياسة العامة وأحوال المسلمين، وسيكون إخواننا مسلمو الهند من المنبهين لهم بعنايتهم بهم؛ لأنهم سيزدادون علمًا بأن حفظ الإسلام كما أنزله الله تعالى لا يتم إلا بهم، ولا يكمل إلا في بلادهم. وأما ما ظهر منهم بموالاة أمير مكة وأولاده للإنجليز، ومن خدعوهم من السوريين والعراقيين فلا يرجى تلافيه من قبل هؤلاء الخادعين والمخدوعين؛ لأنهم أصروا على ما فعلوا بعد أن ظهر لهم سوء نية الإنجليز بإخلافهم لوعودهم لهم ونقضهم لعهودهم معهم- على أنها مبنية على فساد- وسائر العرب في الجزيرة، ومنها الحجاز آسفون ناقمون ساخطون، والقادرون منهم يجاهدون في تلافي هذا الشر؛ فإذا آزرهم إخواننا مسلمو الهند بمثل ما آزروا به إخواننا الترك فالرجاء بالنجاح عظيم، فإن أمراء الحجاز لا حول لهم ولا قوة إلا بالإنجليز، فإذا اعتصمنا مع إخواننا الهنود بحول الله وقوته في مكافحتهم، فقد يكون من أوائل النجاح نبذ الإنجليز لهم وإيثار إرضاء العالم الإسلامي والعرب الصادقين عليهم، والعاقبة للمتقين.