(العمارة البحرية العثمانية) إن العمارة البحرية العثمانية وإن كانت قد أبلت أحسن بلاء في حرب سنة ١٨٧٧-١٧٧٨م إلا أنها قد خرجت منها بعد أن وضعت أوزارها متضعضعة مختلة النظام بعض الاختلال، واقتضت حالتها هذه تجديدها أيضًا، كما اقتضت التجديد أيضًا حالة الجيش، وقد عملت جلالة السلطان على هذا التجديد حتى تم الآن (مبالغة) بما أوتيته من بُعد النظر في عواقب الأمور، وصدق العزيمة الذي يقارن تنفيذ جميع مشروعاتها الإصلاحية، فلم يبق إلا مجرد الاختبار النهائي الذي يعقب تحريك العمارة تفصيلاً، وهو أمر تابع لأصول الإصلاح التي وضعت، أصبحت العمارة العثمانية اليوم تشتمل كما في الإحصاء الأخير لسنة ١٨٩٤م هذه السفن وهي: من المدرعات سبع بوارج كبيرة وثلاثة يخوت ملوكية، وثلاث سفن صغيرة وواحدة وعشرون من النسافات (التوربيد) وقد تضاعف هذا العدد الآن، وسفينتان غواصتان من طراز فوردنفيلد تسع جميعها ٦٩٦٩٧ طونولاتو وقوتها الاسمية قدرها ٣٩٩٤٦ حصانًا بخاريًّا، وفيهما ٣٦٠من مدافع كروب واسترونج وفوردنفيلد، وعدة عساكرها٥٤٢٠جنديًّا يديرهم ٥٠٥ ضباط، واثنتي عشرة من السفن الخشبية التجارية، وثلاث بوارج، وسبع سفن صغيرة، و ١٢ سفينة من حافظة الشواطئ و١٨ من ذات الدقلين، فجملتها أربعون سفينة تسع ٤٠٩١٢ طونولاتو وقوتها الاسمية ١٩١٣ حصانًا بخاريًا، وفيها ٣١٨ مدفعًا مختلفة الأقطار، وعدة عساكرها ٧٤٥٤ جنديًا يديرهم ٦٩٥ ضابطًا، من السفن الشراعية، واحدة من السفن الجارة وأخرى من ذات الدقلين، وواحدة من السفن المستطلعة، و٣٠ من السفن النقالة، وجميعها تسع ٨٢٧٥ طونولاتو، من البوارج المدرعة يجب أن نذكر البارجة الحميدية التي ركبت البحر في سنة ١٨٨٥م من معمل الأميرالية في القسطنطينية وهي سفينة فاخرة تدل على أن الأتراك في صناعة البوارج البحرية يقدرون على مجاراة الدول الأخرى ذات القوى البحرية، تشتمل الآن المعامل العثمانية في القسطنطينية وأزمير بإصلاح عدد من السفن الكبيرة والصغيرة، وتجربتها لجعلها ملائمة للحركات العصرية. قد اختارت حكومة جلالة السلطان للمدافعة عن شواطئ المملكة وتسليح مدرعاتها المواد النسافة، وذلك لبساطة تركيبها وعظيم أثرها، فلو أن عمارة أجنبية حاولت الهجوم على بوغاز الدردنيل لتدخله، لصبت عليها مصائب عظمى من الخسائر، فإنها تكون محصورة بين نيران الحصون التي على الشاطئين- الأوروبي والآسيوي - ومعرضة في كل دقيقة لنسف النسافات (التوربيد) التي بتوالي صفوفها تقطع عليها طريقها، ولا تمكنها بحال من الأحوال من وصولها إلى رأس نجارا، ومع ذلك لو أن بعض السفن الحربية الأجنبية نجحت بقوة التيار في اجتياز هذا المعقل الأول، فلا بد لها أن تصادف السفن الحربية العثمانية، وتكون ملاصقة له، فتحطم منها هذه في أقرب وقت بمساعدة القلاع المتواصلة على الشاطئ ما بقي سليمًا بعد اجتياز ذلك المعقل، وفضلاً عن ذلك فإن من يملك بوغازالدردنيل فهو الذي يملك الشاطئ الأوروبي؛ لأن الشاطئ الأسيوي أقل منه أهمية، فأي محاولة من العدو في إنزال جنوده عليه - إما في شبهة جزيرة غاليبولي أو غربها - لا بد أن تؤدي به إلى هزيمة فاضحة، وبعد أن تطحن جنودَه قوى الجيش العثماني المراقب الفائق عليه يبلغ به العجز إلى حد أنه لا يمكنه أن يجد سبيلاً للالتجاء إلى مراكبه، ويضطر بلا شك إلى تسليم أسلحته. مدة الخدمة في العمارة البحرية اثنتا عشرة سنة، خمسة منها في القسم العامل (النظام) وثلاثة في القسم الاحتياطي لهذا القسم، وأربعة في القسم الاحتياطي الحقيقي (الرديف) . لا ينقص فرقة الضباط التي تخرج من مدرسة حلقى البحرية شيئًا تحسد عليه ضباط فرنسا وإنكلترا البحريين، قد شغفت جلالة السلطان بأن تمنح للعمارة التجارية ما يلزم لانتشارها من وسائل التشجيع والتنشيط، فالفضل لحكومتها الحالية في إسداء تركيا المدرسة التجارية البحرية التي أسست في حلقى من أربع سنين، وهي تربي رؤساء السفن (القبودانات) الكبيرة والصغيرة التي يتجر بها على الشواطئ، كما تخرج رؤساء السفن المعدة للاتّجار في البلاد البعيدة الذين سيكون لهم خدم مشهورة في التجنيد البحري، يتعلق بنظارة البحرية أيضًا من مشاة العساكر البحرية ما عدده ٥٠٠٠ أو ٦٠٠٠ عسكري، تستحق النظر هنا لأنها مختارة من أحسن جنود المملكة العثمانية. تنقسم تركيا من حيث ترتيب العمارة البحرية إلى تسعة مراكز بحرية وهي: القسطنطينية وأسكودار وتشيو وبريفيزا وسالونيك وكريت وطرابلس الغرب والبصرة وفيها خليج العجم، وجدة وفيها البحر الأحمر، قد قضت فرنسا بعد مصائب حرب ١٨٧٠و ١٨٧١ عشرين سنة في إصلاح خلل نظامها الحربي، وإعادته إلى ما كان عليه، أما تركيا فقد نجحت في إتمام هذا العمل نفسه في نصف هذا الزمن، وهو أحسن مدح يمكن للإنسان أن يمتدح به الدولة العلية ومليكها القادر (مبالغة) . (لها بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))