للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقرير لجنة إصلاح التعليم في الأزهر
والمعاهد الدينية الإسلامية في مصر وقراراتها

أصدر صاحب الدولة رئيس الوزارة أمرًا بتأليف لجنة للنظر في الإصلاح
الذي طلبه للأزهر شيخه صاحب الفضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغي فألفت
اللجنة من فضيلته وتحت رياسته من وكيل وزارة المعارف (عبد الفتاح بك صبري)
ومفتش العلوم الحديثة في الأزهر (محمد خالد حسنين بك) والسكرتير البرلماني
لوزير المعارف (الأستاذ الشيخ عبد العزيز البشري) وقد اجتمعت هذه اللجنة
بضع مرات ما بين ٢٣ أغسطس و ٥ سبتمبر أصدرت في خاتمتها التقرير الآتي
المتضمن لخلاصة قراراتها وهذا نصه:
التقرير
حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء:
تفضلتم دولتكم فأصدرتم في ١٣ أغسطس سنة ١٩٢٨ قرارًا بتأليف لجنة
للنظر في الإصلاحات المقتضى إدخالها على نظام الجامع الأزهر والمعاهد الدينية
العلمية الإسلامية وذلك طوعًا لميول حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد الأول
حفظه الله فإنه ما برحت المعاهد الدينية موضع عنايته وعطفه الكريم وإذا كانت هذه
اللجنة قد أتمت مهمتها على جهتها وفي أيسر وقت مقدر فالفضل في ذلك يرجع أولا
إلى ما يشعر به أعضاؤها من رغبة جلالة مولانا الملك وغيرة دولتكم على معاهد
الدين ورغبتكم في أن تبلغ في القريب الحد المستطاع من الكمال والعظمة ويرجع
ثانيًا إلى ما ملك أعضاءها من الشعور بأن هذه المهمة الجليلة التي ألقيت على
عواتقهم ينبغي ألا يضن عليها بجهد؛ لأنها مسألة الدين والعلم معًا، وإنه ليسرنا في
هذا المقام أن نبلغ دولتكم أنه لقد كان يقع الخلاف وتضطرب وجهات النظر في
مطارحة الآراء إلا أننا كنا ننتهي بحمد الله إلى الإجماع على ما نتخذه من القرارات،
ذلك أننا من الساعة الأولى تمثلنا مصلحة العلم ومعاهد الدين وعلونا بها على كل
اعتبارات أخرى فكانت وسيلتنا إلى هذه الغاية الإقناع وحده وكان من التوفيق أن
كل ما أثبتنا من المبادئ إنما تقرَّر بإجماع الآراء.
لم يبق اليوم من شك في أن الجامع الأزهر يحتاج إلى إصلاح كبير، فلقد
اعتصم من زمن بعيد بألوان من العلوم وتكلف في أساليب التعليم فنونًا خاصة
متجاهلاً في هذا وفي ذاك ما تنتفع به قرائح الباحثين كل يوم، وما يستخرج العلم
من مكنوزات الطبيعة، وما يجلي من سنن الله تعالى في هذا العالم وتطاول على
ذلك الزمن، وفي كل يوم يزداد الانفراج بين الأزهر وبين العالم حتى أصبح أهله
أو كادوا يصبحون غرباء لا يفهمون الناس ولا يفهمهم الناس [١] .
ولقد بُذِلَتْ من ثلاثين سنة جهودٌ محمودةٌ في فترات متعددة ترامت كلها إلى
إصلاح الأزهر وتقريب ما بين أهله وسائر المتعلمين في الدنيا فلم تلق نجاحًا
مذكورًا؛ لأن سواد الأزهريين لم يكن مؤمنًا بالحاجة إلى هذا الإصلاح أو على
الأصح لم يكن مؤمنًا بالعالم ولا بما يتحرك فيه من علم وفن إنما العالم كله لا يعدو
في لحظه أحكامًا لا يستوي كثير منها لحاجات الزمان إلى ضرب من الفلسفة اللفظية
لا غناء له في الدين ولا اتصال له بالأسباب الدائرة بين الناس.
واليوم وقد تفجرت هذه الحقيقة القاسية ورأى الأزهريون أنفسهم بعد إذ كثر
عديدهم أنهم ينزلون إلى ميدان الحياة بغير سلاح انبعثوا هم أنفسهم يطلبون
الإصلاح الذي يجدي عليهم في دينهم ودنياهم جميعًا، وهذا ما يدخل على صدورنا
اليقين بأن ما ارتسمناه محقق إن شاء الله في هذا العهد الموصول النهضات.
ولقد كانت الغاية التي تمثلناها من أول يوم أن تصبح المعاهد الدينية ينبوعًا
غزيرًا من ينابيع الثروة العلمية في البلاد وبحيث يعود إلى الجامع الأزهر مجده
القديم من العالم الإسلامي وليكون المنهل الذي يرده طلاب الدين وطلاب العربية من
العالمين العربي والإسلامي، ولم يتداخل اللجنة أيُّ شك في أن الأزهر لا يتهيأ له
ذلك إلا إذا استخلصت فيه أحكام الدين مما علق بها من الشوائب ويرجع في
تقريرها إلى ما كان يجري عليه السلف الصالحون في أنضر عصور الإسلام بحيث
توافق أحوال الزمان والمكان كما ينبغي أن يعدل فيه عن الطريقة العتيقة في تدريس
علوم اللغة إلى تدوينها على النحو الذي يفسح في الملكات ويطبع الألسن على
صحيح البيان وبحيث يجري تدريس عادتها وأسبابها على مناهج التحقيق العلمي
الحديث، وبمقتضى النظام الذي اجتمعت له نية اللجنة يتسنى للأزهر أن يتولى
تخريج العلماء المتفقهين في دينهم العارفين بأحوال زمانهم الواصلين بين أحكام
شريعتهم وما يجلوه العلم الحديث من سنن الكون، ومن هؤلاء يتخذ أساتذة الشريعة
في المعاهد الدينية والمعاهد الأخرى التي يدرس فيها الفقه الإسلامي كما يتخذ
القضاة للمحاكم الشرعية ويتخذ أيضًا الدعاة المرشدون لأحكام الدين الخالص سواء
في القطر المصري أم في الأقطار الإسلامية الأخرى، وكذلك يقوم الأزهر على
تخريج أساتيذ اللغة العربية للمعاهد الدينية ولمدارس الحكومة أيضًا.
وقد التفتت اللجنة إلى أمر جليل الخطر، ذلك أنه قد تَظْهَر في بعض
الأحايين ألوان من المواهب لو أنها تُعُهِّدَتْ وفُسِحَ لها في جوانب الطريق لربت
وخرج بها العظماء والفاتحون في أبواب العلم المختلفة وتقييد أصحابها بمهنة أو
بمنصب كثيرًا ما يحول بينها وبين كمالها المقسوم، لهذا رأت أنه يحسن أن تسن
في المستقبل طريقة لالتماس أصحاب هذه المواهب وتعهدهم بالوسائل المادية
والأدبية سواء أكانوا من خريجي الأقسام العالية أم من أقسام التخصص حتى
يستطيع كل منهم أن ينقطع للبحث العلمي في الباب الذي هيأته له موهبته.
وقد اقتصرت اللجنة على تقرير المبادئ العامة التي قدرت كفايتها لتحقيق هذه
المطالب الجليلة وتركت وضع خطط الدراسة ومناهجها للجان فنية تُؤَلَّف لهذا
الغرض، ورأت أن تجعل مراحل التعليم في الأزهر أربعًا: ابتدائي، ومدته أربع
سنين وثانوي ومدته خمس، وعال ومدته أربع، وتخصص ومدته سنتان، كما
رأت توحيدًا للثقافة العامة في البلاد أن يجري الأزهر في قسميه الابتدائي والثانوي
في العلوم الحديثة على المنهج المرسوم لتلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية فيما عدا
اللغات الأجنبية على أن يفرض النصيب الأوفر في هذين القسمين للمادتين الدينية
والعربية، ورأت أن تربط منه التعليم في المعاهد الدينية بالتعليم الإلزامي بحيث لا
تقل سن الطالب عن اثنتي عشرة سنة ولا تزيد عن الخامسة عشر، وبذلك يكون
الطالب قد أمضى خمس سنوات على الأقل في هذا التعليم فيجب أن يُشْرَط لقبوله
أن يؤدي امتحانًا يثبت به أن قد أحرز محصولاً يكافئ المقرَّر في ذلك التعليم لغاية
السنة الخامسة فضلاً عن حفظ نصف القرآن الكريم على الأقل وحفظ سائره في
السنوات الأربع الأولى.
ولقد توجه الرأي في ذلك على عدة اعتبارات أظهرها أن مَنْ دون الثانية
عشرة لا يتيسر له في العادة أن يتجرد للطلب في المعاهد مستغنيًا عن كفالة أوليائه،
وأن من يتلقى في التعليم الإلزامي أو ما يكافئه خمس سنين ينفسح له الوقت في
التعليم الابتدائي والثانوي للبسط في علوم الدين واللغة فوق القدر المرسوم للعلوم
الحديثة في التعليم العام (الابتدائي والثانوي) .
وطوعًا لسنة التفريع رأت اللجنة أن ينظم التعليم العالي ثلاث شعب.
(إحداها) لدراسة الفقه ووسائله [٢] من كتاب الله وسنة الرسول ومذاهب
السلف الصالحين ومقارنتها بعضًا ببعض توسلاً إلى استخراج الأحكام الشرعية على
النحو الذي كان يستخرجها به أولئك السلف الكرام.
(والثانية) تصرف أَجَلّ العناية فيها إلى دراسة علوم الكلام والنظر.
(والثالثة) لدراسة علوم اللغة العربية وآدابها وتاريخها.
ويدخل في ذلك دراسة الكتاب والسنة من الناحية البلاغية حتى إذا استوى
لطلاب هذه الأقسام العالية تحصيل المقرر المقسوم لهم وأحرزوا شهاداتهم انطلق من
شاء منهم إلى التخصص والغرض منه التأهيل للمهنة بحذق وسائلها والتمرن فيها
حيث يجمع بعض طلاب الفقه وطلاب اللغة في قسم واحد هو الذي يعد لمهنة
التدريس في كل من هذين الفرعين (والقسم الثاني) لإعداد بعض طلاب الفقه
لمهنة القضاء وما إليها (والقسم الثالث) ينتظم طلاب علوم الكلام والنظر [٣]
لإعدادهم للدعوة والإرشاد.
وإذا كان طلاب الأزهر قد أخذوا بنظام جديد يقرب من النظام المزمع سنُّه من
سنة ١٩٢٥ بحيث اكتملت له في التعليم الابتدائي إلى الآن ثلاث سنين على هذا
النظام فقد تقرَّر البدء بإنشاء السنة الأولى الثانوية في أكتوبر سنة ١٩٢٩ ليتسنى
تغذية هذا القسم بمن أتموا الدراسة الابتدائية على ذلك النظام، على أنه بعد وضع
المنهج اللازم للقسم الابتدائي يجب أن يعمل ترتيب انتقالي لتطبيق هذا المنهج
تطبيقًا يجعل كل من أتم الدراسة الابتدائية قد استوفاه كله بقدر الإمكان، كذلك رأت
اللجنة أن يبدأ بتنفيذ شروط القبول في السنة الأولى الابتدائية اعتبارًا من سنة
١٩٢٩.
أما القسم العالي في الأزهر فقد اجتمعت النية كما سلف الإشارة على تقسيم
الدراسة فيه تقسيمًا يتسق للتخصيص في الأسباب التي يعالجها خريجو هذا المعهد؛
لأن إبهاظ طلاب الأقسام العالية بالقدر الهائل من العلوم لا يستقيم مع قواعد التربية
الحديثة لذلك رأت اللجنة أن تعجل بهذا التقسيم حتى تنتظر هذه المرحلة من مراحل
التعليم طلابًا يتجرد كل منهم لما يعد له من فنون العلم، ومن حيث إنه قد تبين أن
وزارة المعارف تستعين الآن بفنون واسعي الخبرة على وضع نظم وافية لمدارس
المعلمين العليا ومنها دار العلوم وربط الصلات بين الدراسات المتجانسة في التعليم
العالي فقد رأت أنه يحسن الانتظار في تقسيم الدراسة في القسم العالي حتى يجتمع
الرأي في ذلك وبهذا تتهيأ الفرصة لاستفادة الأزهر نفسه بنتائج هذا البحث الذي
ربما تأثرت به دار العلوم إلى حد كبير، ومن المفهوم أنه ستكون بين هذه المدرسة
وبين قسم اللغة وأسبابها في الأزهر أوثق الصلات في مناهج التعليم، وبعد تقدير
الزمن اللازم، لهذا قرَّرت اللجنة أن يبدأ بتقسيم الدراسات في القسم العالي في
الأزهر من أكتوبر سنة ١٩٣٠ بحيث تجري الدراسة في قسم اللغة العربية في
الأزهر على نفس المنهج الذي يقرر لدراسة العلوم على أن يضاف إليها من المواد
ما لم يكن درسه طلبة القسم الثانوي في الأزهر مما هو مقرَّر على طلبة تجهيزية
دار العلوم، وبحيث أن طلبة القسم العالي في الأزهر المحررين للغة وآدابها متى
أتموا الدراسة على هذا الوجه كانت لهم نفس امتيازات خريجي دار العلوم.
وقد تذاكرت اللجنة في الطريقة العملية التي تضمن كفاية خريجي الأزهر
لتدريس اللغة العربية وآدابها سواء في المعاهد الدينية أم في المدارس الأميرية
فرأت أن تشترك وزارة المعارف بما لها من قديم الخبرة في أساليب التعليم في
وضع خطط الدراسة ومناهجها في القسم الثانوي والقسم العالي المحرر لدراسة اللغة
وآدابها وقسم التخصص في هذه الدراسة، وأن تشترك كذلك اشتراكًا فعليًّا في وضع
أسئلة الامتحانات وفي مباشرتها تحريريًّا وشفويًّا وعمليًّا، وأن لا تضن الوزارة
على المعاهد الدينية بإعارتها العدد الكافي من خيرة الأساتذة والمفتشين بحيث
يكونون في أعمالهم تابعين لإدارة المعاهد وإليها مرجعهم وعلى ذلك فكلما تمت سنة
على الوجه المطلوب ابتداء من السنة الأولى الثانوية في المعاهد الدينية ألغيت السنة
التي توازيها من تجهيزية دار العلوم إلى أن تُلْغَى كلها في الوقت الذي يتم فيه
التعليم الثانوي في المعاهد الدينية على النظام الجديد، على أن من يستحق الإعادة
من طلبة أية سنة ملغاة في تجهيزية دار العلوم يعتبر طالبًا في السنة التي توازيها
في القسم الثانوي بالمعاهد الدينية.
وقد رأت اللجنة أن يكون امتحان التخرج من دار العلوم [٤] والقسم العالي
المحرر في الأزهر للغة وآدابها واحدًا للفريقين، وعلى حسب ترتيب النجاح يكون
القبول في قسم التخصص على أنه بعد إذ يثبت بالامتحان النهائي لطلبة دار العلوم
وطلبة ذلك القسم في الأزهر أنهما متكافئان في التخريج يبدأ بالاستغناء بالأزهر عن
دار العلوم.
***
مدرسة القضاء الشرعي
وقد بحثت اللجنة في شأن مدرسة القضاء الشرعي وبخاصة بعد إذ تقرر بادئ
الرأي أن الأزهر يتولى بعد أخذه بالنظام الجديد تخريج أصحاب الكفايات العالية من
القضاة والمحامين فتبين أن هناك نحو ألفي محام ممن يحملون شهادة القضاء
الشرعي في حين لا يتسع المجال لكثير من هؤلاء فلو أنه قد ضم إليهم ممن
يخرجهم الأزهر ومن تخرجهم المدرسة كل عام لتضخم العدد وتكاثر سواد
المتعطلين ممن يحملون شهادة عالية ولهذا آثاره السيئة نحو البلاد ونحو هؤلاء
المتخرجين أنفسهم، وإذا لوحظ أن وزارة الحقانية لا تحتاج إلى أكثر من ستة في
العام في المتوسط لإلحاقهم بوظائف القضاء الشرعي وأن المحاماة قد بشمت بذلك
العدد الهائل فقد بان أنه من الميسور سد حاجة القضاء كلها بالموجودين فعلاً من الآن
إلى أن يخرج قسم التخصص بالأزهر أصحاب الكفاية المطلوبة من القضاة
والمحامين واللجنة تعلم أن مدرسة القضاء الشرعي الجديدة لم يقبل عليها في العام
الماضي أحد من الطلاب بالمرة حتى اضطرت وزارة المعارف إلى تحويل من طلبوا
دار العلوم بعد إذ رغَّبَتْهم بوسائل عدة حتى رغبوا بهذا التحويل، أما في العام الحاضر
فلم يتقدم إليها سوى أحد عشر!
ولما كانت كل الدلائل تنبئ بأن هذه المدرسة تتداعى من نفسها إلى أنها لا
تنتج في الغاية إلا الإكثار من سواد المتعطلين من حملة الشهادات العالية، فقد تقرَّر
إلغاء السنة الأولى اعتبارًا من هذا العام وتحويل طالبيها إلى مدرسة دار العلوم،
وتقرر كذلك مراجعة حضرة ناظر المدرسة في شروط قبول طلبة السنة الثانية من
مدرسة القضاء في السنة الثانية من دار العلوم ثم تخيير هؤلاء الطلبة في ذلك حتى
إذا قدروا أن من مصلحتهم هذا التحويل حولوا، وألغيت السنة الثانية من مدرسة
القضاء في هذا العام أيضًا.
وبهذا ترى دولتكم أن للجنة في جميع وسائل الإدماج الذي طلبته توحيدًا لتعليم
اللغة والدين في البلاد تحرت ألا تضر بأحد من الطلبة القائمين الآن أو تعترض
سبيله إلى غاية أو تتحيف من امتيازاته المقدرة له.
وبحثت اللجنة في شأن إعادة الراسبين في الامتحانات فرأت أن تغتفر إعادة
سنتين في كل قسم من الأقسام الثلاثة، أما قسم التخصص فلا إعادة فيه بل يجب
شطب اسم الراسب من أول مرة، ورأت ألا يقبل في امتحانات الشهادات من
الخارج إلا كل من أتم مرحلة من مراحل التعليم ورسب في السنة النهائية لتلك
المرحلة وشطب اسمه لمضي المدة المقررة، على أنه لا يباح له الدخول في
الامتحان بعد ذلك أكثر من مرتين في السنتين التاليتين.
***
طلاب العلم الغرباء في الأزهر
وكان مما عُنِيَتْ اللجنة بترديد النظر ومطارحة الرأي فيه جماعة الغرباء
الذين يفدون على المعاهد الدينية من الأقطار الأخرى فتبين أن التسامح الذي جرت
به العادة مع هؤلاء يستدرجهم إلى عدم العناية بالتعليم والانصراف إلى ما يسيء
طباعهم ويفسد أخلاقهم حتى إذا رجعوا إلى قومهم كانوا إعلانًا عن الأزهر غير
كريم، فتقرر إلغاء شهادات الغرباء بحيث لا تعطى شهادة إلا لمن يتعلم منهم التعليم
المقرر أسوة بطلاب القسم النظامي.
وفي هذا الباب لاحظت اللجنة أمرًا حقيقًا بالاعتبار ذلك أنه قد يعد طالب نفسه
في بلاده حتى يتأهل للدخول في القسم الثانوي مثلاً، فضلاًَ عن أن هؤلاء لا يفدون
عادة على مصر في أسنان صغيرة، فرأت أن يقبل الغرباء ابتداء في امتحان
الشهادة الابتدائية والشهادة الثانوية، وأن يترخص في أمر السن معهم للانتظام في
الدراسة على أن يترك تحديد ذلك وضبط قواعده لمجلس الأزهر الأعلى.
أما القسم غير النظامي في الأزهر فقد رأت اللجنة أن على من يريد طلب
العلم فيه أن يقدم طلبًا يبين فيه المواد التي يرغب في دراستها في العام حتى يتهيأ
لإدارة المعاهد توزيع الأساتذة على طلاب هذا القسم وتخصيص أماكن التدريس لهم
وهؤلاء لا يراقبون إلا من الجهة الأخلاقية ولا تعقد لهم امتحانات مطلقًا، وإن حُقَّ
لأساتذتهم أن يعطوهم إجازات في العلوم التي يكون قد درسوها وكان ذلك واقعًا في
الأزهر إلى وقت قريب.
***
عدد طلاب القسم النظامي
وتذاكرت اللجنة في شأن العدد الذي تتناوله الأقسام النظامية في المعاهد الدينية
فقررت أن يجدد مجلس الأزهر الأعلى في كل سنة العدد الذي يقبل في السنة
الأولى في التعليم الابتدائي مراعيًا في ذلك بالضرورة القدر الذي ينتظم به التعليم
طوعًا للمنهج المرسوم وتستوي به المراقبة الأخلاقية بحيث يسد كذلك حاجة البلاد
إلى هذا النوع من المتعلمين في غير إسراف ولا تقييد.
وضمانًا لثبات أساليب التعليم وعدم اضطرابها بكثرة التعديل والتغيير تبعًا
لاختلاف الآراء في مذاهب التعليم وتمشيًا مع القانون الأول في هذا الباب رأت
اللجنة أنه يجب أن تصدر خطط الدراسة بقانون وأن تقرَّر مناهجها بمرسوم.
ومما تناولته بحوث اللجنة الجهة التي تتولى إدارة أقسام التخصص فاجتمع
الرأي على أن تتولى إدارة المعاهد الدينية قسمي التخصص في الدعوة والإرشاد
وفي القضاء، أما قسم التخصص في مهنة التدريس بفروعها فقد رُئي لاعتبارات
كثيرة تأجيل البت في ذلك إلى أن يوضع نظام هذا القسم.
هذه هي الأسس التي هدانا الرأي إلى أن يقوم عليها النظام الحديث للمعاهد
الدينية، ويجري في حدودها ما ينبغي لها من وجوه الإصلاح، وإننا لجد واثقين
بأنها لو أصابت موافقة دولتكم فأمرتم بتنفيذ هذا، والشروع في وضع الخطط
التفصيلية لها لكان من حق الأزهر أن يتسلف الهناء على ما سيدرك من العظمة
الحقيقية باسمه، والتي تستشرف إليها مطامعه من قديم الزمان.
ونسأل الله تعالى أن يجزي دولتكم على هذا الخير الجليل أحسن الجزاء،
ونتشرف بأن نرفع مع هذا محاضر الجلسات التي عقدتها اللجنة والقرارات التي
اتخذتها فيها ونرجو دولتكم أن تتفضلوا فتقبلوا أجل الاحترام.
(إمضاءات الرئيس وأعضاء اللجنة)
***
(٢)
القرارات
التي اتخذتها لجنة إصلاح نظم التعليم في الأزهر والمعاهد الدينية العلمية
الإسلامية
(١) يتولى الأزهر بعد أخذه بالنظام المقسوم تخريج العلماء المتفقهين في
دينهم العارفين بأحوال زمانهم الواصلين بين أحكام شريعتهم وما يجلوه العلم الحديث
من سنن الكون، ومن هؤلاء يتخذ أساتذة الشريعة في المعاهد الدينية والمعاهد
الأخرى التي يُدَرَّسُ فيه الفقه الإسلامي كما يتخذ القضاة للمحاكم الشرعية ويتخذ
أيضًا الدعاة المرشدون لأحكام الدين الخالص سواء في القطر المصري أم في
الأقطار الإسلامية الأخرى، كذلك يقوم الأزهر على تخريج أساتيذ اللغة العربية
للمعاهد الدينية ولمدارس الحكومة أيضًا.
(٢) ربط بدء التعليم في المعاهد الدينية بالتعليم الإلزامي وأن لا تقل سن
القبول عن الثانية عشرة، ولا تزيد على الخامسة عشرة، وأن يؤدي الطالب
امتحانًا يثبت به أنه قد أحرز محصولاً يكافئ المقرر في التعليم الإلزامي لغاية السنة
الخامسة.
(٣) قررت اللجنة كذلك وجوب حفظ القرآن كله على طلبة المعاهد الدينية؛
ورأت في هذا السبيل ألا يقبل في الأزهر طالب إلا إذا كان حافظًا على الأقل
لنصف القرآن الكريم، وأنه بعد ذلك يجب أن يكون حافظًا للقرآن الكريم كله عند
تمام السنة الرابعة الابتدائية، وأن يترك للجنة التي تضع خطط التعليم ومناهجه
تنظيم الطريقة التي ينفذ بها هذا القرار.
(٤) تقرر جعل مراحل التعليم أربعًا: ابتدائي ومدته أربع سنين وثانوي
ومدته خمس، وعال ومدته أربع، وتخصص ومدته سنتان.
(٥) يجب أن يفرض النصيب الأوفر في التعليم الابتدائي والثانوي للمادتين
الدينية والعربية، وإلى جانب هذا ينبغي أن يؤخذ طلاب هذين القسمين من العلوم
الكونية بنفس القدر الذي تأخذ به وزارة المعارف تلاميذها في التعليم العام
(الابتدائي الثانوي) .
(٦) ينتظم التعليم العالي ثلاث شعب (إحداها) لدراسة الفقه ووسائله من
كتاب الله وسنة الرسول ومذاهب السلف الصالحين ومقارنتها بعضها ببعض توصلاً
لاستخراج الأحكام الشرعية على النحو الذي كان يستخرجها به أولئك السلف الكرام
(والثانية) تصرف العناية جلُّها فيها إلى دراسة علوم الكلام والنظر (والثالثة)
لدراسة علوم اللغة العربية وآدابها وتاريخها ويدخل في ذلك دراسة الكتاب والسنة
من الناحية البلاغية حتى إذا استوى لطلاب هذه الأقسام العالية تحصيل القدر
المقسوم لهم وأحرزوا شهادتهم انطلق من شاء منهم إلى التخصص، والغرض منه
التأهل للمهنة بحذق وسائلها والتمرين فيها بحيث يجمع بعض طلاب الفقه وطلاب
اللغة وطلاب علوم الكلام والنظر في قسم واحد هو الذي يعد لمهنة التدريس في كل
من هذه الفروع، والقسم الثاني لإعداد بعض طلاب علوم الكلام، والنظر للدعوة
والإرشاد.
(٧) يحسن أن تسن في المستقبل طريقة لالتماس أصحاب المواهب
وتعهدهم بالوسائل المادية والأدبية سواء أكانوا من خريجي الأقسام العالية أم من
أقسام التخصص حتى يستطيع كل منهم أن ينقطع للبحث العلمي في الباب الذي
هيأته له موهبته.
(٨) تقرر أن تشترك وزارة المعارف في وضع خطط الدراسة ومناهجها
في القسم الثانوي والقسم العالي المحرر لدراسة اللغة وآدابها وقسم التخصص في
هذه الدراسة، وأن تشترك كذلك اشتراكًا فعليًّا في وضع أسئلة الامتحانات وفي
مباشرتها تحريريًّا وشفويًّا وعمليًّا، وأن لا تضن الوزارة على المعاهد بإيجادها العدد
الكافي من خيرة الأساتذة والمفتشين بحيث يكونون في أعمالهم تابعين لإدارة المعاهد
وإليها مرجعه، وعلى ذلك فكلما تمت سنة على الوجه المطلوب ابتداء من السنة
الأولى الثانوية في المعاهد الدينية ألغيت السنة التي توازيها من تجهيزية دار العلوم
إلى أن تلغى كلها في الوقت الذي يتم فيه التعليم الثانوي في المعاهد الدينية على
النظام الجديد.
(٩) تقرر تنفيذ قرار اللجنة المتضمن لشروط القبول في السنة الأولى
الابتدائية اعتبارًا من سنة ١٩٢٩.
(١٠) بعد وضع المنهج اللازم للقسم الابتدائي بجعل ترتيب انتقالي لتطبيق
هذا المنهج تطبيقًا يجعل كل من أتم الدراسة الابتدائية قد استوفاه كله بقدر ما يمكن.
(١١) يبدأ بإنشاء السنة الأولى الثانوية في المعاهد الدينية في أكتوبر سنة
١٩٢٩ حيث تلغى السنة الأولى من تجهيزية دار العلوم كما تلغى في السنة التالية
السنة الثانية فيها، وهكذا حتى يتم إلغاؤها تمامًا في نفس الوقت الذي تتم فيه للقسم
الثانوي في المعاهد خمس السنين.
(١٢) من يستحق الإعادة من طلبة أية سنة ملغاة في تجهيزية دار العلوم
يعتبر طالبًا في السنة التي توازيها في المعاهد الدينية.
(١٣) يبدأ تقسيم الدراسات في القسم العالي بالأزهر في أكتوبر سنة ١٩٣٠
بحيث تجري الدراسة في قسم اللغة العربية في الأزهر على نفس المنهج الذي قُرِّرَ
لدار العلوم على أن يضاف إليها من المواد ما لم يكن دَرَسَهُ طلبة القسم العالي في
الأزهر المحرر من اللغة وآدابها حتى إذا أتموا الدراسة على هذا الوجه كانت لهم
نفس امتيازات خريجي دار العلوم.
(١٤) يكون امتحان التخرج من دار العلوم والقسم العالي بالأزهر المحرر
للغة وآدابها واحدًا للفريقين، وعلى حسب ترتيب الناجحين يكون القبول في قسم
التخصص.
(١٥) بعد أن يثبت بالامتحان النهائي لطلبة دار العلوم وطلبة القسم العالي
المحرر في المعاهد الدينية لتعليم اللغة أنهما متكافئان في التخريج يبدأ بالاستغناء
بالأزهر عن دار العلوم.
(١٦) يبدأ بإلغاء السنة الأولى من مدرسة القضاء الشرعي اعتبارًا من هذا
العام وتحويل طلبتها إلى مدرسة دار العلوم، وبعد ذلك يخير هؤلاء الطلبة في هذا
حتى إذا رأوا أن من مصلحتهم هذا التحويل حولوا، وألغيت السنة الثانية من
مدرسة القضاء في هذا العام أيضًا.
(١٧) تقرَّر أن يعهد إلى لجنة فنية بتوزيع القدر الباقي من مواد العلوم
الحديثة المقررة في التعليم الابتدائي العام على السنوات الأربع الأول (حيث
يحتسب بالضرورة ما حرز منها الطلاب في سني التعليم الأولى) .
وأن تشكل لجنة أخرى لوضع خطط الدراسة للعلوم الدينية والعربية وما إليهما
للقسمين الابتدائي والثانوي مع مراعاة بقاء خطة الثانوية على ما هي عليه الآن فيما
عدا ذلك، أما خطط الدراسة العالية وأقسام التخصص فتشكل لها لجان خاصة تبدأ
عملها بعد إقرار الخطط والمناهج التي تقرر للقسمين الابتدائي والثانوي.
(١٨) قرَّرت اللجنة تمشيًا مع القانون العام في شئون التعليم أن تعتمد
خطط الدراسة بقانون وأن تعتمد مناهجها بمرسوم.
(١٩) تقرَّر إعادة سنتين في كل قسم من الأقسام الثلاثة، أما قسم
التخصص فلا إعادة فيه بل يجب شطب اسم الراسب من أول مرة.
(٢٠) تقرَّر أن يقبل في امتحانات الشهادات من الخارج كل من أتم مرحلة
من مراحل التعليم وسقط في السنة النهائية لتلك المرحلة وشطب اسمه لمضي المدة
المقرَّرة على أن لا يباح له الدخول في الامتحان بعد ذلك أكثر من مرتين في خلال
السنتين التاليتين.
(٢١) يقبل الغرباء للامتحان ابتداء في الشهادة الابتدائية والشهادة الثانوية
للانتظام في الدراسة ويُتَرَخَّصُ في أمر السن معهم على أن يترك تحديد ذلك وضبط
قواعده لمجلس الأزهر الأعلى.
(٢٢) على من يريد طلب العلم في القسم النظامي في الأزهر أن يقدم طلبًا
يبين فيه المواد التي يبغي دراستها في العام حتى تستطيع إدارة المعاهد توزيع
الأساتذة على طلبة هذا القسم وتخصيص أماكن التدريس لهم، وهؤلاء لا يُرَاقبون
إلا من الجهة الأخلاقية ولا تعقد لهم امتحانات مطلقًا، وإن جاز لأساتذتهم أن
يعطوهم إجازات في العلوم التي يكونون قد برعوا فيها.
(٢٣) يحدد مجلس الأزهر الأعلى في كل سنة العدد الذي يقبل في السنة
الأولى في التعليم الابتدائي بالمعاهد الدينية.
(٢٤) تتولى إدارة المعاهد الدينية قسمي التخصص في الدعوة والإرشاد
وفي القضاء، أما قسم التخصص في مهنة التدريس بفروعها فقد رُئي تأجيل البت
في ذلك إلى أن يوضع نظام هذا القسم.
(انتهت القرارات)
((يتبع بمقال تالٍ))