للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مدرسة دار الدعوة والإرشاد
قد اضطررنا في السنة المدرسية الماضية (سنة ١٢٩٢ هجرية شمسية) أن
نجعل الإجازة الصيفية قبل موعدها بشهر، بقرار من مجلس إدارة الجماعة؛
وسبب ذلك قطع وزارة الأوقاف المصرية ما كانت قررته من الإعانة للمدرسة،
وعدم الرجاء في شيء يُذْكَر من التبرعات بسبب العسرة الحاضرة، حتى أن الشيخ
قاسم إبراهيم قطع اشتراكه السنوي في جماعة الدعوة والإرشاد قبل الحرب، وقد كنا
ننفق على الطلبة بالتقتير في تلك السنة.
أما مقدار إعانة الأوقاف فقد كان خمسمائة وخمسين جنيهًا، وقد كنا موعودين
من قِبَلَ الديوان بمضاعفته أضعافًا، حتى أن محمد محب باشا الذي عُيِّن أول ناظر
للأوقاف - بعد تحويله إلى نظارة - قال لي أمام بعض الفضلاء في داره قبيل سفره
إلى الآستانة في رمضان العام الماضي: إنه يمكن إبلاغ الإعانة في هذا العام إلى
ألف وسبعمائة جنيه؛ وإنما يمكن الزيادة على ذلك فيما بعدها من السنين، قال ذلك
بعد أن دقق النظر في نظام المدرسة، وميزانيتها، وبعد زيارته لها، واختباره
لحالها بنفسه.
ولو طلبت المبلغ الذي كان مقررًا في أول العام الماضي عقب تصديق
الجمعية التشريعية على ميزانية الأوقاف لقبضته؛ ولكنني فضلت حفظه في خزينة
النظارة على حفظه في صندوق المدرسة؛ ليؤخذ بالتدريج عند الحاجة إلى الإنفاق
ولما طلبت بعضه عند الحاجة إلى الصرف - لقرب دخول السنة الدراسية - امتنع
وكيل الأوقاف محمد شوقي باشا من الصرف، معللاً منعه بوجوب الاقتصاد، وقلة
الدخل بسبب الحرب، فراجعت رئيس النظار (حسين رشدي باشا) مرارًا فوعد
بالمساعدة، وأحالني على عدلي باشا الذي كان نائبًا عن محمد محب باشا في نظارة
الأوقاف، ووعد بتوصيته، وبعد عدة مراجعات أمر عدلي باشا بصرف ٣٠٠ جنيه
أقساطًا، وقال لي: إذا كثرت الواردات بعد ذلك ندفع لك الباقي، وقبضت حينئذ
ستين جنيهًا من الإعانة.
ثم تحولت الأحوال وتغير شكل الحكومة، فأعطى إسماعيل صدقي باشا الذي
تولَّى (وزارة الأوقاف) قليلاً، وأكدى (أي منع الباقي) ، فكان مجموع ما قبضته
من الإعانة بيدي ١٣٥ جنيهًا، وكنت أحلت إدارة أوقاف محمد شريف باشا الكبير
على النظارة بأجرة مكان المدرسة بكتاب مني قبلته النظارة، وصارت تدفع ما
يستحق من الأجرة أقساطًا شهرية؛ ولكن وزارة إسماعيل صدقي باشا منعت فيما
منعته إعطاء بقية الأجرة، كانت الأجرة كلها ١٣٠ جنيهًا دفعت وزارة الأوقاف منها
٩٧ جنيهًا ونصفًا، ورجعت عليّ إدارة وقف شريف باشا بمبلغ ٣٢ جنيهًا ونصف
جنيه فوفيتها حسابها
فعلم من هذا أن مجموع ما صُرِف من إعانة الأوقاف للمدرسة في العام
الماضي ٢٣٢ جنيهًا ونصف جنيه، وهو دون المبلغ الذي كان أمر بصرفه عدلي
باشا موقتًا.
ولما علمنا أن الوزارة الجديدة قطعت الإعانة كلها ألبتة، غلبنا حسن الظن
ورددنا على من أساءه، وقرعنا جميع الأبواب التي هي مظنة الرجاء لإعادته،
بحجة أن هذه المدرسة الدينية الخيرية ليس لها دخل ثابت سواه، وأنها أحوج إلى
الإعانة من كل المعاهد العلمية والخيرية التي تساعدها وزارة الأوقاف حتى من
الجامعة المصرية، ومدارس العروة الوثقَى، والجمعية الخيرية - فألفينا جميع تلك
الأبواب موصدة في وجهنا؛ ولكن باب الله تعالى لا يُوصد، فاتكالاً عليه - عز
وجل - سنفتح المدرسة في السنة المدرسية القابلة، كما فتحناها في السنة الماضية
ولكننا لا ننفق على الطلبة شيئًا، ولا نقبل في القسم الداخلي طالبًا جديدًا إلا أن يأتي
الله بالفتح لبعض أبواب رزقه، أو أمر من عنده.
أما موعد فتح المدرسة في السنة الدراسية القابلة فسيكون - إن شاء الله تعالى-
في أول الخريف الثاني (منزلة العقرب) الموافق منتصف شهر ذي الحجة
الحرام خاتمة سنة ١٣٣٣، فعسى أن تكون السنة القابلة سنة خير ويسر، وإن
جاءت بعد شدة وعسر {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً} (الشرح:
٥-٦) .