للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الدعوة إلى الإسلام)
الدعوة حياة الأديان والمذاهب والجمعيات وغيرها من الأمور العامة التي يراد
تكثير سواد أهلها فبالدعوة ينتشر الباطل ويظهر، وبترك الدعوى ينطوي الحق
ويخفى، وأشد أهل الأديان عناية بالدعوة إلى دينهم النصارى فما من مذهب من
مذاهبهم المشهورة إلا وله دعاة في جميع الأقطار تنفق عليها الجمعيات الدينية مما
تجمعه من أغنيائها، ودول أوربا تحميهم أينما كانوا، ويتبعهم سلطانها أينما تمكنوا
ولم أر كالمسلمين إهمالاً للدعوة. ولولا أن الإسلام هو دين الفطرة الموافق للمصالح
المطابق للعقول لارتدَّ عنه في هذا الزمان أكثر المنتسبين إليه من العوام الجاهلين
الذين لا يسمعون كلمة هداية، ولا يجدون في كثير من الأقطار عزة حماية، ولو أن
المسلمين يعنون بالدعوة إليه لدخل الناس فيه كل يوم أفواجًا كما كان في أول نشأته،
أيام نشر دعوته، ومن أعجب أمر هذا الدين المتين أنه ينمو بنفسه، ويجذب الناس
إليه بطبعه، (هذا وما كيف لو) .
وإنه ليسرنا أن نرى نفوس المسلمين الذين أيقظتهم حوادث الزمان قد توجهت
إلى إحياء الدعوة الإسلامية وكثر الحديث فيه بينهم، حيث يجدون حرية في دينهم،
كبلاد مصر وبلاد الهند. أما هذه البلاد فقد كان الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى -
عازمًا على إعداد فرقة من طلاب الأزهر للدعوة يتعلمون ما ينبغي لها في هذا
العصر من العلوم والفنون التي يتمكنون بها من إقناع أصناف المدعوين، وكشف
شبهات المنكرين، ولكن ما أحدثه أعداء الإصلاح من الشغب والمقاومة حالت دون
ما كان يريد، ولعل مريده الشيخ شاكر يوفق إلى ذلك في الإسكندرية إذا استقام على ما
عهد به إليه، وإن كان يعوزه ما كان المرحوم أقدر عليه، وأما مسلمو الهند فقد
انتقل الأمر فيهم من طور الفكر أو التمني إلى طور العمل والدعوة، وهاك ما جاء في
العدد الأخير من جريدة الرياض الهندية التي تصدر بالعربية والأوربية المؤرخ في
٢٥ رمضان الماضي قال:
***
(دعوة الإسلام في السند)
مضت بضعة أشهر على إعلان الجرائد الآريوية (فرقة حديثة من هنود
الوثنيين) أنه دخل في دين الوثنية عائلة إسلامية تحتوي ٥٦ نسمة تسكن بلدة
لركانة (بُليدة في السند) وأظهروا عليه فرحًا شديدًا وحسبوا أن هذا هو الخسران
المبين للإسلام والمسلمين، والفوز العظيم لهم، وشاع هذا الخبر أسرع من البرق
في جميع أقطار الهند، وأثر تأثيرًا سيئًا في المسلمين وحزنوا حزنًا شديدًا فمنهم من
يكذب هذا الخبر، ومنهم من يتعجب منه غاية العجب، ويقول: من ذا الذي يعبد
الله الواحد الأحد الصمد القدير الذي خلق الأرض والسماء ثم يتبع من اتخذ إلهه هواه؟
وكيف يعبد أصنامًا حجرية لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له؟ إن هذا لشيء عجاب؟
ومنهم من يشدد النكير على علمائنا الكرام بأنهم لا يسعون في تسكين قلوب
ضعفاء العقول من المسلمين، ولا ينفعون بنصائحهم جميع الأنام بل يقصرون
مواعظهم ونصائحهم على الذين يتبعونهم ويحسنون الظن بهم ولا يقدمون على
إظهار الشك في أقوالهم ويحبون أن لا يسمعوا غير (سمعنا وأطعنا) قولاً آخر - بل
ينبزون الذي يعترض عليهم بالألقاب وبئس الخطاب.
فمن الذين أنكروا هذا الخبر وكذبوه أصحاب الجرائد وأعضاء اللجنات
الإسلامية؛ فأصحاب الجرائد التمسوا في جرائدهم من المسلمين الذين يسكنون في
لركانة وحواليها أن يكاتبوهم أحوالهم.
وأعضاء اللجنات عزموا إلى إرسال الواعظين إلى لركانة ليصدقوا هذا الخبر
ويعظوا المسلمين المترددين الذين يشكون في الإسلام؛ فوصل المولوي محمد
إبراهيم ومولوي نبيي بخش مندوبين من بعض اللجنات إلى لركانة وكتبًا، وكتب
بعض المسلمين منها أنه كانت في لركانة عائلة صغيرة من الهنود وكانوا وأباؤهم
وأجدادهم هنديين يعبدون الأوثان ويحرقون أمواتهم ويعتقدون بالعقائد التي يعتقدها
سائر الهنود الوثنيين إلا أن جدهم بدلداس صار موظفًا في ديوان السادات أمراء
لركانة واختار مراسم المسلمين كما يختار أكثر الهنود مراسم العزاء بسيدنا الإمام
الحسين بن علي - رضي الله عنه - ويبنون في المحرم تماثيل مقابرهم ويلبسون
الثياب الخضراء، ويجمعون الاشتراكات لهذه التماثيل، ويقولون إنهم فقراء الإمام
وينذرون لها نذورًا كما يفعل المسلمون الجاهلون في شهر المحرم ومن الهنود من
لقب بالألقاب الإسلامية كمرزا ثفته وغير ذلك، فهكذا هذه العائلة قد اختارت رسوم
جهال المسلمين استرضاء لمواليهم المسلمين واشتهروا بالشيوخ واستمروا عليه حينًا
من الدهر إلا أنهم لم يؤمنوا ولم يدخلوا في حوزة الإسلام قط، وكانوا يعبدون
الأوثان ويحرقون أمواتهم ويرسلون نبذًا من الشعور على رؤوسهم ويستعملون
الزنانير ويسمون أبناءهم وبناتهم بأسماء المشركين ويتبعون أهل الشرك في عقائدهم
وتفردوا لهذا أو بسبب آخر من أقوامهم فسعت الآرية في انضمامهم إلى فئتهم ففازوا
بذلك وأظهروا في جرائدهم أنهم كانوا من المسلمين.
أما العالمان العاملان المذكوران فصمما عزمهما على دعوة الإسلام وتبليغه إلى
الذين لا يعرفون محاسن الإسلام وإحياء سنة من سنن الرسول - صلى الله عليه
وسلم - التي تركها العلماء منذ قرون عديدة فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان
يذهب تارة إلى عكاظ، وتارة إلى الطائف وتارة يضع مأدبة لقريش ويبلغهم آيات
الله ويحثهم على طاعة الله ويهديهم إلى سواء السبيل ويعظهم في المجامع العامة التي
تشتمل على طوائف الناس من المؤمنين والمشركين.
وعلماء هذا الزمان ما رعوا هذه السنة حق رعايتها بل حصروا مواعظهم
ونصائحهم في المساجد حيث لا يحضر إلا من يصلي ولا يصل وعظهم إلى
المسلمين الذين غرقوا في بحار المناهي والمناكر ولا يصل نداء وعظهم إلى من لا
يؤمن بالله واليوم الآخر إلا أن هذين العالمين قد أحييا هذه السنة وعملا عليها عملاً
حسنًا فعمما مواعظهما وجددا عزمهما إلى هداية الذين لا يدينون دين الحق وشرعًا
في الذهاب إلى القرى والبلاد وأنتجت مساعيهما نتائج حسنة فاعتنق الدين الإسلامي
في أسبوع واحد أربع مائة من الرجال والنساء والصبيان، وما زال عدد التاركين
الوثنية الداخلين في الإسلام يزداد يومًا في هذه الأقطاع إلى أن بلغ عدد من أسلم
٨٥٧ نسمة، والعالمان المتورعان يجتهدان في دعوة الإسلام وكل يوم ننتظر أن تصل
إلينا بشارة جديدة يفرح بها المسلمون فرحًا.
يا معشر المسلمين أفلا تنظرون بعين البصيرة إلى أعمال علمائكم كيف نجحت
مساعيهم في برهة من الزمان؟ فما هذا إلا نتيجة إحيائهم سنة من سنن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - فإن اختار علماؤنا الكرام هذه الخطة التي عمل بها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - مدة عمره الشريف، رأيت الناس يدخلون في دين الله
أفواجًا.
فعليكم أيها المؤمنون أن تحسبوها تجربة حسنة وتبنوا عليها بناء جيدًا فإن
ارتقاء القوم لما كان يتوقف على تعليم العلوم والصنائع والتجارة وكثرة العدد والعدد
عقدتم لتعليم العلوم والصنائع جمعيات عديدة، فالأجدر أن تقيموا لدعوة الإسلام
جمعية أيضًا يشترك فيها المسلمون كلهم واجتهدوا في نشر الإسلام حق الاجتهاد،
وانظروا إلى معاصريكم من المسيحيين كيف يجتهدون في إشاعة المسيحية وكيف
يصرفون عليها قناطير الذهب والفضة كل سنة كما يظهر من رسالة مكاتبنا
المكرم التي أدرجناها.
وانظروا إلى إخوانكم الآرية كيف يجتهد كل واحد منهم في إشاعة مذهبهم
لتكثير حزبهم مع أن معتقداتهم مخالفة للعقل السليم ولا تقاوم الأدلة الفلسفية كتعدد
الآلهة ومسألة التناسخ وعبادة آلات التناسل وغير ذلك من العقائد الباطلة والشائنة
ولكنهم يجتهدون في تكثير أفراد هذه المذاهب ويفوزون فوزًا تامًّا حتى إنه لم يبق
قرية أو بلدة من الهند إلا وجد فيه عدد من هذه الفرقة الحديثة التي بدت منذ خمس
وعشرين سنة.
أما دينكم فمطابق لفطرة الله التي فطر الناس عليها وأصوله موافقة للعقل
والحكمة والفلسفة فوجهوا وجهتكم إلى هذا الأمر الجليل والتفتوا إليه أجلّ التفات
واعقدوا له جمعية جديدة أو حثوا إحدى الجمعيات الموجودة عليه لتعمل فيه بالنظام
المتين والتدبير المستقيم المستقل وتديم الجهد عليه، فالفوز والنجاح بين أيديكم لا ريب
فيهما.
إن العالمين المذكورين قد قرعا هذا الباب وفتحاه لكم وقدما نتائج مساعيهما
الحسنة إليكم ليكون لكم درسًا مفيدًا؛ فعليكم أن تنصروهما وتدبروا تدابير حسنة
لاستمرار الأعمال التي شرعوا فيها.
يا معشر المسلمين انتبهوا من هذه الغفلة وجددوا عزائمكم وقووا قلوبكم
وصمموا نياتكم وقوموا لإحياء قومكم وإشاعة دينكم وتكثير حزبكم لتكونوا من
المسلمين الصادقين الذين يفاخر بكم نبيكم الأمم لكثرة عددكم وقوة عددكم وجهادكم
بأموالكم وأنفسكم وأقلامكم وأقدامكم واسعوا بالإخلاص في إعلاء كلمة الله ونشر
شعائر الله وإفشاء أحكام الله واتفقوا واجتمعوا ولا تفرقوا فإن يد الله مع الجماعة. اهـ بنصه مع تصحيح بعض الكلمات.
***
(الدعوة إلى الإسلام في اليابان)
كانت الجرائد رددت صدى ما نشر في مجلة (شوكيما) اليابانية عن تصدي
حسان المسلم الصيني لدعوة قومها إلى الإسلام بتأليف كتاب نشره في تلك البلاد، ثم
نقل بعضًا عن الجزء الصادر من تلك المجلة في أول سبتمبر الماضي شيئًا عن
بحث لجنة الأديان اليابانية في ذلك الكتاب وملخصه أن رئيسها كلف المستر كوريما
دراسة قسم العبادات من الكتاب والمستر جورافوش دراسة قسم المعاملات والمستر
ايوا داوا دراسة قسم العقوبات مع اشتراك الجميع في المسائل العويصة من كل قسم.
وكتب إلى المستر حسان يدعوه إلى اليابان لمذكراته في مسائل كتابه فلبى وتلقته
اللجنة بالحفاوة والإكرام وكان يحضر اجتماعهم. ولما دارت المناقشة في كلمة (لا
إله إلا الله) قاعدة التوحيد أورد المستر كوريما كل ما في خياله من الأدلة النظرية
لإثبات تعدد الآلهة ولكن رفيقيه مالا إلى رأي المستر حسان. ومن رأي اللجنة أن
تنشر كل ما تراه صحيحًا من المسائل الإسلامية بعد الاتفاق عليه في الجرائد في
صحف خاصة توزع على العامة. وإننا نخشى أن يعجز أخونا حسان عن إقناع
القوم ببعض المسائل لتمسكه فيها بمذهب معين فإن الذي نعرفه عن مسلمي الصين
أنهم قلما يعرفون من الإسلام غير مذهب الحنفية. ونود أن يستحضر لنا بعض أهل
الغيرة هذه المجلة وما عساه يطبع في المناظرة ويترجمه ليتسنى لنا مشاركتهم في
بحثهم نحن ومن يهمه ذلك من العلماء ونكتب إليهم ما نراه مقنعًا لهم إن شاء الله
تعالى.
***
(مسألة مكدونية وتأثيرها في المسلمين)
اتفقت النمسا وروسيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا على إرسال أسطول مؤلف
من سفنهن لتهديد الدولة العلية وإلزام السلطان بإجابة ما يطلبن من المراقبة المالية
الأوربية في تلك الولايات، وقد احتل الأسطول المتحد جزيرة مدللي وأصر السلطان
على رفض طلبهن كما قلنا في الجزء الماضي.
وكان من بعض أجوبته لسفرائهن أنه لا يقدر على احتمال سخط المسلمين في
هذه الحادثة أو ما هذا معناه ففسرت شركة روتر في برقياتها هذه الكلمة بأن السلطان
يهدد أوربا أو النصارى بالحرب الدينية وقيام المسلمين عامة على النصارى وأن
السفراء فهموا هذا منه وأن سفير الإنكليز قال: إنه هو المسئول عن كل ما ينجم من
الاعتداء على رعية دولته. والسلطان لم يقصد شيئًا مما زعموا وإنما أراد أن يبين
لهم عذره في رفض طلب الدول وهو أن المسلمين يسخطون عليه ويقولون: إنه هو
الذي أضاع بلاد الدولة.
قال روتر كلمته وطيرها بالبرق إلى مصر وغيرها فأحدثت في النفوس
اضطرابًا عظيمًا فكثر حديث الناس في المسألة حتى النساء، وانتشر الخبر في
العامة انتشارًا عظيمًا، وتوقع الأجانب حدوث فتنة عظيمة إذا تمادى الخلاف بين
الدول المتحدة وتركيا المنفردة، وأنشأت الجرائد تبين ضرر العدوان وفوائد الصفاء
والاتفاق. ولكن لم يطل ولله الحمد أمد الاضطراب والإشفاق على الدولة من عدوان
أوربا بعد تعديل وتحوير فيها فسكنت النفوس مرة واحدة واطمأنت القلوب وسكتت
الجرائد عن الخوض في المسألة ووعظ الناس بوجوب السكينة لولا ما حدث في
الإسكندرية.
حدث في الإسكندرية أن بعض رعاع اليونانيين أطلق الرصاص على آخر
فأصاب رجلًا مسلمًا فانتصر للمسلم بعض العامة ولليوناني من حضر من قومه
فانتشرت الفتنة وظن بعض الغوغاء من أحداث المسلمين أن ما يتحدث به الناس من
الحرب الدينية قد وقع فتألبوا وكثر جمعهم وصاروا يصيحون في الشوارع: الحرب
الدينية، ويضربون من يلقون من اليونانيين وغيرهم فجرح خلق كثير وعجز رجال
الشحنة عن فل الجموع وحفظ الأمن فأمر محافظ الإسكندرية بأن يجاء بمطافئ
الحريق فيرش منها الماء في المحشر ففرق الماء تلك الجموع من حيث لم يضر أحدًا
منهم ونعم الرأي رأي المحافظ.
وقد اتفقت الجرائد العربية والإفرنجية على أن الذنب في الحادثة لشرار
اليونان لا للمصريين وروى بعضها أن قنصل اليونان نفى طائفة منهم بالاتفاق مع
الحكومة. وقد قبض على جماعة من المشاغبين لأجل محاكمتهم ويقال إن الحكومة
ستعاملهم بالقسوة وتعاقبهم أشد العقاب عبرة لهم ولأمثالهم.
وروت الجرائد أيضًا أن محافظ الإسكندرية أمر الخطباء والوعاظ بأن ينصحوا
للناس بموادة النصارى وغيرهم من المخالفين لهم في الدين ليعلم الجاهلون أن الدين
يأمر بالعدل والإحسان لا بالظلم والعدوان. وقد روت البرقيات والجرائد الأوربية أن
السلطان أمر خطباء الآستانة ووعاظها بمثل هذا. وينكر بعض الناس مثل هذا
محتجًّا بأن أهل الأستانة لم يعرفوا من الخلاف بين الدولة العلية والدول ما يعرف
الأوروبيون والمصريون وأن مثل هذا الوعظ قد يضر ولا ينفع لأنه ينبه النفوس
إلى ما كانت غافلة عنه، ولا تعنينا هذه الآراء وما كان للمنار أن يذكر الحوادث إلا
لبيان العبرة فيها.
العبرة في هذه الحادثة من وجوه (أحدها) أن لعامة المسلمين غيرة على دينهم
وعلى سلطتهم وحظًّا ما من الشعور بالحياة الملية العامة ولكن ليس لهم زعماء
يخدمون هذا الاستعداد، ويستخدمونه بما ينفع الأمة والبلاد. (ثانيها) أن هؤلاء
العوام لجهلهم بدينهم عرضة لمخالفته بقصد الاهتداء بهدايته حتى يسهل دفعهم إلى
الفتن وإيقاعهم في مزالق المحن، ولا علاج لهذا الجهل إلا التعليم الديني النافع
والتربية الإسلامية القويمة، وإذا كانت الحكومة تظن أن القسوة في عقاب المذنبين
في حادثة الإسكندرية تكون تربية لسائر العوام ورادعًا لهم عن الوقوع في مثل ما
وقع فيه المعاقبون فظنها هذا إثم، فإن العوام لا يندفعون بالفكر والقياس، بل بالوجدان
والإحساس، فإذا حدث في وقت آخر ما يحرك إحساسهم للشر، فإنهم لا يتذكرون ما
سبق للمذنبين من العقوبة والضر، فعلى الحكومة المصرية أن تعنى بتعميم التعليم
الديني ما استطاعت.
(ثالثها) أن شرار الأجانب باعتدائهم على الوطنيين واعتزازهم
بحماية حكوماتهم لهم من العدل يحفظون القلوب عليهم ويملئونها حقدًا وضغنًا فإذا
جاءت أحداث الزمان بالفرصة للتشفي والانتقام، ومقابلة العدوان بالعدوان، كان من
ظلم الحكومة أن تنكل برعيتها إذا قدرت، ومن البلية عليها وعلى البلاد أن عجزت.
(رابعها) أن بعض الأجانب ينبزون هذه الحركة بلقب التعصب الديني الذي
هو عندهم من الألقاب الممقوتة ولو أنصفوا لعرفوا أن كل حركة ضدهم فهم سببها سواء كانت دينية أو دنيوية. (خامسها) أن جميع الأجانب يقتنون السلاح
ويتعلمون استعماله ويقل في الوطنيين من يقتنيه أو يحسن استعماله والحكومة
المصرية تشدد على رعيتها في اتخاذه، وذلك مما يحفظ قلوبهم على الأجانب إذ
يعتقدون أنهم يستعدون للإيقاع بهم ومن مصلحتها أن تقرب القلوب بعضها من
بعض بالمساواة وهذا يتوقف على رضاء دول أوربا فلعلهن يفكرن في ذلك.
وعلى ذكر السلاح نقول أن الحكومة العثمانية في سوريا قد أتقنت التشديد على
العلم ومنع الكتب والجرائد خوفًا من حركة الفكر ولكنها لم تتقن منع السلاح فلا يكاد
يوجد أحد في بيروت ولا لبنان لا يتخذ بنادق مرتيني وغيرها من المُدى والمسدسات
ويكثر السلاح أيضًا في سائر البلاد وسيعم، فنسأل الله أن يقيها الفتن ما ظهر منها
وما بطن.
***
(أنباء الأزهر)
الشيخ أحمد الرفاعي
هذا الشيخ هو أول من تجرأ على الجهر بمعارضة الإصلاح في الأزهر باسم الانتصار للدين ودعا الشيوخ إلى ذلك فأجاب دعوته كثيرون لا الأكثرون.
وقد كان من عاقبة أمره ما عرفه الناس هنا وخاضت فيه الجرائد، وهذا ما نشرته جريدة اللواء في (ع ٨٧٧) الصادر في ١٨ رمضان الماضي:
(من المسائل التي يجب علينا نحن معشر الوطنيين النظر فيها وتلافيها قبل
أن ينبهنا إليها الغير تلك الحالة المكدرة التي وقعت من الشيخ أحمد الرفاعي شيخ
المقارئ. ومعلوم أن هذا الشيخ نال الحظوة السامية لدى الجناب العالي الخديوي
عدة سنوات. وكم من مرة طاف على العلماء بالعرائض لطلب عزل شيخ الجامع
والمفتي وكان الكثيرون يتبعونه، وكان يقرأ التفسير في القبة أثناء شهر رمضان.
وقد بلغ من تقربه أن سمو الأمير رشحه لمشيخة الأزهر عقب إحالة فضيلة الأستاذ
العلامة الشيخ سليم البشري على المعاش) .
(أما الذي علمناه وعلمه الكثيرون فهو أن الشيخ المذكور لما تعين شيخًا
للمقارئ أقيم ناظرًا على وقف مشروط النظر فيه لمن يكون في وظيفته فكان من
تصرفه المخالف للشرع الشريف أنه أجر لحضرة سمعان بك صيدناوي التاجر
الشهير في الموسكي قطعة أرض لمدة ستين عامًا بأجرة زهيدة جدًّا ولما بلغ هذا
الخبر أولياء الأمور فصلوه عن وظيفته من مشيخة المقارئ فأصبح غير ناظر على
الوقف ثم أبى الجناب العالي قبوله في السراي العامرة، كما أنه لم يدعه للإفطار في
عابدين مع بقية العلماء، وسيجري الشأن بإبطال عمل الرجل شرعًا وهذا وإن كان
يريح البال بعد العلم بهذه الحادثة إلا أن الجاري الآن من الغرابة بمكان ذلك أن
الشيخ لا يزال مدرسًا في الأزهر) .
(وغني عن البيان أن وظيفة التدريس خصوصًا في مدرسة كلية مثل الأزهر
الشريف هي وظيفة سامية لا تسند إلا إلى الرجل الشريف الطاهر السمعة، ولا يليق
أن يتقول الناس في الخارج على واحد يشغلها. وعندنا أن عالمًا حسن السمعة خير
ألف مرة من عالم أوسع منه علمًا يكون سيئ السمعة غير محمود الذكر لأن مثل هذا
يكون مثالاً رديئًا لتلاميذه وبه يعتقد الطلبة أن العلم يسمح لصاحبه بخراب الذمة.
فهل ترضى مشيخة الأزهر أن يهان التدريس إلى حد أن يتربع في حلقاته
من أتى أمرًا مخالفًا للشريعة السمحاء (الصواب: السمحة) .
فإن كان الشيخ قد أتى ما أتى وهو عالم بمخالفته الشرع فهذا يكفي لحرمانه من
التدريس وإن كان أتاه وهو غير عالم بمخالفته فهناك الطامة الكبرى لإسناد التدريس
لمن لا يعرف نواهي الشرع، وإن كان أتاه عن ضعف أو كبر فهو غير لائق للتدريس.
فهل لمشيخة الأزهر أن توجه أنظارها إلى ذلك صيانة لشرف العلم
والمتعلمين) اهـ.
***
(المنار)
كان للواء أن يلتمس للشيخ عذرًا فيما فعل ولو بالطرق التي يسمونها حيلاً
شرعية، وتقول: إنه بعد هذا قد أقيل الشيخ الرفاعي من مجلس إدارة الأزهر الذي
عين عضوًا فيه عقب ترك الأستاذ الإمام له والذين كانوا يعارضون الإصلاح كلهم
مثل هذا الشيخ أو دونه.