(س ٣٣-٣٥) السيد سالم بن أحمد عبد الفتاح في سنغافوره: إني رأيت جريدتكم (المنار) الأغر في أبهى الكمال لإرشاد أهل الضلال والبدع، وإني سائلكم أن تفتونا عن الأسئلة الآتية: (١) ما قولكم فيمن اعتادوا تلطيخ قبلة المسجد بالسواد وغيره من أصناف الألوان وتقطيع أطراف أثوابهم وإلصاقها بالبصاق على حيطان المساجد من داخلها. (ج ١) عن تلطيخ جدران المساجد وإلصاق الخرق عليها: تلطيخ قبلة المسجد وجدرانه بالسواد وغيره من الألوان ينظر فيه من وجهين: القصد منه وأثره في شغل المصلين به عن الصلاة، فإن كان القصد منه تلويث المسجد وتقذيره كما تشعر به كلمة (تلطيخ) فهو معصية، وقد ذكر بعض الفقهاء أن من يلطخ المسجد بنجس أو قذر يكون مرتدًّا يعنون أنه لا يعقل أن يهين أحد بيتًا ينسب إلى الله تعالى بتخصيصه لعبادته فيه وهو يؤمن بأن هذه العبادة حق شرعه الله تعالى، وكأنهم لم يلتفتوا إلى احتمال أن يقع تقذير المسجد من غافل عن الكفر بالله وعن حقية العبادة التي تؤدي في هذا المكان، ولكن القرائن قد تكون دالة دلالة قطعية على أن ملوث المسجد غير كافر بالله ولا منكر لشيء من شريعة أهل المسجد ولا قاصد إلى إهانة المسجد فلا وجه للحكم بالردة حينئذ والتلويث محظور على كل حال ولا وجه لإباحته. وإن كان القصد منه تزيينه بالألوان فحكمه على كونه خلاف السنة يختلف باختلاف حال المصلين فإن كانوا قد اعتادوا الصلاة في المساجد المزوقة بالألوان فصارت لا تشغل قلوبهم عن معنى الصلاة من التوجه إلى الله تعالى وتدبر ذكره وكلامه فيها فالأمر في التزيين أهون إذ ليس فيه إلا مخالفة السنة التي جرى عليها سلف الأمة في الأمور الظاهرة من غير إخلال بأمور الدين الباطنة كالتوجه إلى الله تعالى والخشوع لذكره وتدبر كلامه، وإن كان المصلون في هذا المسجد غالبًا لم يعتادوا ذلك فالأمر أشد؛ لأن هذا العمل يكون مخالفًا لآداب الدين الظاهرة والباطنة كما علمت. هذا ما يقال في فقه المسألة وأما المروي في المساجد مما يتعلق بها فكثير ومنه ما رواه أحمد ومسلم من حديث أنس مرفوعًا (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء، وإنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة) ومنها حديثه عند أحمد والشيخين (النخاعة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) وفي رواية أخرى البصاق بدل النخاعة، وقد كانت أرض المسجد ترابًا لا فرش عليها وكفارتها في مساجدنا أن تمسح وينظف المحل، وقد ورد في الحديث النهي عن البصاق في المسجد ومن تنخم فليبصق في ثوبه أي كمنديله وورد في البصاق فيه وعيد شديد. وجاء ذكر زخرفة المساجد في بعض الأحاديث التي وردت في علامات الساعة وفي افتراق الأمة مقرونة إلى بدع وضلالات يقتضي السياق إنها مثلها كحديث عوف بن مالك عند الطبراني: (كيف أنت يا عوف إذا افترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها في الجنة وسائرهن في النار؟ قال وكيف ذلك، قال: إذا كثرت الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الجهلاء على المنابر، واتخذوا القرآن مزامير، وزخرفت المساجد ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولاً والزكاة مغرمًا والأمانة مغنمًا وتُفُقه في دين الله لغير الله وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأقصى أباه ولعن آخر هذه الأمة أولها وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم وأُكرم الرجل اتقاء شره فيومئذ يكون ذلك) الحديث،وهو ضعيف وله شواهد في زخرفة المساجد وغيرها كحديث أبي الدرداء عند ابن أبي الدنيا في المصاحف (إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فعليكم الدمار) وأقوى من ذلك حديث ابن عباس عند أبي داود (ما أمرت بتشييد المساجد) وفسره ابن عباس بزخرفتها كما زخرفت اليهود والنصارى، وفي فقه المسألة حديث عثمان بن طلحة عند أحمد وأبي داود وفيه (فإنه لا ينبغي أن يكون في قبلة البيت شيء يلهي المصلي) . ومنها في أشراط الساعة حديث ابن مسعود الطويل عند الطبراني ومنه (يا ابن مسعود إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تزخرف المحاريب، وأن تخرب القلوب، يا ابن مسعود إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تكنف المساجد وتعلو المنابر) الحديث. وله حديث آخر فيه هذا اللفظ وهو عند البيهقي في البعث وابن النجار قال البيهقي: إسناده فيه ضعف إلا أن أكثر ألفاظه قد روي بأسانيد متفرقة أقول: منها حديث أنس عند أحمد وأصحاب السنن ما عدا الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) وقد صححه ابن خزيمة وأورده البخاري تعليقًا بلفظ (يتباهون) بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً) . وأما إلصاق قطع من أطراف ثيابهم بجدر المسجد فالذي تبادر إلى فهمي أنهم يقصدون به دفع ضرر أو جلب منفعة قياسًا على ما نراه في هذه البلاد وغيرها من ربط بعض الجاهلين قطعًا من أثوابهم ببعض الأشجار المعتقدة أو أضرحة الموتى المشهورين بالصلاح أو أبواب الحجرات التي دفنوا فيها وكل هذه الأعمال مما تبع فيه المسلمون الجغرافيون سنن من قبلهم من الوثنيين بعد انتقال هذه الأعمال الوثنية إلى أهل الكتاب فلا حاجة إلى إطالة القول فيها ولا شبهة على هذه البدع لأعداء السنة وأنصار البدعة إلا جعلها من أذيال ما يسمونه زيارة القبور وأين زيارة القبور المأذون فيها للاعتبار بالموت من هذه الأعمال الوثنية؟ *** (س ٢) ما قولكم في تقبيل شواهد الأموات والتوسل بها، والدعاء بهذه الدعوات: عباد الله جئناكم طلبناكم، أغيثونا أعينونا بهمتكم وجدواكم؟ (ج ٢) عن تقبيل أحجار القبور ودعاء الموتى والتوسل: يريد السائل بشواهد الموتى الأحجار الكبيرة التي توضع تجاه رءوس الموتى من قبورهم وتقبيل هذه الأحجار من سنن الوثنية، وأقبح البدع في الإسلام، وأما دعاء الموتى فهو عبادة حقيقية لهم وإن غير المبتدعون اسمها وأطلقوا عليها لفظ التوسل، وقد كان هذا النوع من العبادة، وهو دعاء غير الله، أي نداؤه لطلب المنفعة منه أو دفع الضرر، أو التقرب به إلى الله واتخاذه شفيعًا هو جل ما يعرف من عبادة المشركين لغير الله ولذلك فسر الدعاء بالعبادة حيث ورد في هذا المقام من القرآن. قال تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوَهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (الأعراف: ١٩٤) وقال تعالى في سورة فاطر {إِن تَدْعُوَهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: ١٤) وقال في سورة الجن {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (الجن: ١٨) والآيات في هذا لا تحصى، وقال تعالى في سورة يونس: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} (يونس: ١٨) الآية وقال تعالى في سورة الزمر {أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: ٣) الآية. وقد فصلنا القول في هذه المسألة في المجلدات السابقة مرارًا كثيرة وفندنا فيها مزاعم أهل التحريف والتأويل فليراجع ذلك في محالِّه مع الاستعانة بالفهرس. يطلب منه لفظ التوسل ولفظ الشفاعة ولفظ قبور الصالحين أو القبور مطلقًا. *** (س ٣) في ليلة نصف شعبان من كل سنة يفككون الصناديق والحواصيل (كذا) ويزعمون أن في تلك الليلة تقسيم وتوسيع الأرزاق. وفي أول ليلة من السنة الجديدة يجمعون شيئًا من النقود وغيرها كالحلي وشيئًا من حشيش الأرض يسمونه (السعدى) وعودًا من نخل المدينة، ويجعلون الجميع فوق غطاء قدر ويزعمون أن تلك السنة تدخل عليهم بهذه الأشياء التي فعلوها؟ أفتونا في ذلك ودمتم مأجورين. (ج ٣) عن بدع ليلة نصف شعبان وأول السنة: قد كتبنا في بدع ليلة نصف شعبان غير مرة فمنها ما كتبناه في الجزئين السابع عشر والرابع والعشرين من المجلد السادس ومنها ما كتبناه في الجزء الذي صدر في ١٦ شعبان من المجلد الثالث وغير ذلك. ولم نذكر فيما أوردناه من بدع الناس في هذه الليلة مسألة تفكيك الصناديق والحواصيل للاستعانة على سعة الرزق، وكأن هذا من الخرافات المعروفة ببلاد السائل دون البلاد التي عرفناها وهي خرافة يتبرأ منها الإسلام ومن ينتسب إليه بحق. ومثله ما ذكره من خرافاتهم في أول السنة ويشبه أن يكون هذا من خرافات بعض العجائز الجاهلات، ويطلق المصريون على أمثال هذه السخافات اسم (علم الركة) يعنون به تقاليد النساء وخرافاتهن ومزاعمهن وهن قلما يسندن شيئًا من هذا الجهل الذي يسمينه علمًا إلى الدين، ولولا أن علم الركة في سنغافورة وأمثالها من البلاد التي يغلب فيها الجهل يستند في بعض مسائله إلى الدين لما احتاج السائل إلى جواب عن هذه المسألة يحتج به على الجاهلين.