للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

الإكراه على الطلاق معلقًا عقب عقد النكاح
(س٩) من صاحب الإمضاء في (سمبس - جاوه) .
حضرة العلامة الأكبر، الذي هو حجة الإسلام في هذا العصر، مولاي
الأستاذ (السيد محمد رشيد رضا) صاحب مجلة المنار الأغر، حفظه الله تعالى.
السلام عليكم تحية مباركة طيبة. وبعد فإني أرجو كل الرجاء أن تتفضلوا
عليَّ بالجواب عما يأتي:
قد جرت عادة بلدنا، وفي سائر بلاد جاوه وملايو من زمن بعيد إلى اليوم
أن كل عاقد للنكاح من قاضٍ أو حاكم يلقن كل زوج عقد له النكاح عقبه تعليق
الطلاق بما إذا غاب عنها ولم يترك لها نفقة ولم ينفق عليها في غيبته مدة ستة أشهر
مثلاً، وهي غير ناشز، فإذا لم ترض بذلك واشتكت أمرها إلى الحاكم، وثبتت
دعواها ببينة وقبلها طلقت طلقة واحدة.
وغير ذلك من التعاليق التي تناسب حال كل بلد من هذه البلاد، والتعليق الذي
جرينا عليه في بلدنا وطالبنا كل زوج عقدنا له بالتلفظ به هو بأمر ملكنا (السلطان)
وكذا في سائر تلك البلاد بأمر أولياء أمورهم.
ثم إني رأيت في هذه الأيام أن لا حاجة لنا إلى هذا التعليق؛ فإن في مذهب
الشافعي رحمه الله بابًا واسعًا في فسخ النكاح. والغرض من التعليق هو التفريق بين
المرء وزوجه بموجب تعليقه. وقبل كتابة هذا الكتاب سألت نفرًا من المشتغلين بعقد
الأنكحة عن التعليق: هل هو سنة أو مكروه أو ... أو ... وما فائدته؟ فلم أجد في
أجوبتهم إلا استحسان التعليق، حتى غلا بعضهم فيه، وقال: يجب على الأمة أن
تطيع أمر السلطان به وأنه يصح ولو مع الإكراه عليه؛ لأنه إكراه بحق.
قلت: لا يصح التعليق مع الإكراه؛ فإنه إكراه بغير حق، وإنما تجب طاعة
السلطان في المعروف كما ورد في الحديث: (إنما الطاعة في المعروف) ولا
يكون الشيء واجبًا إلا إذا كان له مستند من الأدلة الشرعية وهي الكتاب والسنة
والإجماع والقياس، يبين كونه واجبًا، وهل لهذا التعليق مستند من هذه الأدلة؟ بل
قلتَ: إن مثل التعليق الذي جرينا عليه بدعة مكروهة، إن لم أقل: إنها حرام؛ فإن
الإسلام لم يأمرنا بتحليف الزوج بالطلاق بأي شيء كان. فقد قال في شرح الروض
(تعليقه جائز) نعم إني قرأت في هذه الأيام في كتاب باللغة الملاوية للسيد عثمان بن
عقيل اسمه (القوانين الشرعية) قوله فيه ما تعريبه: (إنما يستحسن تعليق الطلاق
بعد عقد النكاح لتذكير الزوج بالمحافظة على حق زوجته من المعاشرة بالمعروف
كما أمر الله به في كتابه {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: ١٩) اهـ وها أنا ذا
أنقل التعليق المستعمل في (بتاوى) بنصه العربي من الكتاب المذكور وهو:
(أما بعد عقد النكاح فأقول في تعليق طلاق زوجتي فلانة بنت فلان بأحد هذه
الأفعال الثلاثة الآتية: حالة كوني أحث على نفسي (؟) أن لا أفعل شيئًا منها وهي:
كلما لم أنفق على زوجتي فلانة بنت فلان النفقة الواجبة عليَّ شرعًا مدة شهر واحد ولم
ترضَ بذلك وشَكَت أمرها بنفسها أو بوكيلها عنها وكالة شرعية إلى (؟) عند رادا كام
(المحكمة الشرعية) وأثبتت هي أو وكيلها دعواها بذلك عند (رادا كام) وطلبت
طلاقها بنفسها أو بواسطة وكيلها فهي طالقة من عقدي (؟) طلقة واحدة. - كلما
غبت عن زوجتي فلانة بنت فلان في سفر البر أو في البلد ستة أشهر، أو في سفر
البحر سنة واحدة، ولم ترضَ بذلك وشَكَت أمرها بنفسها أو بواسطة وكيلها وكالة
شرعية إلى (؟) عند راداكام، وأثبتت هي أو وكيلها دعواها بذلك دعواها بذلك عند
(رادا كام) وطلبت طلاقها بنفسها أو بواسطة وكيلها منها فهي طالقة من عقدي طلقة
واحدة كلما ضربت زوجتي فلانة بنت فلان ضربًا موجعًا غير لائق في الشرع ولم
ترضَ بذلك وشَكَت أمرها بنفسها أو بواسطة وكيلها عنها وكالة شرعية إلى عند (رادا
كام) وأثبتت هي أو وكيلها دعواها عند (رادا كام) وطلبت هي طلاقها بنفسها، أو
بواسطة وكيلها منها، فهي طالقة من عقدي طلقة واحدة. اهـ بالحروف.
ما تقولون في هذا التعليق، فهل يُسْتَحْسَن شرعًا أم لا؟ إنني أقول: إنما
استحسنوا التعليق وأغلقوا باب الفسخ؛ لأنهم اضطربوا في فهم أقوال العلماء
المختلفة فيه كقول بعضهم: لا يجوز فسخ عقد من غاب غيبة منقطعة وجهل حاله
يسارًا وإعسارًا، وبعضهم قال بجوازه. فهم لا يجرؤون على ترجيح قول على آخر
من تلك الأقوال؛ لأنهم قالوا: إنهم ليسوا من أهل الترجيح. هذا والمرجو أن تبينوا
لنا سريعًا الحق في ذلك فيكون جوابكم هو الفصل بين الحق والباطل.
... ... ... ... ... ... ... ... الإمضاء
... ... ... ... ... سمبس ٨ جمادى الآخر سنة ١٣٤١
(ج) إكراه الناس على تطليق أزواجهم عقب العقد عليهن طلاقًا معلقًا على
ما ذكر أو غيره - بدعة قبيحة لم ينقل عن حكومة من حكومات السلف ولا الخلف،
ولم يبلغنا عن غير مسلمي جاوه، ولا ندري متى ابتدعتها ومَن زيَّنَها لها. فلعل
السائل يبين لنا هذا إن كان يعلمه. وهل عثمان بن عقيل أول من وضع لها هذه
الصيغ الدالة على ما كان عليه من الجهل بالشرع وباللغة العربية التي لا يمكن فهم
الشرع بدون إتقانها كما هو عهدنا بكل ما اطلعنا عليه من كتبه أم كانت قبل ذلك؟
ومن الغريب أن يحجم علماؤهم وحكامهم المسلمون عن ترجيح قول للفقهاء على
آخر كل منهما صحيح عنهم. وأن لا يروا بأسًا في ابتداع أمر لم يقل به أحد منهم.
فإن قولهم بجواز تعليق الطلاق أمر غير إكراه كل أحد عليه، وما يقصدون به من
القيام بحقوق الزوجة قد يفضي إلى كثرة التفرقة بين الزوجين وتخريب البيوت.
ويمكننا أن نستغني عن محاولة إقناعهم بما هو الغرض الصحيح الذي يريدونه
من هذه البدعة، وهو رفع الضرر عن الزوجة بما قررته الدولة العثمانية من أحكام
فسخ النكاح والتفريق بين الزوجين على مخالفته لمذهب الحنفية الذي هو المذهب
الرسمي لها، وهو:
مواد فسخ النكاح في محاكم الدولة العثمانية:
المادة ١٢٢ - إذا اطلعت الزوجة بعد النكاح على وجود علة في الزوج من
العلل التي لا يمكن المقام معها بلا ضرر أو حدثت به أخيرًا هكذا علة - فللزوجة أن
تراجع الحاكم وتطلب فسخ نكاحها منه. فإن كان يؤمل زوال تلك العلة يؤجل الحاكم
الفسخ سنة فإذا لم تزُل العلة في خلال هذه المدة وكان الزوج غير راضٍ بالطلاق
والزوجة مُصِرَّة على طلبه يحكم الحاكم بالفسخ. أما وجود عيب كالعمى والعرج في
الزوج فلا يوجب التفريق.
المادة ١٢٣ - إذا جُنَّ الزوج بعد عقد النكاح وراجعت الزوجة الحاكم طالبة
تفريقها يؤجل التفريق لمدة سنة. فإذا لم تزُل الجِنَّة في هذه المدة وكانت الزوجة
مصرة يحكم الحاكم بالتفريق.
المادة ١٢٤ - خيار الزوجة غير فوري في الأحوال التي لها بها الخيار،
فلها [١] أن تؤخر الدعوى أو تتركها بعد مدة بعد إقامتها.
المادة ١٢٥ - إذا جدَّد الطرفان العقد بعد التفريق وفقًا للمواد السابقة فليس
للزوجة حق الخيار في الزواج الثاني.
المادة ١٢٦ - إذا اختفى الزوج أو سافر إلى محل يبعد مدة السفر أو أقل منها
ثم غاب وانقطعت أخباره وأصبح تحصيل النفقة منه متعذرًا وطلبت الزوجة التفريق -
يحكم الحاكم بالتفريق بينهما بعد بذل الجهد في البحث والتحري.
المادة ١٢٧ - إذا راجعت الزوجة التي غاب زوجها وكان زوجها ترك لها
مالاً من جنس النفقة وطلبت منه التفريق، يُجري الحاكم التحقيقات بحق ذلك
الشخص، فإذا يئس من الوقوف على خبر حياته أو مماته يؤجل الأمر أربع سنوات
اعتبارًا من تاريخ اليأس؛ فإذا لم يقف على خبر عن الزوج المفقود وكانت الزوجة
مصرّة على طلبها - يفرق الحاكم بينهما. وإذا كان الزوج غائبًا في دار الحرب يفرق
الحاكم بينهما بعد مرور سنة اعتبارًا من رجوع الفريقين المتحاربين وأسراهم إلى
بلادهم، وعلى كلتا الحالتين فالزوجة تعتد عدة الوفاة اعتبارًا من تاريخ الحكم.
المادة ١٢٨ - إذا تزوجت المرأة التي حُكم بتفريقها وفقًا للمواد السابقة
بشخص آخر ثم ظهر الزوج الأول - فلا يفسخ النكاح الأخير.
المادة ١٢٩ - إذا تزوجت الزوجة التي حُكم بوفاة زوجها ثم تحققت حياة
الزوج الأول - لا يُفسخ النكاح الثاني.
المادة ١٣٠ - إذا ظهر بين الزوجين نزاع وشقاق وراجع أحدهما الحاكم،
يعين حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهل الزوجة، وإذا لم يجد حكمًا من أهلهما أو
وجد ولكن لم تتوفر فيهما الأوصاف اللازمة، يعين من غير أهلهما من يراه مناسبًا.
فالمجلس العائلي الذي يتألف على هذه الصورة يُصْغِي إلى شكاوي الطرفين ومدافعتهم
ويدقق فيها ويبذل جهده لإصلاح ذات بينهما، فإذا لم يمكن الإصلاح وكان الذنب على
الزوج يفرق بينهما، وإذا كان على الزوجة يخالعها [٢] على كامل المهر أو على قسم
منه. فإذا لم يتفق الحكمان يعين الحاكم (هيئة حكمية) أخرى من أهليهما حائزة
للأوصاف اللازمة أو حكمًا ثالثًا من غير أهليهما ويكون حكم هؤلاء قطعيًّا وغير قابل
للاعتراض. اهـ.
التهويش على المصلي
وهل منه الخطبة وتكبير العيد
(س١٠) من صاحب الإمضاء في دمياط
فضيلة الأستاذ الإمام الرشيد صاحب المنار:
السلام عليكم يا فضيلة الأستاذ ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة
طيبة وبعد:
(١) أثبتت السنة الصحيحة سنية التكبير دبر كل صلاة في أيام الأعياد، كما
أنه ثبت بها عدم التشويش على المصلي سواء كان هذا التشويش بالصلاة أو بالذكر
أو بالدعاء أو بقراءة القرآن.
فما قول فضيلتكم في هذا التكبير عند إتمام صلاة رجل مسبوق تخلف عن
الجماعة بركعة أو أكثر هل يُعَدُّ التكبير إذًا تشويشًا على المصلي أم لا؟ أفتونا
مأجورين، جعلك الله حجة للإسلام والمسلمين، آمين.
وما قولكم - يا فضيلة الأستاذ - في خطبته صلى الله عليه وسلم وقد أمر من
جلس قبل أن يصلي ركعتين تحية المسجد بأن يصلي ركعتين خفيفتين، فهلا كانت
الخطبة إذًا تُعَدُّ تشويشًا عليه؟ ونرجو أن لا تحرمونا من الرد بوجه السرعة سواء
بالمنار المضيء أو بخطاب خصوصي باسمنا، هدانا الله بكم إليه.
حسن محمد فايد ... ... ...
... ... ... ... ... وكيل جمعية الاعتصام بهدي الإسلام بدمياط
(ج) لم يثبت بالسنة الصحيحة سنية التكبير دبر كل صلاة في يومي العيد
وأيام التشريق، ولكنه مأثور عن بعض الصحابة وزاد فيه الناس: الله أكبر كبيرًا،
والحمد لله كثيرًا، إلى آخر ما هو معروف.. .
وأما إيذاء المصلي برفع الصوت عنده ولو بذكر غير متعين، ففي السنة ما يدل
عليه وهو متفق عليه عند العلماء. ولا يدخل فيه رفع الصوت المتعين شرعًا
كصوت الخطيب والمؤذن بين يديه يوم الجمعة إذا اتفق وجود من يصلي بالقرب
منهما كواقعة السؤال الثابتة في حديث الصحيحين والسنن؛ لأنه لا يعد إيذاء
للمصلي ولا شاغلاً له عن الله تعالى. أو يقال: إنه يرجح إذا عُدَّ الأمران
متعارضين؛ لأنه الأصل والشعار المطلوب لذاته في وقت أدائه وفائدته عامة
لجماعة المسلمين والصلاة وقتئذ مصلحة خاصة بفرد أو أفراد من المقصرين وهي
خلاف الأصل حتى قال بعض العلماء بأن حديث: أمر النبي صلى الله عليه وسلم
من دخل المسجد وهو يخطب بأن يصلي ركعتين، خاص بذلك الرجل لا عام، ومن
ذهب أنه عام على الأصل، قالوا: يخفف فيهما بالاقتصار على الواجبات التي لا
تصح الصلاة بدونها ليسمع الخطبة، والصواب أنه عام؛ إذ ورد الأمر به في
حديث الصحيحين وبتخفيف الركعتين.
ولمن أثبت التكبير برفع الصوت عقب الصلوات في العيدين وأيام التشريق
أن يقول فيه مثل ذلك أي أنه شعار الوقت، والمتأخر في الصلاة مقصر فلا يرجح
ترك التهويش عليه بمنع الشعار أن يؤدى في وقته كالخطبة والأذان بين يدي
الخطيب قبلها.