في المعاهدة الإسلامية العربية بين الدولتين السعودية واليمانية وإقرار الإفرنج بفضل العرب عليهم ] الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [[*] لقد كنا في خوف ووجل في بداية هذه الحرب أن تفتح بابًا للتدخل الأجنبي في جزيرة العرب فمنّ الله علينا ووقانا هذا الشر، ولقد كنا في خوف ووجل من نهايتها أن تضرم سعير الأضغان المذهبية، وتؤرث أحقاد الآثار العربية، فيتغلغل الفساد، ويتسلسل البغي والعدوان، فمنّ الله علينا وبدلنا بالخوف أمنًا، وأعاضنا من الحرب سلمًا، ومن العداوة ودًّا، ومن الاختلاف ائتلافًا، ومن التقاطع والتدابر، أفضل وسائل التواصل والتناصر، والتعاون على البر والتقوى، فقد عقد الإمامان المؤمنان المسلمان العربيان العاقلان الحكيمان معاهدة أخوة إسلامية وصداقة عربية، ترضي الله عز وجل من فوق عرشه، وتسر روح رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى من جوار ربه، وتغتبط بها أمته في مشارق الأرض ومغاربها، وتفاخر بها دولتا قومه العرب الدول الغربية وأمم الحضارة كلها، فيما تزعم من تفوقها في آداب دينها وحكمتها، وعلومها وسياستها. نعم إن قوم محمد، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لتفاخر بهذه المعاهدة السعودية اليمانية دول الأرض وأممها، فتفخرهن وتفضلهن وتبزهن وتعلوهن علوًّا كبيرًا، فقد أراهن إماما المسلمين من أخوة الإسلام وآدابه وأخلاقه وفضائله وفواضله ما أنطق أفصح صحفهن المتكلمة بألسنة أرقى شعوبهن، وقائدًا عسكريًّا من أكبر قوادهن، بهذا الفضل الكبير لهداية الإسلام في أشد شعوبه اعتصامًا بحبله، وأقوم دوله بإقامة شرعه، وأصدق ملوكه في تنفيذ حكمه، من قوم نبيه ورسوله، في مهد ظهوره، ومشرق نوره، على الدول المسيحية، وشعوب المدنية، على بعد التفاوت بين الفريقين (فريق المسلم العربي، وفريق المدني الغربي، وكذا الشرقي كاليابان والصين) في الوسائل المادية وفنون الحضارة، وسعة الثروة، وحقائق العلوم، ودقائق الفلسفة. (رأي جريدة التيمس، بل الأمة الإنكليزية في المعاهدة) عقدت جريدة التيمس فصلاً افتتاحيًّا بمناسبة عقد الصلح في بلاد العرب قالت فيه: إن على إمام اليمن أن يشرح لأفراد أسرته الذين أكثروا من انتقاده، ولرعاياه الذين تملكهم السخط والغضب الأسباب التي دعت إلى انكساره، على أن الإمام كان سعيد الحظ من وجهة واحدة هي أن خصمه عقد معه صلحًا ينطوي على السخاء والكرم، فلم يضم إلى ملكه بلادًا تستطيع اليمن أن تدعي فيها حقًّا صحيحًا، ولم يفرض عليه تعويضًا حربيًّا كما يفعل الغالب مع عدوه المغلوب، وإنما قيده كما قيد نفسه بعهود تتضمن صداقة الجوار. (إن في معاهدة الصلح لَمثلاً، بل عدة أمثال، تشهد بالتعقل والاعتدال، أما ما تضمنته من رابطة الإخاء المشتركة بين جميع العرب، وهي الرابطة التي ستكون من الآن فصاعدًا هي العامل الوحيد في ضبط العلاقات بين المملكتين، فعلى أعظم جانب من الأهمية وخطر الشأن، فالوهابيون يُعدَّون دائمًا من الطوائف المتعصبة، كما أن المعروف عن الزيود أنهم ليسوا أكثر منهم تسامحًا، ولكن هذه الاختلافات الدينية لم تمنع الغالب والمغلوب من توقيع معاهدة صداقة إسلامية ترمي إلى تعزيز روابط الاتحاد، وإعلاء هيبة الأمة العربية المستقلة وصيانة كرامتها واستقلالها، والواقع أن مواد المعاهدة تدل بصفة قاطعة على أن هذه الكلمات لها أهمية أخرى تفوق أهميتها الرسمية. بيد أن هذا التقدم في سبيل الوحدة العربية لا يمكن أن تهمله الدول الأوربية ولا سيما بريطانية التي عقدت أخيرًا معاهدتها مع إمام اليمن) . وقد نُشِرَت معاهدة الصلح في مكة، والقاهرة، ودمشق، وصنعاء في وقت واحد ولهذا الأمر مغزى يستحق اهتمام المتطرفين من الصهيونيين الذين لا يستطيعون أو لا يريدون أن يدركوا أن فلسطين لا تزال بلادًا عربية تحيط بها أرض عربية. وأما روح المعاهدة فيجدر برجال السياسة من المسيحيين أن يقارنوا بينها وبين معاهدات الصلح الأوربية الأخيرة) . اهـ. ما لخصته البرقيات من مقالة التيمس. (كلمة لجنرال إنكليزي في عظمة الاتفاق الإسلامي العربي) ونشرت الجرائد المصرية خلاصة خطاب (للجنرال هاملتون) الإنكليزي ألقاه في مأدبة أدبت له في سيلان (الهند) تكلم فيه عن الحرب في جزيرة العرب، وما أُطْفِئَت به نارُها قبل أن يشتد أوارها بالصلح الشريف، وأثنى به أحسن الثناء على الملكين في تسامحهما وسرعة تصافيهما، وكون الغالب لم يجهز على المغلوب، بل لم يحاول إرهاقه ولا إضعافه ولا النيل من كرامته وشرف مكانته بأدنى انتقام يورثه وقومه حقدًا، أو يحملهم ضغنًا، بل أمضيا كلاهما اتفاقًا عسكريًّا عادلاً نشراه على العالم الإسلامي في صورة معاهدة وصداقة إسلامية عربية شريفة بين أخوين متساويين في جميع الحقوق، وثقت الروابط الودية القوية بين المملكتين ليقفا معًا متعاونين تجاه كل عدوان خارجي يهدد جزيرة العرب. وشبه هذا الاتفاق الذي احتقر فيه الانتقام الشرس السيئ العاقبة بما فعل ولنجتون الإنكليزي مع فرنسة في خاتمة حروب نابليون (نقول: ولكن بعد ما كان من أشد الانتقام) وبما فعل كتشنر في الاتفاق مع البوير (نقول: ولكن بعد ما كان من التنكيل والتدمير) ثم قال الجنرال ما ترجمته: (إنني أقول هذا أيها السادة: لأنني أرى الدول المسيحية في احتراب دائم، ونضال هائل، تجرد به حسامًا ثقيلاً رهيبًا، ثم تعلقه بعد فتكه الذريع فوق رأس أوربة بخيط واهٍ (كخيط العنكبوت) هذه حال الدول المسيحية الآن، وهي من سوء الخطر بالقدر الذي تبصرون) . هاتان شهادتان من شهادات كثيرة من مصدرين من أعلى مصادر إنكلترة السياسية والعسكرية التي لم تكن تعترف للإسلام ولا للعرب وللشرق بفضل كبير، مثل هذا لولا الدهشة والروعة التي فجأتهما، وإرادة التنبيه لما تعقبه هذه المعاهدة من حياة إسلامية عربية جديدة يجب أن يحسب لها أوربة كلها وإنكلترة وصهيونيتها كل حساب. فالحق الذي عرفته أوربة وعرفه العالم كله أن هذين الملكين العربيين، والإمامين المسلمين، قد ضربا للعالم ما يُعبَّر عنه في لغة هذا العصر بالمثل الأعلى للأخلاق الإسلامية، ولن تستطيع دول أوربة أن تقتدي بهما فيها، فالمسلمون بهداية الإسلام أرقى الأمم أخلاقًا وعدلاً وإنصافًا، وإنما تنقصهم الفنون التي تنهض بعمران بلادهم، وتجديد قوتهم في ظل هذين الإمامين العظيمين، وبهذا يعترف العالم كله بفضل الإسلام وتوقف الكمال المدني على هدايته كما بيناه في كتاب الوحي المحمدي. وخلاصته أن جميع ما بلغته تلك الشعوب من العلم والفلسفة والعقل والحكمة وفنون الحضارة، وغرائب الصناعة لا يغنيها عن هداية الإسلام فيما هو أعلى منه من تزكية النفس البشرية، وتطهيرها من أرجاس الرذائل الشيطانية، كعبادة الهوى والمال والشهوات والطمع والحسد والمكر والكذب والخداع، والظلم والبغي والعدوان وتحليتها بأضدادها من الفضائل السامية بالإيمان بالقرآن، واتباع ملة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد وقع بين دولتين نصرانيتين أمريكيتين مدنيتين (هما بوليفيا) وبارغواي على بقعة من الأرض لا تساوي واديًا من أودية جبال عسير الخصبة، ولا جبلاً من جباله المنيعة، فاستحرَّ القتال بينهما منذ سنتين، وعجزت جميع الدول والأمم المشاركة لهما في الدين وغيره من الإصلاح بينهما، ووقعت قبل ذلك أرقى دول أوربة في الحرب الكبرى، وجذبوا إليها دولة أمريكة العظمى، وكثيرًا من الدول الصغرى، فكان من سفك الدماء، وتقويض دعائم العمران، بمنتهى ما وصل إليه العلم والفنون المادية من وسائل التخريب والتدمير، ما لم يعهد له التاريخ نظيرًا ولا خطر على قلب بشر أن يحدث مثله، حتى إذا عجز أحد الفريقين المتقاتلين عن استمرار الحرب، وجنح إلى ما دعا إليه أقربهم إلى الإنسانية وفضيلة الدين المسيحي من السلم، وهو الدكتور (ولسن) مصدقًا ما وضعه من شرائط الصلح، وألقى هذا الفريق سلاحه، قلب له هذا الفريق المنتصر ظهر المجن، وأكرهوه على إمضاء شر معاهدة وضعها الغالب لإرهاق المغلوب وإذلاله، كانت سببًا لما تشكو شعوب أوربة كلها من سوء عاقبته، وهي ما نهى عنه الله تعالى بقوله: {وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} (النحل: ٩٤) ... إلخ (الإصلاح الديني والسياسي في المعاهدة) لقد جاء الإسلام بكل ما يحتاج إليه البشر من الإصلاح الديني والدنيوي، ولولا ما نُفث فيه من سموم الشقاق السياسي الذي فرق الكلمة، وشق العصا، لساد العالم كله، مغربه وشماله بعد شرقه وجنوبه، وقد وُضِعَ في هذه المعاهدة كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، لو رصعتا باللؤلؤ والمرجان في لوح من خالص العقيان، لما وفى بقيمتهما، وما يجب من حق قدرهما، هما: الأخوة الإسلامية والصداقة العربية، فإن وضعهما في معاهدة سياسية رسمية وقعها الملكان العربيان، والإمامان الدينيان للفرقتين العظيمتين أهل السنة والجماعة من جهة، والشيعة المعتدلة من الجهة الثانية لهو أكبر رجاءً وخير أملاً من كل ما كتب حكماء المسلمين المصلحين في الدعوة إلى جمع كلمة المسلمين والتأليف بينهم، وإعادة مجد الإسلام وهدايته من المقالات والرسائل المتفرقة في الرسائل الخاصة والصحف العامة منذ خمسين سنة، وأجمعها ما بثثناه في مجلدات المنار من أولها إلى هذا، وهو الرابع والثلاثون منها، وقد نشرت في سبع وثلاثين سنة. وإنه لهو أكبر رجاءً وخير أملاً (أيضًا) من كل ما كتب المشتغلون بالسياسة العربية، والمؤلفون لجمعياتها السياسية من الدعوة إلى وحدة هذه الأمة، وإحياء حضارتها، وتجديد مجدها، وإعادة استقلالها، ومن أحكمها جمعية الجامعة العربية التي كان صاحب المنار يراسل باسمها، ثم باسمه هذين الإمامين وغيرهما بالدعوة إلى الحلف والاتفاق منذ سنة ١٣٣٠ إلى هذه السنة التي وصل فيها الخوف من الخيبة إلى أقصى حده، ولم يلبث أن زال وحل محله الرجاء بفضل الله وحمده، وإنما كان ما فعله الإمامان أكبر من كل ما ذكر؛ لأنه تنفيذ عملي له. إن جريدة التيمس قد صرحت بذكر ما كان يعد أكبر مانع من هذا الاتفاق من حيث غفل عنه، أو جهله أكثر محرري الجرائد العربية، وهو التعصب الديني المذهبي الذي اشتهر به أهل نجد وسكان جبال اليمن؛ فإن الأخصائيين من كتاب الإنكليز في الأمور الإسلامية يعلمون من التعصب بين السنيين والشيعة في العراق والهند ما لا يعلمه أحد في مصر التي لا يخطر لأهلها التعصب الديني ببال. وأما صاحب المنار فقد درس هذا من جميع أنحائه، وأحاط في مطاويه وأحنائه، وطالما دعا إلى تقويم أوده، وسعى لعلاج أدوائه، وكان من تمهيده الخفي لهذا الاتفاق الإسلامي الجلي ما تراه في الرسالة الثالثة من رسائل كتاب (الهدية السنية، والتحفة الوهابية النجدية) من رأي علماء الوهابية الأعلام في الزيدية والشيعة، وما علقته عليه وهو ما قاله العلامة الشيخ عبد الله ابن الإمام المجدد الشيخ محمد عبد الوهاب في مكة المكرمة مبينًا لأهلها خطتهم ورأيهم في المذاهب وهو: (ونحن أيضًا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة دون غيرهم لعدم ضبط مذاهب الغير كالرافضة والزيدية والإمامية (١) ونحوهم لا نقرهم ظاهرًا على شيء من مذاهبهم الفاسدة (٢) بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة) . اهـ. (ص ٤٤ طبعة أولى) . وظاهر هذه العبارة أنهم لا يأذنون لأصحاب هذه المذاهب بالإقامة في الحجاز إلا إذا تركوها، واتبعوا أحد مذاهب أهل السنة، وهذا من أشد التعصب الذي كانوا يوصفون به، وهو يزيد الشقاق بين المسلمين، فالتمست لها تخريجًا مهدت به للاتفاق بأن علقت على كلمته الأولى في حاشيتهما بما نصه: (١) إن كلمة الرافضة التي وُضعت لغلاة الشيعة تشمل الباطنية وآخرين دون الزيدية ومعتدلي الإمامية، والظاهر أن صاحب هذه الرسالة ووالده لم يَطَّلِعوا على كتب الزيدية في الفقه، ولو اطلعوا عليها لعلموا أن فقههم مدون، وكذلك الإمامية، وأن الفرق بينه وبين فقه الأربعة قليل قلما قال أحد مجتهديه قولاً انفرد به، وخالف الإجماع قبله، وكيف وهم يحتجون بالإجماع وبعمل السلف؟ وكذا بأحاديث دواوين السنة المشهورة كالكتب الستة، وقد كان مشايخنا يقولون كما قال مشايخ نجد: إن سبب حصر التقليد في فقه الأربعة دون سائر مجتهدي الأمة هو تدوين مذاهبهم دون غيرها، وهذا غلط سببه عدم الاطلاع. وعلقت على الثانية بما نصه: (٢) أي لا نقر - بصفتنا حكام البلاد - أصحاب المذاهب غير المضبوطة أن يظهروا شيئًا من مذاهبهم الفاسدة، كأقوال الباطنية بأن لأحكام العبادات معاني غير الظاهر الذي عليه العمل، وبوجود إمام معصوم في كل عصر يجب اتباعه في كل ما يقول، وكسبّ غلاة الرافضة للشيخين رضي الله عنهما، وبراءة الخوارج من الصهرين رضي الله عنهما، ومقابل قوله (ظاهرًا) أنهم لا يحاسبون أحدًا على ما يخفيه من أمثال هذه المسائل. اهـ. وكنت جريئًا أي جريء في هذا التعليق، وفي حواشٍ أخرى من مطبوعات جلالته للمصلحة الإسلامية، وأنا أعلم أنني لا أسلم من سخط علي قد يتبعه ضرر، وقد حصل، وقد ظهر الآن صحة قولي وسداده في هذه القضية، وسيظهر غيره في غيرها، ولكل أجل كتاب، على أن علماء نجد لم ينكروا عليّ هذه التعليقة. وقد نشرنا ستة عشر ألف نسخة من هذا الكتاب مجانًا في الأقطار، فكان بعد نشره وإقرار علماء نجد له من تعصب بعض علماء الشيعة في سورية والعراق أن ألفوا الكتب والرسائل في تجديد الخصام، ومنها سفر كبير حاول ملفقه وهو من سادة علماء جبل عامل، وسكان الشام، إخراج الوهابية من حظيرة الإسلام، ثم كان ما أظهرته الشيعة في مؤتمر النجف طعنًا فيهم، وتكفيرًا لهم، وتحريضًا عليهم، ثم ما حدث بعد ذلك في العراق من التنازع الوطني بين أهل المذهبين ما كاد يفضي إلى حرب أهلية لولا الثورة الأشورية، كما قال لنا الملك فيصل رحمه الله تعالى. لقد كان هذا الشقاق من أول عهده شر الدواهي والمصائب التي أضعفت الإسلام دينًا ودولة، ومنها أنه كان من أقوى الوسائل لإخضاع الإنكليز لممالك الإسلام في الهند، حتى إنهم كانوا يلقبون بعض جيوشهم بألقاب سنية، وبعضها بألقاب شيعية جعفرية، وكانوا يرجون أن ينالوا مآربهم من جزيرة العرب بمثل ذلك الشقاق بين اليمن ونجد، فخيب هذا الاتفاق أملهم، وراعهم منها ما راعهم من اتفاق شاهي الترك وإيران، وما يقال (ويا ليته يصح) من احتمال إشراك العراق فيه والأفغان، ولولا سبق إمامي جزيرة العرب إلى هذا الاتفاق، لقيل: إن الجامع بين الشاهين إنما هو نبذهما لعقائد الإسلام؛ لأنه هو المفرق بزعمهم. والحق أنه دين التوحيد والتأليف، إنما فرقت بين أهله السياسة، فقد كان سببه التنازع في الإمامة فمرق طوائف الشيعة الباطنية من الإسلام، ووقف الاثنى عشرية بها عند المهدي المنتظر، قل فانتظروا إنا منتظرون، ولنتفق الآن فخير للإسلام أن يظهر ونحن متفقون، على أن يكون كل أحد حرًّا في مذهبه ولا يتعرض لمذهب غيره بما يسوءه وينفره ويشعره بأنه عدو له، من قول أو فعل، كتقسيمهم إلى أقلية وأكثرية، وطلب جعل أعمال الدول مذهبية. كان الترك يقاتلون إمام اليمن كما قاتلوا الفرس من قبله لاختلاف المذهب في الظاهر، والمطمع السياسي في الباطن، ولما حل الملك السعودي في الحجاز محلهم كان أول شيء هو الاتفاق مع الإمام الزيدي، وعقد الحلف معه، وما زال يخطب وده ويطلب عهده بوسائل الرسائل وإرسال الوفود، حتى تم له ذلك في هذا العام، فمن عاد بعد اليوم إلى إثارة النزاع والخصام فهو عدو الله ورسوله ودينه الإسلام، فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام؛ لأنه إنما يبغي منفعة نفسه، والجر لقرصه، وإن كان فيه الشقاء لأهل دينه وجنسه. (التمهيد بالمعاهدة للوحدة العربية) لقد وُضع بهذه المعاهدة أساس الوحدة العربية التي ينشدها العرب في كل مكان، ولم يبق لإكمالها من هذا الجانب الدولي إلا إتمام ما بدأ به الملك فيصل (رحمه الله تعالى) من الاتفاق مع الدولة العربية السعودية، وما نظن بجلالة نجله ووارث سياسته الملك غازي ورجال دولته من رجال الدعوة العربية وثورتها إلا أنهم متممون له، وإنا نكتفي من هذه المسألة الآن بنقل برقيتي التهنئة بين الملك غازي والملك عبد العزيز أعزهما الله تعالى. البرقية الأولى جلالة الأخ الملك عبد العزيز آل سعود لقد استبشرنا كثيرًا بمعاهدة الصداقة الإسلامية والأخوة العربية بين جلالتكم وجلالة الإمام يحيى والتي نرجو أن تكون خطوة جديدة لتوثيق الأخوة والاتحاد بين الأقطار العربية الشقيقة، وفقكم الله لما فيه خير الأمة العربية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (غازي)
البرقية الثانية جلالة الأخ الملك غازي نشكر جلالتكم على ما تفضلتم به من السرور والاستبشار بمناسبة معاهدة الصداقة الإسلامية والأخوة العربية التي عُقِدَت بيننا وبين أخي الجميع الملك الإمام يحيى، وإن الأخوة الإسلامية والعربية التي حققتها تلك المعاهدة بيننا وبين أخينا الإمام يحيى هي التي سعينا ونسعى إليها على الدوام مع العرب جميعًا، لجمع كلمة العرب والتآخي بينهم لما فيه صلاح لهم في دينهم وعز لهم في دنياهم، وسترونني على الدوام إن شاء الله عاملاً على كل ما يجمع الله به شمل المسلمين عامة، والعرب خاصة، وثقتي بالله، ثم بجلالتكم، وبسائر رؤوساء العرب أن تتكاتف جهودنا لجمع كلمتنا لما فيه حفظ كياننا، وسلامة أوطاننا، وعز شعبنا العربي، ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا للعمل لما فيه حياة الأمة الإسلامية، وتوطيد الأخوة العربية. ... ... ... ... ... ... ... ... ... (عبد العزيز) ((يتبع بمقال تالٍ))