للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(مسألة العقبة)
بينا في الجزء الماضي أن حقيقة المسألة عسكرية لا إدارية تتعلق بالحدود
فهي أول وليد ولدته لنا سكة حديد الحجاز فالدولة العلية ترى أن إنكلترا تخاف
عاقبة هذه السكة على مصر فهي تريد اتقاء الخطر بإقامة المعاقل الحربية في شبه
جزيرة سيناء لأن محاربتها في مصر إذا هي دخلت فيها غير معقول وهي تخاف
من إنكلترا على سوريا والحجاز إذا هي جعلتها بقعة عسكرية باسم مصر ولذلك كان
السلطان غير راضٍ بإنشاء ناشط من السكة إلى العقبة ولما اضطر إلى ذلك
باستفحال الثورة في اليمن رأى أن إنكلترا أنفذت الجنود المصرية إلى العقبة للبناء
كما قيل ورأت الجنود المصرية ومن يقودها من الإنكليز أن العساكر العثمانية
بالمرصاد فظهر الأمر وبدأ الخلاف بالشكل الذي عرفه الناس وهو أن الترك قد
اعتدوا الحدود المصرية ولعل الذي نبه الترك إلى أخذ الحذر من الإنكليز هو تعيين
خمسة آلاف جنيه مصري في ميزانية مالية مصر باسم شبه جزيرة سيناء.
فهم الإنكليز من جعل العقبة تابعة لولاية الحجاز أن الدولة العثمانية تريد بذلك
أن تمنعها منهم بسياج ديني وهو إثارة سخط المسلمين في مستعمراتهم وغيرها
عليهم إذا مدوا أيديهم إليها وما كانت الدولة لتحسن استخدام هذه القوى المعنوية ولو
كانت تريد ذلك لما حال دونه جعل العقبة تابعة لسوريا؛ لأنها على كل حال من
جزيرة العرب التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته بأن لا يبقى
فيها دينان، وأن يخرج منها يهود يثرب ونصارى نجران، وقد قاوم الإنكليز ما
توهموه من الدولة بإيهام من جنسه فأنشأوا يوهمون شعبهم وسائر الشعوب الأوربية
بأن السلطان يريد تهييج التعصب الإسلامي على المدنية الأوربية وربما وجدوا
لإيهامهم شبهة في ثرثرة أحداث السياسة في مصر الذين جعلوا اسم الإسلام والخلافة
ضيعة يستغلونها وإن أضاعوا الإسلام الذي لا يعرفون منه إلا اسمه! .
لولا أن الدولة العثمانية حذرة من عمل عسكري في سيناء باب سوريا
والحجاز لما بالت أن تزيد في مساحة ما سمحت به لمصر منها، ولولا أن إنكلترا
حذرة من تركيا على مصر لما عظمت من أمر الحدود المصرية ما عظمت، ولولا
أنها تتوقع هيجان مسلمي مصر أو ثورتهم إذا استحكمت حلقات الخلاف بينها وبين
تركيا لما أمرت بزيادة جيش الاحتلال. فإذا كان سبب النزاع هو ما يعبرون عنه
بسوء التفاهم فما أسهل سبيل الاتفاق مع حفظ شرف الدولتين وهو أن تعترف تركيا
بحدود مصر التي ذكرت في فرمانات تعيين الخديويين وفي تلغراف الصدر الأعظم
الملحق بفرمان عباس حلمي باشا الثاني وتتعهد إنكلترا بأن لا تعمل في شبه جزيرة
سيناء عملاً عسكريًّا، وقد أساءت الدولة المدخل فعسى أن تحسن المخرج.
نحن نعتقد أن الدولة العثمانية لا يخطر لها على بال - وهي في هذه الحال -
أن تزحف على مصر أما إنكلترا فلا يبعد أن تقصد إقامة المعاقل الحربية في شبه
جزيرة سيناء باسم مصر باعتبار مصر حكومة إسلامية لا تعد إقامتها على أبواب
الحجاز أو امتلاكها لجزء من الجزيرة مخالفة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان يكون ذلك بكل هدوء وسلام لو لم تعارضه الدولة العثمانية وتقاومها فيه
إنكلترا بعد عجز الحكومة المصرية وإنما نعني بالهدوء والسلام هدوء نفوس
المسلمين وسلامة قلوبهم. وأن تظفر إنكلترا بتركيا ظفرًا مبينًا وتلزمها بالاعتراف
بالحدود كما تريد وتجعل بعد أرض سيناء معسكرًا ولو مصريًّا فإن كل مسلم في
الدنيا يتألم ويضطرب قلبه ويظن بالدولة الإنكليزية ظن السوء ويتوقع الاعتداء على
الأرض المقدسة كل يوم وقد عرفنا من حكمة هذه الدولة في السياسة البعد عن جرح
الشعوب في قلوبها، وإن هي جرحتها في أبدانها ورؤوسها (مصالحها وحكامها) .
إن جميع عقلاء المسلمين يفضلون دولة إنكلترا على جميع الدول! ، وإذا
أيقنوا بأن قطرًا من أقطارهم واقع تحت سلطان أجنبي وكان لهم اختيار في الترجيح
فإنهم يرجحون بريطانيا العظمى على غيرها! . ويعتقد رجال الإصلاح منهم أنه لا
يمكن الإتيان بعمل يحيي الإسلام وينفع المسلمين في بلاد إسلامية غير مصر والهند
بل لا حرية للمسلمين في الدعوة إلى كتاب ربهم المنزل وسنة نبيه المرسل إلا في
هذين القطرين.
لبريطانيا العظمى أن تعتد هذا الاعتقاد عونًا لها على كل دولة تناوئها في
الشرق وعليها أن تحافظ عليه وتتحامى مواقف الظنة فيه فإن امتلاك القلوب
بالحكمة خير من امتلاك الرقاب بالقوة، ولتكن آمنة جانب المسلمين واثقة بتفضيلهم
إياها على غيرها مادام دينهم محفوظًا ومعاهده المقدسة آمنة اعتداء الأجنبي عليها،
أو تداخل غير المسلم فيها، ولا يصدنَّها عن هذا الاعتقاد تشدُّق المغررين بالغوغاء،
فالزبد يذهب جفاءً، وإنما الناس بالعقلاء والفضلاء.
***
(الأمير الخادم للفقراء)
(صاحب الدولة البرنس حسين كامل باشا رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية)
استدار الزمان وتغيرت أحوال العمران، وتبدلت الأوضاع، وارتقت شئون
الاجتماع، فصارت عظمة الأمراء والرؤساء محصورة في خدمة الدهماء، بعد أن
كانت قائمة باستعباد الفقراء، وامتصاص دماء الضعفاء، وما فتئ أمراء المسلمين
يرون أنهم من جنس أعلى من جنس الأمة، وأن شرفهم ذاتي لطينتهم لا لشرف
الملة، فهم يترفعون عن مشاركة الجمهور في المصالح العامة، ولو اعترف لهم في
ذلك بالمزايا الخاصة، حتى في مثل هذه البلاد التي زال منها الاستبداد، ووهن
الفخر بمجد الآباء والأجداد، وصارت المعارف والأعمال هي الميزان لأقدار
الرجال - حتى قام الأمير حسين كامل باشا عم عزيز مصر بإبطال تلك التقاليد
العتيقة، وسن للأمراء سنة حسنة جديدة.
أطمع أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية في اختيار هذا الأمير رئيسًا لها بعد
الأستاذ الإمام (رحمه الله تعالى) ما يعلمونه من بره للفقراء وعنايته بالمساكين
والضعفاء، وما سبق له من قبول رياسة الجمعية الزراعية، فعرضوا عليه رجاءهم
فيه فما تأبَّى، فدعوه لرياسة الجمعية فلبى، فاستبشرت نفوس العاملين واطمأنت
قلوب الفقراء والمساكين وشكرت له ذلك ألسنة المسلمين بل ألسنة الناس أجمعين! .
***
(تنصُّر المسلمين في قبرص!)
كتب إلى جريدة (ترك) من قبرص أن عددًا كثيرًا من مسلمي قرى الجزيرة
وضياعها قد تنصروا على أيدي الدعاة (المبشرين أو المرسلين) الذين يجيئون من
بلاد اليونان لدعوة المسلمين إلى النصرانية. وقد يعجب قراء المنار لمثل هذا الخبر؛
إذ يعتقدون أن الإسلام في قوة حقه وجلاء تعاليمه وموافقتها للعقل والفطرة لا
يمكن أن يختار عليها غيرها ويعهدون أن دعاة النصرانية يقضون في دعوة
المسلمين السنين، وينفقون في سبيلها الألوف والملايين، ولا يكاد يجيب دعوتهم
في كل بضع سنين، إلا واحد أو اثنان ممن أضناهم الفقر، ولم يبق لهم من الإسلام
إلا الاسم، وقد يزول هذا العجب إذا علموا أن أولئك المتنصرين كانوا نصارى
فأسلموا ولم يوجد فيهم من المعلمين والمرشدين من يحفظ عليهم دينهم فتمادى الجهل
بخلفهم حتى جاءهم من أهل جنسهم ولغتهم من يدعو إلى دين آخر لا يرون في
اتباعه عارًا؛ إذ ليس للمسلمين هناك شأن يربي في أفرادهم إحساس الشرف الملي
والنعرة الجنسية.
الدعوة الى الإسلام:
ليس للمسلمين أن يتأسفوا لمثل هذا الخبر تأسف العجائز والزمنَى أو يشفوا
غيظهم بذم الحكومة التي تبيح الدعوة إلى دينها إلا إذا كانت لا تبيحها لدينهم أيضًا
بل عليهم أن يعتبروا ويفكروا في حفظ الإسلام وصيانة شرفه.
وليعلموا أن أكبر عار عليهم وأقوى شبهة على دينهم أن تكون حرية الأديان
خطرًا وهم مشتركون في هذه الحرية مع غيرهم والحق يعلو ولا يعلى. وإن
يتفكروا يظهر لهم أن من الواجب المحتم عليهم إنشاء جمعية للدعاة والمرشدين
تجمع المال وتربي الرجال وتبثّهم في بلاد المسلمين التي غلب عليها الجهل
كقبرص وإفريقية للإرشاد وفي بلاد غير المسلمين للدعوة إلى الإسلام نفسه.
والدليل على وجوب هذا قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤) .
***
(نهضة مسلمي روسيا وجرائدهم)
كتب إلينا صديقنا الشيخ محمد نجيب التونتاري في ١٦ ذي الحجة سنة
١٣٢٣ ما نصه (وتأخر نشرها لتأخر دور السؤال الذي ورد معها) :
(إن حضرة الإمبراطور نيقولا الثاني منح الأهالي كثيرًا من الحقوق
كالحرية الدينية والوجدانية والشخصية والكلامية والاجتماعية وكثيرًا من المكرهين
(على النصرانية) عادوا إلى الإسلام رسميًّا بسبب ذلك وبمساعدة حرية الاجتماع،
حصل بين المسلمين اجتماعات عديدة في المحال المتعددة ذكروا في المسائل
السياسية الحاضرة بين الأهالي وغيرها. ويتصورون تأسيس جمعية عمومية
إسلامية في الروسية فيعد هذا دورًا جديدًا للمسلمين يؤمن منه الانقلاب الحسن في
مستقبل قريب إن شاء الله تعالى.
وإنه بمساعدة الحرية الكلامية ظهرت بيننا جرائد كثيرة في الأماكن المختلفة
وبلدة قزان مع كثرة المسلمين فيها لم تكن فيها جريدة واحدة والآن تصدر فيها خمس
جرائد:
(١) قزان مخبري: جريدة سياسية علمية مالية تصدر في كل أسبوع ثلاث
مرات.
(٢) طان (صباح) كذلك.
(٣) يلدز (كوكب) وهي أيضًا جريدة واسعة البروغرام.
(٤) آزاد كذلك.
(٥) العلم والأدب مجلة علمية تصدر قريبًا.
وفي باغجه سراي جريدتان جديدتان:
(٦) عالم نسوان مخصوصة بالإناث تصدر في إدارة جريدة ترجمان
أسبوعيًا.
(٧) (خاخاخا) جريدة فكاهية.
وفي باد كوبه ظهرت جريدتان، إحداهما:
(٨) حيات يومية بلغة آذَرْبِيجَان. والأخرى:
(٩) إرشاد هي أيضًا كذلك.
وفي تفليس أيضًا ثلاث جرائد لم أتخطر أساميها.
وفي جايق (أروالسكي) :
(١٣) فكر: جريدة.
(١٤) العصر الجديد: مجلة، كلتاهما أسبوعية.
وفي بطرس بورج جريدتان:
(١٥) نور.
(١٦) ألفت.
في أورن بورغ جريدة:
(١٧) وقت.
فهذا مما يعد فألاً حسنًا لخيرية الاستقلال؛ فإن الجرائد أول الوسائل في
الإصلاحات، يمكن أن يستدل بها على أن مسلمي الروس تيقظوا بعد الرقدة الدائمة،
أصلحنا الله تعالى. اهـ.
***
(إصلاح التعليم والمدارس الإسلامية في روسيا)
كتب إلينا أحد طلاب العلم في قزان يقول:
(إننا قد دخلنا في حياة جديدة منذ كنا تلاميذ لحضرتكم، فصرنا نستفيد من
كتاب الله بعد ما ظننا الاستفادة منه خاصة بأهل القرون الماضية، ولا نقبل قول
أحد بلا دليل، وأعلم يقينًا أن هذه الحياة من الروح التي نفختموها بواسطة مجلتكم،
جزاكم الله عنا خير الجزاء.
وقد ناهضت الطلبة بطلب إصلاح المدارس الإسلامية، وكلفوا مديري
المدرسة وأساتذتهم عدة مواد استصوبوها بالشورى بينهم؛ لأن طريق التعليم في
مدارس قزان وخيم جدًا! ، لا يدرس فيها إلا ما بقي من خيالات اليونان والنسفي
مع شرحه التفتازاني والنحو والصرف بكتبه المعروفة، بشرط أن يضيع من العمر
خمس سنين من غير فهم، ولا يدرس غير ما ذُكر، لا من التفسير ولا من الحديث
وغيره، ولكن المدرسين رِيعوا من هذه التكاليف واستثقلوها لاعتيادهم أكل (بلش
المحلة) - طعام من الأرز خاص بالإمام - فطردوا من التلاميذ مَن يريد الإصلاح
فأُخرج من مدرسة عالم جان البارودي اثنان وثمانون طالبًا من ذوي النهى وأبقوا
من لا يهتم بشيء من الإصلاح , وسموا الذين أُخرجوا بغير حق (بالروس الجديد) ،
ولكن الظالمين في ضلال بعيد! .
فيا أهل الغيرة والحمية الدينية: ما هذه البربرية في زمن المدنية، إلامَ نكون
ضحكة للأجنبيين؟ ! ، وحتامَ نعمه في جهالتنا أجمعين؟ ! ، فيا سيدي، هذا حال
بلادنا التي تحسن الظن بها! ! ! اهـ بنصه.
هذا، وقد رأينا جميع الجرائد الإسلامية الروسية التي تجيء مصر قد خاضت في
هذه المسألة؛ ففي العدد ٢٤ من جريدة (ترجمان) (التي تصدر في باغجه سراي
روسيا) ترجمته:
الكتاب المفتوح
من التلاميذ الذين طُردوا في ٢٦ فبراير من المدرسة المحمدية (المنسوبة إلى
محمد جان والد عالمجان المشهور) بقزان إلى آبائهم:
حضرات آبائنا الكرام! :
إنكم أسلمتمونا إلى المدرسة المحمدية بقزان إذ لم تجدوا مدرسة أحسن منها.
وكان مقصدكم من هذا هو أن نتعلم في المدرسة العلوم النافعة ونتحلى بالأخلاق
الفاضلة ونكون رجالاً نعمل لمصالحنا ولمصالح الأمة.
ولكننا علمنا بعد طول التجربة والاختبار - أن مدارسنا إذا بقيت على هذه
الحالة لا يُرجى منها خير ما فضلاً عن العلوم النافعة والأخلاق الفاضلة؛ والعلوم
التي نحصلها في مدارسنا لا تنفعنا أبدًا.
أما ترون أننا نخرج من المدارس وليس في يدنا شيء نكتسب به فنبقى عالة
على الناس نتَّجر بالدين، أما نحن فلا نحتمل هذه الذلة والمسكنة بعد أن نتعلم عشر
سنوات أو أكثر وليس أمامنا سوى التأذين والإمامة. وهذان المنصبان يؤول أمرهما
شيئًا فشيئًا إلى التعاسة والشقاء! ؛ فإن الأئمة والخطباء يشكون سوء حالهم، على
أن العلوم التي نتعلمها في مدارسنا لا تكفي للإمامة والخطابة أيضًا. ولا يعلِّموننا
شيئًا من الأخلاق والتربية بل نتعلم فيها الأخلاق السافلة كالجبن والطمع وظلم
الفقراء والتملق للأغنياء والكسل! .
بل لا نكون بما تعلمناه في المدارس إلا مصيبة للعوام وعلماء السوء الذين قال
فيهم نبينا عليه الصلاة والسلام ما معناه: (شر الخلائق علماء السوء الضالون
المضلون) ! ، نبقى في المدارس عشر سنين أو أكثر ونقاسي فيها من أتعاب البدن
والفكر ما لا يحمله أحد ثم نخرج لتكفُّف الناس. وأولاد الأمم المجاورة لنا يتعلمون
وعقوله سليمة وصحتهم كاملة متمتعون بكل حدة ونشاط ثم يخرجون وأدمغتهم ملأى
بالعلوم والأفكار السامية فينالون الوظائف المتنوعة ونحن نمثُل بين أيديهم بكل
خضوع ومسكنة وكلٌّ متخرجٌ في المدارس! .
وأما أساتذتنا فيملأون أدمغتنا بالخرافات والإسرائيليات، ويشوشون عقائدنا
باليونانيات والتفتازانيات، ويسوموننا حفظ الحواشي والتعليقات، ويجرعوننا
الكؤوس المُرة، مما لا تعلق له بالدين بالمَرة. يجرعوننا ذلك باسم العلوم الدينية
ونخرج من المدارس، لا بالدين تقوينا ولا بالعلوم العصرية تسلحنا. عبيد أوهام
جبناء، خلو من العقول سخفاء، ترتعد فرائص الواحد منا أمام واحد روسي أو
بالاك أو يهودي من المتعلمين.
نحن نرجو من قومنا أن لا يغفلوا عن حالهم ومستقبلهم واثقين بأبنائهم الذين
يتعلمون في المدارس الإسلامية لأننا علمنا أنه لمن يجاري المتعلمون منا في
مضمار تنازع البقاء للمتعلمين من الأمم الأخرى؛ لأن هؤلاء متسلحون بالعلوم
الصحيحة الحقيقية ونحن عُزل أنكاس مساكين.
نحن لسنا راضين عن حال مدارسنا وبذلنا جهدنا في إصلاح حالها وخالفنا
معلمينا ومربينا في أمور التربية والتعليم. فأنكروا أفعالنا وأبغضونا ونظروا إلينا
شزرًا. ثم سئموا تكاليفنا فأنشأوا يبحثون عن طرق النجاة معنا وأخذوا يطردون
الذين ينكرون حال المدرسة واحدًا بعد واحد! .
نحن نتعجب كثيرًا من أن أمتنا طلبت من الحكومة في السنين الأخيرة مطالب
جمة ولم تخطر ببالها مدارسنا التي هي حياتنا وبها بقاؤنا وتركتها في زوايا الإهمال
والنسيان. لا بقاء لنا إلا بالمدارس فكيف يجوز إهمال شأنها؟ ! .
نحن نقول ونرفع عقيرتنا: ليعلم كل فرد من أفراد الأمة أن أول درجة من
الإصلاح هي إصلاح المدارس والكتاتيب ثم إننا لا نأسف لخروجنا من هذه المدرسة
ولن ندخل غيرها؛ لأنها كلها على نسق واحد حَذْوَ النقطة بالنقطة ونختم قولنا
بكلمة نوجهها للأمة من صميم أفئدتنا:
(بادروا أيها الإخوان إلى إصلاح المدارس! ، وإلا فعليكم وعلى مدارسكم
السلام) .
(المنار)
وسننشر في الجزء الآتي مقالة مترجمة عن جريدة (وقت) ، عنوانها
(المدارس وطلبة العلوم) .
***
(قتل ابن الرشيد)
اغتنم ابن الرشيد فرصة الهدنة بينه وبين ابن سعود فغدر واعتدى فعلم ابن
سعود من أربعة جواسيس قبض عليهم أن سيبيته ليلاً فزحف عليه إلى روضة مهنا
وبعد ملحمة شديدة قتل ابن الرشيد وأخذ خاتمه وساعته ورايته وقتل جيشه تقتيلاً
وقد زحف ابن سعود على (حايل) ، وتلك عاقبة البغي {وَمَا هِيَ مِنَ لظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (هود: ٨٣) .
***
(تساهل المسلمين في شأن الخلافة)
يتهم أهل أوربا المسلمين بالغلو في التعصب الديني ويقولون في هذه الأيام:
إن السلطان يهيج هذا التعصب في بعض الجرائد المصرية بأنه خليفة المسلمين،
فالاعتقاد بالخلافة هو بركان التعصب، ولو كان المسلمون يتعصبون للخلافة
ويعتصمون بالخلافة كما يظن بهم لقامت قيامتهم على الشيخ محمد بخيت المدرس
بالأزهر؛ إذ ألَّف رسالة قال فيها إنه يجوز أن يكون خليفة المسلمين الذي ينصب
القضاة ويأذن بصلاة الجمعة كافرًا! واستدل على ذلك بحديث منكر أو موضوع لا
يدل عليه.
وقد قرظت رسالته جرائد المسلمين ولم ينكر عليه أحد بل وجد في أصحاب
الجرائد من ينتصر له ويدافع عنه فلتطمئن قلوب الأوربيين فإن هذه الثرثرة بلقب
الخلافة والخليفة وسيله للكسب لا أثر لها في التعصب ولو كان كتب مثل هذا
الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى لهاجت الجرائد وماجت الأمراء والشيوخ وتبعهم
العوام بلَغْو الكلام لا تعصبًا للخليفة وحماية للخلافة؛ بل لأن في ذلك من الكسب
والشهرة ما فيه! ! .