للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الكرامات والخوارق
المقالة السابعة عشرة
في أنواع الخوارق وضروب التعليل والتأويل

(النوع الحادي عشر: استجابة الدعاء)
قال السبكي: وهو كثير جدًّا وشاهدناه من جماعة. أقول: هذه مسألة من أكبر
المسائل التي وقع فيها الخلاف بين المذاهب الإسلامية ويذكرونها في العقائد
والمشهور أن أهل السنة يقولون بنفع الدعاء والمعتزلة ينكرونه.
قال اللقاني في الجوهرة:
وعندنا أن الدعاء ينفع ... كما من القرآن وعدًا يسمع
وقد تقدم في مقالات الكرامات الأولى أن جمهور أهل السنة يقولون بجواز وقوع
الكرامة والخوارق، والمعتزلة ينكرون ذلك. وقد عدَّ السبكي وغيره استجابة الدعاء
من الكرامات والخوارق ويلزم من ذلك أن يكون الخلاف في الدعاء فرع الخلاف
في الكرامات، ولكنك تراهم يخصونه بالذكر ويعدونه مسألة مستقلة ويرون الخلاف
فيه أقوى، ويشنعون فيه على المعتزلة ما لا يشنعونه في مسألة الكرامات. ولقد
انقرض المعتزلة وذهبت كتبهم ولكن المسائل التي اختلفوا فيها مع الأشعرية لا يزال
الكثير منها حيًّا يقول فيه بقولهم كثير من الناس فنحمد الله أن جعل أئمة الفريقين
أرقى عقلاً ودينًا من أن يكفّر بعضهم بعضًا، فلو كفر أبو الحسن الأشعري وكبار
أصحابه منكري نفع الدعاء وجواز الكرامات أو وقوعها لرأيت المسلمين اليوم في
شقاق شر من ذلك الشقاق، ولامتنع أهل العلم والدين من الصلاة على موتى أكثر
المتعلمين من أبناء هذا العصر. على أن الباحثين في هذه المسائل لا يسلمون من
تكفير غلاة المقلدين ولكنه تكفير باللسان لا يعدو الشتم ولا يتجاوز الشاتمين، وإذا
مات المرمي بالكفر صلوا عليه ودفنوه بين المسلمين، ثم إنه شتم قلما يقع من
المطلعين على المذاهب والعالمين بما يؤْثَر عن العلماء من الخلاف.
الحق أقول: إن الخلاف في الدعاء أقوى من الخلاف في الكرامات، فإن مسألة
الكرامات ليست من أصول الدين ولا من فروعه، ولا يوجد في الكتاب والسنة دليل
على طلب حصولها، ولا على مطالبة الناس بالإيمان بها. وأما الدعاء فهو مطلوب
بلا خلاف، والآيات والأحاديث الصحيحة التي يذكر فيها كثيرة جدًّا. ويعجبني
جعلهم محل الخلاف في نفع الدعاء، لا في استجابته، خاصة وأنه لم يقل أحد أئمة
المسلمين بأن الدعاء يستجاب حتمًا ولا أن الأصل أو الأكثر أنه يستجاب، ولكنهم
قالوا إن الدعاء ينفع سواء استجيب أم لم يستجب، وهذا القول حق كما سنبينه. ولو
كانوا يرون أن الدعاء يستجاب من كل داع تحققت فيه الشروط التي ذكروها لما
كان لعدّهم استجابة الدعاء من الكرامات والخوارق معنى.
وردت آيات في الدعاء ولكن يراد بها في الأكثر العبادة، ومن غير الأكثر
مجرد الطلب، كقوله تعالى حكاية عن بنت شعيب: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ
مَا سَقَيْتَ لَنَا} (القصص: ٢٥) وأقرب الآيات إلى ما نحن فيه من دعاء الله
تعالى وطلب الحاجة منه توقعًا للإجابة بقضائها قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: ٦٠) ، وقريب منها قوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة: ١٨٦) .
ولكن ورد في الصحيح تفسير الدعاء في الأولى بالعبادة. روى أحمد وأبو
بكر بن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة وابن حِبَّان
في صحيحه والحاكم وغيرهم من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم أنه قال: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْْ} (غافر: ٦٠) وفسرت الاستجابة على هذا بقبول العبادة، ومن
العلماء من فسر الدعاء في الآية بطلب الحاجات والاستجابة بقضائها.
وفسرت الآية الثانية بمثل ما فسرت به الأولى من الوجهين. وقد علم أن
الآيتين ليستا نصًا في موضوع الخلاف فيحتج بهما على المعتزلة ومَن على رأيهم
من أهل هذا العصر؛ ولهذا لم يكفروا من قال بأن الدعاء لا تأثير له في قضاء
الحاجات وإنما عدوه مخالفًا للسنة لما ورد في الدعاء من الأحاديث الصحيحة.
ورد في الصحيح أن لكل نبي دعوة مستجابة. وقد قال العلماء: إن المراد أنها
مستجابة قطعًا وما عداها من دعوات الأنبياء فهو محتمل للإجابة ولعدمها. أي أن
الحديث لا يُفهم منه أن الله لا يستجيب لنبي إلا دعوة واحدة. وورد الأمر بالدعاء
وعدم الاستعجال بالاستجابة. وترى العلماء متفقين على أن الاستجابة تكون بإحدى
ثلاث وردت في الحديث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما
أن تدفع عنه من السوء مثلها. وللحديث طرق بعضها ضعيف وبعضها قد صحح
الحاكم إسناده، ولم يروه من أصحاب الصحاح والسنن إلا الترمذي وقال: حسن
صحيح غريب، والسبكي يجعل الأولى من الثلاث - إن أُعطيها الداعي - كرامة
وتعريفنا للكرامة لا يأباه ولكن يأباه قول من يجعل الكرامة من الخوارق التي تأتي
على خلاف السنن الإلهية في الخلق. ونحن لا نشك في أن كثيرين من الداعين قد
استجيب دعاؤهم بأن سخر الله لهم من الأسباب ما لم يكن في أيديهم تسخيره، ولم
يكن يخطر لهم على بال كيف يجابون وقد وقع لنا مثل ذلك وحمدنا الله عليه، ولكننا
لا نقول إلا أنه جاء موافقًا لسنن الله تعالى في الأسباب والمسببات على ما فيه من
العناية الخفية والتوفيق الإلهي.
وقد اشترطوا في الدعاء شروطًا منها أن لا يدعو بمحال عقلاً ولا شرعًا ولا
عادة، وإذا كان الدعاء بالمحال في العادة ممنوعًا وغير جدير بالإجابة؛ لأنه من إساءة
الأدب مع الله تعالى كأن الداعي يقول: اللهم أبطلْ حكمتك في نظام خليقتك وبدّل
سننك في خلقك لأجلي فكيف يتحقق في الدعاء أمر خرق العادة؟ هذا تنافٍ بين
أقوالهم.
* * *
وعندي أن الدعاء على قسمين: اضطراري واختياري فأما الاضطراري فهو
الالتجاء إلى القوة الغيبية عند تقطّع الأسباب بالإنسان وسد منافذ الرجاء بالسعي.
وكل مؤمن بقوة غيبية يرى نفسه ملتجئة إليها عند اشتداد البأس، والخطر المشرف
بها على اليأس، فيدعو صاحب القوة العليا، ويستغيث به، وعند ذلك تُفتح في
وجهه أبواب الرجاء، وتنزل عليه السكينة بعد الاضطراب، وهذه فائدة كبرى
للدعاء تتلوها فوائد أظهرها أن اليائس ينقطع عن السعي فإذا اشتد به الضيق فربما
يبخع نفسه انتحارًا بيده؛ ولذلك يكثر الانتحار في قوم لا يؤمنون، فالرجاء الذي
يحدثه الالتجاء بالدعاء يعطي المضطر قوة جديدة، ويهديه إلى طرق جديدة يسلكها في
إعادة السعي حتى ينجو من الخطر، أو يبلغ بعض الوطر، ويقول الأستاذ الإمام:
قلما وله قلب المؤمن إلى الله تعالى داعيًا مخلصًا في حال اضطرارية كهذه إلا وأجاب
الله دعاه، وهذا الفرع من الدعاء هو ميزان الإيمان ومعيار التوحيد الخالص، فإن الله
تعالى جعل أعمال الإنسان في الأسباب والمسببات، فالمؤمن الكامل يذكر الله عند كل
سبب، ويزداد إيمانًا بزيادة العلم بالأسباب لما فيها من الحكمة والنظام العجيب،
والغافلون تحجبهم الأسباب عن رؤية حكمة واضعها وإن كانوا مؤمنين حتى تكون
الشدائد هي التي تذكرهم بما تقطَّع من الأسباب التي يعرفونها، فيرجعوا إلى مَن بيده
ملكوت كل شيء وواضع كل سبب فيدعوه بإخلاص {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت: ٦٥) ،
وفي آية أخرى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان: ٣٢) ؛ وإنما كان الدعاء في حالة الاضطرار معيارًا للإيمان؛ لأن
من يعتقد بقوة غيبية وراء الأسباب لغير الله تعالى فهو يلجأ إليه في تلك
الحالة بطبعه، وينطق لسانه بدعاء صاحبها وندائه. ولا توجد أمارة على الشرك
أظهر من هذه الأمارة وإن استهان بها الذين يدعون في الشدائد فلانًا وفلانًا
ويستغيثون بهم من صميم أفئدتهم ويولهون إليهم، لا يلاحظون أنهم وسطاء بين الله
تعالى وبينهم يقربونهم إليه زلفى كما يزعم أهل التأويل؛ لأن القلب في مثل تلك
الحالة لا يسع شيئين فمن يدعو فلانًا من المعتقدين في وقت الشدة لا يخطر في
باله غيره، ولا يدعوه إلا وهو يعتقد أنه هو الذي يفرج كربه، فهو موحد له من
دون الله تعالى. وإذا وسع قلبه قوتين إحداهما مؤثرة في الأخرى تحملها على
العمل فتعمل فهو مشرك شركًا ظاهرًا لا خفيًا.
وإذا كان - ليت شعري - هؤلاء الوسطاء المزعومون أسبابًا خفية كما يدعي
بعض المأولين، وجوزنا أن يلجأ إليهم في وقت الضيق ففي أي وقت نوجب على
المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى وحده دون سواه؟ ألا يوجد عند هؤلاء الذين يمتاز
دينهم بالتوحيد الخالص حال يجب على العبد أن يتوجه فيها إلى الله تعالى وحده، لا
يكون في قلبه سواه من عبيده الضعفاء؛ {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء:
٢٨) ؟ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون.
فعلم مما شرحناه أن هذا الدعاء أثر من آثار الإيمان بقوة وراء الطبيعة، فمن
كان يعتقد أن مع صاحبها من يحمله على الفعل أو الترك فهو المشرك، وهذا الأثر
الذي ذكرناه هو روح العبادة، وأكبر مظاهرها؛ لأنه الأثر الطبيعي للإيمان؛ ولذلك
فسر الدعاء في القرآن بالعبادة في جميع الموضوعات الدينية وورد في الحديث:
(الدعاء مخ العبادة) رواه الترمذي، وتقدم حديث (الدعاء هو العبادة) فكل من
يدعى وينادى عنه شدة الحاجة وتعسر الأسباب الكسبية فهو معبود لمن ناداه ودعاه
{وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: ١٨) .
وأما القسم الثاني من الدعاء وهو الاختياري فإنه من الأعمال التي تزيد في
الإيمان، وتمده وتدعمه كسائر العبادات المطلوبة في الدين، وليس أثرًا طبيعيًّا له،
ولولا ذلك لما كان للتكليف به معنى إذا قال العبد: اللهم وسع عليَّ في الرزق، يتذكر
أن سعيه في طلب الرزق من أسبابه التي هداه الله تعالى إليها بالحواس، والعقل
يتوقف على حفظ قواه، وعلى توفيق الله بين سعيه وبين الأحوال والأمور الخارجية
التي يتوقف عليها النجاح، فيزداد إيمانه بهذا الذكر، ويزداد نشاطه باعتقاده أن الله
يعينه ما راعى سننه في خليقته، وأتى البيوت من أبوابها. وإذا قال: اللهم اغفر لي.
يتذكر أنه عرضة للهفوات والخطايا، وأن الغفران الإلهي له طريق بيَّنها الكتاب
العزيز بمثل قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (طه:
٨٢) فإن لم يتذكر الآية فإنه يتذكر معناها إلا إذا كان جاهلاً بالدين مكتفيًا منه بما
يسمعه ممن يعيش بينهم من الجاهلين، وإذا تذكر أن الدين علَّم البشر أن للذنوب
والخطايا آثارًا سيئة في النفس، وأن غفرها ومحوها إنما يكون بالرجوع عن الذنب
وعمل طاعة من جنسه تؤثر في النفس ضد أثره فإنه يكون قريبًا من العمل الصالح
قال تعالى: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (هود: ١١٤) وقال عليه الصلاة
والسلام: (وأتْبع السيئة الحسنة تَمْحُهَا) .
أقول: هذا تمهيدًا لبيان أن هذا النوع من الدعاء هو أحد خصال الإيمان.
والإيمان كما يورد في الأحاديث الصحيحة: قول باللسان واعتقاد بالجَنان وعمل
بالأركان، فهذا الدعاء لا يكون صحيحًا إلا إذا وافق اللسان فيه القلب والعمل. أعني
أن يطلب المؤمن الرزق في الدنيا والمغفرة في الآخرة ونحوهما بتوجه القلب والقيام
بالعمل الذي جعله الله وسيلة للرزق وسببًا في المغفرة. ويستلزم هذا ما قالوه من
عدم جواز طلب المحال أو المحرم شرعا؛ لأن الأول ليس له وسيلة تتوجه النفس
إليها وتطلب بالعمل منها، والثاني لا يطلب من الله تعالى وإنما يطلب بالعمل في حال
الغفلة عن الله عز وجل. ومن طلب من الله تعالى شيئًا بالتوجه النفسي الصحيح
وصدق العزيمة وإعمال الفكر مع الجد في السعي من الطرق التي سنها الله تعالى
والأسباب التي ربط بها المسببات، وكان دعاؤه باللسان مترجمًا عن إيمانه بأن
المسخر الأسباب والموفق بينها هو الله تعالى فإن الله تعالى يستجيب دعاءه، ويسهل
له الأسباب ويمنحه التوفيق.
هذا هو الدعاء المطلوب شرعًا، وفائدته في تهذيب النفس وتسديد الفكر وتقوية
العزيمة ظاهرة بالبداهة، والوصول به إلى المقاصد التي يطلبها الداعي ثابتة
بالتجربة وقريبة من المعقول. وما أظن المعتزلة ينكرون ذلك، وإنما أنكروا - فيما
أرى - فائدة الدعاء القولي البحت، والمحققون من أهل السنة يوافقونهم على هذا، لا
سيما الصوفية علماء النفس والأخلاق. قالت رابعة العدوية رحمها الله تعالى:
استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير، وقال الشيخ محي الدين بن عربي:
بذكر الله تزداد الذنوب ... وتنطمس البصائر والقلوب
وإنما يعني الذكر مع الغفلة فإنه كالاستهزاء بالله تعالى. وورد هذا المعنى في
الآثار عن السلف، قال الفُضَيل بن عياض رحمه الله تعالى: الاستغفار بلا إقلاع توبة
الكذابين، وفي (الإحياء) عن بعض الحكماء: مَن قدم الاستغفار على الندم كان
مستهزئًا بالله عز وجل وهو لا يعلم، وقال الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى: لا يقولنَّ
أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبًا وكذبًا إن لم يفعل ولكن ليقل اللهم اغفر لي
وتب عليَّ.
وجملة القول أن الدعاء مخ العبادة وروحها وميزان الإيمان ومعيار الإخلاص
وسلامة التوحيد وأن فائدته في الدنيا مشهورة، وأن المحرومين منه لحرمانهم من
سعادة الإيمان الخالص عرضة للانتحار، إذا استولت عليهم الهموم والأكدار، وأن
فائدته في الآخرة أعظم، وأن استجابته إن وُجد على حقيقته التي شرحناها - كثيرة
يعرفها المؤمنون الصادقون، وينكرها الملحدون والشاكون، وأن هذه الاستجابة
ليست من الخوارق الحقيقية، ولكنها من التوفيق الإلهي والعناية الربانية، وإذا كان
أمر العناية فيها غريبًا في صورته غير معهود يصح أن تسمى كرامة. وقد بسطنا
هذه المسألة فلم نقصر البحث فيها على موضوعنا لما نعلم من اشتباه الأمر فيها على
الذين يحبون أن يعقلوا الدين ويفقهوه، ومن جهالة المقلدين الذين يسلمون بكل ما
ينقل عن الميتين وإن لم يفهموه، ونرجو أن يقبل كلامنا هذا كل مؤمن بأن للكون
فاعلاً مختارًا؛ وأن للناس حياة بعد هذه الحياة، كما نرجو أن يراجعنا من يتوقف
في صحة شيء مما كتبناه، أو في فقهه وفهمه، والله الموفق للصواب.
((يتبع بمقال تالٍ))