جاءنا في رسالة خصوصية من طرابلس أن صاحب العطوفة والي ولاية بيروت الجليلة أصدر أمرًا إلى متصرفية طرابلس بوجوب جمع العدد الثاني من جريدتنا (المنار) وإعدامه، فوقع عندنا الريب في شأن هذا الخبر، فإن المنار قد عاهد الله تعالى على خدمة الدولة والملة بالصدق والأمانة، في ظل أمير المؤمنين السلطان الأعظم أيده الله تعالى، وخطته علمية تهذيبية من أفضل أعمالها تأليف القلوب وجمع كلمة العناصر المؤلف منها جسم الأمة العثمانية تحت لواء جلالة السلطان الأعظم، وقد حمد مبدأه هذا جميع العقلاء والفضلاء ومحبو خير الدولة العلية. وليس في العدد الثاني منه سوى مقالة تهذيبية خلاصتها: أن سعادة الأمة لا تكون إلا في تعميم التربية والتعليم بواسطة الشركات المالية الوطنية التي تنشئ المكاتب والمدارس، وتعهد بها للعقلاء والفضلاء. وهذا لا يمكن أن يشك فيه أحد، فإن أعداء الدولة العلية الذين يطعنون بجهل شعوبها وهمجيتهم يلقون تبعة ذلك على مولانا السلطان الأعظم، مع أنه باذل قصارى همته الشريفة وموجه قواه المقدسة إلى ترقية معارفها فكم أنشأ من المكاتب والمدارس على نفقة الجيب الهمايوني الخاص [*] ، لكن يستحيل أن تكفي خزينة أي ملك أمة عظيمة كالأمة العثمانية، وعليه فلابد لأغنياء الأمة من التأسي بمليكهم والاقتداء بإمامهم. هذا ما قاله المنار، وأثبت أيضًا أن تقدم الأمة وسعادتها لا يأتي من مداخلة الأجانب واستلامهم زمام الأحكام ولا من حرية الجرائد، وكل هذا مما يكثر الثرثرة به أعداء الدولة. والمنار قد رد عليهم فخدم الدولة ونصح للأمة. وفيه أيضًا مقالة تبين أن الاستعمار الذي يدعي الأوربيون خدمة الإنسانية به لا توجد حقيقته إلا في الديانة الإسلامية التي بينت في آية الجهاد أن الحكمة في الإذن للمسلمين بالقتال هو: (١) اضطهاد المشركين لهم وإخراجهم من ديارهم (مكة) بغير حق إلا أنهم يعبدون الله تعالى دون الأصنام. (٢) وكون المدافعة تحفظ الأديان السماوية، وتمنع من هدم البيع (معابد النصارى) ، والصلوات (معابد اليهود) ، والمساجد (معابد المسلمين) . (٣) وقيام المسلمين إذا مكنوا في الأرض بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعليم الناس عمل المعروف وترك المنكر. وليس في ذلك العدد وراء ما ذكرنا إلا أخبار مجملة عن الهند وكوبا واليهود في فرنسا والسودان وبعض أخبار تلغرافية نشرتها جرائد الآستانة العلية وجرائد سورية فضلاً عن جرائد مصر التي لم تمنع من بلاد الدولة العلية. فليس بعد هذا إلا احتمال أن يكون الأمر صادرًا بجمع جريدة غير جريدة المنار، وذكر اسم المنار غلطًا، أو أن بعض السعاة المَحَّالين أراد أن يبيض وجهه بسواد الكذب فكتب للحكومة السنية أن في العدد الثاني من المنار ما لا ينبغي نشره، وهو في هذا إما متوقع جائزة على عمل ضار في صورة نافع، وإما عدو للدولة والأمة، يريد أن يعرقل عمل من يخدمها بصدق ومشرب صحيح يرجى نفعه، وكان بعض العقلاء في بلاد الشام فطن إلى أن مثل هذا العمل الشريف لابد أن يعرض له عثرات، وتقام في طريقه عقبات، فقد جاءنا في البريد الأخير كتاب من بعض فضلاء الأمراء في تلك البلاد يقول فيه ما نصه بالحرف: (اطلعت على العدد الأول والثاني من جريدتكم الغراء فوجدتها وايم الله من أحسن الجرائد لهجة، وأنبلها مقصدًا، وأسماها غاية وأصدقها حديثًا، وأفصحها لسانًا، وأكثرها بيانًا، وظهر لي أن وراءها رأيًا صائبًا، وفكرًا ثاقبًا، وعلمًا واسعًا، وحكمة بالغة، ونظرًا دقيقا، وقد راق في عيني إفصاحها عن مواضع الداء، ومواطن الخلل بما ليس معه زيادة لمستزيد، أو انتقاد لمنتقد أو استفهام لمُسْتَفْهِم، مما جعلنا نوطد الآمال على انتفاع الأمة بها انتفاعًا عظيمًا، واهتدائها بهديها نهجًا قويمًا وصراطاً مستقيمًا، سائلين المولى لكم التوفيق والثبات في هذا الطريق وأن يقيها شر الحاسد وكيد المفسدين الذين يرمونها بالترهات ويقيمون في سبيلها العقبات) . اهـ. وعندنا من قبيل هذه الشهادة في المنار شهادات كثيرة. فإذا كانت الخطة التي ذكرناها وذكرنا نموذج شهادة العقلاء والفضلاء لها خطة ضرر وعداء، فما هي الخطة النافعة التي يجب انتهاجها في خدمة الدولة والأمة؟ ليفدنا عنها الطاعنون، ونحن لهم شاكرون، وإلا فليمعنوا في التبصر والانتقاد قبل رفعه إلى أولياء الأمور، لئلا يقعوا في إيذاء الأبرياء، والإساءة إلى المحسنين. ونحن نقول: لا بأس بالمراقبة على الجرائد التي تشوش الأفكار، وتنشر ما لا يليق بحالة الأمة نشره، لكن نرجو من أولياء الأمور أن ينيطوا بهذا الأمر جماعة من أهل الفضل والصدق والاستقامة، ليعطوا كل شيء حقه وبالله التوفيق.