٤- الشيخ محمد جمال الدين القاسمي (تتمة ترجمته) تصانيفه ورسائله: كان أثابه الله سيّال القلم سيّال القريحة، سريع الذاكرة سريع المراجعة، وقد كتب كثيرًا من الكتب والرسائل تصنيفًا وشرحًا واختصارًا لبعض المطولات، وأحصاها لنا بعض تلاميذه فزادت على السبعين، وهو العقد الذي تعبر به العرب من الكثرة. وهذه أسماؤها مرتبة على حروف المعجم: (١) الاستئناس في تصحيح أنكحة الناس. طبع في دمشق سنة ١٣٣٢. (٢) الأنوار القدسية على متن الشمسية في المنطق، كتب عليها إلى آخر قسم التصورات. (٣) إيضاح الفطرة في أهل الفترة. (٤) الارتفاق، بمسائل الطلاق. (٥) إزالة الأوهام بما يستشكل من ترك سيدنا عمر لكتابة الكتاب الذي همَّ به عليه الصلاة والسلام. (٦) إفادة مَن صحا في تفسير سورة " والضحى ". (٧) إعلام الجاحد عن قتل الجماعة المتمالئة بالواحد. (٨) الأقوال المروية في من حلف بالطلاق الثلاث في قضية. (٩) الأوراد المأثورة - مطبوع في دمشق. (١٠) الأجوبة المرضية مطبوع في دمشق سنة ١٣٢٦. (١١) إصلاح المساجد من البدع والعوائد. (١٢) بذل الهمم لموعظة أهل وادي العجم. (١٣) بديع المكنون في أهم مسائل الفنون. (١٤) بيت القصيد في ديوان الإمام الوالد السعيد. (١٥) بحث في جمع القراءات المتعارف. (١٦) تعطير المشمامّ، في مآثر دمشق الشام. (١٧) تعليقات على حصول المأمول لصديق حسن خان. (١٨) تنوير اللب في معرفة القلب. (١٩) تاريخ الجهمية والمعتزلة. نشر في مجلة المنار وطبع في مطبعتها سنة ١٣٣١. (٢٠) تنبيه الطالب إلى معرفة الفرض والواجب - طبع في مصر سنة ١٣٢٦. (٢١) ثمرة التسارع إلى الجب في الله وعدم التقاطع. (٢٢) الجواب السني عن سؤال السيد أحمد السني. (٢٣) الجوهر الصاف في نقابة الأشراف. (٢٤) جواب المسألة الحورانية. (٢٥) جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب. (٢٦) جدول في مخارج الحروف وصفاتها. (٢٧) جواب الشيخ السناني في مسألة العقل والنقل، نشر في مجلة المنار. (٢٨) حسن السبك في الرحلة لوعظ قضاء البنك. (٢٩) حياة البخاري. طبع في صيدا سنة ١٣٣٠. (٣٠) حاشية على الروضة الندية. (٣١) درء الموهوم من دعوى جواز المرور بين يدي المأموم. (٣٢) دلائل التوحيد. مطبوع في دمشق سنة ١٣٢٦. (٣٣) ديوان خطب مطبوع في دمشق سنة ١٣٢٥. (٣٤) رفع المناقضات، بين ما يزيد في العمر وبين المقدرات. (٣٥) رسالة في الشاي والقهوة والدخان. مطبوعة في بيروت سنة ١٣٢٣ (٣٦) رسالة في أوامر من مشايخ الإسلام بالحكم بغير المذهب الحنفي. مطبوعة بعد نشرها في مجلة المنار سنة ١٣٣١. (٣٧) رسالة في المسح على الجوربين. مطبوعة في بيروت سنة ١٣٣٢. (٣٨) رسالة في المسح على الرجلين. (٣٩) زوال الغشاء عن وقت العشاء. (٤٠) زبدة الأخبارعن أولاد الكفار. (٤١) السطوات في الرد على منع العشاء قبل الصلوات. (٤٢) شمس الجمال على منتخب كنز العمال. (٤٣) الشذرة البهية في حل ألفاظ نحوية. مطبوعة في دمشق سنة ١٣٢٢. (٤٤) شذرة من السيرة المحمدية. مطبوعة بمطبعة المنار في مصر سنة ١٣٣١. (٤٥) شرح لقطة العجلان. مطبوعة في مصر سنة ١٣٢٦. (٤٦) شرح مجموعة أربع رسائل في الأصول. مطبوعة في بيروت سنة ١٣٢٤. (٤٧) شرح مجموعة أربع رسائل في الأصول أيضًا. مطبوعة في دمشق سنة ١٣٢٣. (٤٨) شرح مجموعة ثلاث رسائل في أصول التفسير وأصول الفقه مطبوعة في دمشق سنة ١٣٣٢. (٤٩) شرح مختصر المستصفى لابن رشيق. (٥٠) الطائر الميمون في حل لغز الكنز المدفون. مطبوع مرتين سنة ١٣١٦ وسنة ٢٢. (٥١) طراز الخلعة فيما نقل من قول الرملي: وأقسام الاسم تسعة. (٥٢) الطالع المسعود على تفسير أبي السعود (لم يتم) . (٥٣) الطالع السعيد في مهمات الأسانيد. (٥٤) العقود النظيمة في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العظيمة، ومحاسن شريعته القويمة. (٥٥) غنيمة الهمة على كشف الغمة. (٥٦) فصل الكلام في حقيقة عود الروح إلى الميت حين الكلام. (٥٧) الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين، ويعرف بشرح الأربعين العجلونية. (٥٨) فتاوى الأشراف في العمل بالتلغراف. مطبوع في دمشق سنة ١٣٢٩. (٥٩) قواعد التحديث من فن مصطلح الحديث. (٦٠) الكواكب السيارة في مدح الفوارة. (٦١) كتاب الفتوى في الإسلام. مطبوع في دمشق في سنة ١٣٢٩. (٦٢) كتاب إرشاد الخلق إلى العمل بخبر البرق. طبع بدمشق سنة ١٣٢٩. (٦٣) كتاب الإسراء والمعراج. طبع دمشق سنة ١٣٣١. (٦٤) كتاب شرف الأسباط. طبع بدمشق. (٦٥) كتاب (شرح العقائد) وهو كتاب كبير كتب الفقيد منه نحوًا من مائتي صفحة ولم يتم. (٦٦) اللف والنشر في طبقات المدرسين تحت قبة النسر. (٦٧) لزوم المراتب في الأدب مع الإمام الراتب. (٦٨) المسند الأحمد على مسند الإمام أحمد. (٦٩) منتخب التوسلات. مطبوع في دمشق سنة ١٣. (٧٠) مذاهب الأعراب وفلاسفة الإسلام في الجن. طبع بدمشق سنة ٣٢٨. (٧١) ميزان الجرح والتعديل، طبع في مصر سنة ١٣٣٠. (٧٢) موعظة المؤمنين من أحياء علوم الدين. طبع بمصر سنة ١٣٣. (٧٣) (محاسن التأويل) وهو التفسير العظيم الذي يقع في اثني عشر مجلدًا مع مقدمته التي كتبت في مجلد حافل. (٧٤) النفحة الرحمانية على متن الميدانية. مطبوعة في دمشق سنة ١٣٢٣. (٧٥) نقد النصائح الكافية. طبع بدمشق سنة ١٣٢٨. (٧٦) هداية الألباب لتفسير آية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ} (المائدة: ٥) . (٧٧) الوعظ المطلوب من (قوت القلوب) . (٧٨) وفاء الحبيب وحده، في إيضاح جهة الوحدة (المسوقة في الفناري) . (٧٩) ينابيع العرفان في مسائل الأرواح بعد مفارقة الأبدان. أقول: إن بعض ما ذكرنا رسائل صغيرة مؤلفة من كراسة أو كراستين أو كراسات قليلة، له أو لغيره، وبعض ما ذكرنا من الشروح عبارة عن تعليقات لا يصح أن تسمى شرحًا، وقد كتب إليّ في العام الماضي أنه له كتابًا في العبادات مقتبسًا من كتب المذاهب مع بيان حكمة التشريع. كان أخذه منه الشيخ أحمد طباره ليطبعه في مطبعته ببيروت ولم يعده إليه، وعلمت ممّا كتب إليّ أنه من أهم كتبه، وكنت وعدت بتأليف كتاب في ذلك فسبقني رحمه الله إليه، فتمنيت لو يطبع لأستغني به. ولعل هذا الكتاب وتفسيره الحافل هما أكبر مظاهر علمه وإصلاحه، على أن له رسائل مختصرات لا تغني عنها المطولات. سيقول كثير من الناس: إنك عددت القاسمي من رجال الإصلاح، وإن أسماء كثير من هذه الكتب التي صنفها أو شرحها تدل على أنها ليست من الإصلاح في ورد ولا صدر، ولا تشتمل على عين منه ولا أثر؛ فكيف يضيع العالم المصلح وقته في شرح لغز، أو ما يعد أبعد عن الإصلاح من اللغز؟ ويمكنني أن أقول: إن الرجل كان من خيار مصلحي المسلمين في هذا العصر، وإن لم يدخل كل ما كتبه في باب الإصلاح الذي يفهمه قراء المنار، فمسمى الإصلاح ومفهومه واسع، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان، والسن والعشراء والأقران، والتلاميذ والمريدين، وغيرهم من المخاطبين، والمصلح لا يخلق مصلحًا بالفعل؛ بل يخلق كغيره لا يعلم شيئًا، ويكون الاستعداد للإصلاح فيه كامنًا، ثُمَّ تظهره التربية والتعليم، وما يتجدد المرة بعد المرة له من العبرة والتأثير. فهل يطلب ممن عاش خمسين، ترك فيها من هذه الكتب والرسائل نحوًا من سبعين، أن يكون جميع ما كتبه أو شرحه إصلاحًا في الدنيا والدين، مرضيًا عند الكهول المجربين، والشيوخ المحنكين؟ طريقته في الإصلاح: حسب من نشأ وتعلم وتربى في أرض التعصب للتقليد، والجمود على العادات والخرافات، تحت سماء الاستبداد، والحجر على الألسنة والأقلام، - ولم تكن هذه المفاسد في الآستانة أشد منها في الشام - أن يكون بسلامة فطرته، وعناية الله به، مثل الشيخ جمال الدين القاسمي في استقلاله، ونزاهته واعتداله، ونظافة عقله وقلمه ولسانه، وجرأته على مجاهدة الجمود والتقليد، والجمع في إحياء علوم اللغة، والدين بين الطريف والتليد. أما طريقته في الإصلاح وغايته منه فلم يكن فيها ما على خطة مقررة من أول النشأة، وإنما كونتهما الحاجة بقدر استعداد البيئة: فتح الرجل عينيه فرأى أطلال العلم في بلده دارسة، وأعلامه طامسة، وقد كانت مهاجرًا يرحل الطلاب إليها، فأصبحت مهجورة يرحل عنها. فكان الإصلاح الضروري فيها إيجاد نشء جديد من طلبة العلم يعلمون تعليمًا صالحًا يرجى أن يحيا به وبهم العلم، وقد كان سبب اختيار الشيخ لقراءة بعض الكتاب ولكتابة بعض الشروح والتعليق على بعضها، هو الضرورة أو الحاجة إلى تدريسها، لا كونها صالحة في نفسها، أو محاولته إصلاح التعليم بها. مثال ذلك ما كتبه على شرح الفناري ومتن الشمسية في المنطق، كان ما لا بد منه؛ لأن طلبة العلم كانوا يمتحنون بهما لأجل إعفائهم من الخدمة العسكرية. ونقيس ما لم نعرف عذره فيه - كقراءة كتاب جمع الجوامع وشرح بعض المتون - على ما عرفنا عذره فيه كمتن الشمسية وشرح الفناري، وكلاهما لا يصلحان للتدريس في رأي العارفين بطرق إصلاح التعليم. ولو كان الشيخ في مصر لقلنا إن عذره في قراءة جمع الجوامع اعتماد الجامع الأزهر عليه في الامتحان ونيل شهادة العالمية. لعلنا لو اطلعنا على جميع ما كتبه لظهر لنا من عذره ما لا يظهر لنا الآن، أو ننتقد منها ما لا نظن الآن أنه منتقد، وحسب الرجل أن يكون مصلحًا في سيرته ومجموع أعماله. قد اطلعنا على كتاب دلائل التوحيد وبعض الرسائل من مؤلفاته المطبوعة، وقرظنا بعضها في المنار وبينا مزيتها فيه. ويمكنا أن نستنبط منها ومن مذاكراتنا القصيرة له ما نعده للقارئين من مزاياه ومزاياها: (١) إن القاسمي درس فنون اللغة العربية والعلوم الشرعية على الطريقة المألوفة في مدارس المسلمين منذ قرون، وتلقى تلك الكتب التي اختارها المتأخرون للتدريس، ورأى حاجة أهل البلاد إلى بعض تلك الكتب لأجل امتحان الإعفاء من العسكرية، وأن المشتغلين بالعلم منهم يظنون أن العالم لا يكون عالمًا حقيقة إلا بتحصيل كذا وكذا منها (كجمع الجوامع وكتب السعد التفتازاني) فكانت هذه الأمور الثلاثة أسبابًا لمحافظته على بعض ذلك التليد. (٢) أنه كان يرى أن ما يثبت بالدليل النقلي في النقليات والعقلي في العقليات وبالتجربة في المجربات لا تتلقاه بالقبول هذه الأمة التي جمدت على التقليد، وبعد عهد جمهورها بالحجة والدليل، إلا إذا أيد بنقل عن بعض العلماء السابقين، ولا سيّما إذا كان من المشهورين، فكان يرى هذا ركنًا من أركان الإصلاح في التدريس والتأليف لأجل إقناع المستدلين والمقلدين معًا، ونحن نجري على هذا في المنار والتفسير أحيانًا. (٣) أنه كان يتحرى مذهب السلف في الدين وينصره في دروسه ومصنفاته، وما مذهب السلف إلا العمل بالكتاب والسنة، بلا زيادة ولا نقصان، على الوجه الذي كانوا يفهمونه في الصدر الأول. وقد اتهم - كما اتهم غيره من المستقلين - بأنه أحدث مذهبًا جديدًا في الإسلام، ولما كانت حادثة السعاية التي أشرنا إليها، وذكرنا أنه حبس فيها، لغط حساده بهذه المسألة فقال يرد عليهم: زعم الناس بأني ... مذهبي يدعى الجمالي وإليه حينما أف ... تي الورى أعزو مقالي لا وعمر الحق إني ... سلفيّ الانتحال مذهبي ما في كتا ... ب الله ربي المتعالي ثم ما صح من الأخـ ... بار لا قيل وقال أقتفي الحق ولا أر ... ضى بآراء الرجال وأرى التقليد جهلاً ... وعمى في كل حال وقال أيضًا في هذا المعنى: أقول كما قال الأئمة قبلنا ... صحيح حديث المصطفى هو مذهبي أألبس ثوب القيل والقال باليًا ... ولا أتحلى بالرداء المذهب (٤) كان يتحرى في المسائل الخلافية الاعتدال والإنصاف، واتباع ما يقوم عليه الدليل من غير تشنيع على المخالف ولا تحامل. وكان لحرصه على الوفاق وجمع كلمة المسلمين يجتهد في استبانة حجة كل فريق من أصحاب المذاهب، وتقريب أحدهما من الآخر، بإظهار حجته أو شبهته، وحكاية ما يعارض الخصم به. ومن كانت هذه طريقته فكثيرًا ما يغضب الخصمين معًا. فيتهمه كل منهما بالتشيع للآخر. ثم إذا كان أحدهما مصيبًا والآخر مخطئًا يتعذر على محب الاعتدال في الحكم بينهما أن يرضى باستحداث مذهب ثالث يجعله وسطًا بينهما؛ إذ ليس بين الحق والباطل وسط، وإنما يكون الحق وسطًا بين باطلين، أو أباطيل ترجع كثرتها إلى نوعين - الزيادة على الحق أو النقص منه. وقد اتهم الفقيد بعض السلفيين بأنه خالف مذهب السلف في رسالته (تاريخ الجهمية والمعتزلة) التي نشرناها في المنار، على شدة حرصه عليه وتحريه إياه؛ وانتقدها بعض الشيعة كما يأتي. واتهمه بعض المستقلين بعثرة أخرى في رسالته (نقد النصائح الكافية) وهي أن حب الاعتدال وتقريب أحد الخصمين من الآخر أخرجه عن الاعتدال في بعض المسائل؛ ولكن بقصد الإصلاح. وههنا مسألتان: (إحداهما) أن المستقل في علمه وحكمه حق الاستقلال يتحرى ما يظهر له أنه الحق فيقوله ويحكم به، وإن أغضب جميع الناس عليه. وقصارى ما يستبيحه من إرضاء الناس أو استمالتهم التلطف في القول، وتزيين الحق الذي ثبت عنده بحلي البيان وحلله، دون إبرازه لهم عاري الجسد عاطل الجيد. (الثانية) أن الإصلاح بين الرجلين أو القبيلين من الناس فضيلة حث عليها الشرع وعرف حسنها العقل، وقد أبيح فيها الكذب عند الرواة عملاً بقاعدة (ارتكاب أخف الضررين) فبالأولى يباح فيها التماس العذر لكل خصم فيما خالف فيه الآخر، وتوجيه ما قام عنده من الحجة أو شبه الحجة. وهذه الطريقة في الإصلاح أقرب الطرق لإرضاء المعتدلين من أهل المذاهب المختلفة، وأما الغلاة في التعصب لمذاهبهم فلا يرضيهم إلا موافقتهم واتباعهم. أما العمل بهاتين المسألتين وإعطاء كل واحدة منهما حقها فهو عسر جدًّا، فإن المستقل جد الاستقلال إذا تصدى للتوفيق بين الخصمين المتعصبين يغضبهما جميعًا، وإنما يمكن أن يرضي المستقل من كل فريق أو المستعد للاستقلال إذا أوتي الحكمة وفصل الخطاب. ومن الآيات على ذلك أن رسالة (تاريخ الجهمية والمعتزلة) لم يكتب أحد في هذا العصر كتابة أعدل منها في التأليف بين فرق المسلمين الكبرى - وهم أهل السنة الأثرية والأشاعرة والمعتزلة والشيعة والخوارج - وقد كتب بعض علماء الشيعة ردًّا عليها قبل إتمام نشرها، وهل يرضى شيعي بتعديل بعض الخوارج والرواية في الصحيحين عنهما؟ وأنكر بعض أهل السنة الأثريين بعض المسائل فيها كما تقدم. فأين هذه من تلك الرسالة التي كتبها أحد علماء الشيعة للتوفيق بين الأمة بزعمه أو دعواه الظاهرة فكانت عبارة عن دعوة أهل السنة إلى التشيع بتخطئتهم وتصويب الشيعة في جميع مسائل الخلاف! ! أخلاقه وشمائله: كان من أكمل ما رأيت في أخلاقه وآدابه وشمائله: كان أبيض اللون نحيف الجسم ربعة القد، أقرب إلى القصر منه إلى الطول، غضيض الطرف، كثير الإطراق، خافض الصوت، ثقيل السمع، خفيف الروح، دائم التبسم. وكان تقيًّا ناسكًا، واسع الحلم، سليم القلب، نزيه النفس واللسان والقلم، برًّا بالأهل، وفيًّا للإخوان، يأخذ ما صفا ويدع ما كدر، عائلاً عفيفًا قانعًا. لا يطبيه طمع مدنس ... إذا استمال طمع أو أطبى وقد بينا ما كان لأخلاقة الكريمة من حسن الأثر، والوقاية من كيد الجاهدين والحاسدين، والإعانة على الإصلاح. ومن حسن وفائه أنه لم يقطع مراسلتنا ولا مراسلة الأستاذ الإمام في إبان ثقل وطأة الاستبداد الحميدي؛ إذ كانت مراسلتنا تعد من الجنايات السياسية التي تعاقب الحكومة صاحبها أشد العقاب، ولكنه ترك التصريح بنقل شيء عنا كما يعلم من كتابه (دلائل التوحيد) وصرّح لنا بذلك. وقد عبرنا عن بعض ما وجدناه من الحزن لفقده بكتاب وجهناه إلى أهله، وكان من يعرف ما بيننا من الإخاء يعزينا عنه كما يعزي الإخوة في النسب. وما بيننا من أخوة النسب الروحي أعلى من النسب الجسدي، على أن نسب أمه يتصل بنسبنا أيضًا. وحسبي أن أدون من تلك التعازي ما كتبه إليَّ صديقي وصديقه علامة العراق ورحلة أهل الآفاق، السيد محمود شكري الألوسي الشهير. وقد كتبت إليه مثل الذي كتبه إليّ بباعث القلب، ولكنه سبق كدأبه في السبق إلى كل فضل. وهذا ما كتبه بعد الألقاب، وفاتحة الخطاب: (أما بعد؛ فقد نعت إلينا صحف البلاد الشامية وفاة العلامة السيد جمال الدين القاسمي قدّس الله روحه الزكية، فأمضّ ذلك الخبر قلبي وأفض لبّي، وجرح فؤادي وطرد رقادي. وأحدث لي حزنًا ملازمًا، وألمًا دائمًا، وأورثني قلقًا واخزًا. وانزعاجًا حافزًا. وحيث كان المشار إليه من أعزة أحبابكم، وخُلّص أصفيائكم، مع ما كان عليه من الفضل الوافر، والأدب الباهر، والورع الظاهر، والنسب الطاهر، والذب عن الشرع المبين، وقوة الإيمان واليقين، ومناضلة الحائدين والملحدين، وأنه حسبما اعترف له الموافق والمخالف: أحيا به الله الشريعة والهدى وأقام فيه شعائر الإسلام حكم على أهل العقول يبثها ... منعوتة الأوضاع والأحكام ويريك في ألفاظه وكلامه ... سحر العقول وحيرة الأفهام فإني أعزيك على فقده، وتوسده للحده، ومفارقته لهذه الدنيا الغدارة الخائنة المكارة، فإن نعيمها زائل، وكوكب سعدها آفل، فلا أوجع الله لك قلبًا، ولا كدر لك خاطرًا ولا لبًّا، وللإسلام من طلعتكم الغراء سلوان عمن مضى من الفضلاء، وإنما يجل الرزء إذا قل العوض، ويكبر المصاب إذا عدم الخلف. فأما إذا كنت الباقي، وغيرك الماضي، وصرت الموجود، وسواك المفقود، فالفادحة خفيفة الوقع، مرؤبة الصدع، ويد الدهر فيما نال قصيرة، ومنته فيما ترك كبيرة. هذا مع أسفي عليه كل الأسف، وتصاعد أنفاسي بمزيد اللهف، وقد جرت عليه من العيون عيون، فإنا لله وإنا إليه راجعون. نسأله تعالى أن يديمكم ركنًا للإسلام، ومرجعًا للخاص والعام، ويصونكم من طوارق الليالي والأيام، تذكرة للسلف الأعلام) . اهـ. وأقول: إن مما يعزيني ويعزي هذا الأخ الكريم والمصلح العظيم، الذي لا أستحق بعض ثنائه، ولا ينسيني نقصي كمال إطرائه، أن أخانا الفقيد قد ربّى وعلّم أفرادًا من إخوته وغيرهم يرجى أن يقفوا أثره، ويتلوا تلوه، وإن كان نسيج وحده فتبقى بهم ديار الشام، آهلة إن شاء الله بالعلماء والأعلام، على مدى السنين والأيام. * * * ٥- جرجي بك زيدان قضى الله - ولا راد لقضائه - أن لا نفرغ من رثاء وترجمة رجال العلم الذين فجعت بهم الأمة العربية في هذه السنة في مصر والشام، إلا وقد رزئ القُطران بفجيعة أخرى، فقد فاجأت المنية في التاسعة والعشرين من هذا الشهر جرجي بك زيدان صاحب مجلة الهلال، وأحد أركان النهضة العربية الحديثة، فاجأته كهلاً قد بلغ أشده واستوى، حسن الصحة تام القوى - وقد أتم في هذه الليلة تصحيح آخر كراسة من آخر جزء من أجزاء السنة الثانية والعشرين للهلال، آخر كراسة من كتاب تاريخ العرب. وتنفس الصعداء من تعب ليلة شعر بأنه ألقى عن عاتقه في أولها تعب عشرة أشهر، ثم ألقى نفسه على سريره ليبدأ فيها باستراحة شهرين كاملين، فغاضت نفسه، فإذا هو قد ألقى عنها تعب ربع قرن في الجهاد العقلي كان هو القاضي على مادة ذلك الدماغ الذي يشبه معملاً من معامل الكهرباء، في السرعة والنور والحرارة والضياء، والمقوض لدعائم تلك الحياة الحميدة، حياة الجد والعمل والعفة والاستقامة. فإذا كان الجهاد العقلي قد صرع أحمد فتحي باشا زغلول والأستاذ القاسمي بعد مرض طويل أو قصير، فقد صرع جرجي بك زيدان من غير مرض ولا شكوى. فقدت الأمة العربية بهذا الرجل ركنًا من أركان نهضتها الحديثة في العلم والأدب، بعد أن نضج علمه، واتسعت معارفه، وكملت تجاربه، وصار أقدر على إتقان خدمتها، ومساعدة نهضتها. نشأ الرجل عصاميًّا، فقد ولد في أواخر سنة ١٨٦١م من أبوين فقيرين أميين، ولكن يظهر أنه كان له في الأرومة العربية عرق راسخ، فقد بحث عن أصل بينهم - وكان يسمى بيت مطر - فانتهى به البحث إلى ترجيح كونه من عرب حوران، وكان يظن أنه كأكثر الروم الأرثوذكس في سوريا من بني غسان. تلقى مبادئ القراءة والكتابة في بعض مكاتب بيروت الابتدائية. وكان يشتغل مع والده في مهنته لأجل المعاش؛ ولكن استعداده للعلم وعشقه للمدارس كان قويًّا جدًّا، فكان يختلف إلى بعض المدارس الليلية، يتعلم فيها اللغة الإنكليزية. ويبحث عن رجال العلم والأدب ويتقرب إليهم، وانتظم مع طائفة من خيارهم في سلك جمعية شمس البر الأدبية، فازداد حبًّا للعلم ورغبة في طلبه، وكان بعض من آنس فيه الاستعداد من أهل العلم يقرأ له دروسًا خاصة يستعد بها لدخول القسم الطبي من المدرسة الكلية الأمريكانية الشهيرة ببيروت، وبعد تحصيل قليل أدى الامتحان ودخل المدرسة فكان يتعلم فنون الصيدلة ويؤدي بعض الخدمة لأجل المعاش؛ ولكنه ترك المدرسة في أثناء السنة الثانية لما كان عرض فيها من الاختلال الداخلي المعروف. وقصد بعد ذلك الديار المصرية ليتم دروسه في مدرسة القصر العيني فلم يتح له ذلك؛ بل دخل في طور العمل والكسب. إن كثيرًا من النابغين لم يقيموا في المدارس زمنًا طويلاً، ومن الثابت بالاختبار أن طول الإقامة في المدارس تضعف ملكة الاستقلال، فيخرج الطالب بعده مقلدًا جامدًا على ما أطال درسه ومزاولته. فإن كانت سعة العلم لا تحصل إلا في الوقت الواسع، فالواجب أن يكون أطول زمن التحصيل خارج المدرسة لا داخلها، وفي أثناء العمل بالعلم، لا في أثناء تلقي نظرياته ومصطلحاته. ورُبَّ ذكي أو مجتهد يحصّل من مسائل العلم في سنة ما لا يحصله غيره في سنين كثيرة وما تحصيل المدرسة إلا دلالة على طريق العمل بالعلم، فمن يطلب العلم فيها لأجل الاستعانة به على العمل بعد الخروج منها، فربما يكفيه القليل من العلم، فيجعله أهلاً للعمل الذي لا يكمل العلم إلا به. وأما من يطلب العلم لأجل نيل شهادة مدرسية يتوسل بها إلى رزق لا يتوقف على دوام الاشتغال به والارتقاء فيه، فهجرته إلى ما هاجر إليه، فهو يحصل ورقة الشهادة، ولكنه قلّما يكون عالمًا عاملاً بعلمه مرتقيًا فيه. وناهيك إذا كان طلبه للعلم بإرادة ولي أمره، لا بإرادته الذاتية ورغبته. أما فقيدنا اليوم فقد كانت نفسه العصامية هي الحافزة لهمته والباعثة له على طلب العلم، وكان يقصد من العلم أن يعمل به فيفيد مالاً وجاهًا يكون به في مقدمة أمته لا في ساقتها. ولذلك حصل بجده وقوة إرادته في الزمن القليل ما مكنه من العمل الذي عجز عن مثله مَن هم أكثر منه تحصيلاً، وأوسع في العلوم والفنون عرفانًا. وأمّا إذا اتفق لمثل صاحب هذه الهمة والإرادة تحصيل المقدمات تامة من أول النشأة، فإن عمله يكون أقوم، وسيره فيه يكون أسرع وأتم. اشتغل الفقيد عقب هجرته إلى مصر بالتحرير في جريدة يومية اسمها الزمان نحوًا من سنة، ثم سافر مع الحملة النيلية الإنكليزية إلى السودان مترجمًا في قلم المخابرات، وشهد بعض وقائع الحرب في السودان، ومكث هنالك عشرة أشهر، ثم عاد وسافر إلى سورية فاشتغل فيها مدة بدراسة اللغتين العبرانية والسريانية، ثم إلى بلاد الإنكليز، ثم عاد إلى مصر فندبه أصحاب المقتطف إلى مساعدتهم في إدراته فتولاها سنة وأشهرًا، ثم استقال منها وانصرف بكل همته إلى التأليف فألف تاريخ الماسونية ومختصر التاريخ العام وتاريخ مصر الحديث. ثم تولى إدارة التعليم بالمدرسة العبيدية سنتين. وفي أواخر سنة ١٨٩٢ ميلادية أنشأ مجلة الهلال، وجعل جل عنايته فيها بالتاريخ والأخبار العلمية، وجعل لها ذيلاً من القصص (الروايات) الغرامية الممزوجة بتاريخ الإسلام، فظهر من خطته فيما ينشئ وينقل أنه من أقدر من اشتغل بالصحف العربية والتأليف في هذا العصر، أو أقدرهم على جذب جمهور القراء إلى ما يكتب، بمحاولة جعل ما يكتبه لذيذًا سهل الفهم، كالطعام اللذيذ سهل الهضم، وكان يختار في كل وقت ما يناسبه، وفي كل حال ما يلائمه، فإذا ألمّت ملمة، أو حدثت حادثة مهمة- كالحروب ومشاكل الدول وموت الملوك والكبراء - بادر إلى كتابة ما يتعلق بذلك من مباحث التاريخ القديم والحديث، مزينًا له بما يتعلق به من الصور والرسوم. وكان سلمًا نزيه القلم، يتقي كل ما يثير غضب أصحاب المذاهب الدينية، والأحزاب السياسية، ولكنه لم يسلم مع ذلك من اتهام بعض سيئي الظن من المسلمين والنصارى، فقد اتهمه بعض الأولين بتعمد الطعن في الإسلام بفرية يفتريها، أو دسيسة يدسها، وكانوا يستدلون على ذلك ببعض الأغلاط التي وقع فيها، أو تصوير بعض المسائل بغير الصورة التي يعرفونها، لفهمها بغير الصفة التي يفهمونها، ورد عليه بعض هؤلاء في المؤيد. وطالما رددت على بعضهم مبرئًا له من سوء القصد، لما لي فيه من حسن الظن. وأشرت إلى ذلك في المنار غير مرة. وقد حدثني أن بعض سيئي الظن من النصارى قد اتهمه بضد ما يتهمه به بعض المسلمين: اتهموه بمصانعة المسلمين ومحاباتهم، ومدح الإسلام والمسلمين تقربًا إليهم لأجل الكسب منهم. ولا يسلم من ألسنة الناس أحد، كيف وقد كفروا بالواحد الأحد، الفرد الصمد، سبحانه وتعالى. نعم إنه قد ظهر منه بعد الانقلاب العثماني نزعة جديدة، تقدمتها نزغة عدت إحياء لمذهب الشعوبية: ذلك بأنه زار الآستانة ولقي فيها بعض زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ثم عاد متشبعًا بالنهضة التركية، مستنكرًا مجاراة العرب لإخوانهم الترك بالقيام بنهضة عربية، مستصوبًا خطة الاتحاديين الأولى من تتريك العناصر وإدغام العرب في الترك. وقد كتب في الهلال ما يشعر بهذه النزعة، فهاج ما كتبه جماعات فتيان العرب في الآستانة وسورية، وكادوا يحملون عليه في الصحف ردًّا واحتجاجًا؛ ولكن حالت دون ذلك معارضة مسموعة مقبولة. وأما النزغة التي سبقت هذه النزعة، فهي مطاعن للفقيد في العرب أودعها في تاريخ التمدن الإسلامي فطن لها أخيرًا من لم يكن يحفل بها. وزادهم التفاتًا إليها ترجمة جريدة (إقدام) التركية لتاريخ التمدن الإسلامي ونشره فيها بالتتابع. فتشاور كثير من الشبان المتعلمين في الرد على هذا التاريخ ولم يظهر منهم شيء. ثم اتفق أن انبرى للرد عليه في هذه المسألة الأستاذ الشهير الشيخ شبلي النعماني من أشهر علماء الهند وأوسعهم اطلاعًا في التاريخ. وكتب إلينا هذا الأستاذ الكبير وهو صديقنا وصديق فقيدنا المردود عليه يخبرنا بما شرع فيه من الرد، ويقترح علينا أن ننشر رده في المنار، ولما كنا نعهد من الفقيد تلقي الانتقاد عليه بسعة الصدر؛ بل عهدنا منه مطالبة الكتاب بهذا الانتقاد - ونعلم أن الأستاذ الشيخ شبلي النعماني صديقه - ونرى أن تمحيص هذه المسألة أصبح ضروريًّا - بادرنا إلى نشر الرد من غير أن نقرأه؛ بل نشر في أثناء رحلتنا الهندية، ثم قرأناه بعد عودتنا من الهند وعمان والعراق وسورية، فرأيناه فوق ما كنا نظن من شدة الرد، ورمي الفقيد بسوء القصد. وكنا علمنا من المنتقد عند لقائه في الهند أنه كان يرى بعض الغلط في تاريخ التمدن الإسلامي وغيره من مؤلفات صاحبه فيحمله على الخطأ أو سوء الفهم، ولكنه لما قرأ مجموع طعنه في العرب جزم بأنه صادر عن سوء قصد. فهذا سبب شدة حملته عليه، على ما كان من مودته له. وقد كتبنا مقدمة لانتقاد الشيخ شبلي إذ طبع على حدته بينا فيها ذلك، وإننا لو اطلعنا على ما فيه من الشدة قبل نشره، لراجعنا الكاتب فيه واستأذناه بحذف الطعن الشخصي منه، وقد نشرنا تلك المقدمة في المنار تعزيزًا لدفاعنا السابق بالقلم واللسان، عن رجل عددناه صديقًا لنا، وعضوًا نافعًا في أمتنا، على أننا لم نسلم مع ذلك من سوء ظنّه فينا: ثقلت وطأة رد الشيخ شبلي النعماني على الفقيد لشدته؛ ولأنه كان يعده من أصدقائه، وأثنى عليه غير مرة في هلاله، فلم يصدق أولاً أنه هو المنتقد، واتهمنا بذلك، وكتب إلى الشيخ شبلي كتابًا ذكر فيه ذلك، راجيًا أن يكتب إليه متنصلاً منه ليبين ذلك في الهلال، ويظهر أن النقد لصاحب المنار! ! وقد أطلعني الأستاذ الشيخ شبلي على كتابه ذاك في (لكهنؤ) أيام كنت فيها، ورأيته متعجبًا منه، فكان عجبي أشد من عجبه. وقد ذكرت للفقيد ذلك معاتبًا، فكان حقي عليه في سوء ظنه بي، أكبر من حقه علي في نشر النقد - وقد نشر في غيبتي. وقد اتفق لي مثل هذا مع كاتب سوري آخر، كانت حقوق الصحبة بيني وبينه أقوى منها بيني وبين جرجي بك زيدان، وكنت أثني عليه للأستاذ الإمام وأستميله لمساعدته، فكتب إلى الأستاذ كتابًا يطعن بي فيه، ويتهمني بتنفير الأستاذ عنه، والطعن فيه عنده، فتعجب الأستاذ من أمري وأمره! ! أما مؤلفاته فهي مطبوعة مشهورة وهاك أسماؤها: ١- التاريخ العام. ٢- تاريخ مصر الحديث، جزآن. ٣- تاريخ التمدن الإسلامي، خمسة أجزاء. ٤- تاريخ العرب قبل الإسلام، جزء واحد. ٥- تاريخ الماسونية العام، جزء واحد. ٦- تاريخ اليونان والرومان، جزء واحد صغير. ٧- تاريخ إنكلترا والرومان، لم نره. ٨- تاريخ اللغة العربية، لم نره. ٩- تاريخ آداب اللغة العربية (٤) أجزاء. ١٠- الفلسفة اللغوية، جزء صغير. ١١- أنساب العرب القدماء، جزء صغير. ١٢- علم الفراسة الحديث، جزء صغير. ١٣- طبقات الأمم، جزء صغير. ١٤- عجائب الخلق. (١٥- ٣٦ قصص (روايات) منها (١٨) قصة تتعلق بتاريخ الإسلام وثلاث تتعلق بتاريخ مصر، وواحدة غرامية محضة. وأما أخلاقه وشمائله فقد كان أديب النفس، نزيه اللسان والقلم، بشوش الوجه معتصمًا بحبوة الجد، متنزهًا عن اللغو والعبث، محبًّا للنظام، حفيًّا بالأهل، وصولاً للرحم، محبًّا للقريب. ورأيي فيه أن عقله كان أكبر من عمله، ومن فضل عقله على علمه حسن اختيار ما كان يكتب، وحسن ترتيبه وتبويبه، فقد كان في هذا - وهو من ثمرات العقل - أبرع منه في تحرير المباحث وتنقيحها، وتمحيص الحقائق بالقول الفصل فيها. وسبب ما انتقد وما ينتقد من الغلط على كتبه بحق، هو أنه كان يقدم على الكتابة في مباحث لم تسبق له دراستها، معتمدًا على مراجعتها من مظانها عند الحاجة إليها، ومن كان يكتب المقالة في يوم أو أيام أو ساعة أو ساعات؛ لأجل أن تنشر في مجلة شهرية، ويؤلف الكتاب في عدة أشهر؛ لأنه وعد بنشره في وقت معين من السنة، قلما يستطيع أن يجمع بين المواد وتنسيقها وترتيبها، وبين تمحيص الحقائق فيها وتحريرها. ولعمر الإنصاف أنه ليقل من يستطيع كتابة تلك الكتب في مثل الزمن الذي كتبها فيها مصنفها، وهل وجد في أمتنا كثير من أمثال من فقدته اليوم؟ وقد ترك للأمة ما يعزيها عنه - تلك المصنفات الجامعة بين الفائدة واللذة، ونجله النجيب أميل زيدان الذي أحسن تعليمه وتربيته. وقد رأى قراء الهلال من آثار قلمه فيه، ما يبشر باستمرار بزوغه عليهم ما داموا مقبلين عليه موازرين له، (ولا غَرْو أن يحذو الفتى حذو والده) .