للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(رمضان - المنكرات فيه)
هو شهر الصيام، والتلاوة والقيام، والإقبال على الله، والإعراض بقدر
الإمكان عن سواه، وإن تأثيره ليظهر في جميع بلاد المسلمين بترك معاهد اللهو
والعكوف في المساجد وتغيير العادات، إلا أن هذا التأثير في هذه المدينة (القاهرة)
أضعف منه في سائر بلاد الإسلام فيما أعلم وأظن إلا ما تمتاز به من كثرة المرتلين
للقرآن في البيوت ترى أكابر العلماء في غير القطر المصري قد انتدبوا فيه لقراءة
الدروس الدينية وإلقاء المواعظ المؤثرة منتشرين في المساجد وترى مساجد القاهرة
التي عدد علمائها يزيد على عدد العلماء في كل مدينة سواها خالية منهم إلا قليلاً
كالمسجد الحسيني والمسجد الزَّينبي، وأكثر من يتصدى للوعظ الجاهلون الذين
يغرون الناس بالأماني ويقصون عليهم القصص الخرافية والأساطير الوضعية،
وفي كل سنة نذكر الشيخ عليًّا الببلاوي شيخ المسجد الحسيني بوجوب منع هؤلاء
القصاصين منه، ولعله يفعل في هذا العام كما يفعل شيخ الأزهر في المسجد
الزينبي لا يأذن لأحد بالوعظ فيه إلا إذا وثق بعلمه.
إذا كانت معاهد العلم والإرشاد ليست عامرة في القاهرة فلا عجب إذا عمرت
معاهد اللهو والفسق حتى في رمضان فقد اطلعنا منذ أيام على (إعلان) ينشر في
الطرق والشوارع فإذا فيه أن زعيمًا من زعماء الملاهي قد استحضر مغنية شهيرة
وراقصة بارعة لأجل إحياء ليالي رمضان الشريف! ! ! ولو بقي عند هؤلاء
المسلمين الجغرافيين الذين يخربون بيوتهم بأيديهم ليعمروا بيوت أعدائهم بقيةٌ من
الغيرة الملية والشهامة الإسلامية لكافأوا هذا المستهين بهم والمستهزئ بدينهم
بالإعراض عن قينته وراقصته وإن لم يتوبوا عن الفسق توبة نصوحًا.
***
(الجرائد ورمضان - أو - المنار والمنارات)
سمعنا من بعض أصحاب الجرائد المنتشرة الشكوى من بخل رمضان عليهم
وهو أبسط الشهور في الإنفاق يدًا وأكثرهم في التوسع مددًا، ولكن هذا البَسْطُ هو
السبب في ذلك القبض أعني قبض الأيدي عن دفع اشتراك الجرائد؛ لأن الناس
يحبون الإنفاق في رمضان على المآدب لا على الآداب وفي القربات الدينية، لا في
الكربات السياسية، ولهذا لم يكن المنار من الشاكين وإنما هو من الشاكرين؛ لأن
حظَّه في رمضان كحظ أخواته منارات المساجد كما أن وظيفته كوظيفتهن، كل
منهما وضع لدعوة المسلمين إلى الصلاة والصيام، وكل يزيد مدده في هذه الأيام،
أما المنارة فمددها الزيت والقناديل، وأما المنار فمدده الدراهم والدنانير، وحق
المنار آكد وأثبت من حق المنارة؛ لأن دعوته عامة تشمل العقائد والأخلاق،
ودعوتها خاصة بالصلاة والصوم، ودعوته يسمعها الألوف، ودعوتها يسمعها نفر
قليل، ودعوته مؤيدة بالبرهان، ودعوتها تذكير مجرد لأهل الإذعان، ودعوته
متوقفة على مدد القراء. ودعوتها لا تتوقف على الزيت ولا الكهرباء. ولهذا كان
إمدادها هذا منتقداً عند المتورعين، وترك إمداده منتقدًا عند المتدينين، وقد سبق
إلى العمل بهذا الحكم أهل المنصورة والسنبلاوين، وستتلوهم الفيوم وشبين،
اللهم آمين.
***
(بدعة جديدة في مسجد جديد)
جدد ديوان الأوقاف مسجدًا من المساجد المدعثرة في الفيوم وقد احتفلوا
بافتتاحه في يوم الجمعة الماضية بالصلاة فيه، وكان الاحتفال بعد الصلاة وسماع
خطبة الخطيب الخرافية التى مدح واضعها فيها المسجد مدحًا استنبطه من حروفه.
ويا لله كيف يرضى المسلمون بأن يقول خطباؤهم مثل هذا الكلام اللغو الذي أمر الله
تعالى بالإعراض عنه كما أمر بالاستماع للخطبة حتى إن حاضر مثل هذه الخطبة
لا يدري أهو مطالب بأن يكون ممّن قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ} (المؤمنون: ٣) وقال فيهم: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْه} (القصص: ٥٥) ؟ أم هو مطالب بامتثال قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} (الأعراف: ٢٠٤) على قول المفسرين أنها نزلت في
الخطبة؟ أما كون ذلك من اللغو فيعرفه العاميّ إذا لاحظ أن كل حرف يكون مبدأ
كلمات تدل على معاني شريفة وكلمات تدل على معاني خسيسة؛ فالدال أول
حرف من كلمة الدين والدعاء والدراية، وكذلك هو أول حرف من كلمة الدنس
والدناءة والدعارة.
ثم قام خطيب الاحتفال بعد الصلاة وقال: (أفتتح المسجد باسم الخديو) إلخ
ثم مضى في كلامه والناس تصفّق له لا سيّما عند ذكر الأمير حتى كأنهم انقلبوا عن
الإسلام إلى عبادة الجاهلية التي نزل فيها قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ
البَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} (الأنفال: ٣٥)
والتصدية هي التصفيق، فليعلم الغافلون أن بيوت الله تفتتح بسم الله والخشوع له
وتجتنب فيها عبادات الجاهلية، وبدع المدنية، فمن كان مخلصًا لسلطانه وأميره
فليدع الله تعالى فيها بأن يصلح شئونهما ويوفقهما لما فيه خير المِلّة والأمة، وليعلم
أنها بيوت يستوي فيها المأمور والأمير في الخضوع لله العليّ الكبير.
***
(استشارة في أمرٍ ذي بالٍ)
رأى القراء فيما قرأوه من مباحث جمعية أم القرى في الاجتماعات الستة
أن كل ما ذكره أعضاؤها من أسباب فتور المسلمين وضعفهم يرجع إلى الدين
والشئون الاجتماعية والسياسية العامة، وفي الاجتماع السابع الآتي تفصيل أسباب
الفتور في سياسة الدولة العثمانية وإدارتها وهي عشرون سببًا.
وقد كنا ذكرنا عند التنويه بسجل الجمعية وذِكْرِ العزم على نشره في المنار أن
ما فيه من القول بسيئات الدولة العلية يؤلم أكثر القارئين، وإننا نختار حذفه عند
الوصول إليه. ولكنا رأينا كثيراً من الناس يُفَنِّدُ هذا الرأي ويقول إن قراء المنار
كلهم أو جلهم من خواص الناس وأهل الفضل الذين يزيدهم العلم بعيوب دولتهم
حرصًا على بقائها وسعيًا في إصلاح حالها إن استطاعوا فيجب أن لا يحرموا من
الاطلاع على الآراء والمباحث التي دُوِّنَتْ في سجل الجمعية. فلم يقنعنا هذا القول
تمام الإقناع وأحببنا أن نستشير قراء المنار الآخرين فمَنْ كان يرى نشر السجل
بُرمته وذِكْر كل ما فيه عن الدولة والترك فحسبه سكوته دليلاً على رأيه. ومن كان
يرى وجوب حذف ما ينتقد على الدولة فعليه أن يذكر لنا رأيه قولاً أو كتابة وإننا
لنرجح هذا الرأي إذا كان عليه عُشر المشتركين ولا يصح لمن يسكت قبل النشر أن
يلوم بعده.
* * *
(أشهر مشاهير الإسلام)
صدر الجزء الثاني من هذا الكتاب في سيرة سيدنا عمر بن الخطاب
- رضي الله تعالى عنه - وفيه أبواب من العبرة واسعة، ومباحث في التاريخ
والسياسية الإسلامية نافعة، منها بحث (حكم الإسلام في المسيحيين وحكم
الأوربيين في المسلمين - ومنه يعلم أي الفريقين أعدل - وبحث الردة وحقيقتها.
وبحث كون دمشق كانت قاعدة الغسانيين أوكون سوريا كانت وطنهم. وبحث
شجاعة المسلمات ومساعدتهن للرجال في الفتوح، وبحث الحكم النيابي
والشورى في الإسلام، وبحث الاستعمار، وأبحاث تدوين الدواوين وترتيب العمال
وضرب النقود ووضع البريد والحكومة العسكرية والحكومة القانونية وبيت المال،
وغير ذلك مما يؤخذ من سياسة سيدنا عمر وسيرته العادلة التي تضرب الأمم بها
الأمثال، ناهيك بذكر الوقائع والفتوح والقضاء. وإننا نشكو من كثرة أغلاط
الطبع فيه ولكننا واقفون على سببه وهو أن معظم الكتاب طبع ومؤلفه (رفيق بك
العظم) غائب في الشام ولما علم منع إصداره حتى استخرج له جدولاً أحصى فيه
الأغلاط وألحقه به، ولولا ذلك لصدر من بضعة أشهر. وصفحاته تزيد على
٣٠٠ وثمنه ١٠ قروش صحيحة، وأجرة البريد قرشان، وهو يُطلب من إدارة
مجلة المنار بمصر ومن المكاتب المشهورة.