للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة المجلد الثلاثين

بسم الله وبحمده نختتم المجلد الثلاثين من المنار كما بدأناه، وقد تمكَّنا بحول
الله وقوته من إصداره في سنة كاملة، إذ جعلنا شهري الراحة فيها متفرقين لا
متصلين كعادتنا، واستدار الزمان فعدنا إلى جعل صدور المجلة في السنين الهجرية
القمرية كما كان من قبل، فلا محل لشكوى أحد من قرائه بتأخير صدور بعض
أجزائه، وعسى أن لا ينسى المقصرون منهم في أداء حقه ما يجب عليهم منه،
وأن يتقوا الله فيه، وأن يفكروا فيما نبذله من حياتنا وصحتنا ومالنا في سبيل هذه
الخدمة، وأن لا يرضى المفكر في ذلك أن يكون هو الهاضم لحق العامل، المعرقل
للعمل بالباطل، ولا أن يكون غيره من القراء المؤدين لما وجب عليهم خيرًا منه ...
وقد بدا لنا في أواخر هذه السنة أن نجيب الملحين علينا بوجوب الإسراع في
إنجاز تفسير المنار إلى اقتراحهم، فأكثرنا منه في الأجزاء الأخيرة حتى كان أكثر
من ستة أعشار هذا الجزء منه، فإن كان قد نُشر نصف الجزء العاشر من التفسير
في سنتين ونيف، فالمرجو أن يتم النصف الثاني منه في هذا العام وحده الذي
يصدر فيه المجلد ٣١، وقد سبق لنا الوعد للمقترحين بعزمنا على اختصار التفسير
من أول الجزء الحادي عشر، ونرجو حينئذ أن يوفقنا الله تعالى إلى كتابة تفسير
جزءين في كل عام.
وسيكون أهم مواد المجلد الآتي بعد التفسير إتمام تحرير مسألة الربا التي
كانت وما زالت أعقد مسائل الأحكام المدنية في الإسلام، وقد عمَّ الحرج والبلوى
بها جميع المسلمين في جميع الأمصار، ولدينا كثير من المسائل المهمة في باب
الفتوى أرجأنا الإفتاء فيها على إلحاح مرسليها بها، وسنجيب عنها إن شاء الله
تعالى ونقدم أهمها فأهمها.
ولدينا بعد إتمام مقالات (المساواة بين النساء والرجال) التي من فروعها
مسألة السفور والحجاب - محاضرتنا التي ألقيناها في شهر رمضان في مسألة
(التجديد والمجددين) وهي مهمة جدًّا ألقمنا فيها أدعياء التجديد الإلحادي الحجر،
وكان لمجددي الإصلاح الإسلامي بها الظفر، وقد حضرها بعض علماء أوربة من
المستشرقين فاستحسنوها، وشهدوا لنا بالاعتدال فيها.
وسيرى القراء فيه ردًّا على بعض الجامدين على التأويل والتقليد من الشيوخ
المعاصرين، إذ تصدى منهم شيخ تركي شايعه آخر مصري لتشويه مذهب السلف
والطعن في بعض كبار حفاظ السنة، وفي المهتدين بها في هذا العصر؛ لأن هذا
أضر على الإسلام من طعن المبشرين والملحدين فيه.
وقد اضطررنا هذا في هذا العام إلى الرد على كتاب آخر جديد من كتب شيعة
سورية ولبنان بما حرَّف فيه من آي القرآن، للطعن الفظيع في جميع من رضي
الله عنهم من المهاجرين والأنصار، ورميهم بالجبن وخذلان الرسول ونكث ما
عاهدوا الله عليه، والغلو في علي كرَّم الله وجهه، بجعل المنة له وحده في حياة
الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وبقاء الإسلام، إذ أقسم أغلظ الأيمان بأنه
لولاه لقُتل النبي صلى الله عليه وسلم في حنين، ولذهب الإسلام وأطفئ نوره
بالرغم من وعد الله تعالى بإتمام نوره، وإظهاره على الدين كله، ونصر رسوله ...
إلخ.
وقد اطلعنا في مجلة العرفان على رد علينا للسيد عبد الحسين صاحب هذا
الكتاب وهذه اليمين، أخلف فيه ما كنا نظنه فيه من النزاهة وحسن الآداب في الرد
وامتيازه فيه على خصمنا القديم السيد محمد محسن، فإذا هما سيان في المراوغة
والمراء والمجادلة في الحق بعدما تبين، وفي القذع والسباب، والنبز بالألقاب،
ولو رأينا في ردودهما شيئًا من الاعتراف ولو ببعض الحق، والتزام الصدق،
لدخلنا معهما في المناظرة وحكَّمْنَا لجنة من أهل العلم واستقلال الرأي فيها، وإنما
نقول مع الأسف والحزن: إنهما ليسا أهلاً لذلك؛ لأن المقلد المتعصب الذي تربى
على الجدل والتأويل لا يطلب الحق في شيء من جدله، والله إنه ليعز علينا أن
يكونا كذلك، وإن الشاب الشيعي الأستاذ مصطفى جواد أحد محرري مجلة لغة
العرب، لأدنى منهما إلى مراعاة قوانين العلم والأدب على تعصبه للمذهب، وقد
انتقد الجزء التاسع من التفسير في تلك المجلة بما سنراجعه وننصفه فيه عند سنوح
أول فرصة إن شاء الله تعالى، فإننا إنما لمحناه في أثناء مرضنا لمحًا.
أنا لا أجادل فيما أنكر السيد محسن على السيد الآلوسي في مسألة فتاوى
المهدي المنتظر، ولا في المتعة الدورية التي هي أقبح فضائح البشر؛ ولكنني
أتحداه وأتحدى مجلة العرفان بأن ينشرا فيها صورة الكتاب الذي يزعمان أن السيد
محمود شكري الآلوسي قرَّظ فيه كتاب السيد محمد بن عقيل (النصائح الكافية) ...
بعد أخذها عن الأصل (بالزنكوغراف) فإننا نعرف خط السيد محمود، ونعلم أنه
كان لا يداهن ولا يتكلم إلا بالحق.