للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قليل من الحقائق عن تركيا
في عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

(تابع مالية الدولة)
بقي علينا مما نسرده على القراء من تحويلات القروض العثمانية سردًا سريعًا،
الكلام على مشروع قد تقرر مبدئيًّا، ولاشك أنه لا يمضي عليه زمن حتى يتم
إنفاذه، وهو إصدار سهام لقرض قدره خمسة ملايين جنيه إنكليزي، ربحها ثلاثة
في المائة، وأجر استهلاكها واحد في المائة، ستتمكن به الحكومة العثمانية من شراء
سهام الدين الموحد (وهي سهام إيصال خطوط حديد الرومللي بأوروبا المركزية)
وقدر هذا الدينَّ ٨١٠٠٠٠ جنيه إنكليزي. وتتمكن أيضًا من شراء مدرعتين من
مدرعات الدرجة الأولى من أوروبا بمبلغ ١٤٠٠٠٠٠ جنيه إنكليزي، ولما كانت
السهام المصدرة بثمن ٦٠ (في المائة) سيحصل منها ٣٠٠٠٠٠٠ جنيه إنكليزي،
فسيبقى للحكومة العثمانية من هذا المبلغ ٧٠٠٠٠٠ جنيه إنكليزي، حددت الدفعة
السنوية لهذا القرض بمبلغ ١٧٣٠٠٠ جنيه إنكليزي، وهذا في مقابلة مبلغ ٨٧٠٠٠
جنيه إنكليزي كان يطلب ربحًا للقرض الموحد، ومبلغ ٨٦٠٠٠ جنيه إنكليزي كان
ينتج من احتكار التنباك الذي كان منح لأصحاب هذا القرض من سنتين (من تاريخ
تأليف الرسالة) وبدئ بالعمل به.
قد رأى القارئ فيما سلف أن الأمر العالي الصادر في ٢٠ ديسمبر منح لحاملي
السندات التركية تلكم الأجزاء من الدين العمومي التي ألزمت بها معاهدة برلين كلاًّ
من حكومة البلغار واليونان والجبل الأسود والصرب، ولكن أوروبا قد تساهلت
مع هذه الحكومات، ولم تلزمها بأداء ما فرض عليها مع أن الحكومة العثمانية قامت
بما فرض عليها في تلك المعاهدة بصدق أضاع كثيرًا من منافعها، وهذا يدل دلالة
واضحة على عدم ثبات الدول التي كان لها نواب في مؤتمر برلين، ولولا ذلك لما
رضيت قط بنقض تلك الحكومات الصغيرة ما أبرمته الدول الكبرى، ووقّع عليه
نوابها.
سيتضح للقارئ مما نورده عليه بالاختصار من أجزاء الدَّين التي ألزمت به
الحكومات المذكورة، وما عرضته الحكومة العثمانية من طرق تسديدها عرضًا
رسميًّا، ومما في هذه الطرق من أمارات العدل ودلائل الإنصاف - أهمية حل
هذه المسألة السيئة بالنسبة لتركيا ودائنيها، وما ظهر فيها من اعتدال لحكومة جلالة
السلطان ظهورًا واضحًا، حكومة البلغار مدينة لخزينة الحكومة العثمانية - بحسب
الأرقام المأخوذة من مصلحة الدين العمومي -بمبلغ إسمي قدره ١٠٨٨٨٥٢٨
جنيهًا مجيديًّا فائدته واحد في المائة، فما يدفع من الفائدة مسانهة يكون ١٠٨٨٨٥
جنيهًا مجيديًّا، وهذا المبلغ (الفائدة) هو الذي كان من الضروري تأصيله، إذا
اعتبرنا أن متوسط سعر ربح سهام الحكومات في أوروبا أربع في المائة، نستفيد أنه
لا يبقى على البلغار شيء مما لزمها من الدين بعد نهاية المدة المقررة لدفعه؛ فإن ربح
الدفعة السنوية من رأس المال الواجب عليها هو أربع في المائة، والمدة المقررة
لاستهلاك المال مائة سنة، ففي هذه الأحوال يكون المبلغ اللازم لتعويض الدفعة
النسوية وهي ١٠٨٨٨٣ جنيهًا مجيديًا هو ٢٦٦٧٢٤٠ جنيهًا مجيديًا، فإذا سلمنا أن
حكومة البلغار لا يتيسر لها الحصول على هذا المبلغ بفائدة أقل من ست في المائة بشرط تسديده في ٢٥ سنة، لكان ما تدفعه مسانهة هو ٢٠٨٦٥٠ جنيهًا مجيديًا،
وجدت الحكومة المذكورة في هذا التدبير مزايا عظمى من حيث تقوية الثقة بها،
والحصول على الوفور المهمة الناتجة لها من المبلغ التي هي مدينة به للحكومة
العثمانية، هذه المزايا كان من شأنها أن تحملها على المشاركة في إنقاذ ذلك
المشروع، وفي الحقيقة لو أن حكومة البلغار كانت تسير في دفع القسط الواجب عليها
من الدين مسانهة على طريقة الحكومة العثمانية في الدفع (وهو الذي يجب عليها أن
تفعله) لاضطرت في هذه الحالة أن تدفع في كل سنة مبلغ ٥٤٤٤٢٥ جنيهًا مجيديًّا،
وذلك بسبب زيادة هذا القسط تدريجيًا إلى ٥٠ في المئة على حسب زيادة
الواردات المتنازل عنها للدائنين، وفوق ذلك ما كان يتيسر لها أبدًا أن تعرف
المبلغ الذي كان يجب أن يحتسب لخزينتها من قبل أن تسدد الدين كله، فإذا
تحامينا خطر احتمال ما قد يعرض من الشك في لزوم دفع ذلك المبلغ في خلال مدة
القرن المقررة لدفع الدين، وقدرنا ما تدفعه حكومة البلغار كل سنة باثنين في
المائة، لكانت دفعتها السنوية ٢١٧٧٧٠ جنيهًا مجيديًّا في مدة مائة سنة، فدفعها
مبلغ ٢٠٨٦٥٠ جنيهًا مجيديًّا مسانهة، مدة خمس وعشرين سنة فقط، هو إذن
تدبيرٌ كله فائدة لها.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))