للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

أسئلة عن الجمعة والتوسل والذكر
وابن تيمية وكتبه مع أجوبتها
(س ٤ - ٩) من معمل السكر في الحوامدية
من محمد أحمد عبد السلام إلى فضيلة مولانا الأكبر محيي السنة ومميت البدعة
معدن الأسرار الربانية وخزائن العلوم الاصطفائية، ووارث الحضرة النبوية، شيخ
الإسلام والمسلمين، وإمام أئمة وقته أجمعين [١] الفاضل السيد محمد رشيد رضا
صاحب مجلة المنار حرسه الله تعالى وفسح في مدته ونفع به المسلمين آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فالرجا إفادتي عن الآتي ذكره ولك الفضل والشكر والمنة.
***
شروط مكان الجمعة
وعدد جماعتها وتقليد الظاهرية فيه
(س ١، ٢) هل صلاة الجمعة تصح داخل المعمل المشهور بفابريقة السكر
عند السادة الشافعية، مع العلم يا سيدي بأن الفابريقة المذكورة في وسط أبنية، فمن
الجانب الأيمن عزبة بناؤها ملصوق ببناء سور الفابريقة، ومن الجانب الأيسر
عزبتان بين الأولى والسور مسيرة دقيقتين وربع، وبين الثانية والسور مسيرة
خمس أو ست دقائق، وبين الجانب الغربي عزبة بينها وبين السور مسيرة دقيقة أو
دقيقة ونصف والعمال مضطرون لأداء الجمعة بالفابريقة من وجهين (الأول) أن
ترك الجمعة كبيرة (الثاني) أنهم لا يمكنهم الخروج لأدائها بالمسجد، وعليه فهل
تصح الجمعة على هذا التفصيل بالفابريقة أم لا؟ وهل يجوز أن يقلدوا قول داود وابن
حزم بأن الجمعة كسائر الصلوات تصح ولو برجل وامرأة لا فرق بين فلاة
وبلد أم لا؟
(ج) شروط مذهب الشافعي في مكان الجمعة أن تكون أبنية فيها جمع تصح
به الجمعة وهو أربعون رجلاً مقيمًا بشروطهم المشهورة في المذهب أو يبلغهم
صوت مؤذن عال في هدو من طرف بلد آخر يليهم، فإذا كانت المباني المتصلة
بمعمل السكر تحوي من أهل الجمعة الذين تنعقد بهم أربعين رجلاً وجبت عليهم
وصحت منهم.
والواجب في الأحكام الاجتهادية أن يعمل كل مكلف بما قام عنده الدليل عليه
منها، فإن عجز عن معرفة الدليل قلد من وثق بعلمه ودينه من أهل الاستدلال
الأحياء أو الأموات. وداود بن علي وعلي بن حزم من أئمة الظاهرية منهم، وما
روي عن الظاهرية من أن صلاة الجمعة كصلاة الجماعة تصح من اثنين فأكثر
رواه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري عنهم وعن النخعي عن أئمة التابعين
والحسن بن يحيى. ويقرب منهم قول أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة
باشتراط اثنين مع الإمام، وقول أبي حنيفة باشتراط ثلاثة مع الإمام، وقال بهذين
القولين آخرون من المجتهدين، ولكن الحنفية يشترطون إقامة الجمعة في مصر تقام
فيه الأحكام الشرعية. والتحقيق أنه لم يثبت في عدد الجمعة حديث، ولذلك قال
هؤلاء بأن جماعتها كسائر الجماعات.
***
حكم أكل عمال معمل السكر
منه وركوب مركبات الترام
(س ٣) هل يجوز لعمال معمل السكر أن يأكلوا من سكره شيئًا أم لا؟ وهل
الركوب في مثل الترام والسكة الحديد جائز أم لا؟ مع العلم بأن أكل الآكل أو
ركوبه لا يضر المصلحة بشيء، وأصحابهم كفار، أفيدوا هل ذلك حرام أم
حلال؟ .
(ج) هذه المسألة يُعمل فيها بالعرف؛ فإذا كان المعهود المعروف عند
أصحاب المعمل أن العمال يأكلون منه ويرضون بذلك فلا هم ينهون العمال ولا
العمال يأكلون في حال غيبتهم دون مشهدهم لاعتقادهم أنهم يسمحون لهم بالأكل -
فأكلهم منه حلال وكذلك ركوب مركباته إذا كان معروفًا بلا نكير، ولم يكن من نظام
إدارة المعمل أخذ أجرة منهم على ذلك فلا يحرم ركوبها. فالعرف هو المحكم في
المسألتين والعمدة فيه اعتقاد العامل أنه غير سارق ولا متصرف في متاع غيره
بدون رضاه، هذا إذا كانت مركبات الترام أو السكة للشركة التي يقوم العمال
بشؤونها؛ وإلا فلا شك في عدم رضا أي شركة بركوب الغريب في مركباتها بدون
رضاها، ولا فرق في هذه الأحكام بين المؤمن والكافر، وإنما الفرق بين دار
الإسلام ودار الحرب فأهل دار الحرب الذين لا يلتزمون من أحكام شريعتنا لا يجب
علينا التزام أحكامها في أكل أموالهم برضاهم وإنما يحرم علينا أكلها
بالخيانة والسرقة.
وليعلم أن قول السائل إن أصحاب الشركة كفار أنهم غير مسلمين كما هو
الاصطلاح الشرعي وليس المراد به الإهانة.
***
التوسل بالأنبياء والصالحين
(س ٤) هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الأنبياء أو
الصحابة أو الأولياء، ولو قيل بالجواز أو عدمه فهل من دليل؟ وما رأي
فضيلتكم في رواية البخاري (اللهم بحق ممشاي وبحق الصالحين عليك) وهذا يفيد
جواز التوسل، وما قولكم في حديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم)
هل صحيح أو حسن أو ضعيف أو مكذوب وأين أجده في كتب المحدثين؟ أفتونا
وابسطوا لنا القول؛ حيث إن بلدتنا بخصوص ذلك قامت على ساق ولم نرض ولم
يطمئن قلبنا إلا بفصل قضائك بيننا جعلكم اللهم ملجأ للحائرين.
المعروف عند عامة أهل عصرنا من معنى التوسل أن يعتمد المرء في قضاء
حاجاته من جلب نفع أو كشف ضر أو نجاة في الآخرة من عذاب الله أو فوز بنعيم
الجنة على أشخاص الأنبياء والصالحين وسؤالهم ذلك، أو سؤال الله تعالى
بأشخاصهم أن يعطيه إياه، دون العمل بما جاء به الرسل عن الله من علم اعتقادي
وعمل صالح وهو ما كان الصالحون صالحين باتباعهم فيه.
وهذا التوسل مخالف لأصول الإسلام وهداية القرآن، وجار على قواعد
الوثنية، وتعاليم النصرانية الكاثوليكية، فإن قاعدة الإسلام أن النجاة في الآخرة
وسعادتها ينالان باتباع الرسل فيما جاءوا به من الإيمان، وعبادة الله تعالى وحده بما
شرعه، لا بوجود أشخاصهم، ولا بدعائهم وسؤالهم، والتوسل هو التقرب ولا
يتقرب إلى الله تعالى إلا بما شرعه على لسان رسوله لأنه هو الذي تتزكى به النفس
وتصير أهلاً لرضوان الله تعالى.
قال الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس:٩-١٠)
وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} (الأعلى: ١٤) وقال بعد ذكر دخول الجنة: {وَذَلِكَ
جَزَاءُ مَن تَزَكَّى} (طه: ٧٦) وقال: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم:
٣٩) وأشخاص الأنبياء والصالحين ليست من سعيه ووجودهم لا يزكيه ولا يهدي
باتباعهم قال الله تعالى في صفة من كتب لهم رحمته: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ} (الأعراف: ١٥٧) إلخ ثم قال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ
الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: ١٥٨) وقد ثبت
أن وجود بعض المرسلين لم يكن سببًا لهداية بعض أبنائهم وآبائهم وأزواجهم ولا
لنجاتهم من العذاب الذي عوقب به من كفر بهم كولد نوح ووالد إبراهيم وامرأة لوط
عليهم السلام.
والآيات المصرحة بأن دخول الجنة والنجاة من النار بالإيمان والأعمال كثيرة
جدًّا لا نحتاج إلى التذكير بها.
وأما مقاصد الدنيا فهي منوطة باتخاذ ما سخر الله للناس من أسبابها كأسباب
الرزق من زراعة وصناعة وتجارة وأسباب شفاء الأمراض من أدوية وأعمال
جراحة وأسباب النصر على الأعداء من نظام وإعداد ما يستطاع من قوة، وكل ما
يعجز الإنسان عن تحصيله من طريق الأسباب فلا يجوز له أن يدعو غير الله تعالى
فيه.
وأما الاعتماد في تحصيل ما وراء الأسباب من رغائب أو رفع مضار، وفي
النجاة من النار ودخول الجنة على وجود الصالحين وتوسطهم عند الله تعالى بمجرد
طلب ذلك منهم فهي قاعدة الديانات الوثنية كما تقدم. وقد قال تعالى في صفة يوم
القيامة {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} (الانفطار: ١٩) وأمر
خاتم رسله أن يقول لأمته: {قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراًّ وَلاَ رَشَداً} (الجن: ٢١)
أي ضرًّا ولا نفعًا ولا رشدًا ولا غيره - اقرأ ما بعدها أيضًا وفي معناها آيات.
وجملة القول أن التوسل هو التقرب وإنما يتقرب إلى الله تعالى بما شرعه
على ألسنة رسله لا بأشخاصهم، وباتباع الصالحين في ذلك لا بذواتهم وأن غير
ذلك غير مشروع ومنه ما هو شرك بالله كدعاء غيره بما لا يدعى به غيره كما
فصلناه مرارًا ومنه ما هو ذريعة إلى الشرك، ومنه ما هو معصية.
وما ذكره السائل من عزو: (اللهم بحق ممشاي إليك وبحث الصالحين عليك)
إلى صحيح البخاري خطأ فهو ليس من رواية البخاري كما قال، وإنما روى أحمد
عن أبي سعيد أنه - صلى الله عليه وسلم - علم الخارج إلى الصلاة أن يقول في
دعائه: (وأسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرًا، ولا
بطرًا، ولا رياء، ولا سمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك) وهو
من طريق عطية العوفي وقد ضعفه أحمد والجمهور؛ وقالوا: كان مُدلِّسًا وشر تدليسه
ما حكاه ابن حبان في الضعفاء من كونه يأتي محمد بن السائب الكلبي المفسر
الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث ويرويها، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ يقول: أبو سعيد،
فيوهم السامع أنه سمعه من أبي سعيد الخدري الصحابي رضي الله عنه إذ كان قد
لقيه وروى عنه، وإنما تأول هذا التدليس واستحله بتلقيبه الكلبي بأبي سعيد على أن
معنى الدعاء المذكور لو صح لا يدل على التوسل بالأشخاص، فإن حق السائلين
على الله تعالى أن يستجيب دعاءهم كما وعد بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ} (غافر: ٦٠) فكأنه يقول: أسألك بوعدك الحق أن تستجيب دعائي، وحق
الصالحين عليه أن يثيبهم على صلاحهم كما وعد في آيات كثيرة ومنه توسله بممشاه
إلى الصلاة بالصفة التي ذكرها فهو توسل بعمل صالح من أعماله لا بشخص عامل
آخر.
***
حديث التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم
هذا الحديث موضوع لا أصل له ولا يمكن أن تجدوه في شيء من دواوين
السنة لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ويذكر بلفظ (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي
فإن جاهي عند الله عظيم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب التوسل والوسيلة
وغيره: هذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل
الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه أعظم من جاه جميع
الأنبياء والمرسلين.. إلخ، إلى أن قال: ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه
المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ... إلخ وقد بينَّا هذا من
قبل في المنار مفصلاً.
***
ذكر النبي وأصحابه لله تعالى
وأذكار أهل الطريق
(س ٥) ما كيفية الذكر الذي كان يذكره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
هل كانوا يتمايلون كما عليه أهل الطريق الآن أم لا؟ وهل سير أهل الطريق
موافق لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم؟
ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم -
يرقصون عند الذكر ولا يتمايلون ولا يصيحون، والأذكار المأثورة عنه - صلى الله
عليه وسلم - مدونة في كتب السنة، ومن أجمع الكتب لها كتاب الأذكار للإمام
النووي رحمه الله، وقد فصلنا القول في هذا مرارًا وتجدون في باب التقريظ كلامًا
لبعض كبار علماء الأزهر فيه.
***
شيخ الإسلام ابن تيمية وكتبه
(س ٦) ما قول فضيلتكم في شيخ الإسلام ابن تيمية: هل هو ممن يؤخذ
كلامه ويطلع على كتبه أو كما يقوله ويدعيه عليه اللئام؟ وما الموجود من
مؤلفاته؟ أهـ
وأنا أرفع طرفي إلى السماء وأبسط أكف الضراعة إلى الله تعالى في رد هذا
الجواب وإفادتي وأهل بلدي عما في ذلك الخطاب: نفعنا الله بكم والمسلمين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... كثير الآثام
... ... ... ... ... ... ... ... محمد أحمد عبد السلام
... ... ... ... ... ... ... موظف بفابريقة السكر بالحوامدية
(ج) الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية من أفراد أعلام هذه الملة، وأعظم
أنصار السنة، وقد شهد له المنصفون من علماء عصره ومن بعدهم بالاجتهاد
المطلق ولقبوه شيخ الإسلام، وكتبه من أفضل كتب علماء الإسلام، وقد انتشرت
ولله الحمد في هذا الزمان، فطهّرت عقول خلق كثير من البدع والخرافات والشرك
الجلي والخفي، وقد سبق لنا التنويه به وبكتبه في باب الفتوى وغيره، وقد ألف
بعض كبار العلماء في مناقبه كتابًا سماه (الرد الوافر) فعليكم به وبكتاب التوسل
والوسيلة وغيره من كتبه، والكتاب المذكور قد فصل فيه كل ما يتعلق بمسألة
التوسل، وما ورد فيها مما يشتبه على بعض الناس كتوسل الصحابة بالعباس رضي
الله عنه في الاستسقاء وبيان كونه توسلاً بصلاته ودعائه لا بشخصه وإلا لتوسلوا
بالنبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يقولوا ما قالوا - وصفحاته ١٥٥ بقطع المنار
وقد طبعناه ثلاث مرات، وله كتب كثيرة من المطبوع منها منهاج السنة وفي
حاشيته العقل والنقل ويدخلان في أربعة أجزاء، ومنها مجموعة الفتاوى في خمسة
مجلدات ومنها مجموعتان من كتبه ورسائله، ومجموعة جديدة من رسائله
وفتاويه ثم طبعها عندنا هذه الأيام، ومنها كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة
أصحاب الجحيم) ... إلخ.
***
حكم فتاة تدعو إلى مخالفة القرآن
وتنكر بعض أحكامه
(س ١٠) من حضرة صاحب الإمضاء في طنطا (ورد في العام الماضي)
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد رشيد رضا صاحب
المنار.
أُحيي فضيلتكم وبعد: دفاعكم عن الدين الإسلامي شجعني على سؤالي هذا
وردكم على منتقديه يبشر بنشر جوابه إما على صفحات الجرائد أو في مجلة المنار
ما رأي فضيلتكم في آنسة مسلمة تحرض النساء المسلمات على خروجهن
عاريات الوجوه يسرن في الطرقات والأسواق أمام غير المحارم وتحثهن على
التبرج والزينة لغير أزواجهن وآبائهن ... إلخ، وما ورد في آية النور التي أولها
] وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ ... إلخ [ (النور: ٣١) وتقول الآنسة المشار إليها: إن الشرع
الإسلامي مُجحف بحقوق المرأة خصوصًا في مسألة الميراث وتبيح لنفسها شرعًا
جديدًا ملائمًا لرأيها تنادي فيه بتسوية المرأة بالرجل في الميراث؟ أفيدونا يا
صاحب الفضيلة على صفحات الجرائد أو في مجلة المنار وإني لا أضن على
فضيلتكم بنشر نفس سؤالي قبل الجواب.
وتفضلوا يا صاحب الفضيلة بقبول عظيم إجلال.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المخلص
... ... ... ... ... ... ... ... سيد إبراهيم محجوب
... ... ... ... ... ... ... سكرتير مدرسة المعلمين بطنطا
(ج) رأيي، بل حكم الله في الآنسة المسئول عنها والموصوفة بأنها
مسلمة أنها غير مسلمة، فإن المسلمة هي المؤمنة المذعنة قلبًا وقالبًا لكل ما جاء
به خاتم النبيين محمد صلوات الله وسلامه عليه من أمر الدين، وإذا جاز أن يعصي
المسلم ربه بعمل من الأعمال، لا يلبث أن يندم ويتوب منه فلا يجوز عقلاً أن
يصدر من مسلم إسناد الظلم والاجحاف إلى كتاب الله تعالى وتشريع ما يخالف نصًّا
قطعيًّا فيه وهو يعلم أنه فيه كمسألة الإرث المذكورة في السؤال، فإذا كانت هذه
الآنسة ولدت من أبوين مسلمين ونشأت بين المسلمين ثم طرأت عليها هذه الضلالات،
فالحكم فيها أنها قد ارتدت عن الإسلام قطعًا بإجماع المسلمين، وأنه لا يحل لمسلم
أن يتزوج بها ولا ترث أبويها ولا غيرهم من ذوي القربى المسلمين ولا يرثونها.
هذا حكم الإسلام القطعي، وسيقول الملاحدة من أمثالها: إن ما قالته من جور
أحكام القرآن في تفضيل الذكر على الأنثى في الإرث واستحسان إبطالها رأي من
الآراء لا ينافي الإسلام ولا يقتضي الكفر به كما قالوا في كتاب الشيخ علي عبد
الرازق وغيره، وهذا الإسلام الجغرافي الذي يذكرونه هو غير إسلام القرآن والسنة،
وقد وصفهم في هذه الأيام واحد منهم بأنهم يوَدّون وجود اختراع جديد ينسف به
بيت الله تعالى الذي فرض علينا استقباله والحج إليه وهدم مكة كلها من حوله؛ لأنه
وجد في الحجاز من أهان الوثن الذي يسمى بالمحمل المصري، ويدعي صاحب
هذا القول أنه مسلم وأن صاحب المنار لو ناظره في الإسلام لرجع خاسرًا صفقته
ولم يربح شيئًا، فهذه الآنسة تعد عند هؤلاء من خيار المسلمين.
ذلك بأن الدين عند هؤلاء الناس لقب وراثي سياسي وضرب من روابط
الجنسية، وإن دين كل قوم ما هم عليه، فبدعة المحمل وبدعة الموالد وعبادة القبور
وبدع الأكل والشرب والفسق في المقابر تعد عندهم من ديانة المصريين، ومن
يخالفهم فيها كأهل نجد يعد مخالفًا لهم في الدين، ويقترح بعضهم قتاله؛ لأنه مخالف
لدين المصريين.
والأمر العجيب أن الملاحدة الذين يقدحون في الإسلام بزعمهم أنه دين
خرافات كغيره من الأديان الشركية يتعصبون في هذه الأيام للخرافات التي فشت في
عوام المصريين باسم الوطنية، ويطعنون في الوهابية التي تنكر هذه الخرافات
وتزيل منكراتها التي ثبت أنها مخالفة لنصوص الإسلام القطعية.