ولد شقيقنا فقيد الإصلاح والفضيلة السيد حسين لبضع ليال خلت من شهر ربيع الأول سنة ١٢٩٩ (الموافق شهر يناير ١٨٨٢) وقد اغتبط والده بولادته ما لم يغتبط بولادة غيره من ولده، وكان يقول: إنه ولد ليلة المولد النبوي وأنا أرى أنه ولد قبلها بليلة فإن ليلة المولد هي ليلة تسع على التحقيق. وكان يحبه حبًّا شديدًا حتى كان يظهر حبه له في حضرته خلافًا لعادته مع أولاده، ويلهج المرة بعد المرة بقوله (هذا الحسين بن علي) فكأن هذا كان منه إشارة إلى الفجيعة به في المحرم. تعلم مبادئ القراءة والكتابة في القلمون ولاحت عليه من نشأته الأولى مخايل الذكاء والنجابة والعقل، واعتصم منذ طفولته بحبوة الحياء والأدب، وإنني لا أتذكر أن أحدًا أهانه بقول أو فعل، وكنت أنا الذي حملت الوالد رحمه الله تعالى على وضعه في مدرسة الحكومة الابتدائية في طرابلس (وكنت يومئذ أطلب العلوم الدينية والعربية في تلك المدينة) وكان يضن به على المدن خوفًا على أخلاقه، ويحب أن يطلب العلم في غير المدارس الرسمية، وكنت أتعاهده بكل ما يحتاج إليه، فتلقى فيها شيئًا من مبادئ التركية والفرنسية والحساب والصرف والنحو بالتركية!! وعلم الحال (العقائد والعبادات) ولكن حالة المدرسة الأدبية لم تكن تلائم فطرته فتركها باختياره ولم يتم مدتها. ثم أقرأته النحو والصرف والتوحيد والأخلاق وشيئًا من الفقه ورغبته في الأدب , فقرأت له مع آخرين كتاب الإظهار وطائفة من كتاب ابن عقيل في النحو (وحفظ الألفية كلها أو بعضها) ، وحضر عليَّ بعض دروس الإحياء والعقائد وفقه الشافعية. ثم هاجرت إلى مصر وأنا ضنين به أن يبقى في وطنه، وقد اشتد الضغط فيه على العلم وأهله وكتبه، فكنت أطلبه من الوالد (رحمهما الله تعالى) فيرجئ ويُسوِّف في إرساله، حتى سمح به في أوائل سنة ١٣٢١ فوضعته في الأزهر فكان يحضر درس التفسير والبلاغة على الأستاذ الإمام ودرس فقه الحنفية على الشيخ أحمد أبي خطوة ودروسًا أخرى كان ينتقل فيها من حلقة ينتقدها، إلى حلقة يرجو أن يجد طِلْبته فيها، ويقرأ المنار ويحاول اتباع أسلوبه في الكتابة، ولم يلبث أن ترك الأزهر بعد وفاة الشيخين محمد عبده وأبي خطوة، وما أراه أتم حضور كتاب على أحد فيه؛ لأنه لم يستطع الصبر على أسلوبهم - فهذا مُجمل القول في دراسته وكل من عرفه من أهل العلم كان يرى أن معارفه أكبر من سنه. هكذا قال الأستاذ الشيخ عبد الكريم سلمان والدكتور شميل والدكتور يعقوب صروف وغيرهم. كان رحمه الله تعالى كاتبًا أديبًا وشاعرًا وسطًا وخطيبًا مفوهًا، وكان يعرض علي في بدء الأمر بعض ما يكتبه وما ينظمه فلا أجد فيه إلا القليل من الخطأ الذي يقع في مثله أشهر الكتاب والأساتذة، وما عتم أن استقل بنفسه، وصار ينشر المقالات الأدبية والسياسية والاجتماعية في الجرائد والمجلات الكبرى، فتارة يمضيه باسمه الصريح، وتارةً بلقب مستعار، وقد كنت أنكر عليه أولاً استعجاله بالاستقلال التام، وأنا أعلم أن سببه الذي ساعد استعداده الفطري عليه هو الاقتداء بشقيقه وأستاذه الأول، وأرى أنه فاته بهذا الاستقلال قبل أوانه ما كنت أحبه له من التوسع في العلوم الشرعية استعدادًا لتحرير المنار، وأن يكون ذلك برغبته واختياره، فلم أستطع أن أحدث له هذه الرغبة، وحثثته على إتقان اللغة الفرنسية فاشتغل بها زمنًا ولكنه لم يتقنها كما يجب ولم يطلقها ألبتة؛ لأنه كان يجري على سجيته ولا يطيق التكلف. وما كنت يائسًا من عودته إلى إتقان ما كنت أحب أن يتقنه وأنا أعلم أن رغبته إذا تحركت فإنها تكون كالكهرباء مضاء وسرعة. وجملة القول في علمه أنه علم الأديب، من كل فن حظ ونصيب، وكان دقيق النقد، حاضر الحجة، قوي الذاكرة، شديدًا على الخصم مع النزاهة والأدب , وله آثار وحكم وخواطر حسنة مدونة في مذكراته، سننشر بعضها في المنار إحياء لذكره، وشرحًا لمكنونات صدره وخبايا فكره. أما أخلاقه وسجاياه فهي التي كانت أكبر مواضع الرجاء فيه، وأظهرها وأعلاها استقلال الفكر وقوة الإرادة والإباء وعلو الهمة وعزة النفس والصدق والأمانة والعفة والنجدة والمروءة والشجاعة والإقدام والروية والوفاء والإخلاص، وكنت أخشى أن يغلب ميله إلى الشجاعة والرجولية ميله إلى العلم والأدب. أرأيت إذا أشرب صاحب هذه الأخلاق حب المصلحة العامة، ووجه وجهه إلى خدمة الأمة، مع حسن البيان بالقلم واللسان، ألا يرجى أن يكون من المصلحين المجددين؟ بلى، وإن فقيدنا الشاب قد كان مرجوًّا لهذا وأهلاً له، لو قدر الله له عمرًا طويلاً. إنني وإن كنت أشهد لأخي وتلميذي فشهادتي حق، وما تعودت بفضل الله إلا قول الصدق، ولا فائدة لي ولا له في إطرائه وإعطائه ما ليس له بحق، ويشهد له بذلك جميع من عرفه من أهل العلم والفضل الذين يقدرون الفضيلة حق قدرها أو جملتهم ومجموعهم، كما تشهد له به آثاره التي هي مرآة نفسه؛ لأنه لم يكن يكتب إلا ما يمليه عليه اعتقاده وشعوره، وإنني أنقل هاهنا بعض ما كتبه إليَّ فضلاء المعزين. وإنما أختار من التعازي الكثيرة التي كتبت إلى ما فيه تصريح أو إشارة إليَّ رأي الكاتب لها في فضل الفقيد وأخلاقه والرجاء في خدمته لأمته. والتعازي ضروب بعضها وعظ عام، وبعضها ثناء على المعزى، وأكثرها إكبار للمصيبة بالكلام المجمل والوصف الشعري. (١) كان أجدر الناس بأن يحفظ كلامه وينشر في هذا المقام صديقنا الأكبر الأستاذ العالم الصوفي الشيخ محمد كامل الرافعي أفضل الفضلاء في طرابلس الشام، ولكن ما كتبه في هذا المصاب شجون فيها ذكر ما وقع ووصف حاله هو فيها وما يعتقده في صديقه كاتب هذه السطور، فلا يتعلق شيء كثير منها بغرضنا، ويصح أن يكون منه بعض عباراته في إكباره المصاب على ما هو عليه من وقار المشيب، وما اعتاده من مصارعة الخطوب، كقوله حفظه الله تعالى: (فلم يفجأني إلا خبر نعيه الذي أصم السمع، وصدع القلب، وكان له من التأثير على وجودي كله ما تمنيت معه أني لم أخلق، وأسرعت إلى القلمون آسفًا جازعًا، فرأيت القيامة قائمة، وشهدت من هول المصاب ما يذيب القلوب ويفطر المرائر، ويذهب بالنفوس حسرات، واجتهدت بحسب ضعفي إذ ذاك لتخفيف الهول على غير جدوى. وبالحقيقة إن مصابنا بالحسين عظيم، والخطب فيه جسيم، وإنما يُقوى عليه بقوة من الله) . ومن كتاب له إلى ابن أخته جميل أفندي الرافعي: (فجعت بعد أخي أحمد عارف رحمه الله [١] بمثل انفجاعنا لوفاة السيد الحسين رضا، ولا أمضني خطب كخطبه، ولا أسفت لأحد كما أسفت لفقده، ولو شئت لعددت مواهبه بلسان الندب، ولكن قلبي من الحزن لا يطيق. ولقد صعب على تعزية (السيد) [١] به حتى لا أكاد أعقل ما كتبت. ولو أني حملت جبال رضوى لكان أهون علي ممن حملت من الكتابة إليه، على أنه لا بد منه، والأمر لله، و {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ١٥٦) . (٢) ما كتبه إلي لسان الصدق والحكمة السيد عبد الحميد أفندي الزهراوي من الآستانة: كتابي اليوم كتاب أسى وحزن، ولولا أن الجزع قبيح بعباد الله المؤمنين لكان قلبي اليوم جديرًا أن يتسع للجزع وحده ويضيق عما سواه ولا أجد غضاضة عليَّ في ذلك لولا الإيمان؛ لأن فقيدنا ليس من هذه الأعراض الفانية المتبدلة، كلا بل هو جوهر من أكرم الجواهر التي حظينا من الزمان باكتساب صحبتها، والتعزي في هذه الحياة برؤية صفائها، هو من أعظم الهدايا الإلهية التي آنستنا في المعامع الموحشة، معامع قيل وقال، وكثرة الجدال، هو من أفضل الأعيان التي تصبح زينة التاريخ برونق محامدها، هو (السيد حسين رضا) ويا لهف قلبي حين يُرى هذا الاسم محشورًا في صفوف الغابرين، بعد أن عرفناه جمال محافل المعاصرين. إذا كان فقد الفضلاء ليس ببدع في عالم الكون والتحول، فالجزع لفقدهم ليس ببدع أيضًا، وإذا كان ذوي الغصون النضرة أمرًا معهودًا فذرف الدموع لأجلهم أمر معهود كذلك، لكننا نجلّ سنة الله تعالى في أنفسنا، ونتكلف تقديم الأُنس بروحه على الأُنس بأشباحنا، فنتزحزح بذلك عن الجزع القلبي مستغفريه سبحانه عن الدموع التي لا نملك سدًا لتيارها، ولا حول ولا قوة إلا به، هو ولي الفطرة ومازج الضعف بالقوة. إذا أسي الآل الرضوي على الحسين فلا غرو، كيف والآسون عليه من سواهم يعدون العد، ويتعاصون على الحد، فمحافل الآداب، ومعاهد العلوم، وبيوت الحسب، ومآهل الشبيبة، ومناهل الفضائل، كل ذلك بعض من أسي على هذا الغصن النضير الذي أنجبته دوحتهم، وأوحشت منه اليوم رياضهم، وإن يلتمس الآل الرضوي عزاء فليس لغيرهم مثل ما يجدونه من العزاء بوجود مولاي الأخ الذي هو اليوم عزاء عالم الإصلاح كله. كتبت هذا وما أملي بأن أكون معزيًا في الحسين أكثر من أن أكون مُعزى فيه، وذلك أن أخي الرشيد أغنى بقوة معرفته بالله سبحانه وأُنسه بروح هديه وتجلياته عن تعزية إخوانه، أما أنا فلا أستغني ولا أجدني ساليًا ذاك الشاب الذي لا فضل لي في عشق لطفه، فإن كل من عرفوه محكوم عليهم بالتقيد والتعلق بمناقبه، فالله سبحانه مسئول أن يثيبنا في هذا المُصاب، ويكفي الآل الرضوي، سائر الأوصاب، و] إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (البقرة: ١٥٦) [. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أخوكم ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الحميد الزهراوي وكتب في جريدته الحضارة التي تصدر في الآستانة ... ... ... ... ... ... ... ... السيد حسين وصفي رضا شاب نشأ في مهد المجد، ورضع أفاويق المعالي، وتضلع من الآداب والحكم، وبلغ في المروءة والشهامة الغاية، أتانا نعيه فوقع لدينا وقعًا مؤلمًا، وكان أسفنا عليه عظيمًا، فقد كان فوق كل ما تقدم من صفاته صديقًا من أعزِّ أصدقائنا، وأخًا من أكرم إخواننا، فنعزي فيه الفضائل والمعالي وأخانا العلامة المصلح شقيقه السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار) أجزل الله أجره، وأطال عمره، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ١٥٦) ، منه سبحانه نستنزل الرضوان على جدث الفقيد العزيز، والصبر والسلوان على أفئدة أهله وعارفيه. (٣) ما كتبه أكتَب علماء طرابلس الشام وأعلم كتابها الشيخ إسماعيل أفندي الحافظ المدرس في دار الفنون العثماني ومكتب النواب بالآستانة. سيدي الأخ الرشيد عزى الله نفسه بما يرجوه من صلاح الإسلام وإنزال السكينة على قلبه. أكتب هذه الكلمات بيد ترتجف أسفًا، وأنفسا تتقطع لهفًا، وبين قلبي قلب يكاد يقطر دمًا، ويتفطر تأثرًا وألمًا، وعلى عارضي دمع ينهل مدرارًا، ويتسابق انحدارًا، ثم لا يلبث أن ينقلب نارًا، تذكى فيّ أوارًا، دمع كأني أحس بسويداء قلبي تسيل في وليه، وسواد عيني يمتزج بأتيه، حتى لو استعملته مدادًا، لرقم على هذا الطرس سوادًا، وذلك شأني منذ قرأت في جرائد طرابلس نعي ذلك الشاب الغض والحس المحض، والأدب الموفي على الروض جمالاً، والخلق المزري بنفحات الزهر أريجًا، والذكاء الذي يكشف أعقاب الخطوب، ويكاد يشق حجب الغيوب، ويستجلي خواطر القلوب، فيا له من خطب رُزئت به الفضيلة بجمالها، والمكارم بكمالها، والمروءة ببهجتها، والنجدة بمهجتها، ويا حسرة الأقلام والمحابر، والكتب والدفاتر، وياما أطول أسفي على ذلك الفقيد، وما أشد إشفاقي على قلب (السيد) كيف يحتمل المصاب به والصبر على نضرة شبابه، وهو أكثر أشقائه جريًا في سبيل الإصلاح، وأقدرهم على مساعدته وتأييده، ولكن علمي بمبلغ صبر السيد واحتماله، وثقتي بتمكنه في موقف الجهاد النفسي، واستهانته بصروف الأيام، وزهده في متاع الدنيا الفانية، قد يهون بعض آلامي، وينهنه من غلواء جزعي وإشفاقي، وهو ما هيأ لي سبيلاً إلى التقدم إليه بهذه التعزية الحزينة. وأما أنت أيها الأخ الصالح [١] فإني أعلم رقة شعورك، وشدة تعلقك بالفقيد، وضعفك عن احتمال المصيبة به، ولذلك كففت عن تقديم تعزية خاصة بك، جزعًا من ذكر هذه الفاجعة، وإشفاقًا وكآبة وحزنًا، عزى الله قلبكما بفضله وألهمكما الصبر الجميل، وجزاكما الأجر الجزيل، على أنني لست أغنى منكما عن التعزية بهذا المصاب. وهبنا الله جميعًا جميل العزاء والسلوان، وعوض الفقيد على شبابه بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ، وأعلى غرف الجِنان، وهو على فراقه المستعان. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الداعي ... ... ... ... ... ... ... ... ... إسماعيل الحافظ (٤) وكتب الأستاذ الأكبر، بقية السلف الصالح، الشيخ عبد الرزاق البيطار الدمشقي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} (البقرة: ١٥٥-١٥٧) والصلاة والسلام على فقيد الأوائل والأواخر، وعلى آله وصحبه إلى اليوم الآخر. أما بعد: فيا أيها الأخ العزيز الذي نحن شركاؤه في حزنه وبكائه، ونظراؤه في كدره وأسفه وبلائه، إن المصائب تتفاوت في المقدار، والحوادث تختلف باختلاف الأقدار، وعلى قدر المشقة يكون الثواب، ويضاعف الأجر بحسب المصاب، وأنت وإن كنت أعلم منا بثواب الصبر، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر، ولكن لا بأس بالمذاكرة والتذكير، والقيام بأوامر السنة بلا فرق بين جليل وحقير، فيا مولاي الجليل، هل - للخلق من خلاص ونجاة، مما حكم به الحاكم المطلق وقضاه، وإني وايم الله حينما علمت بهذا الخطب دارت بي الأرض دهشة وحيرة، وأظلمت الدنيا في عيني أسفًا وحسرة وكتبت معزيًا والقلم هائم، والدمع هامٍ والكرب داهم، فيالها من مصيبة ما أعظمها، وداهية ما أفظعها وأجسمها، وعلى كل حال ليس لنا سوى التسليم لولي الأمر، ولزوم الصبر، على ما هو أمر من الصبر، وقد قال من له الأمر والشأن، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (الرحمن: ٢٦) فالله يبقي لنا وجودكم جميعًا وينيلكم كل مراد ومرام، ويختم لنا ولكم بجميل الإنعام وحسن الختام. ... ... ... ... ... ... ... حرر في ١٩ محرم سنة ١٣٣٠ ... ... ... ... ... ... عبد الرزاق البيطار (٥) وكتب العالم الكبير، رب التصنيف والتحرير، الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي: حضرة مولانا أوحد الأعلام -أطال الله في بقائه وبارك لنا في حياته-، وافانا اليوم نبأ أذرف الدموع، وأطار الهجوع، وخطْب أورث الشجن، وأطال الحزن، وأنزل بنا أعظم مصاب، وأرانا ما لم يكن بحساب. أدهشني والله ما فجعني، حتى حرت كيف أعزي وأنا حقيق بأن أُعَزَّى، أم كيف أتلو ما للصابر وأنا الجدير بما يُتلى، ولقد أبى القدر المحتم إلا أن يمثل في المحرم فاجعة الحسين، وأن يجعل لنا - وإن لم نتشيع - من الشجو ضِعفين، فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأله تعالى أن يُفرغ علينا الصبر، ويوفي لنا بعظيم مصابنا الأجر، ويهب للسيد الأكبر من العمر أطوله، ومن العيش أكمله، والسلام. ... ... ... ... ... ... ... فى ١٥ محرم سنة ١٣٣٠ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الأسيف جمال الدين القاسمي (٦) وكتب صاحب الفضيلة، والمزايا الجميلة، الشيخ مصطفى أفندي نجا مفتي بيروت: سلام الله على حضرة الأستاذ الجليل، أعظم الله أجره وأحسن عزاه بمنِّه تعالى وكرمه. وبعد فإن نبأ الفاجعة الأليمة والمصاب العظيم، بصديقنا الأخ الكريم قد جرح الفؤاد وأورثنا الأسف الشديد، وساء كل من عرف فضل هذا الفقيد الأديب، والكاتب النجيب، عامل الله من اعتدى عليه بما يستحقه. وعلى كل فالموت على العباد أمر محتم، والتسليم لله تعالى أولى وأسلم، والأستاذ حفظه الله جدير بأن يتدرع لهذا الخطب الكبير بصبر أكبر منه، فإنا لله تسليمًا لأمره تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أفض على الشهيد سِجال رحمتك، وأسكنه بفضلك في عالي جنتك، وسهل لأسرته الكريمة سبيل الصبر، وتحصيل الأجر، إنك سميع الدعاء. ... ... ... ... ... ... ... ... الفقير مفتي بيروت ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الختم) (٧) وكتب صفوة أدباء بيروت أصحاب التوقيعات كتابًا مشتركًا قالوا فيه: الأستاذ العلامة مولانا السيد محمد رشيد رضا أطال الله بقاءه السلام على الأستاذ ورحمة الله وبركاته. وبعد فإنَّا نكتب واليد مرتجفة والقلب يخفق والعين تدمع للرزء الجليل الذي أصيب به الأدب والفضل والخلق الكريم والغيرة الصادقة. فكان هذا المصاب عامًّا لكل من عرف الفقيد رحمه الله ولم تُخَصص بذلك أسرته الكريمة. فنتقدم بتعزية الأمة عمومًا ولفضيلتكم خصوصًا. ألهمنا الله جميعًا الصبر وأعظم لنا ولكم الأجر. ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد علي القصاص ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الرحمن سلام ... ... ... ... ... ... ... ... ... مصطفى الغلاييني (٨) وكتب صاحبا الإمضاء من سروات بيروت وكبار وجهائها إلى السيد الحكيم أدام الله بقاءه. مصابنا بالحسين عظيم، ووقعه في قلوبنا أليم، وما لهذا الخطب العميم، إلا جميل الصبر مما يعد من فضائل السيد الحكيم، الصادع بأمر ربه، الراضي بحكمه وقضائه، فمنك وإليكم سنة التعزية، عظَّم الله أجركم، ويرحم الفقيد العزيز وعوضنا ببقاء السيد خيرًا والسلام. ... ... ... ... ... ... ... ... ١٦ محرم سنة ١٣٣٠ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الداعي سنو ... ... ... ... ... ... ... ... ... الداعي حسن بيهم (٩) وكتب الكاتب الخطيب الشهير الشيخ أحمد طبارة صاحب جريدة الاتحاد العثماني في بيروت: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ١٥٦) . مولانا العلامة الأستاذ الرشيد: تناولت القلم لأكتب للأستاذ تعزية بالشهيد الحسين، فتراءى لي هول المصاب وتمثل أمامي فضل الفقيد، وأدبه الغض، وخلقه الكريم، فلم أدر ماذا أقول سوى أني أدعو إلى الله تعالى بأن يفرغ على قلب الأستاذ الصبر الجميل، والأجر الجزيل وأن يتغمد فقيدنا بوابل رحمته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والسلام. ... ... ... ... ... ... ... ١٩ محرم الحرام سنة ١٣٣٠ ... ... أحمد حسن طبارة (١٠) وكتب الأديب الفاضل، سليل بيت العلم والفضائل، في بيروت (وهو الآن بمصر) . حضرة السيد الفاضل النبيل حفظه الله. أعرض أن المصاب بأخ الطرفين شقيق حضرتكم، لقد أصاب وايم الله كبدي الفضل والنُّبل وأضاع الوطن بفقده شهمًا غيورًا وعاملاً بل أملاً كبيرًا نشأ في حجري العلم والحكمة وشب متشبعًا بالأفكار السامية والمبادئ الراقية إلخ إلخ. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المخلص ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد مصباح الحوت (١١) وجاءنا من جمعية الإخاء الإسلامي ببيروت هذا الكتاب فنشرناه بعد حذف رسوم الخطاب، فإن لم يكن على شطرنا في موضوعه فللجمعية معنى يتصل به من وجه آخر، وليكن ختام ما ننشره من تعازي بيروت التي هي في مجموعها، أعرف البلاد السورية بقيمة رجالها: نبدي أن نبأ الفاجعة الأليمة بوفاة الشقيق قد ملأ القلوب أسفًا وحزنًا، وأسال من العيون حزنًا، قضى رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه دار الكرامة مع الأخيار، مضى في سبيل لا بد لكل حي من المسير فيه والمصير إليه بحكم مقدر الأعمار لأجلها، والآجال لميعادها، فلا ينفع الفائت الحزن، ولا يرفع الهم غير الاعتصام بالصبر، وكل ذلك لا يخفى على فضيلتكم، ومعالي إرشادكم أحسن الله لكم العزاء ولقاكم من الصبر أكمله، ومنحكم من الأجر أجزله، ولا أراكم بعده ما تكرهون، و {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *} (البقرة: ١٥٦-١٥٧) . ... ... ... ... ... ... ... ٢٠ محرم الحرام سنة ١٣٣٠ ... ... ... ... ... ... ... ... عن عموم أعضاء جمعية ... ... ... ... ... ... ... الإخاء الإسلامي في بيروت رئيسها: محمود فرشوخ (سنذكر في الجزء الآتي نموذجًا من تعازي سائر البلاد والأقطار) ((يتبع بمقال تالٍ))