للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: مقترح من حضرموت


حضرموت

سيدي صاحب المنار أطال الله بقاءك في مراضيه في عافية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهنيكم بما سمت إليه همتكم العالية من
السعي في إقامة (جماعة الدعوة والإرشاد) تلك المكرمة البكر التي نحن الآن في
أشد حالات الاضطرار إليها؛ لأن وظيفة من يخرج منها هي وظيفة الرسل الكرام
عليهم السلام، حياك الله وكبت عداك، لقد أرضيت بسعيك رب العالمين، وأقررت
عين سيد المرسلين، والأنزع البطين، وإني أتمثل بقول الشاعر:
إذا علوي لم يكن مثل طاهر ... فما هو إلا حجة للنواصب
إنني على بعد الديار، كتبت إليكم بهذه السطور؛ إعلانًا لما يكنه ضميري من
حب الإسلام وأهله، وحب من يخدمه من أمثالكم، ولو كان حبشيًّا أو أرمنيًّا أو
صينيًّا، فكيف إذا كان من أشرف أرومة، وأطهر جرثومة. وشاهد القول أفعال
تصدقه. ولأقترح على تلك الجماعة الفاضلة بواسطة مناركم الأغر؛ أن تخصوا
أول رجالها المتعلمين بمدرستها بإرساله إلى حضرموت لأن بها عددًا عديدًا من
سلالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قتلهم الجهل، وفقد من بين ظهرانيهم العلم،
وبعد بعض بواديهم عن الدين، وإرشادهم مما يدخل السرور الخاص على
المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره. علاوة على أنهم عرب وفي
الجزيرة، والأقربون أولى بالمعروف.
ولأن بحضرموت الآن خلفاً أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وابتدعوا
في الدين، وغرروا العامة، وسلبوا بعضهم البقية الباقية من دينه، وإليك نموذجًا
من مقالهم في وعظهم: كنت منذ أشهر في مجلس أكبر وعاظ حضرموت
المشهورين بالولاية الكبرى، فكان مما قال: إن أتان فلان؛ وسمى أحد المشهورين
بالعلم والولاية من الأولين، كانت تأتي بخبر السماء كل يوم مرتين. فلما مات أتت
به كل يوم مرة. فأفهم قوله هذا من يعظه ويقدم كلامه على كلام الله ورسوله؛ أن
ذلك الولي خير من النبي؛ لأن النبي انقطع عنه الوحي أشهرًا وهذا أتانه، فكيف
هو، يأتي بخبر السماء كل يوم مرتين، وأفهمهم أيضًا أن جبريل أقل قدرًا من تلك
الأتان (أستغفر الله) ؛ لأنه انقطع عن النزول بالوحي بعد موت النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، وتلك الأتان لم توصد في وجهها أبواب السماء صاعدة
وهابطة , ولولا خوفي أن يسبق رأسي كلامي لسألتة عن صفة معراج تلك الأتان،
أكان على البراق أم على أفضل منها، ومنها ما سمعته عن عظيم فيهم، وهو
روايته بالسند عن بعض الأولياء أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليقظة
والمدعون لهذا فينا كثير بدون نكير؛ فسأله أن يحدثه شفاهًا بحديث ينتفع به وينفع
به الأمة، فقال له يعني النبي - وأستغفر الله من كتابة هذا وإن كان حاكي الكفر
ليس بكافر -: (من اتخذ سبحة كان من الذاكرين الله كثيرًا ذكر أم لم يذكر، ومن
شرب القهوة استغفرت له ما دام في فمه أثر منها، ومن وقف بين يدي ولي لله -
وهنا محل الإشارة - حيًّا كان أو ميتًا، ولو قدر شج بيضة، كان وقوفه أفضل من
عبادة الثقلين سبعين سنة إلى نحو ذلك) مما جعلني خرجت باكي العين على
الإسلام موجع القلب؛ مصدقًا لقول ابن المقري رحمه الله في ضلال المتصوفة.
ليتهم كانوا يهودًا ... ليتهم كانوا نصارى
الأبيات. متحسرًا لأن الحاضرين على كثرتهم وتأبط العدد الجم منهم للكتب،
واشتغالهم بزعمهم في طلب العلم السنين الكثيرة، لم ينتبهوا إلى فساد هذه المزاعم
البديهية البطلان، فإن السيف خير من السبحة ومتخذه لا يعد من المجاهدين إلا إذا
كان جاهد أو صمم عليه إذا لم يحضره.
واللبن أفضل من محروق البن، وقد أمر النبي بالمضمضة منه لا بالتلمظ
ببقاياه أو بخاثره فضلاً عن الإثابة على عدم النظافة، والوقوف بين يدي الله في
الصلاة أفضل العبادات، ولم يأت فيه ما ذكر من الفضل، فعسى أن ينتشل الله ذلك
القطر وأهله على يدكم، وفقكم الله وهداكم لما يحبه، وإني لا أصرح باسمي في
هذه المقالة، وإن كنت الآن في بمباي حيث ما لعباد عليّ إمارة، ولكني أخاف
على قرابتي في حضرموت من ظلم أولئك الذين عنيت أو أتباعهم (وعلى الله
قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين) والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
... ... ... ... ... ... ... ... مقترح من حضرموت
... ... ... ... ... بمباي في غزة جمادى الأول سنة ١٣٢٩
(المنار) هذه هي نتائج الغلو في الصالحين وكراماتهم، ولا أرى في مقابلة
مفاسده الكثيرة مصلحة ما. وأما ما يزعمه الدجالون المتجرون في كتبهم ببث
الكرامات المخترعة من أن هذا يقوي إيمان العامة، فإن أرادوا به إيمانهم بالله
وكتبه ورسله، فلا نسلم لهم ذلك، بل هو الذي أفسد على الكثيرين إيمانهم ودينهم،
وإن أرادوا إيمانهم بالدجل والدجالين فهذا ما نشكو منه، ونسأل الله أن يطهر
الإسلام منه سؤالاً مقترنًا بالسعي والعمل، وعلى الله المتكل.