ذم القرآن التقليد، ووبخ المقلدين، وفرض على المسلمين أن لا يعتقدوا ما لا يقوم عليه برهان، وخاطب الآخذين بالخرافات بقوله: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: ١١١) وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨) فسر العلماء البصيرة بالحجة الواضحة، والغرض من ذلك تطهير العقول من دنس الأوهام ورجس الخرافات، فأي عقيدة خرافية تطمس نور العقل، وتعمي عين البصيرة بما تحمل على قياس المثل على المثل، حتى تستحوذ الأوهام على النفوس وتكون سدًّا بينها وبين المعارف الصحيحة المرشدة إلى سعادة الدارين، ومن هنا تفهم السر في نهي الشارع عن التصوير وعن اتخاذ الصور بهيئة معظَّمة، فإن صور الأنبياء كانت مرسومة في الكعبة، وتعظم كما تعظم سائر الأصنام، وأزالها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ورأى عليه الصلاة والسلام قرامًا (ستارًا) عليه صور عند عائشة فهتكه ثم اتخذوا منه وسائد؛ لأن الصورة في الوسادة ممتهَنة غير معظَّمة كما تكون في القرام المنصوب. وقطع الإمام عمر - عليه الرضوان - الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان بين النبي وأكابر أصحابه، حيث علم أن بعض من لم يفهم الإسلام حق الفهم يعظمها ويتبرك بها، وتلك شعبة من شعاب الوثنية، لكن المسلمين لم يسلموا من الخرافات مع كل هذا الاحتراس منها في دينهم، لا سيما أهل هذه القرون الأخيرة، فقد انتهى بهم الغلو في اعتقاد الصالحين وتصرفهم في الأكوان إلى الاعتقاد بالجمادات من الأحجار ونحوها، ففي المسجد الحسيني في القاهرة عمود من الرخام يطوف به الرجال والنساء من العامة ويتمسحون به التماسًا للبركات وتقربًا إلى السيد البدوي الذي يزعمون أنه يجلس بجانبه عند زيارة جده الحسين، ومنهم من يزعم أن روح السيد توجد دائمًا هناك، ولا ترى أحدًا من العلماء ينكر عليهم، فأجدر بخطيب ذلك المسجد أن يزجر الناس عن هذا العمل، ويأمرهم بتركه في كل خطبة جمعة ما لم يقلعوا ويرجعوا، ولعامة هذه البلاد اعتقادات بأحجار ومساجد أخرى كمسجد أبي العلاء في بولاق، ومسجد عمرو بن العاص في مصر العتيقة. وكالعمود الذي يضربونه في جامع عمرو والعمودان اللذان يختبرون العاصي بالمرور من بينهما، وربما نتكلم على ذلك في عدد آخر.