للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات

(معيار العلم)
كتاب معيار العلم في المنطق لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي سارت بذكره
الركبان، وكان المشار إليه دون كتب هذا العلم بالبنان، ثم طوت صحفه أيدي
الحدثان، حتى لم تعد تكتحل برؤيته عينان، إلى أن ظفر به وطبعه في هذا العام
الشيخ محيى الدين صبري الكردي وشريكاه وهو متن مبسوط تبلغ صفحاته ١٧٥
صفحة كصفحات المنار، وناهيك بعبارة الغزالي في بسطها وسهولتها وانسجامها
وجلاء أمثلتها وما فيها من إيقاظ العقل، وتحريك الفكر، والحث على العمل بالعلم،
وترتيب هذا الكتاب مخالف لترتيب الكتب المتداولة في المنطق فهو يقدم
التصديقات على التصورات، فيبدأ بمقدمات القياس فالقياس، ثم يتكلم على الحد
والنظر، ويختم الكتاب بأقسام الوجود وهي المقولات العشر.
لا تكاد تجد أحدًا قرأ المنطق في هذه البلاد يستعمل أقيسته وحدوده أو يراعي
اصطلاحاته في الاستدلال والمناظرة، أو يشير إليها في مسامرة أو محاضرة، بل
لك أن تجزم بأنها قلما تخطر في بال أحد منهم في المواطن التي يحتاج إليها فيها.
وسبب ذلك قراءة تلك المتون الموجزة التي يشتغلون عند قراءتها بحل عباراتها
وفهم اصطلاحاتها لأجل أداء الامتحان بها، فإذا وصلوا إلى هذه الغاية واقتحموا
عقبة الامتحان، تم القصد، وقضي الأمر، وليس في تلك الكتب جاذب يجذب
الفكر إلى الاشتغال بهذا العلم ومراجعته وترقية العقل به كما ترى في مثل هذا
الكتاب للغزالي.
مثال ذلك اختصارهم المخل في مادة القياس تراهم يكتبون فيها أسطرًا قليلة
ويذكرون لكل منها مثالاً واحدًا، وأما الغزالي فقد كتب في (المجربات) زهاء
صفحتين كصفحات المنار وفي (المشهورات) صحفتين ونصفًا بين فيها خمسة
أسباب لإثبات الذهن لها ووضح ذلك بالأمثلة المتعددة، ومن مزايا أسلوبه أنه يورد
المسائل مورد الاستعمال والوقوع تارةً بالخطاب وتارةً بالحكاية عن الغائب أو
المتكلم، وهذا الأسلوب أوقع في النفس وأقوى في تقرير المعاني فيها من الأسلوب
المعهود في الشمسية والبصائر وغيرهما وهو تحديد المطالب مجردة من لباس
الاستعمال.
وقد صدر هذا الكتاب بترجمة مطولة للمؤلف وهو يطلب من مكتبة المنار
بشارع عبد العزيز بمصر.
(جواهر القرآن)
مصنف للغزالي مشهور طبع من قبل وأعاد طبعه في هذا العام الشيخ محيي
الدين صبري الكردي كما طبع من قبل صنوه المسمى كتاب الأربعين وهما في
الحقيقة كتاب واحد ينبغي جمعهما في غلاف واحد وقد سبق لنا تقريظ كتاب
الأربعين.
(تاريخ آداب اللغة العربية)
تاريخ آداب اللغة العربية فن توجهت إليه نفوس المعلمين والمتأدبين حديثًا بعد
أن رأوا الإفرنج يعنون به ويصنفون فيه، وقد كنا قرظنا في أول المجلد الرابع
(١٣١٨) كتابًا بهذا الاسم الذي جعلناه عنوانًا هنا من تأليف محمد بك دياب.
وقد ظهر في هذا العام جزء من كتاب آخر بهذا الاسم للكاتب المؤرخ المشهور
جرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال قال: إنه (يحتوي على آداب اللغة
العربية في عصر الجاهلية وعصر الراشدين والعصر الأموي - أي من أقدم أزمنة
التاريخ إلى سنة ١٣٢ هـ) وسيعززه بجزء آخر أو أجزاء في تاريخها فيما بعد
ذلك إلى زماننا هذا.
بدأ المؤلف هذا الجزء بمقدمة في تاريخ التأليف في هذا الموضوع بين فيها أن
الإفرنج لم يكونوا يعرفون هذا العلم وإنما التفتوا إليه وعنوا به أخيرًا وأن العرب قد
سبقوا إلى التأليف فيه (مثل سبقهم في غيره من المواضيع) وعد من كتبه (كتاب
الفهرست) لابن النديم، وكتاب (مفتاح السعادة ومصباح السيادة) المعروف
بموضوعات العلوم، و (كشف الظنون) و (أبجد العلوم) ولكن هذه الكتب ليست
على النهج الحديث الذي سبق إلى التأليف فيه المستشرقون من الإفرنج بلغاتهم،
ورجَّى المؤلف أن يكون هو أول من كتب على هذه الطريقة بالعربية وأول من سماه
بهذا الاسم.
ثم بين فيها الغرض من الكتاب وهو:
(١) بيان منزلة العرب بين سائر الأمم الراقية من حيث الرقي الاجتماعي
والعقلي.
(٢) تاريخ ما تقلبت عليه عقولهم ...
(٣) تاريخ كل علم من علومهم على اختلاف أدواره ...
(٤) تراجم رجال العلم والأدب ...
(٥) وصف الكتب العربية باعتبار مواضيعها وكيف تسلسل بعضها من
بعض.. (ثم بين تقسيم الموضوع وما يشتمل عليه هذا الجزء وهو الأول منها -
وهو ما بيناه في أول الكلام.
ونحن نرى أن هذه الأغراض لا يضطلع بها رجل واحد يريد التحقيق
والتحرير فإن تاريخ كل علم من هذه العلوم - وهو أحد الأغراض - لا يحرره إلا
من عرف هذه العلوم كلها، فلا بد من الاستعانة فيه إلا لمن يقنع بمثل ما كتبه ابن
خلدون في مقدمته أو يزيد عليه قليلاً مما كتبه ابن النديم أو غيره وإن لم يفهم الكاتب
ذلك حق الفهم لعدم تلقيه لهذه العلوم عن أهلها.
وجملة القول أن هذا الكتاب مفيد لقراء العربية في ترتيبه وأسلوبه ومسائله
فنشكر لمؤلفه عنايته ولعلنا نوفق إلى توفيته حقه من التقريظ بعد إتمامه.
(الحراب، في صدر البهاء والباب)
كتاب جديد أتمه وطبعه في هذا العام محمد أفندي فاضل بعد مجيء عباس
أفندي زعيم البابية البهائية إلى القطر المصري ذكر في مقدمته مجيئه وما كتبته
الجرائد فيه ثم قسمه إلى مناطق في تاريخ البابية وديانتهم وكتبهم وهدم أصولهم ورد
أباطيلهم وقولهم بألوهية ميرزا حسين الملقب بالبهاء.
وذكر في المقدمة أنه عرف من دعاة هذه الديانة بمصر أناسًا يحذر المسلمين
أربعة منهم هم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وهم:
(١) المرزا حسن الخراساني التاجر بالقاهرة وهو عميدهم في أمورهم
المدنية.
(٢) المرزا أبو الفضل محمد بن محمد رضى الجرفادقاني الإيراني وهو
داعيتهم ومؤلفهم.
(٣) فرج الله زكي الكردي صاحب مطبعة كردستان (وهو داعية كبير) .
(٤) حسين أفندي روحي ابن الملا علي التبريزي وهو صاحب مجلة تدعو
إلى هذا الدين ... كان يصدرها في القاهرة باسم (لسان الأمم) - إلى أن قال -:
وهو الآن صاحب مدرسة في القاهرة بخط الحسينية تسمى (المدرسة العباسية)
نسبة إلى عباس أفندي زعيمهم , ومن الغريب أن يلقي المسلمون أولادهم في هذه
المدرسة وهي - إذا صح أنها للبابية كما هو الظاهر - فإنها أشد إفسادًا لعقائدهم من
مدارس دعاة النصرانية؛ لأن جعل المسلم نصرانيًّا عسر جدًّا وأما إفساد عقيدته
بتأويل القرآن وتحريف كلِمِه عن مواضعه كما تفعل الباطنية والبهائية منهم فهو
أسهل من كل إفساد ولكن أي غفلات المسلمين ليس بالعجيب؟ ؟
قبل كتابة هذه أخبرني بعض نبهاء النجديين عن فرج أفندي الكردي أنه حذف
من بعض فتاوى ابن تيمية التي طبعها حديثًا على نفقة بعض أهل الخير والدين
فتواه البديعة في بيان كون سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وما كنت أظن أن
التعصب للبابية يحمله على التصرف في كتب المتقدمين التي يطبعها؛ لأن هذا
يبطل الثقة بجميع مطبوعاته.
(بشرى، بترك المحاربات واتفاق الأمم)
رسالة لفرج زكي أفندي الكردي ادعى أنها (تتضمن البشارات الإلهية،
والبراهين العقلية، بقرب حصول السلام، بين الأنام) وهي عبارة عن إيهام وإبهام،
واستمساك بعرى الأوهام، وجمجمة وغمغمة منها ما لم يفهم، ومنها ما يفهم ولا
يعقل، نشرها يبشر بها المسلمين بالسلام العام، وصواعق المدافع تمزق منهم
الأجسام، وتدرك المعاقل والآطام، وقد استولى الإفرنج على مملكة الغرب الأقصى
من ممالكهم، وزحفت جيوشهم إلى بلاد فارس وطرابلس الغرب؛ لأجل القضاء
على الدولتين الباقيتين لهم، كما صرحت بذلك صحفهم.
وقد بث كاتب هذه الرسالة روح دعوة البابية البهائية في رسالته، والظاهر
أنه ما كتبها إلا لأجل هذا، وأظهر بشارته عنهم فيها هو ما نقله عن القس (وليم
مور) أنه (أخبر بأن الرب ينزل في سنة ١٨٤٣ ميلادي) كذا (وتبعه) كذا
(ألوف من الناس) (قال فرج) : (وهذا الكتاب مطبوع في أمريكا فعلى رأي هذا
القائل يكون قد مضى من ظهوره لهذا العام) أي سنة ١٩٠٥ (اثنان وستون سنة)
اهـ يعني بهذا ظهور الباب والبهاء فإن الباب أظهر دعوته الباطلة بالقرب من تلك
السنة التي ذكر ذلك القس أن الرب ينزل فيها ولعلهم يطبقونها عليها. وتلك السنة
توافق سنة ١٢٥٩ للهجرة وهي السنة التي قالوا: إن الباب أراد أن يحج فيها
ويظهر دعوته بمكة. ولكن الله صرفه فلم يتح له ذلك.
فيا تعسًا لدين هذه دلائله، والقس وليم ميلر وأمثاله أنبياؤه، ويا شقاء من
يضيع شيئًا من وقته بقراءة أمثال هذه السخافات إلا من يحذر الأغرار منها، وإلى
الله المشتكى.