قد طبع مصطفى صادق أفندي الرافعي الجزء الثاني من ديوانه، وشعره فيه يدخل في ستة أبواب، أولها - باب التهذيب والحكمة، وثانيها - باب النسائيات، وثالثها - باب الوصف، ورابعها - المديح، وخامسها - الغزل والنسيب، وسادسها - الأغراض، والمقاطيع، وصفحات هذا الجزء تبلغ ١٢٠. ومما يذكر له أنه أكرم ديوانه عن مدح زيد وعمرو وخالد وبكر فلم يمدح من عظماء الدنيا غير السلطان وأمير مصر، ومن عظماء الدين ورجال العلم غير الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى - ومن الأغنياء غير أحمد باشا المنشاوي أيام وفق للإحسان بماله ولهج الناس بوقفيته. ومن باب النسائيات قوله في المرأة المصرية: أتى عليك وإن لم تشعري الأمد ... وأنت أنت مضى أمس وحل غد فهبك عينًا فما من الناس ذو نظر ... إلا ويؤلمه في عينه الرمد وهبك قلبًا فما في الخلق من رجل ... إلا ويوجعه في قلبه الكمد وهبك من كبد في جنب صاحبها ... أليس يحمل ما تغلي به الكبد عجبت لامرأة هانت وما اعتبرت ... ومن رجال أهانوها وما رشدوا كلاهما رجل في الناس وامرأة ... ولا مميز إلا ذلك الجسد وكل ما حولهم في الذل مثلهم ... يستعبد الكل حتى النهر والبلد يا بنت مصر ولا قوم نعزيهم ... ولا بلاد ولا أهل ولا ولد زاغت عيون بني مصر وضل بها ... غيّ النفوس وهذا الجهل والفند فأنت في نظر الراقين سائمة ... وفي نواظر فلاحيهم وتد وأنت بينهم في كل منزلة ... صفر اليسار يستكمل العدد أقام في رأسك الجهل الذي سلفت ... به الليالي وفي أضلاعك الحسد وما يحلان بيتًا كان في رغد ... إلا وهاجر منه ذلك الرغد (فالسحر والزار والأسياد) جملتها ... لأهلها نكد ما مثله نكد ما أنت في الصين والأوثان قائمة ... وللشياطين في كل الأمور يد تالله لو كان من علم وتربية ... شيء يمازجه ذا الصبر والجلد إذًا لما سخرت من بنت جمعتها ... من يومها السبت أو من يومها الأحد فهل أرى رجلاً فينا أو امرأة ... بعد الخمود وطول الذل ينتقد يا قوم لو نام ليث الغاب نومكم ... لاستنكف الفار إن قاولوا له أسد فهذه القصيدة تشعر بأن الشاعر يرى وجوب تعليم النساء ليسلمن من الأوهام والخرافات، ولكن له ما يدل على خلاف ذلك، كقوله في المقاطيع: يا قوم لم تخلق بنات الورى ... للدرس والطرس وقال قيل لنا علوم ولها غيرها ... فعلموها كيف (نشر الغسيل) والثوب والإبرة في كفها ... طرس عليه كل شيء جميل وأحسن ما قرأت في هذا الديوان قوله في فنون من الوصف وذكر الليل: تقاصر عمر الزمان الطويل ... ولا بد من أجل للعليل وضاق به الأفق ضيق القبور ... فزم الكواكب يبغي الرحيل وراح فخفت هموم القلوب ... كما سار بعد المقام النقيل لقد كدت أبغض لون الظلام ... لولا شفاعة طرف كحيل طوى الشمس فاختبأت أختها ... نفور الغزالة من وجه فيل وكانت إذا احتجبت قبله ... تجاذبها نسمات الأصيل ترى البدر غار فأغرى بها ... وكل جميل يعادي الجميل أم الحظ أرسل لي ذا الدجى ... فكان الرسالة وجه الرسول أم الليل قد قام في مأتم ... فمنه الحِداد ومني العويل ولم أنس ساعة أبصرتها ... وجسم النهار كجسمي نحيل وقد خرجت لتعزي السماء ... عن بنتها إذ طواها الأفول على مركب أشبهته البروج ... تمر به كالبروق الخيول إذا قابلته لحاظ العيون ... سمعت لأسيافهن صليل وإن قاربته ظنون النفوس ... رأيت النفوس عليه تسيل وقد أخرجت نفحات الرياض ... زكاة الرياحين لابن السبيل وقد عبث الدل بالغانيات ... فذي تتهادى وهذي تميل كأن الحواجب قوس فما ... تحرك إلا جلت عن قتيل كأن القلوب أضلت قلوبًا ... فكانت لحاظ العيون الدليل حمائم في حرم آمن ... بهذا الضلوع بناه الخليل وما راعها غير لون الدجى ... يصدئ لوح السماء الصقيل فيا قبح الليل من قادم ... بوجه الكذوب ومرأى العذول بغيض إلينا على ذله ... وشر من الذل بغض الذليل وكم عزني بالأماني التي ... أرتني أن زماني بخيل ومن أمل الناس ما لا ينال ... كما أن في الناس ما لا ينيل وثمن النسخة خمسة قروش وأجرة البريد قرش ويطلب من المكتبة الأزهرية بمصر.