(س١٦) السيد عوض جمعان سعيدان في (سنغافورة) : أرجو من سيادتكم الإفادة عما يأتي ولكم من الله الفضل. سيدي من المشهور أن عند قبور بعض الأولياء صناديق حديد يضع فيهن من يريد قضاء حاجته شيئًا من الدراهم، وعندنا كثير من هذه القبور خصوصًا في جهة (جاوا) ، وتوجد تلك الصناديق عند نهاية الشهر ملآنة بالدراهم ينفق منها القائمون بحراستها ما يقوم بنفقة المقام والباقي يصرف على ورثة الولي إن كان له قرابة، وقد التمس مني أحد الإخوان بإلحاح أن أعرض على سيادتكم هذا السؤال راجيًا نشره في أحد أعداد المنار والجواب عليه بما يمكن العمل به، وهو هل يجوز للورثة أخذ تلك الدراهم مع العلم بأن طالب الحاجة لا يقصد تقديم تلك الدراهم للورثة أو غيرهم بل يقصد بها أن تكون لذلك الولي فقط، أفيدونا لا زلتم مؤيَّدين وبعين العناية ملحوظين. (ج) الميت لا يملك فيكون ملكه لورثته؛ فإذا كانت الحال كما ذكرتم في السؤال فلا يجوز لقرابة صاحب الضريح أكل ما يُلقى في الصندوق من المال لا بعد الإنفاق على القبر ولا قبله، وكذلك لا يجوز الإنفاق منه فيما جرت به العادة من إيقاد السرج والشموع على قبر الولي والمسجد الذي يبنى عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى عن ذلك ولعن فاعله، وقد عد العلماء اللعنة علامة على أن الذنب من الكبائر، ومنها حديث ابن عباس قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وفي إسناده أبو صالح بازام أو باذان تُكلم فيه. وما قاله ابن عباس تشهد له الأحاديث الصحيحة سواء سمع منه أبو صالح أم لا، ففي حديث الصحيحين (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وفي رواية: (لعن) بدل (قاتل) وقد فسرت هذه بتلك، وفي حديث مسلم أن النبي قال ذلك في مرض موته وزاد (فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وفي رواية في الصحيحين (أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا) ... إلخ ومنها حديث جابر عند أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي وصححه والنسائي قال (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُجَصَّص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) وفي رواية أخرى: (وأن يكتب عليه) وقد ذكرنا من قبل هذه الأحاديث، وغيرها فمن شاء فليراجعه، أو ليراجع ما كتبه ابن حجر في بيان الكبيرة الثالثة و٤ و٥ و٦ و٨ والتسعين من الزواجر فإنه بحث في كفر الذين يعظمون قبور الصالحين تعظيمًا يشبه العبادة كما هو المعروف في زماننا. أما الأموال التي يلقيها الجاهلون في تلك الصناديق توهمًا أنهم يستميلون بها أصحاب القبور لتُقضى حاجاتهم بواسطتهم فهي لا تخرج عن ملكهم، وكان يجب على من حضرهم أن ينهاهم عن وضعها، ويُبَيِّن لهم حكم الله في ذلك، ولكن من يحضرونها هم الذين يأكلونها بالباطل، ويشركون فيها من يشركون. وقاعدة الفقهاء في الأموال التي لا يعرف لها مالك أن ترصد لمصالح المسلمين العامة، ومن للمسلمين بمن يقوم بمصالحهم العامة وليس لهم حكومة إسلامية تلتزم الشرع وتقيمه في كل أعمالها وأحكامها، وليس لهم زعماء وسراة يرجعون إلى رأيهم وإرشادهم، فحسبنا الله وإياه نسأل أن يهيئ لنا من يقوم بأمر ديننا قبل أن نكون من الهالكين الميئوس منهم.