شر دول الاستعمار كانت دول الاستعمار شرًّا على الشعوب التي يستعمرون بلادها وحدهم فصارت شرًّا على جميع البشر، فإن التنازع والتحاسد فيه قد أغرى بينها العداوة والبغضاء أو زاد نارهما ضرامًا، فكان أفزع أثر له في العالم هذه الحرب الأخيرة التي هي مصداق لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: ٢٥) فقد أصاب سعيرها جميع البشر، ولا تزال عواقبها السوءَى موضع الشكوى في العالم كله من ضيق المعايش والعسر المالي، وهو لم يزد هذه الدولة إلا طمعًا وجشعًا في سلب الأموال، وضراوة بسفك الدماء، والاستعداد للحرب المدمرة للعمران. وكان المعروف أن شر هذه الدول في الاستعمار فرنسة فإن خطتها في مستعمراتها إفساد عقائد أهلها وأخلاقهم وآدابهم وحرمانهم من الثروة ومن جميع العلوم الدينية والدنيوية، ليرضوا بأن يكونوا كالبهائم والدواب في هذه المزارع الفرنسية يحرثون ويزرعون وينقلون ويبنون لتوفير أموال سيدتهم وتمتيع شعبها الفاسق في الشهوات واللذات. ثم إذا احتاجت إلى الحرب والقتال لتذليل أبناء ملتهم أو للدفاع عن نفسها تسوقهم إلى ذلك كما تسوق الخيل والبغال. ما كان يخطر على قلب بشر أن يوجد في البشر شر على البشر من هذه الدولة ولكن كان هذا قبل استيلاء شقيقتها اللاتينية على طرابلس وبرقة وقبل عهد وزيرها الفاشيستي السنيور موسوليني الذي شبَّهه الملك ابن السعود - كما قال لنا - بمِرْجل من الديناميت على أتون من النار، قد قارب الانفجار، فلا يدري أحد إلا الله ما يكون لانفجاره من فظائع الآثار. ظهرت هذه الدولة في هذا العهد بأفظع ما عُرف في التاريخ الكاثوليكي وحروبه الصليبية من مظاهر الحماسة الدينية، وأفظع ما يؤثر فيه من أخبار الأثرة اللاتينية، وشر ما سطر من عار المظاهر النيرونية، فخطتها الآن نحو الإسلام واستئصال العرب من بر طرابلس وبرقة بالتقتيل والتجويع والإجلاء للرجال، والتنصير للأطفال، والمحلل لذلك عندها أن نسل شعبها من سوء حظ البشر كثير لا تسعه بلاده فيجب أن تنتزع من بلاد الناس ما تقدر على انتزاعه وتستأصلهم منها لإسكانه فيها، وأنه لا بد لها من إعادة المستعمرات الرومانية كلها إلى رومية ... (وسيرى القارئ بعض فظائعها في هذا الجزء) .