قد عرف القراء قبل هذه الحرب رأينا في الدولة، وأنه يُخشى عليها سرعة الزوال إذا ظل أمرها في يد جمعية الاتحاد والترقي، وأما بعد هذه الحرب فقد صار يخاف عليها الزوال كل أحد حتى عوام العثمانيين. وقد كنت أعتقد وأقول منذ بدأت هذه الحرب البلقانية: إذا ذهبت ولايات أوربة من الدولة فلا يمكن أن يُبقي التركُ حكومة الدولة نيابيةً بقانونها الأساسي الحاضر، وناهيك بها إذا ظل أمرها في أيدي الاتحاديين غلاة النعرة التركية. وإن من مقاصد صلحهم مع إمام اليمن والسيد الإدريسي أن يقل عدد العرب الذين لهم حقوق في إدارة الدولة، وقد قامت الشعوب العثمانية تطلب الاستقلال الإداري الداخلي المعبر عنه باللامركزية الإدارية، وتريد الحكومة أن تلهيهم عن ذلك بقانون جديد وضعته للولايات لا ترضى به ولاية باختيارها. وجملة القول في الدولة أنه لا بد من انقلاب عظيم في شكلها العام الدستوري، وفي إدارتها الداخلية. وأما حالتها الخارجية فالظاهر لنا أن دول أوربة المسيطرة عليها لا تريد الآن أن تحدث في ولاياتها الآسيوية تقسيمًا. وقد بلغنا أن بريطانيا العظمى - وهي صاحبة النفوذ الأعلى في السياسة الأوربية العامة تريد - وتقنع الدول بما تريد - أن تمهل الدولة خمس سنين لإصلاح بلاد الأناضول وتساعدها على ذلك بمساعدتها على عقد قرض لا يقل عن عشرين مليونًا من الجنيهات. ونحن نعلم أن إنكلترة لا بد أن تختم هذه الحرب بإظهار مساعدة للدولة، ترمي به إلى عدة أغراض، منها: إرضاء مسلمي الهند الذين اشتد سخطهم عليها، وسنبين سائر هذه الأغراض إذا صار ما بلغنا أمرًا مفعولاً. *** حكمت علينا كثرة المواد الضرورية أن نؤخر شكرنا لأهل عمان والعراق على إكرامهم إيانا في رحلتنا الأخيرة، كما أخرنا كثيرًا من التقاريظ والأخبار.