للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: المسيو شاتليه


الغارة على العالم الإسلامي
أو فتح العالم الإسلامي [*]

(٩)
مؤتمر لكنهوء سنة ١٩١١
وقام بعد ذلك القسيس (ك. س) المبشر في (مِدراس) ، فتلا تقريرًا عن
مشايخ الطرق والدراويش في إفريقية، وقدم له مقدمة تاريخية اقتبسها من المؤلفات
الفرنسية. والمعلومات التي تضمنها هذا التقرير هي ملخص كتاب ألفه هذا القسيس
اسمه (الطرق الصوفية في الإسلام) .
ثم قال: إن الإسلام أخذ ينتشر في الحبشة، وسيصبح شمال الحبشة عما
قريب بلدًا إسلاميًّا. أما (منبسة) وشرقي إفريقية البريطانية، فلا أثر فيهما
للدراويش المبشرين، وليس هناك نجاح للإسلام في شمال نيجيرية حتى الأيام
الأخيرة، وذلك لما كان يلقاه هذا الدين من مقاومة القبائل الوثنية له. إلا أن
الاستعمار الإنكليزي قد وطد الأمن العام ومهد السبيل لسياحة المسلمين. وانتشار
الإسلام على يد التجار الهوسيين. وفي نيجرية مسلمون تربوا تربيةً إسلاميةً، وهم
على مذهب مالك بن أنس وقد درسوا تفسير البيضاوي وصحيح البخاري وكتب
الغزالي.
والإسلام في جنوب هذه البلاد قد انتشر انتشارًا سريعًا بفضل الهوسيين أيضًا،
وقسم من هؤلاء ينتمي إلى الطريقة التيجانية منذ ٨٠ سنةً. وهذه الطريقة قد
اتسع نطاقها حتى جهة (ألبيدة) ومشايخها هم الذين شدوا أزر أمير سكوتو أثناء
اقتتاله مع الإنكليز. وعلى كل فالظواهر تدل على تقدم الإسلام بانتظام في مقاطعة
(سيراليونة) وهو ينتشر أيضًا في (نياسالند) منذ ١٢ سنةً بفضل عرب زنجبار
والبلاد الممتدة من (بحيرة نياسة) حتى الشاطئ الإفريقي الشرقي لا تكاد تخلو بقعة
فيها من مسجد أو رجل يدعو إلى الإسلام، وبالعكس من ذلك مقاطعة (رودزية)
فإن الإسلام لا يكاد يكون له فيها أثر.
وقام بعده الأستاذ (مينهف) ، فذكر بعض دواعي انتشار الإسلام مثل انقطاع
تجارة الرقيق، وانتشار الأمن ونفوذ المسلمين من الوجهة الاقتصادية والتجارية،
ومما قاله: (إن بين الأوروبي والإفريقي هوَّة تفرق بينهما. والمسلمون قد تمكنوا من
إزالة الهاوية التي كانت بينهم وبين الزنوج بأن جعلوا لهم إلى هؤلاء سلمًا. فأهالي
الساحل الشرقي في إفريقية والهوسيون في السودان الغربي هم الآلة العاملة لانتشار
مدنية الإسلام في إفريقية بلغة البلاد التي هي مزيج من العربية والبربرية
والإفرنجية (لانغوافرانكا) وهذه اللغة هي واسطة التعارف في الأقاليم الكبرى.
وشدد النكير على القائلين: إن الإسلام أكثر موافقة للشعوب الإفريقية، وقال:
إن من شأن هذه الفكرة أن تحبب المسلم إلى الأوروبيين وتحملهم على مجاملته مع
أن أساس هذه الفكرة واهٍ إلا إذا كان معناه أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات المنتشر
في أفريقية. وقد أظهرت التجارب الكثيرة في الاستعمار الأوروبي أن الأوربيين لا
يختلفون في شيء عن الإفريقيين من الوجهة العملية.
أما إن الإسلام في مستوى أرقى من مستوى الشعوب الإفريقية، فذلك لأن
هؤلاء يعيشون على طريقة القرون القديمة ومدنية الإسلام هي بدرجة مدنية القرون
المتوسطة، ولذلك يسهل على الإفريقيين اقتباسها , وأما مدنية أوربة فهي أرقى
المدينتين الإفريقية والإسلامية، ولذلك يصعب على الإفريقي الوصول إليها
والاحتكاك بها.
والأوروبيون لم يثبتوا في نشر مدنيتهم في الإفريقيين إلا في الجنوب ولذالك
أصبح القيام بهذا الأمر واجبًا على المبشرين كَيْلاَ يعلو الإسلام على النصرانية.
وصار من الواجب على إرساليات التبشير أن تتحكك بالمسلمين، وتتسلح بالمعدات
الكافية لقتالهم، وأن لا تخشى ذلك كما كانت تفعل حتى الآن. وينبغي لهم أن لا
تكون أعمالهم لاهوتية محضة، بل يجب أن يطرقوا أبواب الطب
والصناعة، وكل الأعمال التي يتفوق فيها الأوربي على الشرقي.
***
الانقلابات السياسية
ومن المسائل التي عقد مؤتمر لكهنوء للبحث فيها الانقلابات السياسية في
ممالك الإسلام فابتدأوا بالبلاد العثمانية، وتقدمت ثلاثة تقارير عن الحالة السياسية
في البلاد العثمانية الأول من الأستاذ (استوورد كروفارد) عن (الانقلابات
العثمانية) والثاني من القسيس (ينغ) عن (الانقلابات السياسية في جزيرة العرب)
والثالث من القسيس (تروبريدج) عن النظام الجديد والنظام القديم في السلطنة
العثمانية) مع ملاحظة موقف إرساليات التبشير في كل ذلك.
تساءل استوورد كروفارد في أول تقريره عن الموقف الذي يجب أن تكون فيه
إرساليات التبشير المسيحية تجاهَ قوات الإسلام الجديدة بعد الانقلابات العثمانية ثم
قال: إن الأمة العثمانية بحصولها على بعض الحقوق الوطنية العصرية قد أخذت
تتدرج في مدارج نهضة عظيمة، وتظهر إحساسًا وطنيًّا جديدًا أمام المسئولية
الديموقراطية. وهذا الأمر لا يقتصر على الرعايا المسلمين بل يشترك معهم فيه
العثمانيون من غير المسلمين، وهؤلاء قد بدأوا يتحولون عن فكرة الاستعانة بالدول
الأجنبية، وحدث بين المسلمين والنصارى تقرب محسوس بالرغم من حدوث بعض
حوادث مزعجة.
إلا أن الإسلام قد ظهر في قالب جديد؛ وذلك لأن الانقلاب الذي أحدثته الأمة
العثمانية إنما كان إسلاميًّا محضًا، بل إن فكرة الدفاع عن الإسلام هي التي أعانت
على حدوث الانقلاب.
وعلى هذا فواجب المبشرين مزدوج أمام هذا المزيج الغريب المتكون من
الرغبة في الارتقاء والتمسك بالتقهقر! وبهذا الواجب المزدوج يمكن لهم أن يعينوا
مركزهم إزاءَ المسلمين العثمانيين , أما الواجب الأول فهو إظهار المجاملة للقوة
الجديدة التي انتبهت في العثمانيين بعد سباتها بالرغم من أن الشعور الإسلامي
الحقيقي يعرقل سيرها!
وبهذه المجاملة يمكن تنشيط المسلمين لاقتباس الأوضاع الجديدة وترقيتها على
وجه يشبه الأوضاع التي تباهي النصرانية بها. ولم يسبق لنا أننا رأينا الإسلام لينًا
وملائمًا إلى حدّ تقدير المبادئ النصرانية قدرها. وهذه فرصة ثمينة ينبغي لنا
انتهازها للتحكك بالعالم الإسلامي وهدايته إلى الإنجيل الذي هو أرقى وحي أهداه
الشرق للغرب؟ ! وما علينا إلا أن نستصرخ المسلمين ليستردوا إليهم بضاعتهم
الطبيعية، فيطبقوا مبادئها على أعمالهم الضرورية من اجتماعية وقومية ويفسروها
بأنفسهم على ما يوافق هواهم. ووقتنا أضيق من أن يتسع للطعن في عقائدهم. وإذا
ثبتنا على تلك الطريقة الفاسدة في إظهار المسيحية بمظهرها أيام الحروب الصليبية
فإنما نكون قد خنا المسيح الفاتح!
وأما الواجب الثاني فهو الصبر الذي يعرفه من عرف حكمة الإنجيل في النمو
التدريجي وهي تبتدئ بالعشب، ثم بالسنبلة، ثم يتبعها انتظار طويل ريثما ينضج
الحَب. إلا أن النمو الأخلاقي بطيء خصوصًا إذا كان متعلقًا بأمّة من الأمم.
ثم قال: إن المسلمين يقتبسون مِنْ حَيْثُ لا يشعرون شطرًا من المدنية
النصرانية، ويدخلونه في ارتقائهم الاجتماعي، وما دامت الشعوب الإسلامية تتدرج
إلى غايات ونزعات ذات علاقة بالإنجيل، فإن الاستعداد لاقتباس النصرانية يتولد
فيها على غير قصد منها؟ !
وقد علقت مجلة العالم الإسلامي الفرنسية على هذا القول بأنها تكتفي في بيان
أهمية ما يقوله استورد كروفارد بتذكير القراء بالجملة التي اتخذتها جمعية الطلاب
المتطوعين للتبشير شعارًا لها منذ سنة ١٩٠٥ وهي (تنصير العالم قاطبةً في هذا
العصر) فإن في هذا الشعار ما يدل على أن أقوال المبشرين تندرج نحو
الحقيقة!) .
أما تقرير القسيس (ينغ) عن الانقلابات السياسية في جزيرة العرب فلم تذكر
منه مجلة العالم الإسلامي الفرنسية إلا ما يتعلق بحالة المبشرين، ومما قاله صاحب
التقرير: إن اليمن وسائر بلاد العرب يوجد فيها دائمًا متعصبون يرون أن في
المساواة بين المسلمين والنصارى ضررًا وقضاءً على الإسلام، ولكن علماء الإسلام
المتنورين يقولون: إن الشريعة الإسلامية تأمر بالمساواة، ثم هم من الوجهة
الشخصية لا تمكنهم الموافقة على أن المسيحي يساوي نصف المسلم وإنْ كان
المسيحيون مساوين للمسلمين في الحقوق السياسية والشرعية.
وهو يرجو أن يكون إنشاء الطرق والسكك الحديدية وتشييد المدارس أبوابًا
ومنافذ بين المسلمين والنصرانية.
وختم تقريره بقوله: (إنه قد أزف الوقت لارتقاء العالم، وسيدخل الإسلام في
شكل جديد من الحياة والعقيدة، ولكن هذا الإسلام الجديد سينزوي في النهاية
ويتلاشى بالنصرانية) [١] .
وبعد أن فرغ الخطيبان السابقان من تلاوة تقريريهما قام بعدهما القسيسين
(ترويربدج) فألقى على مسامع زملائه تقريره عن النظامين الجديد والقديم في
السلطنة العثمانية. فقال: المبشرون كانوا منذ ابتداء أعمالهم التبشيرية قبل ٨٠
سنة مظهرًا لتسامح الحكومة العثمانية كما هو شأنها مع الرعايا الأجانب الذين تحميهم
الامتيازات الأجنبية، أما المتنصرون الوطنيون فهم على نقيض ذلك؛ لأنهم كانوا
دائمًا عرضة للسجن والطرد، كما أن المبشرين من وجه آخر كانوا يلاقون الصعاب
والعقاب في سبيل تشييد المدارس والكنائس ونشر المطبوعات.
ثم أشار بعد ذلك إلى ملخص البند العاشر من القانون الأساسي الذي يحظر
خرق حرية الأفراد أو إلقاء القبض على أي شخص ومعاقبته بلا مسوغ منصوص
عليه في الأحكام الشرعية الإسلامية والنظاميات القانونية. ثم قال: ومع ذلك يتعذر
الوقوف على حقيقة خطة الحكومة بالاستناد على أقوال الكثيرين التي تلقى على
عواهنها، بل إن ذلك يتطلب التنقيب والاختبار الشخصي، ولذلك قسم الخطيب
الكلام في أعمال المبشرين بالنسبة إلى موضوعها ليسهل الوقوف على موقف
الحكومة إزاء كل منها، فقال عن الأعمال المدرسية: إن في استطاعة المسلمين
التردد إلى مدارس وكليات التبشير وبين جدران الكلية البروتستانتية في بيروت
١٠٤ من المسلمين وفي كلية الآستانة ٥٠ وفي كلية المبشرين في كديك باشا في
الآستانة أيضًا ٨٠ ومنذ بضع سنين صدر أمر خفي بجواز التردد على الكلية الأولى
والثانية.
وانتقل إلى قسم التأليف فقال: كان طبع الكتب المقدسة مباحًا منذ مدة
طويلة من لدن الحكومة العثمانية إلا أن مهمة بائعي الكتب المتنقلين كانت محفوفةً
بكل أنواع الصعوبات. وأصبح الآن بيع الكتب المقدسة مباحًا بسبب حرية النشر
التي أعقبت الدستور فبيع في السنة الماضية للمسلمين ما يزيد على ٩٠٠٠ نسخة
من هذه الكتب، وليس هناك صعوبات تقوم في سبيل الكتب المختصة بانتشار
التبشير، ولكن يجب على المؤلفين عدم الخوض في غمار المناقشات الدينية؛ لأن
الحكومة الحاضرة لا تسمح ألبتة بنشر الكتب التي على شاكلة مؤلفات فندر.
وقال عن الأعمال الطبية والخيرية: إنها منتشرة جدًّا في البلاد العثمانية،
ومما يجدر ذكره أن القسيس (بيت) التابع لإرسالية التبشير في الآستانة عين
رئيسًا للجنة الإسعاف الخيرية التي تأسست تحت رعاية السلطان عقب مذابح أطنة
والتبشير الديني جارٍ بلا صعوبة في المستشفيات التي يدير أعمالها المبشرون.
ثم قال عن الأعمال النسائية: إن الحكومة سمحت عقب إعلان القانون
الأساسي لخمس فتيات عثمانيات مسلمات أن يتعلمن في كلية البنات الأمريكية
ليتهيأن إلى إدارة أمور مدارس الحكومة للبنات، كما أن عددًا قليلاً من البنات
المسلمات في الولايات يتردد إلى مدارس إرساليات التبشير. أما الحكومة فتظهر
الاحتفاظ التام بحالة تربية المرأة المسلمة، وتحظر على النساء التردد إلى
المجتمعات العمومية.
وقال عن أعمال التنصير: إن الحكومة العثمانية تتداخل ولو من طرف خفي
عندما يتصل بها خبر اعتناق مسلم الدين المسيحي، فتزجه في السجن لأي سبب
كان أو تبعده سرًّا عن وطنه جزاءَ ارتداده. وكان الإعدام من قبل عقابًا للارتداد عن
الإسلام ولم يزل المرتد إلى أيامنا هذه عرضة للعذاب الأليم. ومما لا مرية فيه أن
الموظفين المتنورين يمجون هذه الأعمال. أما التبشير الإنجيلي في الشوارع
والأسواق فمحظور , وقد دخل التسامح في شكل جديد عقيب قبول اندماج
المسيحيين في الجندية؛ لأن ارتداد المسلم عن دينه كان يعتبر خيانة ووسيلة
للتخلص من الخدمة العسكرية. أما الآن فأصبحت مسألة اعتناق الدين المسيحي
دينية محضة.
ثم قال صاحب التقرير: إنه يتعذر إدراك ما يخبئه لنا المستقبل؛ لأن بوادر
الأحوال تدلنا على أن الحكومة العثمانية لا ترغب في منح الحرية الدينية الحقيقية
لأن الدين الإسلامي هو دين الحكومة الرسمي، ولم يخرج القانون الأساسي إلى
حيز الفعل إلا بقدر انطباقه على الشرائع والتقاليد الإسلامية. ومهما يكن الأمر فإن
إرساليات التبشير لا تشكو ضيمًا بعد أن أسفر التحقيق الذي أجري في إرساليات
التبشير في الآستانة وسلانيك ووان ومرعش وعينتاب عن أن خطة الحكومة
الحاضرة موجبة لنهض همة المبشرين.
وبعد أن انتهى البحث في أحوال السلطنة العثمانية انتقل المؤتمر إلى البحث
في الانقلابات السياسية في فارس. فألقى القسيس (اسلستين) الذي مضى عليه
٢٣ سنة في هذه البلاد تقريره في هذا الموضوع، فوصف الحالة الحاضرة السياسية
والحركة الاجتماعية في فارس. وقال: إن عصر الحرية الدينية سيزيد في عدد
البابيين أو البهائيين. وأنه يوجد ألوف من الفارسيين ينبذون الإسلام ويندمجون في
بعض المذاهب، أو يظلون بلا عقيدة دينية. فظهر على إثر ذلك توتر في العقائد
الدينية الإسلامية في كل أقاليم فارس، وهذه الأمور حملت صاحب التقرير على
القول بأن الإسلام ينحط في البلاد الفارسية! وقال: إن أعمال التبشير في هذه
البلاد توجب مزيد الحيطة والتستر؛ نظرًا للأحوال الخاصة التي تمتاز بها فارس،
وهو يشير على المبشرين ببذل قصارى الجهد للإقناع واستجلاب القلوب، إلا أنه
يحذرهم من السبّ في الإسلام أو ذكر انحطاطه مِنْ حَيْثُُ أصولُه الدينية خصوصًا
وأن موقف الفارسيين تجاهَ المبشرين هو موقف حسن في الغالب إذ أن كثيرين منهم
يرغبون في تربية أولادهم في مدارس المبشرين مع علمهم أنهم يتعلمون الإنجيل.
لكن هذه الرغبة لا تدل على أنهم يودون اعتناق النصرانية، بل إن تشوقهم إلى
التعليم صادر عن علمهم أنه هو الدواء الناجع لاتقاء الصعاب التي تتخبط فيها
فارس الآن. فهم لا يرغبون في النصرانية بل جُلّ ما يتوخونه هو اقتباس مبادئ
الحضارة العصرية.
وبعد أن فرغ المؤتمر من الخوض في الانقلابات في فارس انتقل إلى إقليم
آسيا الوسطي التي لم تصل إليها إرساليات التبشير مثل أفغانستان والتركستان
الصينية والأقاليم الروسية الآسيوية فتُلي تقرير الكولونل (ج ونجت) الذي يشير
إلى بعض الأعمال التي بوشر بها في آسيا الوسطي. فاتضح منه أنه تعذر على
المبشرين الإنكليز اجتياز الحدود الهندية للدخول في آسيا الوسطي بسبب العراقيل
التي توجدها الحكومة الإنكليزية منعًا لهم من اجتياز هذه الحدود. ولكن سبقها
مبشرون آخرون إلى هذه البلاد إذ هبطت إرسالية تبشير أسوجية بروتستانتية مدينة
(كشغر) و (بركند) وتأسست إرسالية تبشير مجرية في (لح) وعرج مبشرون
بلجيكيون كاثوليك على (خولجة) وتوجد إرسالية تبشير طيبة دانمركية في (حوبي
مردان) تقوم بها النساء ووظيفتها التبشير بين النساء المسلمات وهي على أُهْبَة
الهبوط إلى (كابل) .
ومما لا شك فيه أن النساء اللواتي يتعاطين الطب يلاقين مزيد الحفاوة؛ لأن
المسلمين لا يهتمون بأعمال النساء المبشرات، ولا يضمرون لهن سوءًا، ولكن
يعتور أعمال المبشرين في هذه البلاد صعوبات، ويمكننا أن نعرف موقف حكومة
الأفغان الرسمي بمراجعتنا نبذة من خطاب ألقاه أمير الأفغان على مسامع الطلبة
المسلمين في مدرسة لاهور؛ إذ قال لهم: (لا خوف عليكم من أن الدين المسيحي
أو أي دين آخر ينتزع منكم العقيدة الإسلامية بعد اقتباسكم التعليم الغربي، ولكن
ينبغي لكم أن تقوموا قبل كل شيء باقتباس العقيدة الإسلامية وأنتم في مقتبل عمركم)
واتضح بعد ذلك أن المبشر (هوغبرغ) التابع لإرسالية التبشير الأسوجية
الذي أخذ يبشر بين المسلمين في التركستان الروسية اضطر أن يفر من مقاومة
الحكومة الروسية له إلى (كشغر) حيث لقي مزيد التسامح من الحكومة الصينية.
وقرئ بعد ذلك تقرير المس (جاني فن ماير) المبشرة في تفليس وهو
يحوي أمورًا تاريخية تتعلق بالتبشير بين المسلمين القاطنين في روسية. والقسم
الأول من هذا التقرير يتعلق بتاريخ تنصير تتر قازان وإلى المساعي التي بذلها
المبشر الأرثوذوكسي (إيلمنسكي) لتنصير المسلمين وجعلهم روسيي النزعة وقد
لاقى ما لاقاه من المقاومة في هذه السبيل نظرًا لشدة نفوذ التتر، وتسيطرهم على
الشعوب غير النصرانية في روسية، وتقول صاحبة التقرير: إنه مهما كانت درجة
مساعي المبشرين الأرثوذكس، فإنها لا تعادل ما يبذله المبشرون البروستانت في
هذا السبيل. وقد تأسست جمعية التبشير الأرثوذكسي سنة ١٨٧٠ وهي منتشرة في
أكثر الأقاليم الروسية وسيبرية ومركزها في (موسكو) وأنفقت حتى الآن ما يربو
على خمسة ملايين ريالاً وهي تدير أعمال ٧٠٠ مدرسة يتعلم فيها ١٩٠٠٠ تلميذ
وتنصر بواسطتها ٤٤ مسلمًا سنة ١٩٠٨، وبلغ ما نصرته للآن ١٦٧٠ مسلمًا،
وأخذ التبشير ينتشر في ولاية (توبلسك) بواسطة جمعية التبشير المركزية المخالفة
للإسلام وهي جمعية أرثوذكسية، وتوجد جمعيات تبشير أرثوذكسية كثيرة في ولاية
(فولغا) تتضافر جميعها على شد أزر التبشير وتؤسس المدارس لتعليم أولاد التتر
والشوقاش. قالت صاحبة التقرير: ولكن الأعمال التي يقوم بها المبشرون الروس
بين التتر عقيمة؛ لأن التتر متعصبون متمسكون بدينهم وهم أنفسهم مبشرون
نشيطون، ثم أشارت إلى جمعية التبشير للكنيسة الروسية في القريم وأنها تقوم
بعمل مزدوج؛ فتعلم المبشرين في مدارس تعلم فيها اللغة التركية والعربية، ولها
أيضًا مبشر ينتقل من محل إلى آخر، فيتنصر على يده كل سنة أربعة أو خمسة من
المسلمين وللمبشرين الروس إرساليات تبشير أخرى منتشرة في الولايات الروسية
الأوروبية وبعضها طبية، ولكن مهمة المبشرين تزداد صعوبة حيثما وجدت قبائل
الكركز والباخير والتركمان قريبة من التتر؛ لأن هذه القبائل تقع تحت نفوذها،
وهناك يستفحل النزاع بين المبشرين المسيحيين والتتر.
وانتقلت بعد ذلك صاحبة التقرير إلى ذكر الأعمال التي تقوم بها إرساليات
التبشير البروتستانتية، فاعترفت بعدم اهتمام الكنائس البروتستانتية الروسية في
تبشير العشرين مليونًا من المسلمين والخمسة الملايين من الوثنيين القاطنين في
روسية؛ لأنها لم تقم للآن بعمل يذكر، وقالت: إن كنائس بروتستانتية أخرى قامت
بهذه المهمة ولها مبشرون في تركستان وبين قبائل (الكركز) وأهم إرساليات
التبشير التي تسعى لتنصير المسلمين في كل أقطار روسية هي إرسالية التبشير
الأسوجية التي لها مركز عام في تفليس وفروع للتبشير في بخارى وأورنبورغ
وسمرقند و (كشغر) . وبما أن الحكومة الروسية لم تسمح لهذه الإرساليات بالتعليم
ولا بالتطبيب فهي تكتفي بتوزيع الكتب المقدسة باللسانَيْنِ الفارسي والتركي، وبلغ
عدد الذين تنصروا بواسطتها ١٤ شخصًا، أما إرساليات التبشير في بخارى
وسمرقند فاضطرت إلى توقيف أعمالها عَقِيبَ الاضطرابات التي طرأت، وهذه
الإرساليات تجد صعوبات شديدة في (بخكيرس) ولم تحصل على نتائج صريحة
وتقوم جمعية التوراة الإنكليزية والأجنبية بنشر نسخ الإنجيل في كل البلاد الروسية
ولها مركزان واحد لأوربة روسية وتركستان والآخر لسيرية وهما يقومان بنشر
الأناجيل في عشر لغات إسلامية ويظهر أن عدد الأناجيل التي تباع للمسلمين ازداد
عن ذي قبل وختمت صاحبة التقرير كلامها بالإشارة إلى بعض إرساليات تبشير
صغيرة منتشرة في الأقاليم التي يقطنها المسلمون.
تلي بعد تقرير المس (جاني فن ماير) الطويل ثلاثة تقارير، أولها للقسيس
(ويلسن) عن أحوال الهند والثاني للقسيس (جون تكل) عن تقدم الإسلام في الهند
والثالث للقسيس (وتبرخت) عن حركات الإصلاح في الهند.
وقد جاء في التقرير الأول للقسيس (ويلسن) أن الحركة العصرية التي
تتمخض بها الأرجاء الهندية لم تأت بثمرة للآن ولم تظهر إلا بشكل أفكار وأميال
ونزعات. ولكي يتسنّى لنا الوقوف على ما يكون من تأثير هذه الحركة في أعمال
التنصير يجدر بنا الانتظار ريثما تتحقق مآرب حاملي لواء الإصلاح في الهند.
وليس هناك داعٍ للاستغراب أو للفشل إذا أظهر المسلمون عدم إقبال على
اقتباس المبادئ الإنجيلية؛ لأن الاهتمام بالحياة العقلية السياسية الحديثة يدعو إلى
تعليق الآمال بالنهضة التي ترفع شأن الإسلام، فلا يبقى ثمة في نفوس المسلمين
موضع للتفكير في أمور أخرى. لكن صاحب التقرير لا يشك في أن التربية الغربية
هي من قبيل قوة تنحلّ بها عرى الروابط الإسلامية.
وقد قال بعد ذلك: (إن مطالعة التاريخ المجرد من المحاباة والتغرض تميط
اللثام عن حقيقة مصادر الإسلام؛ لأن العقل الذي اعتاد التنقيب العلمي لا يقبل
الاعتقاد عفوًا وبلا روية بالعقائد التقليدية!) وهو يعتقد أن انتشار التعليم يساعد
على تبديد الخرافات القديمة بخصوص المسيحية. واختتم القسيس ويلسن تقريره
معربًا عن أمله الوطيد بالحصول على نتائج حسنة في المستقبل.
وتلاه القسيس (جون تكل) فاستهل تقريره بإلقاء نبذة في تاريخ انتشار
الإسلام في الأقاليم الهندية وقال: إن الإسلام آخذ في الازدياد وإن العراقيل التي
تُلقى في سبيل انتشاره تكاد تكون في حكم العدم. وأشار إلى مقاطعة البنغال فقال:
إن عدد المسلمين فيها بلغ سنة ١٨٧١ ستة عشر مليونًا ونصف مليون وكان
الوثنيون ١٧ مليونًا.
ثم اتضح من إحصاء سنة ١٩٠١ أن المسلمين في هذه المقاطعة صاروا ١٩
مليونًا ونصف مليون وأن الوثنيين صاروا ١٨ مليونًا. ثم تساءل عن أسباب نمو
المسلمين وأجاب: إنه لا يمكن أن ينسب هذا النمو إلى تعدد الزوجات؛ لأن ٢٩
في المائة فقط من مسلمي البنغال متزوجون بأكثر من واحدة، كما أنه لا يمكن القول
بأن هذه الأسباب ناشئة في أكثر الأوقات عن التثبت بصحة العقيدة الإسلامية؛ لأنه
اتضح له من التحقيق الذي قام به للوقوف على الأسباب التي حملت ٤٠ شخصًا
على اعتناق الدين الإسلامي في أوقات متفاوتة: إن ٢٣ منهم اعتنقوا الإسلام
لأسباب ناشئة عن العواطف، وسبعة منهم لارتباك في أحوالهم، والباقون أسلموا
لأسباب مختلفة.
وقد أسفر التحقيق الذي قام به مبشرون آخرون عن نتيجة واحدة مِنْ حَيْث
نسبةُ الأسباب إلى مسبباتها. وقال: إن الوقوف على أسباب نمو الإسلام يمهد
الحصول على وسائل توقيف تياره، ولذلك ذكر لأعضاء المؤتمر بعض
اقتراحات تتعلق بالاحتياطات التي يجدر بالمبشرين اتخاذها، وأهمها ضرورة زيادة
القوات التبشيرية الأخصائية وأيد اقتراحه بقوله: إن ثلث مسلمي الهند - الذين
بلغوا في إحصاء سنة ١٩٠١ اثنين وستين مليونًا ونصفًا - قاطن في مقاطعة البنغال
ومع ذلك فلا يوجد في هذه البلاد مبشرون اختصوا بتبشير المسلمين.
وانبرى بعد ذلك القسيس (وتبرخت) فتلا تقريره، ومما قاله إنه
يجدر بالمبشرين إظهار مزيد اللياقة عندما يتحككون بالمسلمين المتنورين، وإن
ظهور بعض الجهال بمظهر العظمة والغطرسة قد زال الآن وحلّ محله احترام
حسنات المدنية المسيحية! وأعمال الدين المسيحي الخيرية (!) ثم أوصى المبشرين
بالتواضع وقال لهم: إذا كان المسلم يبالغ في سؤدد ومجد حضارة بغداد وقرطبة
ودرجة ترقي أفكار علماء العرب فلنتذكر نحن أيضًا أن هذا التاريخ يحوي
صحائف مجيدة ولنتذكر أيضًا أنه وإن يكن الإسلام بقي دين الشعوب التي هي دوننا
في المدينة فإن أنصاره نجحوا أكثر من المسيحيين بإزالة الحواجز التي
تفصل بين الأجناس.
ثم جاء بعد ذلك دور المستر رودس التابع لجمعية التبشير في الصين الداخلية
وهي الجمعية الوحيدة التي توغلت في الصين، وبعد أن تكلم في نسبة المسلمين
العددية وأحوالهم الاجتماعية والسياسية تكلم عن أعمال التنصير التي يقوم بها
المبشرون، فقال: إن أعمال المبشرين كانت حتى الآن في زوايا الإهمال إلا أن
المجهودات التي بذلها هؤلاء تكللت بالنجاح، وأبادت خرافات كثيرة، فتوطدت
العلاقات بينهم وبين المسلمين، واعتنق بعض المسلمين الدين المسيحي، وهم
منهمكون الآن بنشر الإنجيل، ولكن لم يبلغ مسامعه أن عالمًا مسلمًا اعتنق الدين
المسيحي.
ثم أشار بعد ذلك إلى العقبات التي يلقاها المبشرون في الصين، وأهمها
ضرورة وجود لغتين للمبشرين: اللغة الصينية التي تستعمل مع العامة واللغة العربية
لأجل العلماء والطلبة، ويوجد هناك عقبة أخرى وهي صعوبة وجود كلمة في اللغة
الصينية للدلالة على اسم الجلالة. واختتم تقريره بلفت أنظار المبشرين إلى الصين،
وقال: إن النصر ليس حليف الإسلام في الصين إلا أن العلماء المسلمين ينكفئون
على هذه البلاد من الهند وجزيرة العرب وبلاد الدولة العثمانية؛ لأجل توطيد أركانه
هناك، وحض الخطيب أعضاء المؤتمر على تعزيز عدد المبشرين الواقفين على
اللغة العربية، وإرسال نساء مبشرات للقيام بالتبشير الطبي وسط النساء الصينيات
وطلب تأسيس إرساليات طبية ومستشفيات.
ثم ألقى على مسامع المبشرين سؤالاً لا يتعلق بمسلك الحكومات نحو المبشرين
ويتضمن البحث عن أحوال المسلمين الموجودين تحت سيطرة المسيحيين، أو
الذين تحت حكم الوثنيين، وقد اتضح من الخوض في هذا الموضوع أن (هولندة)
هي الحكومة الوحيدة التي تروج أعمال المبشرين وتستحق رضاهم عليها، ويظهر
أن ألمانية أخذت تفتدي بها في مدة قريبة أما إنكلترة فهي هدف لانتقاد المبشرين؛
لأنهم يزعمون أن المسلمين في مصر يهضمون حقوق الأقباط؛ لأن التعليم الديني
الإسلامي جبري في المدارس المصرية، والحكومة المصرية هي التي تنفق
عليه [٢] .
أما التعليم الديني للتلاميذ الأقباط فاختياري، ويتكفل بنفقته المجلس المِلِّي
القبطي. وأما في السودان، فأعمال المبشرين معرقلة حتى إن كلية غوردون التي
أسستها الأمة البريطانية أصبحت مدرسةً إسلاميةً محضةً والحكومة الإنكليزية في
نظر المبشرين ملومة على انتهاجها خطة الحياد، وشدها أزر المدارس الإسلامية
في مقاطعة (سيراليونة) كما أن ذوي الأمر من الإنكليز في نيجيرية لا يحسنون
معاملة إرساليات التبشير المسيحية، ولا يسمحون لهم بفتح المدارس العصرية بكل
حرية، بينما هم يعضدون المدارس التي تعلم القرآن.
وأما الحكومة الفرنسية، فتسلك خطة الحذر التي لا تنطوي على الود
والإخلاص نحو المبشرين؛ لأن علاقاتها معهم في مدغسكر لم تتحسن، وإن
تكن سمحت لهم بارتياد الجزائر وتونس بدون تعضيد، ويخشى أن تحظر عليهم
التجول في الصحراء والنيجر وأقاليم بحيرة تشاد أو واداي، وقد لام المبشرون
الحكومة الروسية لتباين أعمالها فقد يتفق في بعض الأوقات أنها تروج
أعمال المسلمين التي تضر بالمسيحيين التابعين للكنيسة الرسمية الروسية.
أما خطة الحكومات الوثنية نحو المبشرين، فتختلف باختلاف طباع ومزايا
الحاكم الوثني. وقد قال المبشرون: إنه مهما بلغ طيش الحاكم الوثني وهمجيته
ودرجة اضطهاده فهي لا تبلغ درجة الاضطهادات والأعمال الهائلة التي تخللت
تاريخ الإسلام! وهم يفضلون أن يكونوا مرتبطين بعلاقات مع الوثنيين المستقلين؛
لأنه مهما كانت فائدة حلول الحكومة الغربية محل الحكومة الوثنية؛ فإنها تروج تيار
الإسلام! وتكون مجلبة للعراقيل في وجه المبشرين مِنْ حَيْثُ الأعمال التي يقوم
هؤلاء بها تجاه المعضلة الإسلامية، وقال المبشر وتسون: إن الواجب الضروري
يقضي على المبشرين بالاهتمام بأمر البلاد الوثنية التي يتهددها الإسلام.
***
الجلسة الختامية لمؤتمر لكهنوء
ثم قالت مجلة العالم الإسلامي الفرنسية: إنه يتعذر عليها أن توفي البحث حقه
عن سائر موضوعات هذا المؤتمر؛ لأن هناك كتابًا آخر ظهر في عالم المطبوعات
وفيه بيان أبحاث المؤتمر، ولكنها لم تحصل عليه. وهي تكتفي الآن بذكر بعض
أمور تتعلق بالجلسة النهائية للمؤتمر وهي:
ألقى الرئيس خطابًا يشير فيه إلى انفضاض المؤتمر، ثم وُزعت على
الأعضاء رقاع مكتوب عليها من جهة: (تذكار مؤتمر لكنهوء سنة ١٩١١) ومن
الجهة الأخرى العبارة الآتية: (اللهم يا من يسجد لك العالم الإسلامي خمس مرات
في اليوم بخشوع انظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع
المسيح)
أما القرارات التي دوَّنها المؤتمر في محضر جلساته فهي كما يأتي:
بعقد المؤتمر مرة أخرى في القاهرة سنة ١٩١٦ وإذا طرأت هناك أسباب
سياسية أو أمور أخرى تحول دون اجتماعه في هذه المدينة فيعقد حينئذ في لندرة.
ومؤتمر لكنهوء يوافق مؤتمر إرساليات التبشير الذي عقد سنة ١٩١٠ على ضرورة
بذل المساعي في القارة الإفريقية دون أن تمس المساعي التي تبذل في البلاد الباقية. ... ولذلك فهو يرى أنه يجدر بالجمعيات التبشيرية أن تتكاتف وتتعاضد لكي تؤلف
سلسلة قوية من إرساليات التبشير تطوف كل أفريقية، وتؤسس مراكز قوية في
الأماكن التي هي موطن الخطر.
ويجب أن يكون إخراج هذه الفكرة إلى حيز الفعل موضع بحث أهم وأوسع
مما كان في السابق سواء مِنْ حَيْثُ تربية المبشرين أو حسن اختيارهم، الأمر الذي
يحتم اتخاذ التدابير بلا تأخير لإتمام المشروعات التي بوشر بها.
ويرى المؤتمر أن من الضروري العاجل تأسيس مدرسة في مصر خاصة
بالتبشير تكون عامَّةً لكل الفرق البروتستانتية. ويشدد بلزوم التدقيق التام في انتقاء
المبشرين الأَكْفَاء الممتازين بصفاتهم ومواهبهم العقلية ولزوم تعليمهم اللغة العربية
بوجه خاص مع تاريخ الدين الإسلامي وأهم المؤلفات التي تتعلق به.
وأعضاء المؤتمر يدعون اللجنة الدائمة لأنْ تدرس بمزيد الدقة أدوار تقدم
الإسلام في أفريقية وجزائر الملايو ليكون بحثها أساسًا للمناقشات في المؤتمر
المقبل.
ولما كان تنصير النساء المسلمات مع أولادهن ورفع شأنهن! يتطلب دخول
النساء المسيحيات في العمل فأعضاء المؤتمر يشيرون على إرساليات التبشير
بالتشديد على المبشرين والمبشرات بضرورة التحكك بالرجال والنساء عند قيامهم
بأعمالهم التبشيرية، وأن توسع نطاق الأعمال التبشيرية التي تقوم بها النساء في
أفريقية بوجه خاص. وأن تُعْنَى بتربية النساء المبشرات.
وختم المؤتمر قراراته بتنبيه همة الكنائس التبشيرية لإرسال قسم من
المبشرين الموجودين لديها ليشدوا أزر المبشرين في أفريقية.
***
التنظيم المادي لإرساليات التبشير
انتقلت بعد ذلك مجلة العالم الإسلامي إلى البحث في التنظيم المادي لإرساليات
التبشير البروتستانتية الأمريكية والإنكليزية والألمانية، فاستهلت بحثها بوصف
جمعية التبشير للكنيسة الإنكليزية، وقالت: إن هذه الجمعية التي يكثر ذكرها على
صفحات هذه المجلة هي أهم جمعية تبشيرية بروتستانتية. وقد مضى على
تأسيسها ١٠ سنين ويدير أعمالها ١٤٥ أسقفًا ينوبون عن الرئيس وهو أسقف
كنتربوري الإنكليزي وقد كانت إيراداتها سنة ١٧٩٩ خمسة وعشرين ألف فرنك
فبلغت سنة ١٩١٠ عشرة ملايين من الفرنكات، وهذا غير المبالغ الهامة التي ترد
لها وتصرفها في سبيل التبشير من غير تدوين في سجلات صندوق الجمعية.
ومن مراجعة التقارير التي نشرتها هذه الجمعية سنة ١٩٠٦ اتضح لنا أن
مجموع الاكتتابات والإيرادات التي وردت على الجمعية في هذه السنة من البلاد
الإنكليزية فقط ٢٢٨.٥٢٩ جنيهًا. وبلغت الإيرادات الأخرى ١٠٠ ألف جنيه،
وهي مؤلفة من الاكتتابات التي ترد إليها من البلاد الأجنبية ومن المبالغ التي يجمعها
المبشرون. وما فروع عديدة وما فروع عديدة لجمع النقود لا تقع تحت حصر.
ولإدارة هذه الجمعية أهمية كبرى تظهر لنا من مراجعة النفقات التي تتكبدها،
وهي أنها أنفقت سنة ١٩٠٦ مبلغ ١٦.٥٨٤ جنيهًا في سبيل إدارة أمورها ومبلغ
٢٧.٥٨٤ جنيهًا في سبيل تحصيل الاكتتابات والإيرادات. وقد كانت إيرادات هذه
الجمعية في السنة الماضية ٤٠٣.٦١٥ جنيهًا، ونفقاتها ٣٩٤.١١٣ جنيهًا،
وبلغ ما أنفق على الأعمال التبشيرية ٣٢٥.٠٠٠ جنيه منها ٢٥.٠٠٠ جنيه
صرفت للمبشرين الموجودين في غير البلاد الإسلامية. فيكون مجموع ما تنفقه هذه
الجمعية كل سنة للتحكك بالإسلام ٧.٥٠٠.٠٠٠ من الفرنكات. وهي موزعة كما
يأتي ٢١٥٢١ جنيهًا لإفريقيا الشرقية و٣٣٠٤٨ جنيهًا لإفريقيا الغربية و٦٢٤٣
للتبشير في القطر المصري و٨٢٢٤٧ جنيهًا للبلاد العربية والعثمانية والفارسية
و١٢٢٨٤٦ جنيهًا للهند و٥١٦١١ للصين.
وقد قالت هذه الجمعية في تقريرها عن سنة ١٩١١: إن أعمال التبشير في
البلاد الإسلامية ما زالت صعبةً وعرضةً للنفقات الجسيمة إلا أن نتائج أعمالها
أخذت تظهر للعيان. وقد قال: إن نطاق الأعمال التبشيرية اتسع عن ذي قبل في
فارس. أما في مصر فكل المجهودات تبذل في نشر التبشير وتوسيع نطاق التعليم
في الأرياف، وقد كان من شأن السكة الحديدية التي أخذت تجوب شمال نيجيريا
أنها مهدت لمبشري هذه الجمعية سبيل تأسيس مراكز تبشيرية في الأمكنة الإسلامية.
والإسلام يندفع نحو اقتباس المدنية العصرية، وهذه النهضة التي يدب دبيبها
في صدور المسلمون تدعو إلى تنافس حقيقي بينهم وبين المبشرين للاستيلاء على
المراكز التي يتوخونها، وقد ظهرت هذه النهضة أيضًا في إفريقية الشرقية الألمانية
حيث صارت السكك الحديدية منهمكةً بنقل بضائع المسلمين إلى أحشاء البلاد،
وكذلك الحال في السودان المصري الذي ظهرت فيه حركة إسلامية حقيقية تطرقت
إلى داخل البلاد، وتوجد أيضًا في نيجيريا الشمالية بعض أقاليم وثنية على حدود
بلاد إسلامية كبيرة، وهذه الأقاليم أصبحت عرضةً لبحر الإسلام الطامي، أما في
نيجيريا الجنوبية فينتظر حدوث نزاع بين المسلمين والمبشرين من يوم إلى آخر،
ويتفوق المسلمون في أكثر هذه الأقاليم على إرساليات التبشير في المال والنفوذ
وبينما كان مسيحيو مدينة (أبا يوكوتا) يخصصون مبلغ ٧٥٠٠٠ فرنك لأجل بناء
مدرسة كان مسلمو مدينة (لاغوس) يخصصون ٢٥٠.٠٠٠ فرنك لبناء مسجد
جديد.
وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير في مقاطعة (سيراليونة) يرجع عهدها إلى
سنة ١٨٠٤ فيها ٦٣ مدرسة و٣٩ معهدًا يتعلم فيها ٤.٥٠٠ طالب. والمسلمون
في هذه المقاطعة كثيرون وأغلبهم في داخل البلاد، وقد كان لمبشري هذه الجمعية
القدح المُعَلَّى في توسيع نطاق المستعمرات الإنكليزية بأواسط إفريقية وغربها، لأن
المبشرين كانوا يستعينون بالزنوج المتنصرين في ارتياد البلاد وتأسيس مراكز
التبشير وتوطيد النفوذ الإنكليزي، وكذلك هي إرساليات التبشير في (لاغوس)
و (إبايوكوتا) و (إبادان) و (لو كوجة) ، وحاصل القول: إن لهذه الجمعية في
هذه الجهات ثلاث أسقفيات وهي في (يوروبا) ونيجيريا الجنوبية ونيجريا
الشمالية، وفي المقاطعة الأخيرة يجد المبشرون أنهم في بلاد إسلامية محضة، وفي
المقاطعة الأولى والثانية لا يوجد من المسلمين إلا التجار وأصحاب القوافل كما هي
الحال في لاغوس، والمعاهد والمدارس التي للجمعية في نيجريا الشمالية قليلة
بالنسبة لغيرها للسبب الذي ذكرناه، وهو كثرة وجود المسلمين فيها، وتقول
الجمعية في تقريرها: إن تقدم المسلمين في مقاطعة (يو روبا) موجب للقلق الشديد،
ومما يدل على ذلك أنهم خصصوا ٢٥٠.٠٠٠ فرنك لتشييد مسجد في
(أبايوكوتا) كما أن الإسلام ينتشر انتشارًا هائلاً في مقاطعة (إيجابو) التي كانت
سنة ١٨٩٢ وثنية محضة، فأصبحت لا تخلو قرية من قراها من مسجد حتى إن
مدينة (إيجابو أود) لا يكاد يخلو شارع فيها من مسجد للمسلمين، وقد توطد نفوذ
الإسلام في (أود) .
والمسلمون أحرزوا في المدة الأخيرة حقوقهم المدنية والحرية التامة في إقامة
الصلاة وشعائر الدين الإسلامي مع أن ملك هذه البلاد كان لا يطيق ذكر المسلمين،
وكذلك يزداد عدد المساجد في (يوروبا) الغربية التي تؤسس بجانبها المدارس
العديدة لتعلم اللغة العربية ورغمًا عن كون الأهالي في بعض الجهات مثل مقاطعة
(إيبوس) يبتعدون عن الإسلام فإن نطاق الإسلام آخذ بالاتساع ففي (أكتسا) مثلاً
الواقعة في نيجيريا الشمالية لا تجد محلاً خاليًا من المعلمين المسلمين. وآية ذلك أن
المسلمين يهبطون القرى الوثنية، ويتحككون بأهلها، ولا يمضي ردح من الزمن
حتى يستعمل الوثنيون الأسماء الإسلامية، ويحملون الآثار الدينية التي يحملها
المسلمون، ثم يتدرجون في الإسلام، والأمر الذي أوجب انتشار الإسلام في (كوتا)
هو الازدواج الذي يحصل بين المسلمين والوثنيين، أما في (بوشي) ، ففضل
انتشار الإسلام عائد إلى التجار (الهوسيين) الذين ينشرون الإسلام، ويبيعون
بضاعتهم في آنٍ واحد، وقد استفحل أمر المشكلة الإسلامية في أعين مبشري
الجمعية في مقاطعة (يوروبا) لدرجة أن المبشرين هناك يطلبون الذهاب للتبشير
بين قبائل (بريبرى) الوثنية القاطنة في (بورنو) ، والتي تتراوح بين المليون
والمليونين من النفوس، وقد قال القسيس (أوغنيني) في تقريره عن (يوروبا:
(إنه أراد التحكك ببعض مسلمي (إيلورن) فطلب منه بعضهم تأسيس مدارس،
وقال له آخرون: إنهم يأسفون لعدم تمكنهم من قطع رأسه! وقد ظهر للمبشرين أن
نفود العناصر الفولانية والبولانية والإسلامية منتشر حتى في الأقاليم الوثنية
المحضة.
(يتلى)
((يتبع بمقال تالٍ))