للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأسئلة والأجوبة الدينية

(١) مجاور في الأزهر: ما معنى قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ
إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: ٥٦) فقد استشكل المفسرون في لام (ليعبدون) إذ لا
يصح أن تكون للتعليل؛ لأن أفعاله تعالى لا تُعلل ولا للغاية لأن أكثرهم لا يعبده،
وذهب بعضهم إلى أنها لام العاقبة والصيرورة وقال: إنه لا يلزم وقوع ما بعدها،
ومثّل لها بأنك إذا قلت بريت القلم لأكتب به ولم تكتب تكون صادقًا، وهذا إذا ظهر
بالنسبة إلى الناس، فليس بظاهر بالنسبة إلى الباري سبحانه وتعالى، وقال
البيضاوي: لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها جعل خلقهم مغيًّا بها
مغالبة في ذلك ولو حُمِلَ على ظاهره، مع أن الدليل يمنعه لنا في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ} (الأعراف: ١٧٩) وقيل معناه
لنأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عبادًا اهـ. ولا تطمئن إليه النفس، فهل عندكم ما
أوضح من ذلك؟ اهـ بتصرف.
(ج) : اللام للغاية حتمًا، والآية حاكية عن طبيعة النوع الإنساني،
وشارحة لترقيه في الشعور الديني الذي أُلهمه بالفطرة، وتاريخ الإنسان يؤيد معناها
ويقاس به النوع الذي سماه الله بالجن؛ لأنه مجتن ومستتر عنا.
الشعور الفطري الذي أودعه الإنسان هو أن في الوجود سلطة وراء الطبيعة
يخضع لها ويعظمها وينيط بها كل حادث لم يقف على سببه، وهذا الخضوع
والتعظيم هو العبادة، وقد كان في أطوار الجهالة يضيف ما لا يعرف سببه إلى
مظهره، ويخضع لذلك المظهر، هذا النوع من الخضوع الذي قلنا إنه يسمى عبادة،
فعبد السحاب لأنه مظهر البرق والرعد والمطر، وعبد الثعابين لأن لها قوة في
الإعدام لم يكن يعرفها، وعبد بعض البشر لأنه ظهر على أيديهم أعمال غريبة لم
يقف على عللها وأسبابها، وكان يرتقي في مجموعه في هذه الاعتقادات تدريجًا،
وغاية ما ينتهي إليه بعد كمال العلم والمعرفة أن يعتقد أن مظاهر الأفعال الخارقة في
نظره أو بالنسبة له ولغيره هي كمظاهر الأفعال العادية مسخرة لقوة غيبية مطلقة
عرفت بآثارها لا بذاتها، وأن صاحب تلك القوة هو الله تعالى الذي لا يستحق
العبادة غيره فيعبده حينئذ وحده.
***
(٢) السيد عمر بن مبروك من تونس: عندنا ماجِل [١] في دارنا يجتمع فيه
ماء المطر من السطوح، فنستعمله في العادة والعبادة، وقد وقع فيه فرخ حمام ميت
وكان الوقت صيفًا، والماء فيه قليلاً، فتغير لونه وريحه وتعذر علينا إخراج
الفرخ منه، فتركنا استعماله حتى جاء الشتاء وامتلأ الماجل بالماء وزال التغير من
لونه ورائحته، وعاد زلالاً نقيًّا، فسألنا سادتنا الحنفية عنه فقالوا: لا بد من نزع
ماء الماجل كله، وسألنا سادتنا المالكية فقالوا: لا بد من إخراج الطير أو ما بقي
منه في الماء ليجوز استعماله في العادة والعبادة، وفي ذلك مشقة علينا كبيرة،
ونحن مضطرون لاستعمال هذا الماء، وقد قصدنا مذهب سادتنا الشافعية لعلنا نجد
فيه رحمة فأفيدونا يرحمكم الله.
(ج) : مذهب الشافعية أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس إلا بتغير طعمه أو
لونه أو ريحه من النجاسة، فلو كان الماء متنجسًا لوقوع نجاسة فيه وهو قليل، ثم
زاد حتى بلغ قلتين يطهر، ولو كان الماء المتجدد متنجسًا أيضًا، بل ولو كان مائعًا
نجس العين، والقلتان خمسمائة رطل بغدادي، وتبلغ بالمساحة نحو ذراعًا وربعًا
مربعًا طولاً وعرضًا وعمقًا، ولا شك أن ماجلكم أوسع من ذلك فهو طاهر حتمًا،
هذا وإن الله تعالى أمرنا بإزالة النجاسة ليطهرنا لا ليعنتنا، وهو يريد بنا اليسر ولا
يريد بنا العسر، وما جعل علينا في الدين من حرج، والنجاسة التي نهينا عنها هي
القاذورات التي تنفر منها الطباع السليمة، فهل يعقل أن ماجلاً عظيمًا وحوضًا
كبيرًا فيه ماء صافٍ نقي لا تغير فيه يحكم عليه بالنجاسة لتدقيق بعض الفقهاء في
الحدود التي وضعوها للاصطلاحات الشرعة، ويلزم لهذا التدقيق إعنات أهل بيت
من المسلمين وإيقاعهم في الحرج والعسر اللذين نفاهما الله تعالى؟
***
(٣) الشيخ أحمد محمد الألفي من طوخ القراموص: ما الفرق بين العهد
الذي لقنه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين والمؤمنات، وبين العهد الذي تناقله
أهل الطريق بالأسانيد الصحيحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أليسوا من
المؤمنين والمؤمنات حتى يفرق بينهم وبين غيرهم؟ وما هو دليل الخصوصية في
عمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟ وهل لا تُعتبر هذه الأسانيد الصحيحة حجة
في النقل؟ اهـ بنصه.
(ج) : إن مبايعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للمؤمنين والمؤمنات
التي ذكرناها في جواب سؤالكم الرابع من الأسئلة المنشورة في الجزء الثالث ليست
تلقين عهد كالعهد المعروف الآن بين أهل الطريق، أما مبايعة المؤمنين المشار إليها
في سورة الفتح، فهي أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه لعمرة
الحديبية وصدَّه المشركون، وأرسل إليهم عثمان بن عفان إلى مكة يخبرهم أنهم
جاءوا عُمَّارًا لا مقاتلين، وشاع أنهم قتلوه عزم النبي عليه الصلاة والسلام على
مقاتلة القوم، وبايع أصحابه رضي الله تعالى عنهم على عدم الفرار وعلى الموت
(روايتان) وبلغ ذلك المشركين فخافوا، وانتهى الأمر بالصلح المشهور، وفي ذلك
نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (الفتح: ١٠) وقوله
عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (الفتح: ١٨) .
وأما مبايعة المؤمنات فهي المشار إليها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا
جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ} (الممتحنة: ١٢) الآية، ورد أنه عليه الصلاة والسلام بايع المؤمنين مثل هذه
المبايعة على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمَنْشَط والمَكْرَه وأُثرته عليهم،
وأن لا ينازعوا الأمر أهله، وأن يقولوا الحق حيث كانوا لا يخافون الحق في أن
هذه البيعة لازمة في عنق كل من يدخل الإسلام، وهي السمع والطاعة لله ولرسوله
وعدم عصيان أولي الأمر في معروف؛ ولكن هل لأحد من الناس أن يبايع الناس
على طاعته غير خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي هو إمام
المسلمين؟ كلا ومن يدعيه فعليه البيان.
ومشايخ الصوفية يُعَبِّرون عن الدخول في الطريق بلبس الخرقة، ويذكرون
لذلك في إجازاتهم سندًا ينتهي إلى الحسن البصري وأن عليًّا كرم الله وجهه ألبسه
الخرقة؛ ولذلك ترى الطرائق كلها تنتهي إلى سيدنا علي عليه الرضوان والسلام؛
ولكن أئمة علم الحديث قالوا: حديث إن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس الخرقة
على الصورة المتعارفة باطل لا أصل له، قال الحافظ ابن حجر: لم يرد في خبر
صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألبس الخرقة
على الصورة المتعارفة بين الصوفية أحدًا من أصحابه، ولا أمر أحدًا من أصحابه
بفعل ذلك، وكل ما يروى في ذلك صريحًا فهو باطل، وقال: من المفترى أن عليًّا
ألبس الخرقة الحسن البصري؛ فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن من علي سماعًا
فضلاً عن أن يلبسه الخرقة، قال في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة:
وقد صرح بمثل ما ذكره ابن حجر جماعة من الحفاظ كالدمياطي والذهبي وابن
حبان والعلائي والعراقي وابن ناصر.
ويا ليت السائل يذكر لنا العهد الذي قال إن أهل الطريق تناقلوه بالأسانيد
الصحيحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر لنا الحفَّاظ الذين خرَّجوه.
***
(٤) هل تقولون في الروح الناطقة الإنسانية والكشف وكرامات الأولياء
في الحياة وبعد الموت بقول جمهور أهل السنة والجماعة؟ أم ما هو مذهبكم في
ذلك؟
(ج) أما الكرامات فليراجع السائل فيها كتبناه في المجلد الثاني من المنار
(صفحة ١٤٥ و٤٠١ و٤١٧ و٤٤٩ و٤٨١ و٥٤٥ و٦٥٧) فقد أثبتنا ما يقوم عليه
الدليل من الكرامات، وأما الروح فنقول فيها ما أمر الله تعالى رسولَه صلى الله
عليه وسلم أن يقول وهو {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء: ٨٥) وأما الأسئلة التي تتعلق بالاجتهاد والتقليد فمحاورات المصلح
والمقلد تبين ذلك مفصلاً تفصيلاً.