للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


حول خطبة رشيد رضا أفندي

خطب رشيد أفندي رضا أحد علماء طرابلس الشام وصاحب مجلة المنار التي
تصدر في مصر؛ خطبة شائقة في مركز الجمعية العلمية الإسلامية ليلة ٢٩رمضان
بحضور جمّ غفير من العلماء، ألقى هذه الخطبة التي نحن بصددها باللغة العربية،
وقد فصّل القول فيها تفصيلاً استمر ساعتين من الزمن.
أبان في موقفه هذا ما رمى إليه في مقالته التي وجّهها إلى جميع علماء
المسلمين؛ المنشورة في جريدة الحضارة بعددها ٢٤ الصادر في ٨أيلول سنة ١٣٢٦
مالية، وأثبت بالأدلة والبراهين القاطعة أن جمود علماء الإسلام الآن باعث على
تأخر الأمة الإسلامية وعدم سعادتها، وبعد أن أقنع جميع الحاضرين بأنه إذا ظل
العلماء على ما هم عليه، ولم يحافظوا على علو مركزهم، تظهر فيهم إذ ذاك
أعراض الانقراض والملاشاة، ثم ذكر ما تصادفه الجمعية العلمية من الموانع
والمشاكل إذا بقيت منحصرة في لجان محدودة، وأنه يجب أن يُؤسس لها فروع في
جميع المملكة العثمانية، ثم تُؤسس لها أيضًا فروع ولجان عمومية في كافة أقطار
الأرض المعمورة بالأمم الإسلامية، وبين فائدة ارتباط شعب هذه الجمعية بعضها
ببعض، وما ينجم عنها من الفوائد العظيمة إذا سارت هذه اللجان بطريقة جدية في
الاتصال بمركز الجمعية العمومي؛ في الأمور الدينية المهمة والمباحث المعضلة
الدقيقة، فهي تساعد على خدمة الإسلام خدمة حقيقية، وتوسع دائرة نظامه في العالم
المعمور.
ثم ذكر ما كان بين علماء الإسلام في المشرق والمغرب من الارتباط في زمن
سعد الدين التفتازاني، يوم كانت وسائط النقل والسفر صعبة شاقة، فقد كان حينئذ
علماء الإسلام يتبادلون المخابرات والمباحثات في دقائق الأمور، وإن آثارهم
الموجودة الآن لأعظم شاهد على إلمام كل فريق منهم بمؤلفات الفريق الآخر.
وأما اليوم فإنه من المعلوم عند الجميع أن وسائط النقل تقدمت تقدمًا عظيمًا.
ولكن من المحزن أن علماء المسلمين لم يوجد بينهم أقل اتفاق ولا تعارف، وقال:
إنه مع الفخر في هذه الخدمة الجليلة يسعى بتأسيس وتشكيل جمعية علمية إسلامية
في مصر وسائر البلاد العربية.
ثم تكلم عن شكل الجريدة التي ستكون ناشرة لأفكار الجمعية العلمية، فقال:
إن من المتعسر نشر هذه الجريدة بلغات مختلفة، ولكن من الأمور المقررة أن علماء
الإسلام مهما اختلفت لغاتهم، وإلى أي عنصر نُسِبُوا، وبأي لسان تكلموا فلابد أن
يكونوا متضلعين في اللغة العربية؛ ولذلك استصوب أن تنشر الجريدة باللسان
العربي، وتعمم بين علماء الصين والهند وجَاوَا والترك والأفغان والعجم وجميع
البلاد الإسلامية، وبهذه الطريقة المثلى يحصل التعارف بين كافة علماء هذه البلاد،
وتدور المباحثات في المسائل المهمة، وعندها تظهر هذه الجريدة حافلة بالمقالات
العظيمة التي تكون سببًا لخدمة الدين والأمة الإسلامية؛ بما يُورد فيها من الأسئلة
والأجوبة التي تمحص الحقائق للمسلمين.
ثم انتقل مؤخرًا في خطابه إلى الكلام عن اختلافات المذاهب وتعدد الفرق،
وبين أن هذه المجادلات والمناقشات التي تحصل بين الفرق المتخالفة عقيمة لا فائدة
فيها، بل إنها كانت سببًا لتفريق كلمة المسلمين، فقد ظهر بالاختبار أن هذه
الاختلافات لم تولد إلا الضرر العام، وأوضح في عرض حديثه ضرورة الاحتراس
من المجادلات والمباحثات التي تحصل من بعض الفِرَق باسم الدين الإسلامي؛ لأن
كل فريق من هؤلاء المخالفين يكفِّر ويضلِّل الفريق الآخر؛ لمخالفته له في أمور
ليست من الأهمية بمكان، فيجب على من يكون صحيح الرأي في هذه المسائل أن
يؤيد آراءه وأفكاره بالأدلة والبراهين الناصعة، ثم انتقل أيضًا إلى البحث في أحواله
الخصوصية، فذكر أنه شافعي المذهب ومقلِّد، وما ينسبه إليه بعض الناس من
الدعوة إلى الاجتهاد (كذا) هو ناشئ عن سوء التفاهم فقط، وتكلم أيضًا عن
المذاهب الأربعة، فقال: إن ظهور مجتهد بعدهم متعسر، ولا ينكر أحد أن الأحوال
تغيرت تغييرًا محسوسًا بعد زمانهم، فيجب إذًا أن تتغير بعض الأحكام.
وذكر لنا أنه يرد في مجلته على المقالات التي تنشر في جرائد أوربا اعتراضًا
على الإسلام؛ مستدلاً بالآيات والأحاديث؛ ولذلك حلت كتاباته واستدلالاته محل
الدقة والاعتبار، وقال: إنه يجب لإقناع الخصم الاستدلال من الكتاب والسنة،
وختم كلامه بأن ما ينشره في مجلة المنار يؤيد كل ما ذكره [١] .