للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مذكرات مؤتمر الخلافة الإسلامية [١]
(٣)
باقي محضر الجلسة الرابعة
تقرير
اللجنة التي ألفها المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر بجلسته المنعقدة في ٣
ذي القعدة سنة ١٣٤٤ - ١٥ مايو سنة ١٩٢٦ للنظر في المسائل الثلاث الأخيرة
من برنامج المؤتمر.
انعقدت اللجنة المشكّلة بقرار المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر الصادر
في ٣ ذي القعدة سنة ١٣٤٤هـ (١٥ مايو سنة ١٩٢٦) بدار المعاهد الدينية
التابعة للجامع الأزهر الشريف بالحلمية الجديدة في يوم الأحد ٤ ذي القعدة سنة
١٣٤٤هـ (٦ مايو سنة ١٩٢٦) لبحث المواد الرابعة والخامسة والسادسة من
برنامج المؤتمر، وباشرت عملها في جلستين إحداها قبل الظهر والثانية بعد الظهر
من اليوم المذكور، وكان محمد شكري رجب أفندي كاتبًا لها، وقد كانت منعقدة من
جميع حضرات أعضائها ما عدا السيد محمد الصديق مندوب مراكش والسيد
الميرغني الإدريسي لغيابهما، وبعد البحث والمداولة قررت ما يأتي:
أولاً: أن يكون حضرة صاحب الفضيلة والسماحة السيد عبد الحميد البكري
شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئيسًا للجنة.
ثانيًا: أن يكون حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عطاء الله الخطيب
أفندي مندوب العراق مقررًا للجنة.
ثم تذاكرت في المسائل الأخيرة من برنامج المؤتمر مسألة مسألة، وقررت ما
يأتي:
أولاً: المسألة الرابعة (هل يمكن الآن إيجاد الخلافة المستجمعة للشروط
الشرعية؟)
قررت اللجنة فيها ما يأتي:
إن الخلافة الشرعية المستجمعة لشروطها المبينة في تقرير اللجنة العلمية
(الذي أقره المؤتمر في الجلسة الرابعة) والتي من أهمها الدفاع عن حوزة الدين في
جميع بلاد المسلمين، وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها لا يمكن تحققها بالنسبة للحالة
التي عليها المسلمون الآن.
ثانياً: المسألة الخامسة (إذا لم يكن من الميسور إيجاد هذه الخلافة فما الذي
يجب أن يعمل) .
قررت اللجنة الآتي:
إن مركز الخلافة العظمى في نظر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
وفي نظر أمم العالم جميعًا (له) من الأهمية الكبرى ما يجعله من المسائل التي لا
يمكن البت فيها الآن للأسباب المذكورة. لما يجب أن يراعى في حل مسألتها الحل
الذي يتفق مع مصلحة المسلمين في الحاضر والمستقبل.
من أجل هذا تقرر ما يأتي:
تبقى هيئة المجلس الإداري لمؤتمر الخلافة الإسلامية بمصر على أن ينشئ له
شعبًا في البلاد الإسلامية المختلفة يكون على اتصال بها لعقد مؤتمرات متوالية فيها
حسب الحاجة للنظر في تقرير أمر الخلافة الإسلامية النظر الذي يتفق مع مركزها
السامي [٢] .
ثالثاً: المسألة السادسة (إذا قرر المؤتمر وجوب نصب خليفة فما الذي يتخذ
لتنفيذ ذلك) قررت اللجنة فيها ما يأتي:
حيث إن المادة المذكورة معلقة على قرار المؤتمر فلم تر اللجنة ضرورة
للبحث فيها للأسباب المذكورة في قرار اللجنة بالمادة السابقة.
ثم ختمت الجلسة حيث كانت الساعة الرابعة والنصف مساء على أن تجتمع
في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي.
إمضاءات الأعضاء ... ... ... ... ... ... رئيس اللجنة
محمد مراد ... عطاء الله الخطيب ... ... عبد الحميد البكري
أبو بكر جميل الدين يعقوب شنكوفتش ... ... ... إمضاء
... ... ... ... ... ... ... محمد الصالحي عبد الله أحمد
... ... ... ... ... محمد إدريس السنوسي عناية الله خان
***
لجنة بحث المسائل الثلاث الأخيرة
من برنامج المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر
انعقدت اللجنة المؤلفة لبحث المسائل الثلاث الأخيرة من برنامج المؤتمر
الإسلامي العام للخلافة بمصر للمرة الثالثة الساعة الحادية عشرة من برنامج صباح
يوم الاثنين ٥ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤٤هـ (١٧ مايو سنة ١٩٢٦) في دار
المؤتمر برياسة حضرة صاحب السماحة السيد عبد الحميد البكري، وبحضور
حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة أعضائها ما عدا حضرات السيد محمد الصديق
والسيد الميرغني الإدريسي والحاج عبد الله أحمد لغيابهم.
وبحضور محمد شكري رجب أفندي الكاتب المكلف بتدوين قراراتها، فتلى
محضر الجلستين الماضيتين، فوافقت عليه اللجنة كما هو. ثم نظرت فيما يأتي:
أولاً: الاقتراح المرفوع إليها من سكرتارية المؤتمر بناءً على قرار لجنة
الاقتراحات والأبحاث والخطب. وهو مقدم من حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ
الشيخ خليل الخالدي (ومرافق لهذا) فقررت اللجنة أن موضوعه داخل في أبحاث
المؤتمرات التي ارتأت اللجنة انعقادها للبحث في تقرير أمر الخلافة.
ثانياً: في وضع تقرير يشمل بيان الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها
رأيها في المسائل الثلاث الأخيرة المبينة في برنامج المؤتمر.
وبعد البحث والمداولة قررت اللجنة وضع هذا التقرير بالصورة الآتية:
(تتشرف اللجنة المشكلة للنظر في المسائل الثلاث الأخيرة من برنامج
المؤتمر برفع تقريرها ببيان الاعتبارات التي بنت عليها رأيها في المسائل المحولة
إليها ليقرر المؤتمر ما يراه، ورأيه مقرون بالتوفيق إن شاء الله.
إن للخلافة شأنًا عظيمًا بين المسلمين، وكان ذلك الشأن بارزًا بكل ما يتصور
من مجد وعظمة أيام الخلفاء الراشدين، وأيام كانت كلمة المسلمين متحدة، وآمالهم
متجهة نحو جهة واحدة من إعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه، ورفع شأن الإسلام
والمسلمين إلى أن ظهر الضعف فيهم، وتضاءل نفوذ الخلافة فأصبحت عبئًا ثقيلاً
على من يتحملها حتى إن الأتراك نبذوها بدلاً من أن يروها عمادًا عظيمًا يبنون
عليها مجدهم، ومسندًا هامًّا يسندون إليه ظهورهم، وعلى أثر ذلك اجتمعت هيئة
كبار علماء مصر، وأصدرت قرارها المعروف بشأن الخلافة، فأثارت بذلك مسألة
البحث فيها من جميع نواحيها.
ولقد اشتمل قرار العلماء على أن الإمام يحوط الدين وينفذ أحكامه ويدير
شؤون الخلق على مقتضى النظر الشرعي وعلى أنه صاحب التصرف التام في
شؤون الرعية وأن جميع الولايات تستمد منه، فعلم من ذلك أن أهم الشروط في
الخليفة أن يكون له من النفوذ ما يستطيع معه تنفيذ أحكامه وأوامره، وأن يدافع عن
بيضة الإسلام وحوزة المسلمين طبق أحكام الدين.
وهل من الممكن الآن قيام الخلافة الإسلامية على هذا النحو؟ إن الخلافة
الشرعية بمعناها الحقيقي إنما قامت على ما كان للمسلمين في الصدر الأول من
وحدة الكلمة واجتماع الممالك مما جعل الإسلام كتلة واحدة يأتمر بأمر واحد،
ويخضع لنظام واحد كما ذكرنا آنفًا.
أما وقد تناثر عقد هذا الاجتماع، وأصبحت ممالكه وأممه متفرقة بعضها عن
بعض في حكوماتها وإدارتها وسياستها وكثير من بنيها تملكته نزعة قومية تأبى على
أحدهم أن يكون تابعًا للآخر فضلاً عن أن يرضخ لحكم غيره ويدخله في شؤونه
العامة فمن الصعب تحققها الآن.
هذا إذا فرضنا أن الشعوب الإسلامية كلها كيان مستقل يحكم نفسه بنفسه على
أن الواقع غير ذلك، فإن أكثر هذه الشعوب تابع لحكومات غير أهلية، وهنا يزداد
أمر الخلافة الشرعية تعقيدًا لما يوجد بطبيعة هذه الحال من العلاقات
والروابط الدقيقة من الأمم المستقلة فيها وغير المستقلة.
فإذا فرض أن أقيم خليفة عام للمسلمين فلا يكون له النفوذ المطلوب شرعًا، ولا
تكون الخلافة التي يتصف بها خلافة شرعية بمعناها الحقيقي، بل تصبح وهمية
ليس لها من النفوذ قليل ولا كثير.
إزاء هذه المصاعب التي تحول دون إيجاد الخلافة الشرعية بالنسبة للأحوال
التي عليها الأمم الإسلامية، وإزاء الأهمية القصوى التي لمركز الخلافة وما يترتب
على إقامتها بين المسلمين من المزايا والمنافع الكبرى.
قد قررنا القرار الآتي على المادة الرابعة من المواد التي نيط بنا النظر فيها
على الوجه الآتي:
(إن الخلافة الشرعية المستجمعة لشروطها المبينة في تقرير اللجنة العلمية
(الذي أقره المؤتمر في هذه الجلسة) والتي من أهمها الدفاع عن حوزة الدين في
جميع بلاد المسلمين، وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها لا يمكن تحققها بالنسبة للحالة
التي عليها المسلمون الآن) .
ولما كان إبقاء أمر المسلمين مهملاً على ما هو الآن بدون مدبر غير جائز
فإننا نرى أن الحل الوحيد لهذه المعضلة أن تتضافر الشعوب الإسلامية على تنظيم
عقد مؤتمرات بالتوالي في البلاد الإسلامية المختلفة لتبادل الآراء بين أعضائها من
وقت إلى آخر حتى يتيسر لهم مع الزمن تقرير أمر الخلافة على وجه يتفق مع
مصلحة المسلمين.
أما إذا لم تساعد الأحوال والظروف على استمرار عقد المؤتمرات، وتعذر
انعقادها للنظر في أمر الخلافة فتفاديا من أن يبقى مسندها شاغرًا زمنًا طويلاً وما
يتبع ذلك من بقاء المسلمين دون مركز يرجعون إليه في أمور دينهم العامة، ينبغي
إيجاد هيئة مكونة من زعماء المسلمين وأهل المكانة والرأي تنعقد في كل سنة للنظر
في شؤون المسلمين وتؤلف في كل أمة إسلامية لجنة تنفيذية ذات صبغة قومية
تكون ذات اتصال بالهيئة العامة، وهذه اللجان يقوم كل منها بتنفيذ قرارات الهيئة
العامة في بلادها.
١ - ظهر جليًّا مما تقدم أن إقامة الخلافة في مثل هذه الأحوال والظروف التي
وصفناها أمر متعذر إن لم يكن في حكم المستحيل من الوجهة العملية، وهذا يستتبع
حتمًا استبعاد فكرة النظر في تنصيب إمام أو خليفة للمسلمين الآن؛ لأن إقامة خليفة
في الوقت الحاضر على ما هي عليه الأمم الإسلامية لا يحل مشكلة الخلافة بل من
شأنه أن يزيدها تعقيدًا على تعقيد فضلاً عن أنه لم يوجد إلى الآن هيئة من أهل الحل
والعقد في أمور المسلمين تملك حق البيعة شرعًا كما أنه لم يشترك في هذا المؤتمر
كثير من الأمم الإسلامية التي دعيت للاشتراك.
ولهذا قد قررنا أن يكون الجواب على المادة الخامسة الواردة في البرنامج على
الوجه الآتي:
(إن مركز الخلافة العظمى في نظر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
وفي نظر أمم العالم جميعًا له من الأهمية الكبرى ما يجعله من المسائل التي لا يمكن
البت فيها الآن للأسباب المذكورة لما يجب أن يراعى في حل مسألتها الحل الذي
يتفق مع مصلحة المسلمين في الحاضر والمستقبل.
من أجل هذا تقرر ما يأتي: تبقى هيئة المجلس الإداري لمؤتمر الخلافة
الإسلامية بمصر على أنه ينشئ له شعبًا في البلاد الإسلامية المختلفة يكون على
اتصال بها لعقد مؤتمرات متوالية فيها حسب الحاجة للنظر في تقرير أمر الخلافة
الإسلامية النظر الذي يتفق مع مركزها السامي) .
ولا غضاضة في ذلك على الأمم الإسلامية إذا كانت لم توفق إلى الآن إلى حل
مسألة الخلافة الشرعية، ونصب الإمام كما أنه لا غضاضة على المؤتمر الحاضر إذا
لم يتيسر له تقرير أمر الخلافة والخليفة نهائيًّا. ويكفيه من ذلك أنه قام بأجل خدمة
المسلمين بأن شخَّص لهم الداء ووصف لهم الدواء فيكون بذلك قد قام بالواجب الديني
نحو الإسلام والمسلمين.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} (النور: ٥٥) .
رئيس اللجنة ... ... ... ... ... امضاءات الأعضاء
عبد الحميد البكري ... ... ... محمد مراد ... عطاء الله الخطيب
(إمضاء) ... ... ... ... أبو بكر جمال الدين يعقوب شينكه ويج
... ... ... ... ... محمد الصالحي ... ... عبد الله أحمد
... ... ... ... ... محمد إدريس السنوسي عناية الله خان
***
الاقتراح الملحق بتقرير اللجنة
أرى أنه يجب على المؤتمر أن يبحث عن كيفية الصلة ودرجات الارتباط بين
المسلمين في جميع الممالك والحكومات، وأن يبينوا كيف تكون العلاقات بين
المسلمين بعضهم مع بعض، وأن يبحثوا عن كيفية العلاقات التي تكون بينهم وبين
المسلمين المحكومين من الأجانب مباشرة كالجزائر وملبار وباتاوي ومدراس مثلاً،
وأن يبحثوا أيضًا عن كيفية الصلة ودرجات الارتباط فيما بينهم وبين البلاد التي
تحت الحماية الأجنبية، وفيها أمير مسلم كتونس وفاس ومسقط وزنجبار وبعض
أمراء حضرموت.
ثم في البلاد التي فيها برلمان وملك وهي مستقلة إلا أنها مضغوط عليها
كمصر، ثم أيضاً في البلاد المستقلة التي لا ضغط ولا حماية فيها وليس فيها برلمان
كنجد والأفغان والريف، ثم في البلاد المستقلة استقلالاً تاماً ولها برلمان كتركيا
وفارس.
فيجب أن ينظر في اتحادهم على مدافعة حقوقهم ومصالحهم والذب عنها.
وفي إصلاح ذات البين فيما بينهم بحيث لا يثيرون عليهم ثائرة المستعمرين. وأن
ينظروا في تعاونهم على ما فيه نفع المجموع.
هذا ما أرجو قبوله من حضرات الحاضرين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... إمضاء
... ... ... ... ... ... ... ... ... خليل الخالدي
عرض هذا الاقتراح على لجنه النظر في الخطب والاقتراحات والأبحاث
فقررت إحالته إلى اللجنة الثالثة.
... ... ... ... ... ... ... ... ... سكرتير اللجنة
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... إمضاء
٤ ذي القعدة سنة ١٣٤٤ (١٦ مايو سنة ١٩٢٦) أحمد عبد القادر
(له بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))