للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد بن تيمية


إبطال وحدة الوجود والرد على القائلين بها
لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية
رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم
سُئل شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية -رضي الله تعالى عنه-
عن كراس وجد بخط بعض الثقات , قد ذكر فيها كلام جماعة من الناس فمما فيه:
(قال) بعض السلف: إن الله تعالى لطف ذاته فسماها حقًّا، وكثفها فسماها
خلقًا. قال الشيخ نجم الدين بن إسرائيل: إن الله ظهر في الأشياء حقيقة واحتجب
بها مجازًا، فمن كان من أهل الحق والجمع شهدها مظاهر ومجالي، ومن كان
من أهل المجاز والفرق شهدها ستورًا وحُجُبًا.
(قال) وقال في قصيدة له:
لقد حق لي رفض الوجود وأهله ... وقد علقت كفاي جمعًا بموجدي
ثم بعد مدة غير البيت بقوله: لقد حق لي عشق الوجود وأهله.
فسألته عن ذلك فقال: مقام البداية أن يرى الأكوان حجبًا فيرفضها، ثم يراها
مظاهر ومجالي فيحق له العشق لها، كما قال بعضهم:
أُقَبِّلُ أرضًا سار فيها جِمالها ... فكيف بدار دار فيها جَمالها
(قال) : وقال ابن عربي عقيب إنشاد بيتي أبي نواس
رق الزجاج وراقت الخمر ... فتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
لبس صورة العالم فظاهره خلقه، وباطنه حقه. وقال بعض السلف: عين
ما ترى، ذات لا ترى، وذات لا ترى، عين ما ترى، الله فقط والكثرة وهم. قال
الشيخ قطب الدين بن سبعين: رَبٌّ مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك، الله فقط
والكثرة وَهْمٌ.
للشيخ محيي الدين بن عربي
يا صورة أنس سرها معنائي ... ما خلقت للأمر ترى لولائي
شئناك فأنشأناك خلقًا بشرًا ... تشهدنا في أكمل الأشياء
وطلب بعض أولاد المشايخ للحر ما يرى من والده الحج [١] فقال له الشيخ:
طف يا بني ببيت ما فارقه الله طرفة عين
(وقال) قيل عن رابعة: إنها حجت فقالت: هذا الصنم المعبود في الأرض
وإنه ما ولجه الله ولا خلا منه. وفيه للحلاج:
سبحان من أظهر ناسوته ... سر سناء لاهوته الثاقب
ثم بدا مستترًا ظاهرًا ... في صورة الآكل والشارب
قال: وله:
عقد الخلائق في الإله عقائدًا ... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
وله أيضًا:
بيني وبينك إنيٌّ تزاحمني ... فارفع بحقك إني من البين
(قال) : وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي الحلبي المقتول: بهذه البقية [٢]
التي طلب الحلاج رفعها تصرف الأغيار في دمه. وكذلك قال السلف: الحلاج
نصف رجل , وذلك أنه لم ترفع له الآنية بالمعنى , فرفعت له صورة. قالوا لمحيي
الدين بن العربي:
والله ما هي إلا حيرة ظهرت ... وبي حلفت وإن المقسم الله
وقال فيه: المنقول عن عيسى عليه السلام أنه قال: إن الله تبارك وتعالى
اشتاق أن يرى ذاته المقدسة , فخلق من نوره آدم عليه السلام وجعله كالمرآة
ينظر إلى ذاته المقدسة فيها، وإني أنا ذلك النور وآدم المرآة. قال ابن الفارض في
قصيدته (نظم السلوك) :
وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى ... بغير مراء في المرآة الصقيلة
أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر ... إليك بها عند انعكاس الأشعة
(قال) وقال ابن إسرائيل: الأمر أمران. أمر بواسطة وأمر بغير واسطة،
فالأمر الذي بالوسائط قبله من شاء الله ورده من شاء الله تعالى، والأمر بغير واسطة
لا يمكن خلافه، وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (يس: ٨٢) فقال له فقير: إن الله تعالى قال لآدم بلا واسطة: لا تقرب
الشجرة فقرب وأكل. فقال: صدقت , وذلك أن آدم إنسان كامل. وكذلك قال شيخنا
علي الحريري: آدم صفي الله تعالى، كان توحيده ظاهرًا وباطنًا , فقال: فكان قوله
تعالى: (لا تأكل) ظاهرًا، وكان أمره: (كل) باطنًا، فأكل، فكذلك قوله
تعالى. وإبليس كان توحيده ظاهرًا، فأمر بالسجود لآدم فرآه غيرًا , فلم يسجد فغير
الله عليه وقال: {اخْرُجْ مِنْهَا} (الأعراف: ١٨) الآية.
(قال) وقال شخص لسيدي حسن: يا سيدي إذا كان الله يقول لنبيه:
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: ١٢٨) أيش نكون نحن؟ فقال سيدي:
ليس الأمر كما تظن، قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: ١٢٨)
أيش غير الإثبات للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الأنفال: ١٧) ، {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ
اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم} (الفتح: ١٠) .
وفيه لأوحد الدين الكرماني:
ما غبت عن القلب ولا عن عيني ... ما بينكم وبيننا من بين
غيره:
لا تحسب بالصلاة والصوم تنال ... قربًا ودنوًّا من جمال وجلال
فارق ظلم الطبع تكن متحدًا ... بالله وإلا كل دعواك محال
غيره للحلاج:
إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ... وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
يشاهد حقًّا حين يشهده الهوى ... بأن صلاة العارفين من الكفر
للشيخ نجم الدين بن إسرائيل:
الكون يناديك أما تسمعني ... من ألف أشتاتي ومن فرقني
انظر لتراني منظرًا معتبرًا ... ما فيَّ سوى وجود من أوجدني
وله:
ذرات وجود هي للحق شهود أن ليس لموجود سوى الخلق وجود
والكون وإن تكثرت عدته ... منه إلى علاه يبدو ويعود
وله:
برئت إليك من قولي وفعلي ... ومن ذاتي براءة مستقيل
وما أنا في طراز الكون شيء لأني مثل ظل المستحيل
للعفيف التلمساني:
أحن إليه وهو قلبي وهل يُرَى ... سواي أخو وجد يحنّ لقلبه
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري ... وما بعده إلا لإفراط قربه
قال بعض السلف: التوحيد لا لسان له، والألسنة كلها لسانه.
(وفيه) لا يعرف التوحيد إلا الواحد، ولا تصح العبارة عن التوحيد، وذلك
أنه لا يعبر عنه إلا بغير، ومن أثبت غيرًا فلا توحيد له.
(وفيه) سمعت من الشيخ محمد بن بشر النواوي أنه ورد سيدنا الشيخ علي
الحريري إلى جامع نوى، قال الشيخ محمد: فجئت فقبلت الأرض بين يديه
وجلست , فقال: يا بني وقفت مدة مع المحبة فوجدتها غير المقصود؛ لأن المحبة لا
تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم، ثم وقفت مدة مع التوحيد فوجدته كذلك؛ لأن
التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب، لو أنصف الناس ما رأوا عبدًا ولا معبودًا.
(وفيه) سمعت من الشيخ نجم الدين بن إسرائيل مما أسرَّ إليَّ أنه سمع من
شيخنا الشيخ علي الحريري في العام الذي توفي فيه , قال: يا نجم رأيت لهاتي
الفوقانية فوق السموات , وحنكي تحت الأرضين، ونطق لساني بلفظة لو سمعت
مني؛ ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة. فلما كان بعد ذلك بمدة , قال شخص في
حضرة سيدي الشيخ حسن بن الحريري: يا سيدي حسن! ما خلق الله أقل عقلاً
ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمرود وأمثالها. فقلت أنا: هذه المقالة ما يقولها إلا
أجهل خلق الله , أو أعرف خلق الله. فقال: صدقت وذلك أنه سمعت من جدك
يقول: رأيت كذا وكذا , فذكر ما روى نجم الدين عن الشيخ.
(وفيه) قال بعض السلف: من كان عين الحجاب على نفسه، فلا حاجب ولا
محجوب.
(والمطلوب من السادة العلماء) أن يبينوا لنا هذه الأقوال , وهل هي حق
أو باطل؟ وما يعرف به معناها، وما يبين أنها حق أو باطل , وهل الواجب
إنكارها؟ أو إقرارها؟ أو التسليم لمن قالها؟ وهل لها وجه سائغ؟ وما حكم من
اعتقد معناها؟ إما مع المعرفة بحقيقتها، وإما مع التأويل المجمل لمن قالها ,
والمتكلمون أرادوا لها معنًى صحيحًا يوافق العقل والنقل , ويمكن تأويل ما يشكل
منها وحملها على ذلك المعنى؟ وهل الواجب بيان معناها وكشف مغزاها، إذا كان
هناك ناس يؤمنون بها ولا يعرفون حقيقتها، أم ينبغي السكوت عن ذلك , وترك
الناس يعظمونها ويؤمنون بها مع عدم العلم بمعناها؟
(فأجاب شيخ الإسلام) أبو العباس تقي الدين أحمد ابن تيمية، قدس الله
روحه ونور ضريحه:
الحمد لله رب العالمين. هذه الأقوال المذكورة تشتمل على أصلين باطلين
مخالفين لدين المسلمين واليهود والنصارى مخالفتها للمعقول والمنقول:
(أحدهما) الحلول والاتحاد وما يقارب ذلك؛ كالقول بوحدة الوجود، كالذين
يقولون: إن الوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق، كما يقول ذلك
أهل الوحدة كابن عربي وصاحبه القونوي وابن سبعين وابن الفارض صاحب
القصيدة التائية (نظم السلوك) وعامر البوصيري السيواسي الذي له قصيدة تناظر
قصيدة ابن الفارض، والتلمساني الذي شرح مواقف النغري [٣] وله شرح الأسماء
الحسنى على طريقة هؤلاء , وسعيد الفرغاني الذي شرح قصيدة ابن الفارض
والششتري صاحب الأرحال الذي هو تلميذ ابن سبعين، وعبد الله البلباني، وابن أبي
منصور المصري صاحب (فك الأزرار، عن أعناق الأسرار) وأمثالهم.
ثم من هؤلاء من يفرق بين الوجود والثبوت كما يقوله ابن عربي , ويزعم أن
الأعيان ثابتة في العدم غنية عن الله في أنفسها، ووجود الحق هو وجودها، والخالق
مفتقر إلى الأعيان في ظهور وجودها , وهي مفتقرة إليه في حصول وجودها الذي هو
نفس وجوده، وقوله مركب من قول من قال: المعدوم شيء , وقول من يقول:
وجود المخلوق هو وجود الخالق. ويقول: فالوجود المخلوق هو الوجود الخالق،
والوجود الخالق. هو الوجود المخلوق، كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
وفيهم من يفرق بين الإطلاق والتعيين كما يقوله القونوي ونحوه , فيقولون:
إن الواجب هو الموجود المطلق لا بشرط. وهذا لا يوجد مطلقًا إلا في الأذهان، فما
هو كلي في الأذهان لا يكون في الأعيان إلا معينًا، وإن قيل: إن المطلق جزء من
المعنى. لزم أن يكون وجود الخالق جزءًا من وجود المخلوقات، والجزء لا يبدع
الجميع ويخلقه، فلا يكون الخالق موجودًا.
ومن قال: إن الباري هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق. كما يقوله ابن سينا
وأتباعه , فقوله أشد فسادًا؛ فإن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان لا
الأعيان، فقول هؤلاء بموافقة من هؤلاء الذين يلزمهم التعطيل - شر من قول الذين
يشبهون أهل الحلول.
وآخرون يجعلون الوجود الواجب والوجود الممكن بمنزلة المادة والصورة
يقولها [٤] المتفلسفة أو قريب من ذلك كما يقوله ابن سبعين وأمثاله.
وهؤلاء أقوالهم فيها تناقض وفساد، وهي لا تخرج عن وحدة الوجود أو
الحلول أو الاتحاد , وهم يقولون بالحلول المطلق والوحدة المطلقة والاتحاد المطلق،
بخلاف من يقول بالمعنى: كالنصارى والغالية من الشيعة الذين يقولون: بإلهية
علي أو الحاكم أو الحلاج أو يونس القبني أو غير هؤلاء ممن ادعيت فيه الإلهية؛
فإن هؤلاء قد يقولون بالحلول المقيد الخاص، وأولئك يقولون بالإطلاق والتعميم،
ولهذا يقولون: النصارى إنما كان خطؤهم للتخصيص، وكذلك يقولون عن
المشركين عباد الأصنام: إنما كان خطؤهم؛ لأنهم اقتصروا على عبادة بعض
المظاهر دون بعض. وهم يجوزون الشرك وعبادة الأصنام مطلقًا على وجه
الإطلاق والعموم.
ولا ريب أن في قول هؤلاء من الكفر والضلال ما هو أعظم من اليهود
والنصارى، وهذا المذهب كثير في كثير من المتأخرين , وكان طوائف من الجهمية
يقولونه. وكلام ابن عربي في (فصوص الحكم) وغيره [٥] ، وكلام ابن سبعين
وصاحبه الششتري، وقصيدة ابن الفارض (نظم السلوك) ، وقصيدة عامر
البصري، وكلام العفيف التلمساني وعبد الله البلبالي والصدر القونوي، وكثير من
شعر ابن إسرائيل وما ينقل عن شيخه الحريري، وكذلك يوجد نحو منه في كلام
كثير من الناس غير هؤلاء؛ هو مبني على هذا المذهب مذهب الحلول والاتحاد
ووحدة الوجود، وكثير من أهل السلوك الذين لا يعتقدون هذا المذهب يسمعون شعر
ابن الفارض وغيره , فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب، فإن هذا الباب وقع فيه
من الاشتباه والضلال، ما حير كثيرًا من الرجال.
وأصل ضلال هؤلاء أنهم لم يعرفوا مباينة الله سبحانه للمخلوقات وعلوه عليها،
وعلموا أنه موجود، فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها، بمنزلة من رأى شعاع
الشمس نفسها.
ولما ظهرت الجهمية المنكرة لمباينة الله وعلوه على خلقه , افترق الناس في هذا
الباب على أربعة أقوال: فالسلف والأئمة يقولون: إن الله فوق سماواته على عرشه
بائن من خلقه [٦] كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. وكما علم
العلو والمباينة بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح، وكما فطر الله على
ذلك خلقه في إقرارهم به وقصدهم إياه سبحانه وتعالى.
والقول الثاني: قول معطلة الجهمية ونقلتهم وهم الذين يقولون: لا داخل العالم
ولا خارجه، ولا مباين له، ولا محايث له. فينفون الوصفين المتقابلين اللذين لا
يخلو موجود عن أحدهما , كما يقول ذلك أكثر المعتزلة ومن وافقهم من غيرهم
والقول الثالث: قول حلولية الجهمية الذين يقولون: إنه بذاته في كل مكان
كما تقول ذلك النجارية. أتباع حسين النجار وغيرهم من الجهمية , وهؤلاء القائلون
بالحلول والاتحاد من جنس هؤلاء , فإن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم
وعامتهم، والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم كما قيل: متكلمة الجهمية
لا يعبدون شيئًا، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء، وذلك لأن العبادة تتضمن
القصد والطلب والإرادة والمحبة , وهذا لا يتعلق بمعدوم. فإن القلب يتطلب
موجودًا , فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه.
وأما الكلام والعلم والنظر فيتعلق بموجود ومعدوم , فإذا كان أهل الكلام
والنظر يصفون الرب بصفات السلب والنفي التي لا يوصف بها إلا المعدوم , لم
يكن مجرد العلم والكلام ينافي عدم المعلوم المذكور، بخلاف القصد والإرادة والعبادة
فإنه ينافي عدم المعبود , ولهذا تجد الواحد من هؤلاء عند نظره وبحثه , يميل إلى
النفي، وعند عبادته وتصوفه يميل إلى الحلول. وإذا قيل: هذا ينافي ذلك. قال:
ذاك مقتضى عقلي ونظري، وهذا مقتضى ذوقي ومعرفتي. ومعلوم أن الذوق والوجد
إن لم يكن موافقًا للعقل والنظر، وإلا لزم فسادهما أو فساد أحدهما.
والقول الرابع: قول من يقول: إن الله بذاته فوق العالم، وهو بذاته في كل
مكان , وهذا قول طوائف من أهل الكلام والتصوف؛ كأبي معاذ وأمثاله , وقد ذكر
الأشعري في (المقالات) هذا عن طوائف , ويوجد في كلام السالمية كأبي طالب
المكي وأتباعه مثل أبي الحكم بن برجان وأمثاله، ما يشير إلى نحو من هذا , كما
يوجد في كلامهم ما يناقص هذا. وفي الجملة: فالقول بالحلول أو ما يناسبه وقع فيه
كثير من مستأخري الصوفية. ولهذا كان أئمة القوم يحذرون منه، كما في قول الجنيد
لما سئل عن التوحيد فقال: التوحيد إفراد المحدث عن القدم. فبين أن التوحيد أن تميز
بين القديم والمحدث. وقال: أنكر عليه ذلك ابن عربي صاحب الفصوص وادعى أن
الجنيد أمثاله ماتوا وما عرفوا التوحيد، لما أثبتوا الفرق بين العبد والرب بناء على
دعواه أن التوحيد ليس فيه فرق بين الرب والعبد، وزعم أنه لا يميز بين القديم
والمحدث إلا من يكون ليس بقديم ولا محدث. وهذا جهل فإن المعرفة بأن هذا ليس
ذاك، والتمييز بين هذا وذاك، لا يقتضي أن يكون العارف المميز بين شيئين ليس هو
أحد الشيئين , بل الإنسان يعلم أنه ليس هو ذاك الإنسان الآخر , مع أنه أحدهما
فكيف لا يعلم أنه غير ربه وإن كان هو أحدهما؟
((يتبع بمقال تالٍ))