للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


(ب) ذكاة الحيوان والصيد

(س١٢-١٣) منه ١- ورد في الصحيح التذكية بالحجر، فهل كان ذلك
حَزًّا أو صدمًا، وهل في معنى الحجر في ذلك المحدد الكليل كمعول الزراع
(الفأس) ومعول النحت إذا أنهر الدم بالصدم الشديد، والطرق عند فقد المدية
الحديدة، فيحل بذلك الحيوان، ويغتفر للضرورة عدم إحسان القتلة لعدم السكين؟
٢- جاء فيه أيضًا النهي عن حذف البندق لعلة أنه لا يصيد صيدًا ولا ينكي
عدوًّا، وجاء فيه التفصيل في صيد المعراض، فأحل ما أصاب بحده، وحرم ما قتل
بعرضه، فماذا ترون فيما حدث الآن من الصيد بمقذوف البارود، فهل يلحق
بمحذوف البندق مع أنه يصيد وينكي أو يفصل فيه نظير تفصيل المعراض، فيقال:
إن صِيدَ صغير الحيوان كالأرانب والطير بما يسمونه رشًّا، وهو ما كان في حجم
حبة القمح مثلاً - حل، إلحاقًا بحد المعراض وما كان بأكبر؛ لم يحل، إلحاقًا
بعرضه، وكذلك في كبار الحيوان فما صيد بمثل البندقة حل، وما صيد بمقذوفات
المدافع لم يحل.
أرشدني أرشدك الله إلى ما فيه رضاه.
الجواب: من فقه جملة ما ورد في الكتاب والسنة في تذكية الحيوان وصيده،
وأن أصل معنى التذكية في اللغة: إماتة الحيوان بقصد أكله، وحقيقته: إزالة
حرارته الغريزية؛ كما قال الراغب في مفردات القرآن - علم أن الشرع لم يجعل
للتذكية صفة معينة هي شرط لحل أكل الحيوان، ولكنه حرم التعذيب وأمر
بالإحسان في كل شيء حتى القتلة والذبحة، وقد فصلنا ذلك فيما كتبناه في تأييد
فتوى للأستاذ الإمام في المجلد السادس، ثم لخصناه في تفسير آية محرمات الطعام
من سورة المائدة، فليراجعه السائل يجد فيه غَنَاء - إن شاء الله تعالى - وأما ما
اشتبه فيه من الفرق بين الصيد بالبندق والرش والرصاص يعرف حكمه من حديث
صيد المعراض، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعدي بن حاتم إذ سأله
عنه: (إذا رميت بالمعراض فخزق فكُل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل) والرش
والرصاص كما في حديث الصحيحين يخزق دون بندق الطين، وأما المدافع الكبيرة
فلا يصطاد بها، ولكن قد تصطاد آجال الغزلان وبقر الوحش بالمدفع الرشاش
(المتراليوز) ، والمعراض عصا محذذة الرأس أو الطرفين، وقد يكون في طرفها
حديدة كانوا يرمون به الصيد فيقتله، وفي لفظ لحديث عدي عند البخاري: (ما
أصاب بحده فكله، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ) قال: وسألته عن صيد الكلب
فقال: (ما أمسك عليك فكل، فإن أخذ الكلب ذكاة) ، ونقل الحافظ في شرحه عن
الإمام الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام حل ما قتل بعرضه أيضًا، وقال البخاري:
وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن اهـ. فحديث أخذ
الكلب ذكاة، وقول ابن عباس: ما أعجزك من هذه البهائم بما في يديك، فهو
كالصيد وفي بعير تردّى في بئر فذكِّه من حيث قدرت عليه (وهو في البخاري)
دلائل على ما فسرنا به الذكاة.
هذا وإن كثيرًا من علماء الشرق والغرب قد أفتوا وألفوا الرسائل في حل صيد
بندق الرصاص بعد حدوثه، فمن علماء الحنفية الشيخ محمد بيرم من علماء تونس
الأعلام، ومن علماء الحديث الإمام الشوكاني الشهير من مجتهدي اليمن، والسيد
صديق حسن خان صاحب النهضة العلمية الدينية الاستقلالية الحديثة في الهند، فإنه
قال في باب الصيد من كتابه (الروضة الندية، شرح الدرة البهية) للشوكاني ما
نصه:
وقد نزل - صلى الله عليه وآله وسلم - المعراض إذا أصاب فخزق منزلة
الجارح، واعتبر مجرد الخزق كما في حديث عدي بن حاتم المذكور - وكان ذكر
رواية الصحيحين له - وفي لفظ لأحمد من حديث عدي قال: (قلت: يا رسول الله،
إنا قوم نرمي، فما يحل لنا؟ قال: يحل لكم ما ذكيتم، وما ذكرتم اسم الله عليه
فخزقتم فكلوا) ، فدل على أن المعتبر مجرد الخزق، وإن كان القتل بمثقل فيحل ما
صاده من يرمي بهذه البنادق الجديدة التي يرمى بها بالبارود والرصاص؛ لأن
الرصاص تخزق خزقًا زائدًا على خزق السلاح، فلها حكمة، وإن لم يدرك الصائد
بها ذكاة الصيد إذا ذكر اسم الله على ذلك، وعبارة الماتن (الشوكاني) في حاشية
الشفاء: أقول: ومن جملة ما يحل الصيد به من الآلات هذه البنادق الجديدة التي
يرمى بها بالبارود والرصاص، فإن الرصاصة يحصل بها خزق زائد على خزق
السهم والرمح والسيف، ولها في ذلك عمل يفوق كل آلة. وذكر مثالاً لذلك، وما
روي من النهي عن أكل ما رمي بالبندقة، كما في رواية من حديث عدي بن حاتم
عند أحمد: (ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت) فالمراد بالبندقة هنا هي التي تتخذ
من طين فيرمى بها بعد أن تيبس، ثم ذكر بعده الخذف بالحصى وكونه مثل بندقة
الطين.