للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد عبده


مقدمة كتاب الإسلام والنصرانية
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: ١٢٥) .
ظهرت في العالم مَدنيّات ثم خفيت , ودُرِسَتْ فيها العلوم والفنون ثم دَرَست ,
وصَلحت أحوال الأناسي ثم فسدت وطلعت فيهم أقمار الهداية الدينية ثم خسفت ولم
يزل الناس في قيام وقعود , وهبوط وصعود , والأمم في تلاشٍ وفناء، ونشوء
وارتقاء حتى استعد المجموع في حملته للرقيّ العام , فمنحه الله تعالى دين الإسلام.
جاء الإسلام والعالم كله في تأخر من جميع الوجوه من جهة الدين، من جهة
العلم، من جهة المدنية، من جهة السياسة، فلم يمر قرن واحد حتى جدَّد للعالم كلِّه
دينًا قيمًا، وعِلمًا محكمًا، ومدنية سعيدة وسياسة رشيدة، ونشر ذلك في مشارق
الأرض ومغاربها بقوة الحق، وسرعة البرق فتغير وجه الأرض ونفخ في الإنسان
روحًا جديدًا أعطاه من جراثيم الحياة ما لا يقبل الفناء، ما دامت الأرض والسماء [١] .
ينبوعٌ تَفَجَّرَ في أرض وفاض ماؤه على غيرها فأحيا الأرض بعد موتها
ولكن القائمين على حراسته وتعاهده وضعوا فوقه أنقاضًا من خرائب جيرانهم
فغيض الماء وما بقي منه صار مستنقعات تُجْتَوى، لم يلبث بعدما غاض أن فاض
منه شيء في مواضع أخرى فانتفع أهلها به وحافظوا عليه ولكن الأكثرين منهم لا
يعرفون من أين جاءهم كما أن أكثر أهل الينبوع المنتسبين إليه بالاسم لا يعرفون أن
ذلك الماء الذي تفجر في تلك المواضع فأنشأ أهلها به حدائق ذات بهجة هو من ماء
ينبوعهم، وإنهم لو أزالوا عنه تلك الأنقاض لفاض ورجع إليهم خصبهم ونماؤهم
كأحسن ما كان؛ لأنهم تعلموا من غيرهم كيف يستخدم الماء للأحياء.
ذلك مثل المسلمين اليوم مع الأمم الغربية الحية الراقية، أخذ الغربيون من
الإسلام كل أصول الإصلاح الذين هم فيه وهم يقولون: الإسلام عقبة في طريق كل
إصلاح، يقولون للمسلمين: إن ماءنا صافٍ نقي يحيي البلاد والعباد وماؤكم آسن
أُجاج، أحدث مستنقعات أهلكت الحرث والنسل، فكيف يستوي الماءان وقد اختلف
الأثران؟ منهم من يقول هذا معتقدًا، ومنهم من يقوله منتقدًا، ونحن ساكتون؛ لأننا
جاهلون بأنفسنا وبهم.
ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب،
ويظهر الحق من الباطل، فتقوم الحجة على الجاهل بدينه ونفسه، والمكابر لوجدانه
وحِسّه، لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذِكْرًا فيرجعوا إلى أصول دينهم وهو الأولى
بهم والأحرى، فقد أعدهم بنوائب الزمان، وصروف الحدثان، لأن يعترفوا بذنبهم
وليتوبوا بالتدريج إلى ربهم، إذا ظهر فيهم علماء ربانيون وأطباء روحانيون،
يعرفونهم بحقيقة الداء ويصفون لهم الدواء، وما طلب الإنسان بلسان استعداده شيئًا
من مولاه إلا تفضل عليه به وأعطاه إياه [١] .
لهذا سخر الله للمسلمين حكيمًا من الأعلام، وإمامًا من أئمة الإسلام، يطلب
لديهم، ويجمع ما تفرق من آرائهم، وقد كتب في هذه الأيام كتابة جليلة في العلم
والمدنية - بالنسبة إلي الديانتين النصرانية والإسلامية - رد فيها على أحد كتاب
المسيحيين قوله: إن المسيحية كانت أكثر تسامحًا مع العلم من الإسلام، وأن
الإسلام أكثر اضطهادًا للعلم والفلسفة من النصرانية وبيَّن في آخر ما كتبه حال
المسلمين السوءى وعدم موافقتها لما تقضتيه طبيعة ديانتهم، فبرأ الإسلام وسلفُهُ من
الملام ولكنه لم يبرئ المسلمين المتأخرين بل دلهم على حقيقة دائهم وهداهم إلى
طريقة معالجته والخروج منه بإذن الله تعالى، ولعمري إنه أنذر فأعذر، وبرئ من
وعيد الكتمان، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (يونس: ١٠٨) .
ويلي هذا في المقدمة، إلماع لشبهات ذلك الكاتب وقد عرفها القراء من قبل
كما عرفوا الردّ عليها فلا حاجة لذكرها، وقد تم طبع الكتاب وإصداره وثمنه ٥
قروش صحيحة وأجرة البريد في مصر ستة أعشار القرش (٦ مليمات) ويطلب من
إدارة المنار بمصر.
((يتبع بمقال تالٍ))