للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الاحتفال بافتتاح مدرسة بني مزار

أنشئت في هذه السنة مدرسة خيرية إسلامية في بني مزار من مديرية المنيا
بتعاون أهل الخير والبر، وقد أنيطت إدارتها بالجمعية الخيرية الإسلامية التي
أنشأتها بمساعدة الأهلين فهي ليست كسائر مدارس الجمعية خاصة بأولاد الفقراء
وخالية من اللغات الأجنبية، بل هي كالمدارس الابتدائية الأميرية إلا ما يرجى من
زيادة العناية فيها بأمر الدين ويتعلم فيها أولاد الأغنياء بأجرة قليلة، وقد كان افتتاحها
في يوم السبت الماضي باحتفال رَأَسَهُ الأستاذ الشيخ محمد عبده رئيس الجمعية
الخيرية، وحضره الوجهاء والفضلاء في مقدمتهم سعادة مدير المنيا وقاضي
المديرية رئيس لجنة المدرسة حسن بك عبد الرازق العضو في مجلس شورى
القوانين عن مديرية المنيا، وقد كتب إلينا المحامي الفاضل حسن أفندي عبد الرازق
تفصيلاً عن هذا الاحتفال لخَّصْناه بما يأتي:
لمَّا كمل نظام المحفل قام الأستاذ الرئيس خطيبًا فبدأ بالبسملة وفاتحة الكتاب
والصلاة والتسليم على النبي الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وأعلن افتتاح
المدرسة ثم شكر للمتبرعين بإنشاء المدرسة غيرتهم وفضلهم ومما قاله لهم: إنكم
أنفقتم في خير سبيل. وتاجرتم أربح متاجرة. فإن هذه المدرسة ملككم لو أن العلم
يُملك، وما الجمعية الخيرية إلا نصيرتكم في عملكم وهي لأنني في معاونتكم بإذن الله
وتُؤمل أن تكونوا سواعدها وأعضادها. ثم قال: إن ما فرض على التلامذة
الموسرين من أجر التعليم (وهو ثلاث مائة قرش سنويًّا) ليس مما يضيق به صدر
الكريم وتعلمون أن نفقة التلميذ في المدارس الأخرى تبلغ ثمانية جنيهات في السنة
أو تزيد، ولو أنكم دفعتم في مدرسة هي لكم ضعف ما تدفعون في مدارس غيركم
لكنتم الرابحين؛ لأن فرقًا بين من ينفق في بناء دار هي له ومن ينفق على دار
مستأجرة.
ثم قال ما ملخصه: لا نريد أن نخاطب الموسرين الذين أغوتهم شرة الغنى
وأسكرتهم خمرة الشباب فقذفوا بأموالهم في هوّة الضياع وصرفوا الطارف والتليد،
فيما يضر وما لا يفيد، فأولئك كالأنعام بل هم أضلّ. وإنما نخاطب العقلاء من
الأغنياء فنقول: إذا كنتم تقتصدون لتوفروا من مالكم ما تتركون لأولادكم حتى لا
يكونوا فقراء تعساء فقد سعيتم في طريق محمود مهَّده الإسلام، ودعا إليه النبي
عليه الصلاة والسلام، وإن ما تَصرفونه في سبيل العلم والتربية هو من هذا القبيل
أيضًا؛ لأنه توفير لسعادة الأبناء، بل لا سعاده بالمال إذا لم تصحبه تربية نافعة وعلم
صحيح يَهتدي بهما المتمول إلى كيفية الانتفاع.
ولا يكون الإنسان سعيدًا إلا إذا كان عائشًا مع مهذبين سعداء، هب أنك
تركت لولدك ما تبتغي من الثروة وهو في موطن خيمت عليه الجهالة، واستحوذت
على أهله الضلالة، أتراه يعيش سعيدًا بين الأشقياء، ويحيا غنيًّا بين الفقراء،
ولا تمتد إليه يد الغواية وتغلب عليه طبائع السفهاء وتستهويه شياطين الأهواء؟ كلا،
إن المرأ بقرينه، ورجل الخير بين أبناء الشرور على خطر، فمن أنفق من ماله
للعلم والتربية فهو الذي يوطئ لذريته أكناف السعادة، ويوطد لهم دعائم المعيشة
الراضية؛ لأنه يصلح لهم مباءة يعيشون في ظلالها آمنين.
ثم بين الأستاذ أسباب اقتصار المدرسة في هذه السنة على تعاليم السنة الأولى
للتلامذة وعدم إنشاء فرق من تلامذة السنة الثانية وما بعدها مع أن في طلاب التعليم
من هم أهل لذلك. وتلك الأسباب هي ضيق المحل الذي استؤجر للمدرسة إلى أن
يتم بناؤها ولم يوجد غيره. وكون الوقت بين قبول الجمعية الخيرية إدارة المدرسة
وافتتاحها لم يكن كافيًا لاختيار المعلمين الأكفاء والظفر بهم لقلة عددهم في مصر.
وثَمَّ سبب ثالث عام وهو أن السُّنة الإلهية في الترقي أن يبدأ الشيء صغيرًا ثم
يترقى بالتدريج، وأن الأمور التي تنشأ كبيرة فالغالب أن ينحل عقد نظامها في
القريب العاجل، والعياذ بالله تعالى.
ثم تكلم الأستاذ الرئيس في مسألة سن التلميذ فقال: إن الجمعية الخيرية
الإسلامية لم تحدّد سن التلميذ في نظامها عبثًا ولا تقليدًا ولكن حددته لفوائد سامية،
تعلمون بالضرورة أن ليس كل من دخل هذه المدرسة يكون تحت لواء الوظائف بل
سيكون منهم التاجر والزارع والصانع فإذا دخل التلميذ المدرسة في الثامنة وأتم
التعليم في أربع سنين أو خمس، يخرج منها غضًّا طريًا مهيئًا للدخول في أي
عمل شاء. وإذا تقدم في السن ودخل المدرسة بعد العاشرة عاقه يبس عوده عن أن
يلين للأعمال الصناعية أو الزراعية وربما عجز أبوه عن إتمام تعليمه وهو عاجز
عن الاشتغال بأعمال المعاش فيضيع بين عجزين.
ثم ختم القول بشكر سعادة المدير لحضور الاحتفال واستنهض همته لتعميم
المدارس في المديرية، وشكر لعبد الرحمن بيك فهمي مأمور مركز بني مزار سعيه
في الاكتتاب لهذه المدرسة. ثم دعا للمدرسة الدعاء الصالح ولسمو الخديو المعظم
فأمّن الحاضرون. وقام في أثر المدير فشكر للرئيس فضله وسعيه ووجه أنظار
الوجهاء الحاضرين لتدبر نصائحه، ثم تلاه حسن أفندي عبد الرازق فبدأ قوله بخطاب
الرئيس مثنيًّا عليه بما هو أهله مبينًا تحويم القلوب عليه. وتوجه نفوس طلاب
الترقي إليه. ثم أثنى على المتبرعين للمدرسة وخصَّ بالذكر كرام المسيحيين الذين
عرفوا قيمة الوطنية. فتبرعوا للمدرسة مع علمهم بأنها إسلامية، ثم تلاه المأمور
فأظهر السرور والابتهاج بالاحتفال وأثنى على فضيلة الرئيس وسعادة المدير.
ثم خطب حسن بك عبد الرازق رئيس لجنة المدرسة فتكلم بمعنى ما تقدم
فأحسن وكان الختام مِسكًا، فجزى الله هؤلاء المحسنين خير الجزاء ووفق سائر
الناس إلى حسن الأسوة والاقتداء.