للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(تعليم الدين في مدارس الحكومة)
اقترح مجلس شورى القوانين على الحكومة التوسع في تعليم الدين في
مدارسها، وزيادة العناية به فقامت جريدة (الإجبت) التي يصدرها في القاهرة إدريس
بك راغب من سروات المصريين تعترض على هذا الاقتراح، وطفقت جريدة
المؤيد والأهرام تردان عليها، ونقل عنها أنه تنكر تعليم الدين في المدارس، وتقول:
إن الدين لا ينبغي أن يعلم إلا في البيوت، بل نقل عنها الطعن في الدين مطلقًا،
وإدريس بك يرى أن ما في المدارس كافٍ لا يحتاج إلى مزيد ولا ينكر التعليم
الديني ولا هو من دعاة الإلحاد فيما نعلم.
وبذلك انفتح باب الكلام في مسألة التعليم الديني في مدارس الحكومة وغيرها
وخِيفَ أن يتجرأ محبو الإلحاد إلى الدعوة إليه، واقترح علينا غير واحد أن نكتب
في ذلك قائلين: إن المنار أجدر بهذا الموضوع من غيره، وقد صدقوا وإنا لكاتبون
في ذلك إن شاء الله تعالى.
***
(الدكتور ضياء الدين أحمد)
زار مصر في أواخر الصيف الماضي الدكتور ضياء الدين أحمد عائدًا من
أوربا إلى عليكره ليتولى التعليم العالي في مدرستها الكلية الشهيرة، وهو قد تخرج
في هذه المدرسة ونال شهادتها، ثم ذهب إلى أوربا لإتمام دروسه العالية في بعض
العلوم، فدخل جامعة كمبردج، فكان أعظم نابغ في العلوم الرياضية حتى إنه نال
جائزة إسحق نيوتن الفلكي، وهي مائتا جنيه تُعطى للنابغ الأول في الهيئة الفلكية
بعد امتحان ثلاث سنين، ثم ذهب إلى ألمانيا وتلقى فن التعليم في كلية (جونتجن)
حتى نال (شهادة الدكتورية) وبعد أن أتم دروسه زار فرنسا وأقام فيها شهورًا اطلع
فيها على نظام التعليم وسيره هناك، ثم زار مصر وأقام فيها شهرين وأيامًا كان جُل
همه فيها الاطلاع على شؤون التعليم.
لقينا منه شابًّا متوقد الذكاء شديد الغيرة على أمته بعيدًا من الهزل واللغو
معتصمًا بالأدب وهو يتكلم بالعربية مع حصرٍ ما ويفهم ممن يكلمه بعبارة فصيحة،
بل علمنا منه أنه عربي النسب. وقد أعجب بفضله وأدبه كل من عرفه هنا واحتفل
بعض معارفه بتوديعه في فندق الكونتننتال احتفالاً دعوا إليه كثيرًا من ذوي
المعارف وأصحاب الصحف، ولما انتظم عقد الاجتماع قام الدكتور ضياء الدين فينا
خطيبًا باللغة الإنكليزية فتلا خطبة بدأها بالشكر لأصدقائه الذين أكرموا وفادته، ثم
تكلم عن مدرسة عليكره وما يراد من ترقيتها والزيادة فيها حتى تكون جامعة كبرى،
وعن حظ الجامعة من الدين والتربية الدينية، وسنورد ترجمة قوله في جزء آخر.
وبعد أن أتم خطابه وقف حافظ أفندي عوض أحد صاحبي جريدة المنبر فتلا
ترجمة خطبته بالعربية. ثم قام الشيخ علي يوسف شيخ المؤيد وتلا خطابًا وجيزًا
تكلم فيه عن مدرسة عليكره وأثنى على الدكتور ضياء الدين وعليها فأحسن وقد
صدق في قوله: (إن مصر لو رُزقت مدرسة جامعة ذات مبادئ قويمة مثل التي
عليها كلية عليكره وتناسب في عظمتها حالة مصر الحاضرة لكانت مصدر حياة
أقوى وأعم نفعًا لا للمصريين فقط ولكن لمسلمي العالم كله الذين هم في حاجة كبرى
للترقي الصحيح المبني على دعائم العلم والفلسفة) .
فعسى أن يسعى مع الذين يتمنون أن تكون الجامعة المصرية التي يدعى إليها
الآن مشتملة على هذه المبادئ التي ذكر منها العلم والفلسفة، ولم يذكر دعامة الدين
ولكنه لا ينكرها وهي من دعائم كلية عليكره ولولاها لكانت تلك الكلية وبالاً على
المسلمين.
وبعد ذلك كشف الستار عن مائدة الشاي وما يتبعه من اللبن وأنواع الأكل
اللطيفة فأقبل عليها المدعوون وهم يتهللون بشرًا وطلاقة بهذا الاجتماع الأدبي، ثم
انصرفوا مودعين شاكرين.
***
(الشورى في فارس وسفير تركيا)
ترجمت جريدة (تربيت) التي تصدر في طهران ما كتبناه في الجزء السابع
عن الشورى في بلاد فارس ونقله عنها بعض الجرائد الأخرى فكان له تأثير عظيم
وقد اعترض سفير تركيا على نشر هذه الترجمة رسميًّا فأجابه ناظر الخارجية بأن
مولاه الشاه قد أطلق الحرية للصحف فلا يمكن تقييدها، ولما علم الناس بهذا
الاعتراض اشتد استياؤهم وقالوا: إن تركيا تريد أن تقيدنا في بلادنا وتمنع عنا
النور كما منعته عن إخواننا العرب في بلادها، وسنتكلم عن هذه المسألة بالتفصيل
في الجزء الآتي إن شاء الله تعالى.
***
(الشيخ أحمد أبو خطوة - وفاته)
فجع العلم والقضاء في الشهر الماضي بوفاة الشيخ أحمد أبي خطوة أحد قضاة
محكمة مصر الشرعية وإنها لفاجعة ليست كالفواجع فالشيخ أحمد أبو خطوة ليس
بالعالِم الذي يتعزى عنه بوجود كثير من أمثاله في الأزهر أو غير الأزهر. بل هو
العالم الذي لا أعرف له خلفًا في علوم الكلام والحكمة النظرية والمنطق والفقه
وفنون العربية كلها لا في الفهم الدقيق ولا في الأداء والتعليم، ولذلك انضوى إلى
دروسه أذكياء تلاميذ الأستاذ الإمام من بعده وكان منهم من يحضر بعض دروسه في
حياته كالمنطق والكلام والفقه إذ لم يكن الأستاذ الإمام يقرأ بعد رسالة التوحيد إلا
التفسير والبلاغة فلما مات الشيخ أبو خطوة صار هؤلاء الأذكياء كاليتيم من الأبوين.
كان - رحمه الله تعالى - وقورًا مهيبًا على تواضعه ورفقه، حسن السمت
حليمًا لا تخشى بوادره، حسن التصرف في الأمور لا يدخل في شيء إلا ويعرف
كيف يخرج منه، بصيرًا بأحوال زمانه خبيرًا بشؤون بلاده، قادرًا على الإصلاح
في المحاكم الشرعية لو فوِّض إليه القيام به، لا سيما بعد وضع الأستاذ الإمام لذلك
التقرير الذي أحصى طرق الإصلاح ووجوهه، ولكن الحكومة أو أولياء الأمر في
مصر جهلوا قدره فلم يستفيدوا من استعداده، وكثيرًا ما يحجبهم عن معرفة الرجال
قول بعض من يثقون بقوله وإن قال كلمته عن جهل بالحقيقة أو سوء ظن أو هوى.
وجملة القول: إن مصر قد خسرت بموت هذا الرجل خسارة عظيمة، وقد
التمسنا من بعض أصدقائه بأن يترجمه للمنار ولعله يفعل متفضلاً.
***
إلى الأديب محمد الهادي السبعي وكيل المنار السابق: قد أعذر من أنذر،
ومن صبر عدة سنين يشكر ولا يكفر، والشرف خير من المال، والعبرة بالخاتمة
والمآل {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن
لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} (الإسراء: ٨٠) .