ألفت في الهند منذ بضع عشرة سنة جمعية إسلامية سميت جمعية خدام الكعبة كان من مقاصدها الأساسية الدعاية للسياسة التركية وجعلت اسم خدمة الكعبة حجابًا لها دون حكومة الهند وقد هتك جورج فيلبيدس الذي كان رئيس البوليس السري بمصر حجابها للدولة البريطانية في أثناء الحرب فطاردتها فانحل عقدها وخلف من بعدها جمعيتان جهريتان إحداهما سياسة تركية وهي جمعية الخلافة المناوئة للسياسة البريطانية وجمعية خدام الحرمين الموالية لحكومة الهند والدولة البريطانية كجمعية الديانة المسيحية القاديانية الملقبة بالأحمدية. أما جمعية الخلافة ففيها أساطين رجال الهند وهي أقوى جمعيات المسلمين فيها وسنتكلم عنها في مقال خاص عند سنوح الفرصة وأما جمعية خدام الحرمين فأكثر أعضائها من الحشوية وطلاب المنافع المادية وأنصار البدع والخرافات، ولما تصدت جمعية الخلافة للانتصار للسلطان ابن السعود كجمعية أهل الحديث على الملك حسين بن علي لإلحاده في الحرم، وخدمته مع أولاده للسياسة الأجنبية وموالاتهم لها قامت جمعية خدام الحرمين بمشايعة الملك حسين ثم ولده الشريف علي وكان المحرك لها من وراء الدسائس السياسية حزب الشيعة المناوئين للنجديين لاعتصامهم بالسنة اعتقادًا وعملاً؛ ولأنهم من العرب الخلص وقد أرسلت هذه الجمعية وفدًا إلى الحجاز لبث الدسائس والفتن فيه وذلك قبل موسم الحج الماضي؛ فعاملهم ابن السعود أولاً بالحلم وسعة الصدر ولما علم بدسائسهم وفتنهم وسوء نيتهم طردهم من الحجاز فجاءوا مصر ونشروا في المقطم وغيره طعنًا شديدًا فيه، وكراسة ذكروا فيها من قصصهم أنهم سألوه أسئلة كثيرة كلفوه أن يجيبهم عنها كتابة وهي متضمنة لاتهامه واتهام قومه بالجرائم كأنهم قضاة يحققون قضايا جنائية من رعية دولتهم، يطلبون من الملك أن يعترف بها؛ أو يبرئ نفسه منها ومتضمنة أيضًا للبحث عما عنده من الأسلحة وعن أمكنتها كأنهم مجلس أركان حرب يحاكم قائدًا من القواد التابعين له على تهم وخيانات عسكرية فأي صعلوك من صعاليك الناس يرضى لنفسه أن يقف أمام هؤلاء الأجانب الفضوليين هذا الموقف الذي أرادوا أن يقفه ملك الحجاز وسلطان نجد بين أيديهم، ثم رجع هذا الوفد إلى الهند وقوي اتحادهم بشيعة لكهنو، وقد ألفوا فيه ربيع الأول الماضي مؤتمرًا في بلدهم لكهنو بإرشاد حزب الشيعة افتروا فيه الكذب واختلقوا الإفك على ملك الحجاز وسلطان نجد والنجدين كعادتهم وأرسل رئيس الجمعية برقية بقراراته إلى نقابة الصحافة بمصر وإلى سائر الأقطار ننقلها عن جريدة كوكب الشرق تعليقها عليها من العدد الذي صدر في ٢٧ ربيع الأول الماضي وهذا نصهما: قرار غريب حول الحجاز تلقت نقابة الصحافة المصرية التلغراف الآتي ليل أمس من لوكنو (الهند) . (اجتمع مؤتمر الحجاز الذي يمثل جميع طبقات مسلمي الهند في لوكنو تحت رئاسة (سالبهوي باروداوال) شريف بومباي ووضع قرارات خطيرة سجل فيها استياءه العظيم من أعمال النجديين كتدمير المقامات والآثار القديمة والاعتداء على المسلمين الأبرياء من رجال ونساء وصرح أن المسلمين عازمون على اتخاذ جميع التدابير الممكنة لإخراج ابن السعود من الحجاز الذي لا يحق له أن يحكمه، ولا سيما بعد هذه الأعمال. ومن جملة القرارات التي وضعها المؤتمر قراران ينص أحدهما على وضع نظام للحجاز يقبله الحجازيون ويرضي روح العالم الإسلامي وينص الثاني على تنفيذ الشرع ومبدأ حق تقرير المصير. واحتج المؤتمر في قرارات أخرى على تجريد حكومة نجد للحجازيين من السلاح، وأعرب عن عدم استطاعة مسلمي الهند أن يساعدوا في أي مشروع كتمديد الخطوط الحديدية وما أشبه ذلك في ظل النظام الحالي. وقرر المؤتمر وقف الحج (!) ؛ لأن النجديين يعدون جميع المسلمين من غير الوهابيين كفارًا أبيحت لهم أموالهم وأرواحهم ونصح المؤتمر لجميع البلدان الإسلامية أن تفعل مثل ذلك وتساعد الحجازيين المتألمين، وقرر أن يؤلف وفدًا من كبراء المسلمين يطوف المراكز الإسلامية الكبرى لهذه الغاية. ... ... ... ... ... ... ... ... ... قطب الدين ... ... ... ... ... ... ... رئيس جمعية خدام الحرمين (الكوكب) ونحن نقول: إن هذا القرار لم يكن له محل ولا مكان بعد البيان الرسمي الذي أذاعه جلالة ملك الحجاز بشأن المقامات الدينية في مكة المكرمة وإنصافًا للحقيقة نعيد اليوم نشر هذا البيان بنصه وهو نشر بعض المرجفين أن في النية هدم القبة النبوية؛ لذلك انشروا باسمنا أن كل ما يقال من العزم على هدم القبة النبوية كذب لا أصل له، والقبة الخضراء وقبر الرسول في حفظ وأمان بحول الله وإنا لنفديها بأموالنا وأولادنا وأنفسنا ولا يمكن أن يصيبها أذى وفينا عرق ينبض كذلك جميع قبور الصالحين نحافظ عليها ونحترمها ونصونها من كل أذى ونرى ذلك دينًا نعاهد الله عليه. ... ... ... ... ... ... ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد العزيز وإنما ردت عليهم صحيفة كوكب الشرق بالبرقية الرسمية التي نشرها ملك الحجاز لظنها أنهم يعتقدون صحة ما رموه بها، وأنهم سيرجعون عنه بعد علمهم ببرقية الملك؛ لذلك كتبنا مقالاً نشرناه في جريدة البلاغ بينا فيه حقيقة هذه الجمعية وما جاء في جرائد الهند من كون مؤتمرها قد ألف بأمر وسعي ومال زعيم الشيعة الأكبر (راجا محمود آباد) ، وأن هذا المثري الكبير قد جمع من ماله وأموال أغنياء الشيعة في الهند مبلغًا كبيرًا من المال لأجل بث الدعوة في الهند وأفغانستان وغيرها من البلاد لإقناع عوام أهل السنة بترك فريضة الحج ما دام ابن السعود ملكا على الحجاز والسعي لإقناع أمراء المسلمين وملوكهم بالاتحاد مع دولة إيران الشيعية لإخراجه من الحجاز واستأجر (الراجا) هذه الجمعية لبث الدعوة وكان هذا أول عملها، ولكن لم يحضر مؤتمرها أحد من كبار أهل السنة ولا من جمعياتهم ولولا الغرور بالمال لما تجرأت جمعية حقيرة في وطنها على التصريح بعزم (المسلمين) على اتخاذ جميع التدابير الممكنة لإخراج ابن السعود من الحجاز. ولما رأى المهراجا عظيم الشيعة أن هذا المؤتمر كان هزؤًا وسخرية للمسلمين سعى إلى عقد مؤتمر آخر في بمبي كانت عاقبته شرًا من عاقبة المؤتمر الأول وهاك نص البرقية التي جاءتنا وجاءت نقابة الصحافة في أمره وهذه ترجمتها: *** مؤتمر الحجاز الهندي (ختم المؤتمر المسمى مؤتمر الحجاز الهندي أعماله في ٢٦ سبتمبر الماضي ولم تشترك فيه قط أية هيئة إسلامية مهمة كلجنة الخلافة المركزية وجمعية علماء الهند وجمعية أهل الحديث ولجنة حماية الإسلام ومؤتمر التعليم الهندي العام في البنجاب ومعاهد عليكره الإسلامية المهمة وإنما حضره الزعيمان محمد علي وشوكت علي بصفتهما الشخصية وقد تمت جميع إجراءات المؤتمر طبقًا لتعليمات ورغائب عميد الشيعيين في لكنو (مهراجا محمود آباد جهانكير باد) وبعض العلماء الإيرانيين وعرضت رياسة المؤتمر على كثيرين من مشاهير زعماء المسلمين فلم يقبلها أحد منهم وقبلها (صالح بهائي بارودا ولا) وهو شيعي من بهرة غير معروف لا في عالم الدين ولا في عالم السياسة. (وقد احتج المؤتمر على وجود السلطان ابن السعود في الحجاز ومن الخطط المحزنة التي اقترحت نشر الدعوة لمقاطعة الحج فأسف لهذا العمل البعيد عن روح الإسلام جميع كبراء الساسة ورجال التعليم والمعرفة وعدوه غير قابل للتطبيق ومناقضًا للحكمة السياسية وضربة في صميم الوحدة الإسلامية) . ... ... ... ... ... ... ... ... إسماعيل الغزنوي ... ... ... ... ... ... ... ... من أعضاء لجنة الخلافة مؤتمر جمعية الخلافة المنتظر: وستعقد جمعية الخلافة مؤتمرًا في لكهنو أيضًا يبحث في مسألة الحجاز ومؤتمره وسيكون الزعيمان محمد علي وشوكت علي فيه خصومًا لملك الحجاز فيما يظهر لنا ونحن نعتقد أن جميع رجال الإصلاح الديني في الجمعية والعقلاء المعتدلين من رجال السياسة يعتقدون أن الزعيمين مخطئان في معاداة ملك الحجاز وسلطان نجد؛ لأنه أكبر قوة إسلامية في الأرض بعد سقوط الدولة العثمانية وصيرورة حكومة الترك لا دينية، وأن هذه القوة هي الوحيدة التي تنصر السنة وترفض البدع والدجل الذي هو سبب ارتداد كثير من المسلمين عن دينهم آنًا بعد آن وأنهما إنما يناوئانه بالباطل اتباعًا لهواهما واستمالة لشيعة الهند وعوامها الخرافيين وهؤلاء الزعماء أعلم من محمد علي وشوكت علي بحقيقة الإسلام وبالسياسة المثلى له وبمصلحة المسلمين وأبعد منهما عن اتباع الهوى ولكن الزعيمين الأخوين أقوى إرادة وأمضى عزيمة وأقدر على استمالة العوام بغلوهما في الكلام وبدموعهما السجام. فإذا أتيح لهما الرجحان على أصحاب العقول الراجحة كحكيم الزمان أجمل خان والدكتور أحمد أنصاري وعلى أصحاب اللسن والعلم الديني كالشيخ أحمد أبي الكلام فستكون جمعية الخلافة آلة بيد غلاة الشيعة لمحاربة السنة، بل لمحاربة الفرض والسنة كالدعوة إلى ترك فريضة الحج ولتفريق كلمة المسلمين التي يحاول ابن السعود جمعها في المؤتمر الإسلامي. *** مؤتمر الجمعيات الإسلامية بجاوة سمعنا من بعض دعاة التشيع ومناوأة ابن السعود في مصر أن مؤتمر الجمعيات الإسلامية في جاوه قد انعقد في سوراباية، واشترك فيه زهاء أربعين جمعية تمثل الرأي العام الإسلامي في جزائر الهند الشرقية وقرر مقاومة ابن السعود والدعوة إلى ترك أداء فريضة الحج ما دام مستوليًا على الحجاز فقيل له قد بقي عليكم شيء آخر أشد نكاية فيه وهو ترك الصلاة إلى قبلة الإسلام بيت الله الحرام، فإن من يستحل ترك فريضة الحج لما ذكر يستحل ترك صلاة الإسلام أيضًا؛ ثم علمنا من جرائد سوراباية العربية حتى المعادية لابن السعود أن المؤتمر المذكور أيد ابن السعود، وقد زارنا في هذه الأيام الشاب الذكي النبيه السيد عبد الله بن سالم العطاس قادمًا من سوراباية وبلغنا سلام زعماء المسلمين وطلاب الإصلاح في جاوه وكان ممن حضر المؤتمر وسافرا بعده إلى جدة بطريق مصر ليكون عضواً في فرع البنك الهولندي الذي سيفتح فيها لتسهيل المعاملات مع الحجاج الجاويين وغيرهم، فسألناه عن دعوة التشيع الذي بثها بعض العلويين في جاوه فكانت سبب الشقاق بين المسلمين ومشاقة الكثيرين للعلويين بعد ما كان من الإجماع على إجلالهم فأخبرنا أن تأثيرها ضعيف، وأن الكثيرين من العلويين أنفسهم مخالفون لها ودعاة سنة واتفاق بين المسلمين ثم سألناه عن خبر المؤتمر فقال ما ملخصه: (عقد المؤتمر جلسته الأولى في ١٢ ربيع الأول الأنور تيمنًا بذكر المولد النبوي الشريف وهو مؤلف من مندوبي جميع الجمعيات الإسلامية في البلاد الجاوية أو جزائر الهند الشرقية بمدينة سورابايه ماعدا جمعية واحدة وحضر المؤتمر أيضًا مندوبون عن الجرائد المعتبرة في جميع البلاد وكثير من وجهاء البلاد وأهل الرأي والمكانة فيها ومئات من دهماء الشعب ولولا أن فرضوا على كل من يدخله دفع روبية هولندية لدخله ألوف كثيرة ويظهر أنهم أرادوا تقليل ازدحام العوام فيه قال وكان أول الخطباء فيه أعضاء المؤتمر المكي الحاج عمر سعيد شكر وأمينوتو والحاج منصور فذكرا لممثلي الأمة ما شاهداه من الأمن في الحجاز وأثنيا على الملك ابن السعود أجل الثناء ولخّصَا لهم المهم من قرارات المؤتمر الإسلامي العام فنال كلامهما الاستحسان العام ثم قرر المؤتمر قرارات مهمة. (منها) تأليف لجنة خاصة لتسهيل الحج على الجاويين يكون لها فروع في جميع البلاد. (منها) إلغاء جمعية الخلافة بل تحويلها إلى ما يعبر عنه باسم (جمعية المؤتمر الإسلامي للهند الشرقية) وهذه الجمعية لها حق الإشراف والمراقبة على جميع لجان تسهيل الحج. (منها) تأليف لجنة تنفيذية لجمعية المؤتمر تكون في سوراباية و (منها) جمع تسعمائة جنيه لنفقات المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة في الموسم القابل قال: وامتنعت جمعية نهضة العلماء (الجامدين المحافظين على التقاليد والبدع وعلى مكانتهم عند العامة) فألفوا مؤتمرًا خاصًّا بهم لم يحضره أحد من جمعيات المسلمين ولا من وجهائهم فكان جل ما لغطوا به حكاية ما أذاعه دعاة الرفض فيهم من زعمهم أن ملك الحجاز منع حرية المذاهب إلا مذهبه، وأنه إذا كان المسلم لا يستطيع أن يؤدي مناسك الحج كما يعتقد فلا ينبغي له الحج حتى ينجلي الآمر ويظهر أنه يستطيع العمل بمذهبه. هذا ما لخصناه من حديث الشاب الكريم السيد عبد الله بن سالم العطاس وهو خلاصة ما علق بذهنه من جلسات المؤتمر. وقد علم به أن هذه الجمعية الخرافية رضيت لنفسها أن تصد المسلمين عن أداء فريضة الحج وتجرئهم على هدم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، ولعلمها بأن استباحة هذا كفر وردة عن الإسلام اخترعت له بتلقين دعاة الرفض علة ظنت أنها يصح أن تكون عذرًا مبيحًا للدعوة إلى ترك هذه الفريضة والعلة باطلة بشهادة عشرات الألوف الذين أدوا فريضة الحج من أهل جاوه وغيرهم فإنه لم يسأل أحد منهم عن مذهبه، ولم يوجد أحد يلقن الحجاج مذهب الملك ابن السعود ولا غيره، بل هذا متعذر لا يمكن لأحد أن يقوم به على أنه لو صح لما كان عذرًا يبيح ترك فريضة الحج فمذهب ابن السعود وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأهل جاوه شافعية من أهل السنة لا يعتقدون أن مذهب الإمام أحمد باطل ولا أن فيه ما يبطل الحج في مذهب الشافعي (رضي الله عنهما) ولو أن ابن السعود هو الذي دعا إلى ترك الحج بأي عذر كان لأجمعوا على كفره ووجوب قتاله فأعداء ابن السعود هم الذين يهدمون أركان الإسلام نكاية فيه وما يتهمونه به من حمل الناس على مذهبه لو صح لم يكن كمنع الحج بل لم يكن محرماً شرعًا لكنه غير صحيح. هذا وإن جريدة الأحقاب التي تصدر في سوراباية نشرت في مقالها الأول عن المؤتمر الإسلامي فيها أنه قد حضره في اليوم الأول من عقده وكلاء ٨١ جمعية ومندوبو ٢٢ صحيفة ورئيس البوليس ومستشار المسائل الأهلية والعربية للحكومة الهولندية وأنه عند افتتاح الجلسة بتلاوة آيات من القرآن المجيد قام جميع من حضر من الإفرنج وقوفًا مع المسلمين ماعدا اثنين من المتعصبين. ولعلنا نعود إلى هذه المسألة في جزء آخر بعد قراءة كل ما تنشره الجرائد الجاوية عنه.